رغم أن العلاقات المغربية الإسبانية عرفت في الآونة الأخيرة بعض التحولات الإيجابية، خاصة على المستوى السياسي، إلا أن الملاحظة الأساسية التي لا بد من الإشارة إليها، هي أن الحكومة الإسبانية لا زالت تمارس نوعا من النفاق المتغلف، اتجاه جارها الجنوبي، لدرجة بعث نوع من الشك والريبة بخصوص مصداقية جار إسباني مستعد للتضحية بمبدأ حسن الجوار للحفاظ على مصالحه الاستراتيجية. والحقيقة أن إسبانيا لم يمكن أن تتحول إلى شريك ذو مصداقية مادامت هناك كثير من الإشارات السلبية القادمة من شبه الجزيرة الإيبيرية والتي يمكن تلخيصها في مجموعة من النقط. فمباشرة بعد الانتخابات البلدية التي جرت في ماي الماضي والتي شهدت انتكاسة كبيرة للحزب الاشتراكي العمالي، لفائدة الحزب الشعبي، تحركت صقور المؤسسة العسكرية الإسبانية، خاصة الجناح الذي يقف ضد أي تعاون استراتيجي مع المغرب، والذي يضم على الخصوص قائدي البحرية الإسبانية الأميرال سانتياغو بينيرو بوليفار والأميرال بالومينو أولا، اللذان عارضا في وقت سابق صفقة بيع 10 صواريخ باتريوت البحرية للمغرب، وهو ما أشر على العودة إلى أزمة جزيرة ليلى المتنازع عليها بين الجانبين، حيث لم تخف المؤسسة العسكرية سعادتها وهي تعاين اكتساح الحزب الشعبي الذي يعارض أي تقارب بين مدريد والرباط، حيث أبدت المؤسسة العسكرية رغبتها في عودة الحزب الشعبي إلى الحكم خلال الانتخابات التشريعية المقررة في مارس 2012. وفي هذا السياق لم تخف المخابرات الإسبانية التي يرأسها ساينز رولدان المحسوب على رئيس الوزراء السابق خوصي ماريا أزنار، استعداده لإعادة هيكلة الجهاز الاستخباراتي حتى يتلاءم مع توجهات الحزب الشعبي المعروف بعدائه للمغرب، خصوصا ما يتعلق بملف الصحراء المغربية، وملف سبة ومليلية المحتلتين والجزر الجعفرية، وبصفة عامة إعادة النظر في التعاون المغربي الإسباني وفي جميع المجالات. فمباشرة بعد تعيين الجينرال ألفارو دو لابينا قائدا للجيش في مدينة مليلية شهر يوليوز الماضي، عبر القائد الجديد المعروف بشوفينيته، عن فخره بأن يصبح أحد سكان مدينة مليلية، المدينة المفتوحة والحديثة والمضيافة، والتي تعتبر شهر دولة إسبانيا، وقد عمل القائد الجديد على تقوية التركيبة البشرية العاملة معه، وتجهيز المنطقة العسكرية بنظام اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية وصواريخ من نوع "سبايك". هذا التحول في علاقة الجيش الإسباني بالمدينة السليبة، يؤكد التوجه العام للمؤسسة العسكرية التي تسعى إلى جعل المدينتين السليبتين جزءا لا يتجزأ من الأراٍضي الإسبانية. لقد نظم المسؤولون عن القيادة العامة للجيش الإسباني بمدينة مليلية خلال شهر ماي الماضي سلسلة اجتماعات سرية، كانت مخصصة أساسا لفتح النقاش حول الإستراتيجية التي سيتم اعتمادها، لمواجهة قرار المغرب بإنشاء محور طرقي بين بني نصار وفرخانة وإياسينن، وهو المشروع الذي وصفته السلطات بمدينة مليلية، بأنه خطة عسكرية مغربية. وفي هذا الإطار تم الإتفاق على دراسة الإمكانيات المتاحة من أجل إنشاء نظام دفاعي وهجومي جديد، وتمثلت المقترحات في بناء جدار عازل على طول حدود مليلية مع باقي التراب المغربي، مع تعزيزه بعتاد عسكري جد متطور، أما المقترح الثاني فتمثل في إحداث أجهزة مراقبة تحت أرضية تمكن من متابعة ما يجري خارج حدود مليلية، وثالثا تهيئة مساحات واسعة بإمكانها استيعاب عتاد عسكري وبطاريات صواريخ من نوع سبايك 2، ووضع منصات صواريخ من نوع ميستال تتوفر على رادار متحرك. وفي سياق تحرشاتها قامت وزارة الدفاع الإسبانية يومي 26 و27 أبريل الماضي بوضع علامات فوق جزيرتي ليلى ومار، كتبت عليها بالعربية "ممنوع المرور، أرض تابعة لوزارة الدفاع الإسبانية".