يعرف الفقر بأنه حالة من الحرمان المادي تتجلى في أشكال متعددة أهمها تناقص مستويات التغذية، وتدهور الحالة الصحية وتراجع المستوى التعليمي والوضع السكني، فالتدهور في عدم المساواة الاجتماعية يؤدى إلى زيادة الفقروالبطالة والامية بشكل كبير وهي من الآفات التي تعرقل أي تنمية حقيقية أو تقدم ملموس في أي بلد . فما هي نسبة الفقر في المغرب؟. في المغرب يعيش أكثرمن 28 في المئة من سكان المغرب في فقر مدقع حسب تقرير جديد لمعهد أوكسفورد ،وقد لقي هذا التقرير معارضة شديدة من قبل الدولة المغربية وانتقدت ما اسمته الاختلالات الصارخة في المعايير التي استندت اليها في اعداد هذا التقرير واعتبرتها اقل نجاعة من تلك المعتمدة مغربيا.
ولكن ليس هذه هي المرة الاولى التي ينتقد فيه المخزن التقاريرالدولية التي تعري واقع المغرب ،ففي السنة الماضية فقط اندلع جدل مماثل بعد نشر تقرير للتنمية البشرية الذي وضع المغرب في الرتبة 130 من بين 182 دولة في العالم . ويمكن القول أن الارقام والاحصاءلت التي تصدر من جهة الدولة مشكوك في مصداقيتها باعتبار أنها لا تعبر عن الواقع المغربي المزري في مختلف المجالات ،ونستدل بمثال يبرهن على تلاعب مسؤولي الدولة بالارقام ما صرح به مزوار وزير المالية والاقتصاد سنة 2008 بقوله أن نسبة مؤشرات الاقتصاد المغربي تبين أن تسجيل نسبة نمو ب6.8 في المائة،،بينما توقعات المندوبية السامية للتخطيط، التي يشرف عليها أحمد الحليمي النمو الاقتصادي تشير إلى أن الناتج الداخلي الخام سيعرف نموا بحجم قد لا يتعدى6.2 في المائة.
تتوالى التقارير الدولية الصادرة عن المغرب حول التنمية وكلها تضع البلاد في ديل الترتيب الدولي منها أوعلى المستوى العربي ،فهو يحتل المرتبة 12 من بين 14 دولة عربية، والأخيرة في دول منطقة المغرب بالنسبة للتعليم ،ويحتل المرتبة 127 عالميا في وضعية حقوق الانسان والمرتبة 108 بين الدول التي تستفحل فيها الرشوة...
ناهيك من انتشار البطالة التي وصلت معدلاتها في صفوف السكان النشطين الى 9.10 في هذه السنة ،وهكذا يحتاج المغرب الى 400 ألف وظيفة سنوياً على مدار 15 سنة قادمة لتفادي تهديد استقرار البلاد،. وارتفاع نسبة الامية بنسبة 50 % من المغاربة
وبلغة الارقام نجد كذلك عدد المغاربة الذين يقطنون مساكن شيدت في إطار السكن «العشوائي» أزيد من 4 ملايين نسمة، ضمن 450 ألف أسرة تقطن ب1250 حيا صفيحيا تمتد على مساحة 11000هكتار. ويصل عدد المساكن المهددة بالانهيار، أو الآيلة للسقوط، إلى أكثر من 90 ألفا، فسكان الكاريانات يعيشون حياة قاسية، حيث يحرمون من الاستفادة من أبسط المتطلبات الضرورية للحياة، كالتطبيب والتعليم والأمن...
أضف الى هذا كله الاف من الأطفال أصبحوا مشردون في الشوارع يعيشون حياة صعبة ،وأعداد كبيرة من المتسولين كبارا وصغارا يجوبون جل شوارع المدن المغربية للبحث عن لقمة العيش وأعداد هؤلاء في تزايد مستمريوما بعد يوم ، وتكمن جذورهذه المعضلة وغيرها في الفقر المدقع المتفشي في المجتمع .
ان هذه الوضعية المزرية والمستمرة في التأزم لواقع بلادنا جاءت رغم كل المبادرات الكثيرة التي أطلقتها الدولة المغربية كمبادرة التنمية البشرية ومبادرة المغرب الاخضر... والتي خصصت لها الملايير من الدراهم لكن لم تزد المغرب الا تاخرا وتراجعا أكثر من ذي قبل . فماهي اذن الاسباب التي جعلت المغرب يصل الى هذه الوضعية المزوية؟
إن النظام المخزني بصيغته الحالية وبمنهجيته السياسية هوالذي أوصل البلاد الى هذا النفق المسدود ،اذ أصبح يمثل عائقا أمام الديمقراطية والتنمية في البلاد، فأصل المشكل سياسي مرتبط بنظام الحكم المستبد وسياساته الانفرادية.
فانفراد الحاكم وأذياله بالثروة وجمعها بالطرق غير المشروعة على حساب ثروة الشعب يتسبب في اتساع رقعة الفقر والتهميش ،فالاسرة الحاكمة لوحدها تتصرف في أموال الشعب بما يزيد عن 20% من الناتج الداخلي الخام أي أكثر من خمس ثروة البلاد. فثروة الملك محمد السادس لوحده تقدر ب 2.5 مليار دولار وهو سابع أغنى ملوك العالم حسب ما جاء في مبادرة لمجلة فوربس الامريكية الصادرة في يوليوز من العام الجاري ، وبكلفة مصاريف قصوره الإثنى عشر تصل إلى مليون دولار يوميا، متقدما بذلك على عدد من سلاطين وأمراء "النفط" ومتقدما على ملكة بريطانيا وهولندا .
إن حكمنا يحرصون كل الحرص على خدمة مصالحهم ويعملون على جمع ثرواتهم بشكل فاحش، في الوقت الذي تخضع فيه الغالبية العظمي من الشعب للفقر المدقع والبطالة، فالسبب الأساس في فقر الأمم هو الظلم الذي يمارسه الحكام ضد شعوبهم وهو أولى أسباب فقر الدولة و فسادها وخراب عمرانها ، وهذا من أعظم أسباب انتقاضها وزوال ملكها .
قال ابن خلدون في مقدمته : " الظلم مخرب للعمران ، وعائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد والانتقاض". ويضيف " عليْنا أن ننزع الظلم عن النَّاس؛ كي لا تخْرب الأمصار وتكسد أسواق العمران، وتقفر الديار، خاصَّة وأنَّ الشَّارع أشار في غير موضع إلى تحريم الظلم". ونخلص من هذا الكلام لابن خلدون أن مصير الحكام الذين يضطهدون شعوبهم بحجج سياسية واقتصادية هوالانحطاط و الزوال. وأنه لايمكن الحديت عن تنمية اقتصادية حقيقية بدون عدالة اجتماعية ، لأن العدل أساس الملك.