تكتسي محاكمة ناصر الزفزافي، متزعم مجموعة ما يسمى حراك الريف، وإلى جانبه حميد المهداوي، مدير موقع بديل، طابعا مختلفا لأن لها شكلا مختلفا عن الجوهر تماما. فبالنظر إلى شكلها واللغط المحيط بها تبدو محاكمة سياسية، لأن المعتقلين ومن يساندهم يرفعون صوتا سياسيا يخلط الأوراق، بينما في جوهرها هي محاكمة جنائية بالنظر للأفعال المرتكبة من قبل المحكومين أمس وأول أمس. لا ينكر أحد أن المعتقلين هم جملة ممن كانوا يخرجون في مسيرات شعبية لرفع مطالب اجتماعية، وهي المطالب التي لا ينفي أحد صدقيتها، بل تفاعلت معها الحكومة بشكل جدي وبأمر من جلالة الملك محمد السادس تم فتح تحقيق في توقف بعض المشاريع، لكن من كان يدير المسرحية خلف الستار أصر على ألا يكون هناك حل للأزمة، فأوعز إلى أصحاب الحراك برفض الحوار. استمر محركو المسيرات والوقفات في تحريض المواطنين على الخروج وعدم الالتفات إلى مقترحات الحكومة، تم تحول الحراك إلى فوضى عارمة، حيث لم يعد الواقفون وراءه يقتنعون بالمسيرات السلمية بل تحولوا إلى افتعال الأزمة وممارسة الاستفزاز في حق المؤسسات، بل تجاوزت أفعالهم المنطق حيث أقدم الزفزافي ومن معه على منع شعيرة الجمعة الدينية، الشيء الذي لم يحدث في تاريخ المغرب منذ دخول الإسلام هذه الأرض. وانتقل بعدها المحتجون بقيادة المحكومين نحو ممارسات عنيفة، إذ تمت مهاجمة القوات العمومية، وأبدع المحتجون ما يسمى الرشق بالحجارة، حيث أصيب عدد منهم بإصابات خطيرة تسببت لبعضهم في عاهات مستديمة أقعدتهم عن العمل، كما قاموا بتخريب الممتلكات العامة والخاصة وإحراق السيارات في الشارع العام ومن بينها سيارات الشرطة وسيارات المصلحة والبنايات العمومية والمؤسسات. في المنطق لا يمكن غض الطرف عن ممارسات من هذا النوع فهي أفعال جنائية واضحة، ولا يمكن تبريرها تحت أي عنوان مهما كان، وبالتالي فإن مرتكبيها يستحقون الصفة الإجرامية ولا يشفع لهم قيادتهم للمسيرات الاحتجاجية. مثلا لو أن زعيما سياسيا معارضا تم ضبطه بكميات من الحشيش أو كميات من الأموال المهربة، فهل تتعامل معه المحكمة على أساس أنه مواطن مغربي ارتبك جرائم محددة أم تتعامل معه على أنه رجل سياسة؟ وفي قضية حميد المهداوي، الذي كان مديرا لموقع بديل. لم يتم اعتقاله وهو يمارس تغطية الاحتجاجات بل تم اعتقاله وهو يقوم بتحريض المواطنين على الفوضى والتخريب، وهي القضية المحكوم فيها بسنة سجنا نافذا، والقضية الثانية تتعلق بالتستر على جريمة ممكنة الحدوث بالمغرب، حيث تلقى مكالمة هاتفية مشبوهة تخبره، وهو المتورط في أحداث الريف حتى أخمص قدميه، بأنه سيتم إدخال أسلحة إلى المغرب، مما كان يقتضي منه ويلزمه بإخبار السلطات المعنية لكنه تستر عن ذلك. هكذا أريد للمحاكمة، سواء موصولة أو مفصولة، أن تكون سياسية، لكن الجرائم المرتكبة على أرض الواقع فندت كل الأطروحات التي سعت لمتنح المعتقلين صفة المعتقل السياسي بدل صفة معتقل الحق العام.