ندد المشاركون في ندوة نظمت، أول أمس الأربعاء بالعاصمة الأرجنتينية بوينوس أيريس، بمتاجرة قادة البوليساريو والسلطات الجزائرية بمعاناة المحتجزين بمخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر، من خلال الاختلاس الممنهج للمساعدات الانسانية التي تخصصها المنظمات الدولية لهؤلاء المحتجزين. وفي كلمة له خلال ندوة نظمت بالمعهد الجامعي "إسيادي" ببوينوس أيريس حول موضوع "وضعية اللاجئين بالمغرب العربي ومشكلة المساعدات الإنسانية"، اعتبر الأكاديمي الأرجنتيني، أدالبيرتو كارلوس أغوزينو، المتخصص في العلوم السياسية أن التقرير الصادر عن المكتب الأوروبي لمكافحة الغش مطلع السنة الجارية فضح بشكل مدو استغلال قادة البوليساريو المدعومين من كبار المسؤولين الجزائريين لمعاناة محتجزي مخيمات تندوف، والاستيلاء على المساعدات الانسانية التي يرسلها الاتحاد الأوروبي إلى هذه المخيمات.
وأضاف الأكاديمي الأرجنتيني، الأستاذ بجامعة جون إف. كينيدي ببوينوس أيرس، أن التقرير كشف أنه بميناء وهرانالجزائري تتم عمليات فرز المساعدات التي ستصل إلى المخيمات من تلك التي ستوجه للتهريب، مسجلا، استنادا إلى التقرير ذاته، أن المدة الزمنية لقطع المسافة بين وهران وتندوف، والتي تقدر بحوالي خمسة أيام، يتم قطعها في ظرف 48 يوما ليتم بيع جزء من هذه المساعدات في الطريق قبل الوصول إلى تندوف.
ولفت الأكاديمي الأرجنتيني الانتباه إلى أن قادة البوليساريو لا يقيمون في المخيمات حتى يتذوقوا مرارة العيش في ظروف هي أقرب إلى جحيم حقيقي بل يستمتعون بعيش رغد في المدن الجزائرية أو يقضون أوقاتهم في التنقل بين نيويورك وبروكسيل حيث يقدمون أنفسهم على أنهم دبلوماسيون لكيان يتوهمون وجوده، مشيرا إلى أن قادة البوليساريو يستغلون تعاطف بعض الدول التي تجهل حقيقتهم ويوهمونها بأنهم مدافعون عن الحق في تقرير المصير، بينما هم في الواقع مرتزقة يعملون على استمرار النزاع المفتعل لجني مزيد من الأرباح وتحقيق الاغتناء الفاحش من خلال امتلاك أراضي وفيلات في مدن جنوب إسبانيا وجزر الكناري.
ومن أجل الاستفادة بشكل أكبر من المساعدات الانسانية، يوضح الخبير الأرجنتيني، الذي سبق أن صدر له مؤلف تحت عنوان "جيوسياسة الصحراء والساحل"، أن البوليساريو والجزائر تبالغان في تقدير أعداد الساكنة المحتجزة في تندوف، وذلك على الرغم من الدعوات المتكررة الصادرة من الهيئات الأممية من أجل إجراء إحصاء دقيق لهذه الساكنة، داعيا في هذا الصدد السلطات الجزائرية والبوليساريو إلى التحلي بالشجاعة وفتح المخيمات أمام المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر.
وقال إن وجاهة المقترح المغربي القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا ليست موضع شك ولكن الطرف الآخر الممثل في جبهة البوليساريو لا تناسبه أي مبادرة تأتي بحل لهذا النزاع لأن وجوده كحركة انفصالية رهين باستمرار النزاع، موضحا أن القبول بمقترح الحكم الذاتي سيحرم قادة هذا الكيان من المساعدات الانسانية التي دأبوا على تحويلها لفائدتهم.
وأشار إلى أن الجزائر، باعتبارها طرفا في النزاع، عليها أن تعطي أجوبة بهذا الخصوص، مع العمل على الوقف الفوري لاختلاس المساعدات الإنسانية واتخاذ الاجراءات اللازمة لمعاقبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء في حق محتجزي مخيمات تندوف، متوقعا أن المشكل سيستمر "إذ لا يتصور أن يقبل المستفيدون من الوضع الاستغناء عن تجارة مربحة تدر عليهم ملايين الدولارات وتغذي شبكات التهريب والإجرام في المنطقة".
كما توقف أغوزينو في مداخلته عند الظروف المأساوية التي تعيشها ساكنة المخيمات بسبب انتشار الأمراض وسوء التغذية وانعدام فرص الشغل والحرمان من الولوج إلى التربية والتعليم، ملاحظا أن مخيمات تندوف أصبحت بمثابة سجن كبير لا يمكن مغادرته إلا بترخيص مسبق، وأنه حتى في الحالات الاستثنائية والنادرة التي يتم فيها الترخيص بذلك يعمد البوليسايو إلى احتجاز أفراد أسرة الشخص الحاصل على الترخيص كرهائن لإرغامه على العودة وضمان عدم إدلائه بتصريحات تفضح الواقع البئيس بالمخيمات.
وفي مقابل الصورة القاتمة التي يعيشها المحتجزون ضدا على رغبتهم بمخيمات تندوف، قدم الباحث الأرجنتيني باوبلو ثاردييني، من جانبه، عرضا عن مختلف المشاريع التنموية التي أنجزتها المملكة خلال السنوات الأخيرة لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية، مشيرا في هذ السياق إلى ما تم تحقيقه بهذه الأقاليم من مشاريع في مجال البنيات التحتية، ولاسيما في قطاعات الماء والطاقة الكهربائية والطرق وشبكة الاتصالات.
وأضاف ثارديني، الذي يشغل منصب مدير مؤسسة استشارية في الشؤون المالية والتعاون الدولي، أن الأمر يتعلق باستثمارات ضخمة أحدثت تحولا كبيرا بالأقاليم الجنوبية للمملكة وجعلتها لا تقل تنمية وازدهارا عن باقي الأقاليم المغربية الأخرى، موضحا أن المشاريع التي تم إطلاقها في المجال الاجتماعي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، خاصة في قطاع التعليم والتربية وإدماج الشباب تتماشى ومعايير قياس التنمية المعتمدة من قبل الأممالمتحدة.
وأوضح أن انتشار ملاعب كرة القدم ودور الشباب والمدارس والكليات والمكتبات في الأقاليم الجنوبية دليل واضح على أن الحكومة المغربية جعلت من هذه الأقاليم الجنوبية نموذجا لمشاريع التنمية المستدامة التي تسمح للشباب بتحقيق طموحاتهم، مشيرا إلى أن المملكة استطاعت أن تكسب رهان التنمية في الأقاليم الجنوبية.
ومن جهته، أكد سفير المغرب بالأرجنتين، السيد فؤاد يزوغ أن المملكة، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، اختارت أن تباشر بكل شجاعة، رغم وجودها في محيط إقليمي يعيش تحولات عميقة، إصلاحات كبرى في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أن المغرب له خصوصيته التي تميزه عن باقي البلدان والمستندة إلى الشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية التي تعود إلى مئات السنين، مما أهله ليبقى بمنأى عن الإضطرابات التي تعيشها دول المنطقة.
وفي معرض حديثه عن النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، ذكر السيد فؤاد يزوغ بأن المغرب، ومن أجل طي هذا المشكل الذي عمر لنحو 40 عاما، قدم مقترح الحكم الذاتي، الذي وصفته المجموعة الدولية بكونه "جديا وذا مصداقية"، مشيرا إلى أن الأطراف الأخرى لم تبد تجاوبا وظلت رهينة مواقف عفا عنها الزمن.