توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى إدريس الأزهر بمناسبة حفل ختان صاحبي السمو الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام    روبيو يجدد تأكيد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ويؤكد "قوة" الشراكة بين الرباط وواشنطن    الفاطمي يسأل وزير الفلاحة حول تضارب الأرقام وصمت الوزارة حول لائحة مستوردي الأغنام المستفيدين من الدعم الحكومي    جوني تو: تأثير السينما يلامس المجتمع.. والجنوب يحتاج "توافقا ثقافيا"    المعارضة تطالب بلجنة لتقصي الحقائق حول فضيحة استيراد المواشي… وأغلبية أخنوش ترد بمهمة استطلاعية لا تُحال على القضاء! فما الفرق بينهما؟    إقليم الفحص-أنجرة: الموافقة على تحديد مدارات 56 دوارا على مساحة تفوق 1700 هكتار    "جباروت DZ" ترد على بلاغ CNSS بنشر معطيات قالت إنها تخص المدير العام حسن بوبريك    بوريطة يعقد بواشنطن سلسلة لقاءات حول تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    المجلس الفرنسي للديانة المسيحية يشيد بالتصريحات التي أدلى بها الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن الوضع في غزة    سيدي إفني : أين هي سيارات الإسعاف؟ حادثة بجماعة سيدي مبارك تفضح المسكوت عنه.    نهضة بركان إلى نصف نهائي الكونفدرالية على حساب أسيك ميموزا        في خطوة تصعيدية فورية.. ترامب يرفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 125%    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمكتب الوطني للسياحة يوقعان اتفاقية "المغرب أرض كرة القدم"    لقجع: تنظيم كأس العالم يعزز التنمية    توقيف أربعة أشخاص بعد انتشار فيديو يظهر تبادلاً للعنف داخل مقهى    الطقس غداً الخميس.. تساقطات مطرية ورياح قوية مرتقبة    نتيجة كبيرة لبرشلونة أمام دورتموند في دوري الأبطال    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    المغاربة ينتظرون انخفاض أسعار المحروقات وسط تراجع النفط عالميا    العواصف تُلغي رحلات بحرية بين طنجة وطريفة    منع جماهير اتحاد طنجة من حضور ديربي الشمال بتطوان    الدكتورة نعيمة الواجيدي تناقش أطروحة الدكتوراه للباحثة ثروية أسعدي    جيد يقود الطاقم التحكيمي للديربي    أمريكا وسيادة المغرب على الصحراء: الانتقال من التزام خاص إلى اعتماده خُطةَ عمل دولية في الملف !    النظام الجزائري وفرنسا.. وعقدة المغرب    مكناس.. البواري يزور ورش تهيئة موقع الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    موقع الشباب في السياسات الثقافية: قراءة في التحولات والحصيلة    تقرير: المغرب مُهدد بفوات قطار الذكاء الاصطناعي بسبب غياب النصوص التشريعية    في قلب العاصفة: قراءة في ديناميكيات إقليمية متصاعدة وتداعياتها    أخبار الساحة    الدولار يتراجع 1,14 بالمائة أمام اليورو    تأكيد الولايات المتحدة لمغربية الصحراء يثير تفاعلا واسعا في الإعلام الدولي    اكتشاف حصري لبقايا مستعر أعظم جديد ي عرف باسم "سكايلا" بأكايمدن    المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان تطلق برنامج "نقلة" لتكوين المكونين في مجال الحق في بيئة سليمة    بعد 30 سنة من العطاء.. الدوزي يشارك تجربته الفنية بجامعة هارفارد    أحزاب المعارضة تطالب بجلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    أجواء سيئة تغلق الميناء في بوجدور    الجديدة جريمة قتل إثر شجار بين بائعين متجولين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    المنتخب الوطني المغربي سيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بول بولز في سيرته... عودة إلى طنجة الحلم
نشر في طنجة 24 يوم 16 - 07 - 2014

الجريدة : بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و"السماء الواقية"


بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf
بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.