حين اندلقت بالصدور، الأعمال الروائية الأربعة للكاتب الأمريكي «بول بولز»، مضمومة في كتاب، دبج الناقد الفرنسي «كلود أرنود» في «ماغازين ليتيرير - أنظر: "www.magazine مقالا مغموسا في سلاف من العلقم اللاذع حول بولز، لايخلو من أحكام أخلاقية بائدة، لكنه في ذات الآن يُبَرْوِزُ في إطار الضوء، بعض الزوايا السرية التي لم تقربها الكثير من الكتابات الافتتانية بشخصية هذا المؤلف الموسيقي والأدبي التي أحرقت ميعة عمرها حد التلاشي رماداً في طنجة. منذ البدء نقرأ في هذا المقال الحرّيف؛ أربعون عاماً بعد «غوغان والماركيزات» وثلاثون عاماً بعد «جيد وتونس»، ليأتي الكاتب الأمريكي «بول بولز» كي يكون آخر الغربيين الذي يُطرح حوله السؤال: تراه كان يبحث عن الفقدان أو الانوجاد برحلته إلى طنجة عام 1930؟ لقد دفعت قوة لاتقاوم، الشاب النيويوركي للمضي إلى أبعد من نفسه ذاتها؛ وربما تلكم القوة هي التي ستمنح التغيير لهذا الموسيقي في الأدب؛ فهو رغم نزواته الخاصة المتشظية حد الشذوذ، لم يفصم عرى الاتصال بزوجته «جان - Jane» الكاتبة أيضاً. إن مجرد إلقاء نظرة على رواياته الأربع المعروفة، التي أعيد طبعها في رباعية، يبرز أن ذات مبدأ الهروب يستثير شخوصها؛ فهم غير مرتبطين وجدانيا أوجغرافيا، ويسرون كالريح والرمل أو الموسيقى؛ يحلمون، ينتظرون، ويأملون أحياناً، دون أن يكونوا مخدوعين؛ لقد وصلت تلكم الشخوص متأخرة إلى إفريقيا، لتؤمن بيوتو بيا ما؛ فبعد أن تم مسخ الطبيعة والناس بإشهارات من أجل كوكاكولا، شرع النظام الكولونيالي ذاته، في بعث إشارات الوهن؛ وإذ نمعن الاستقراء في مذكرات هذا المستهيم في ترحّله الإبداعي، نجد أن بولز لم يكن مجرد مستشرق مصقول، بل هو أيضا نفَّاج ابتغى الهروب بأي ثمن من الطبقة الوسطى؛ وذلك من أعلى، من خلال صداقاته المداهنة في الغرب، من كوكتو إلى كابو؛ كما من أسفل، في المغرب، حيث المومسات الضريرات، والحواة، الذين يؤكدون له بؤسه، وفي ذات الآن، علو شأنه؛ بل يمكن أيضا أن نرتاب في هذا الأمريكي، كونه يريد على طريقة هنري جيمس، أن يعيد التجذر بالمقلوب، بعيش حياة «انجليزية» في طنجة. إن بولز شكوكي يؤمن بالسحر، بينما الرواية، أداة أثيرة للواقعي؛ ذلك أن الخيانة والسرقة، لدى بولز، تليان قريبا السحر (انظر رواية «شاي في الصحراء»)؛ فالشخوص الروائية لبولز، قساة، محقّرون، أو عقلانيون بشكل ضيق، وهم من البيض الذين ضاعوا في رمال ثقافة مبهمة، وتميَّعوا تحت الشمس، آيلين إلى مجهول مشيمياتهم؛ إن هذا الثالوث (الرحيل، النسوكية، والفشل) يضاعف من بولز، ويسم أعماله الكاملة في الصحراء، بجدلية تصنع من أحد شخوص الرواية، عبدا، ومن الآخر سيدا، وهكذا دواليك؛ إن بول بولز أكثر حرية في القصة القصيرة منه في آلاته الروائية؛ وهو يمنح إراديا، المكانة الأولى للشخوص العربية، وأحيانا يتأرجح كليا في عالمهم، خصوصا حين أعار قلمه لرواة مثل المرابط أو شكري؛ بهكذا ديدن يعثر الموسيقي من جديد على الكاتب من أجل «تسجيل» أنشوداته القادمة من أعماق العصور...