بعد انطلاق شرارة التغيير في بعض بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تبقى الدول التي لم تعصف بأنظمتها السياسية رياح التغيير بعد في لائحة الانتظار، عرفت بعض المصطلحات والمفاهيم والبراديغمات السياسية بروزا كبيرا في خطابات وتحليلات وكتابات النخب وبعض الفئات التي تصنف نفسها ضمن الإنتلجنسيا المجتمعية والإعلامية، حيث يكفي إطلاعك على إحدى وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية وحتى المسموعة لكي تشنف سمعك بوابل من الثورة والتغيير والديمقراطية... وقد كان لمفهوم العصيان المدني حظه من هذا الابتهال الإعلامي والتحليلي سواء قبل هروب ديكتاتور تونس أو مع تنحي آخر فراعنة مصر وحتى إعدام مجنون ليبيا، والحبل على الجرار في اليمن وسوريا وأقطار أخرى في قاعة الاحتضار وليس الانتظار إذا كان العصيان المدني من أرقى الأساليب الاحتجاجية التي يمكن أن يختارها الشعب للتعبير عن الرفض والاحتقان والحاجة المستعجلة للتغيير نحو الأفضل، ويكون بدعوة عامة من طرف مختلف القوى الحية داخل المجتمع سياسية كانت أو نقابية أو حقوقية أو حتى شخصيات عامة لها وزن معتبر لدى الجمهور، ويكون الهدف من هذه الدعوة إحداث حالة من الشلل العام في مرافق الدولة وأنشطتها بطرق سلمية وحضارية وغالبا ما تتخذ شكل إضرابات وإعتصامات... مما يدفع بالصراع السياسي داخل الدولة نحو عنق الزجاجة، بمعنى استجابة النظام السياسي لمطالب التغيير أو الجنوح لتعنيف المحتجين المسالمين في حالة ما إذا كان النظام السياسي ذو طابع دموي، اللهم تدخل مؤسسة الجيش لحسم الموقف. فالعصيان المدني بحمولته الاحتجاجية ذو بعد سياسي باعتباره تحد ومعارضة مباشرة للسلطة السياسية القائمة، لا يتصور أن يكتب له نجاح دون إسناد ودعم قويين من طرف مجتمع مدني محترف وفعال يلعب دورا موازيا لمجتمع سياسي داخل الدولة سواء بممارسة الرقابة الأخلاقية على عمل السلطة السياسية أو المساهمة في تنمية المجتمع والرقي به. هذا الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بشبه استحالة نجاح أي عصيان مدني إذا لم يكن هناك هيئات ومؤسسات مدنية تتمتع بقدر وافر من التأثير في المجتمع والقدرة على صناعة الرأي العام داخله. فالمجتمع المدني من المفاهيم التي أثارت الكثير من الجدل خصوصا في الفكر الماركسي الذي حاول أن يضفي على هذا المفهوم بعدا ثوريا أكثر مما هو فلسفي، حيث يتحول المجتمع المدني إلى فضاء للتدافع والصراع حول المصالح والنفوذ بين مختلف طبقات المجتمع. أما في بلدنا الحبيب المغرب فقد فوجئ الكثير من المتتبعين بإلحاق المجتمع المدني بإحدى الوزارات التقنية ذات الوظائف التنسيقية في الحكومة الجديدة، وقد كانت المفاجئة أكبر من خلال تصريح السيد الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني من خلال دعوته لمختلف فعاليات المجتمع المدني للقيام بعصيان مدني ضد الفساد، هذه الدعوة التي يمكن أن تلقى الكثير من الترحيب من طرف فعاليات المجتمع المدني بالمغرب خصوصا من طرف المؤسسات الجمعوية المحسوبة أو التي تتمتع بعلاقات مع حزب الوزير. لكننا نعتبر بأنه في حالة ما إذا استطاعت الحكومة الجديدة إحراز بعض النقاط فيما يخص محاربة بعض الفساد وجيوبه ، فإنه لن يكون للمجتمع المدني الدور المطلوب الذي يرجوه السيد الوزير وظن به خيرا، وذلك لعدة أسباب واعتبارات نذكر منها: جنينية المجتمع المدني المغربي بحيث لم يتعدى بعد مرحلة التبلور والاكتمال. المجتمع المدني المغربي مجتمع هاوي ولم يصل بعد لمستوى الاحتراف. المجتمع المدني المغربي لا يزال يعمل وفق منطق التطوع والمجانية مما ينعكس على جودة مشاريعه وأعماله. اختراق المجتمع المدني المغربي من طرف السلطة واعتباره مجالا لصناعة النخب والأعيان الموالية للسلطة. منطق الاستغلال السياسي والتسخير الانتخابي الذي تتعامل به الأحزاب السياسية مع فعاليات وهيئات المجتمع المدني المغربي. هذا دون أن ننسى غلبة الطابع الخيري والإحساني على الجمعيات واستغلالها لأغراض تجارية في بعض الأحيان. ومن أجل هذا وذاك نخلص إلى أنه لا يمكننا أن نرجوا من المجتمع المدني الكثير في سبيل تحقيق الإصلاح والتغيير المنشودين بله العصيان المدني ، قبل أن يصبح المجتمع المدني فضاءا للنقاش الموسع والحوار المتبادل بين مختلف الأطراف ولعب دور الوسيط بين الشعب والسلطة، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بتمتع هيئات المجتمع المدني بنوع من الاستقلالية والاحتراف.