هل تحول حزب العدالة والتنمية إلى أحزاب وتيارات؟ واحد مع الحكومة وآخر ينتظر الثورة وثالث يدعو للخروج مع 20 فبراير ورابع يحذر من حركة الشعب إذا لم يذعن الجميع إليه. أما آخر ابداعات الحزب الذي يترأس اليوم الحكومة هو التصريح الذي أدلى به القيادي في الحزب، الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الذي دعا إلى العصيان المدني ضد الفساد. لقد أخطأ الذين وضعوا التصور الأول لهندسة الحكومة وكان عليهم تسمية الوزارة المذكورة بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان وتحريض المجتمع المدني. فهل الشوباني رجل سياسة ووزير أم شيء آخر. فرجل السياسة يعرف دلالات المفهوم وتأثيره على المتلقي وأن هذه الدعوة الموجهة عبر وسيلة إعلام يشاهدها كثير من المواطنين قد تكون كارثية ولن تفيد فيها قفشات بنكيران. فالوزير الشوباني استمرأ اللقب الذي ألف الأخوات في البرلمان المناداة عليه به، ألا وهو المشاغب، وهو الذي قال ذات مرة، سنذهب بعيدا في محاربة الفساد. ومفهوم الفساد مفهوم مطاطي وقابل لتأويلات كثيرة. فهل يعي الشوباني كيف سيفكر المواطن المدعو للعصيان في معنى الفساد ومدلولاته وكيف سيخرج ومتى وبأية طريقة؟ وهل يعرف الشوباني أن أي عصيان يكون ضد الحكومة التي تدبر شأنه اليومي ولها علاقة بالفواتير؟ أليس زميله بوليف هو من هدد برفع فواتير الكهرباء عبر إلغاء دعم المكتب الوطني للكهرباء بالفيول المنتج للكهرباء؟ إذا خرج العصاة فضد من؟ أنتم في الحكومة ولن يخرج أحد إلا ضدكم؟ ففي الأمر مسألتان، إما أن الشوباني لا يعرف دقة المفاهيم ومدى تأثيرها في المتلقي وإما أن الحزب لا يهمه البلد برمته وليحترق ويذهب إلى الجحيم. العصيان المدني هو عصيان للقوانين إذا كانت جائرة. وكان على الشوباني إذا رأى جورا في القوانين أن يعيد إنتاجها ما دام يمتلك أغلبية في مجلس النواب بدل أن يدعو للعصيان. ولم يعرف المغرب في تاريخه العصيان سوى مرة واحدة يوم أعلنت السلطات الفرنسية الظهير البربري الذي كان يهدف إلى التفريق بين العرب والأمازيع، فخرج المغاربة قاطبة لقراءة اللطيف وأغلقوا المحلات التجارية وعطلوا الحياة العامة. وبعدها لم يعرف المغرب سوى حالات الإضراب العام. ويبدو أن الشوباني وحزبه وإخوانه ليس في وارد علمهم شيء يسمى تدقيق المفاهيم. وأن المفاهيم ليست أدوات للتعبير ولكن وسائل للتحليل. هل يعرف الشوباني أن العصيان المدني هو رفض الموظفين للذهاب إلى دوائر الدولة، وأفراد الشعب إلى المدارس والجامعات والمصانع والمعاهد، مع إغلاق كل الأسواق والمحلات التجارية. ومثل أن يخرج "العاصون" رجالا ونساءا للجلوس في الشوارع الكبرى، وعلى أرصفتها، وفي وسطها. أليس في ذلك تعطيل للحياة العامة التي ما انتخب الشعب العدالة والتنمية إلا ليزيد من حراكها لا أن يوقفها؟ وفي تاريخ البشرية هناك حالات منفردة للعصيان المدني كعصيان الشعب السوري الذي دام 60 يوما سنة 1936 ودعوة غاندي للعصيان المدني واستجابة الشعب قصد إنهاء الاحتلال البريطاني واستقلال الهند. كما نجحت دعوة المواطن الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ، للقيام بالاعتصام المدني السلمي في سبيل الحقوق المدنية للمساواة بين المواطنين البيض والسود. هذا الواقع والتاريخ يفيدان أن دعوة الشوباني للعصيان المدني نشوة إنشائية لا يعرف خطورتها التي يمكن أن تأتي على الحكومة أولا وعلى حزب العدالة والتنمية في يوم لا تنفع فيه شعبوية ولا قفشات بنكيران ونكته.