خلال أيام شهر رمضان، تعيد جريدة طنجة 24 الإلكترونية، نشر أجزاء العمل الأدبي المتميز "صدى الذكريات - نشيد الفقد" ، للكاتب الطنجاوي بوسف شبعة حضري، على شكل حلقات -1- الذكريات شبيهة بالمستحثات لا تموت. تقاوم مزاج الطبيعة. تبقى ضاربة في قعر النفس تستنشق ما اختزنته الأيام. هي كالنخلة شامخة في الوجدان. ولو كان لتاريخ المرء أوتاد لكانت هي الذكريات. لا تمحوها رياح الأيام ولا النوائب ولا الأفراح ولا الموت ولا الحياة، ولا الأعياد ولا رؤوس السنوات ولا نهاياتها. هي رأس مال الإنسان غنيا كان أم فقيرا ملكا كان أو من الرعية. لن أنسى ذلك اليوم بعد الظهيرة، ذهبت فيه إلى المدرسة، كنت في الصف الثالث من التعليم الابتدائي. جلست في الطاولة الأولى من الصف الثالث من الجهة اليمنى. مر الوقت بطيئا. بعد انتهاء الدرس، بقيت أنتظر متى يرن الجرس لألتحق رفقة زملائي بحينا ليعانق كل منا أسرته. ولكن القدر كان له رأي آخر. القدر لا يحابي شخصا، هو شبيه بميزان العدالة الأعمى، أو بشكل أدق شبيه بأسنان المشط . يضع الجميع بدون استثناء في نفس المستوى أمام الموت. دق الجرس، خرجنا من المدرسة لم أدر كيف وصلنا إلى حينا. لم ألتفت يمنة أو يسرة. كان ذلك قبل عشرين سنة، طرت على وجه السرعة إلى البيت، فوجدت أن الأقدار قد غيرت من طبيعتها المألوفة. وجدتني أمام وضع يفرض علي أن أعي مفاهيم لم تكن تخطر على بالي، سأكون مضطرا لفهمها في سني آنذاك. لقد كان لي موعد مع الموت ‼ عدت في الموعد، وعاد هو أيضا بتزامن مع عودتي من المدرسة. لقد احترم الوقت وهو جثة هامدة. لم يكن السؤال عن موضع الروح ذا جدوى. أوهموني بأنه سافر أو بالأحرى انتقل بروحه إلى الجنة تاركا لنا جسده أمانة في عنقنا لنضعه من حيث أتى أول الأمر. ذلك أنه جاء من التراب كما جئنا نحن جميعا. هكذا قيل لي. لم يستوعب عقلي الصغير هذا الكلام. لقد قيل لي أيضا أنه سافر وإلى الأبد والمسافر في هذه الحالة لا يعود أبدا.