أنتظر منذ الصبا أن أجد نفسي ولو مرة في إعلام بلدي، يحكي همومي ويتألم لآلامي، يتحدث بلساني ويصف كما هي حالي. لازال صدى النشرة المسائية للقناة الأولى المغربية ليوم 12 أبريل 2007 يتردد في مسامع ومخيال العديدين من أبناء جماعة إيمي نتليت ، ففي تلك النشرة تمت تغطية الزيارة الملكية للجماعة ، واجتهد المذيع في ذكر أرقام ضخمة جدا تمثل أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالجماعة ينذر أن تجد لها في الواقع اثرا. فبينما كان أبناء دواوير جماعة إيمي نتليت ، المبتلاة بسوء التسيير ومالها بالتبديد والتبذير من قبل رئيس مجلسها ومختلف مصممي أساليبه وطرقه في الاختلاس ، يعيشون حياتهم البسيطة كما فعل أجدادهم ، كان الإعلام العمومي يعدد أرقاما وإنجازات لو كتب لها أن تتحقق على الأرض لأضحت إيمي نتليت جنانا ... فمن أجل تأثيث الفضاء وتزيينه ، استقدمت قطعان الماعز وعجول وأشياء أخرى كثيرة من المناطق المجاورة ، وجهزت قاعة العلاج الوحيدة البئيسة بالقرية وزودت بمختلف الأطقم والتجهيزات بل أضحت بين عشية وضحاها تتوفر على قسم للتوليد ، وطليت جدران القرية البئيسة ونمقت جنبات طريقها ، وتفنن المسؤولون وشركاؤهم من مختلف المتدخلين المتنفعين معهم محليا وإقليميا في إتقان إخراج المسرحية ... انتهت الزيارة الملكية ، عاد السكان إلى دواويرهم دون فهم ما جرى ، وشحن ملاكو الديكور ممتلكاتهم على متن شاحناتهم وسياراتهم ، وعاد الممثلون إلى مواقعهم الأصلية ، وفي بضع ساعات تحولت إيمي نتليت المركز إلى خلاء إلا من بضع متسكعين وكلاب ضالة وفية لجنبات حيطانها ، واختفت كل مظاهر الاحتفال والبهرجة ، وأكملت التلفزة المغربية الحكاية مساء ، فشنفت أسماع سكان الجماعة المغلوبون على أمرهم بأرقام مهولة لم تعرف طريقها إلى قريتهم ، وشاهدوا لأول مرة عجولا سمينة وقطعان ماعز استقدمت من حظائر أذناب المخزن المحلي وقدمت على أنها تربى وتسمن من قبلهم وبين ظهرانيهم وأنها قدمت لهم في إطار المشاريع المدرة للدخل ضمن البرنامج الإقليمي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، واطلع فقراء القرية الهشة بامتياز على أرقام ومشاريع ضخمة لا وجود لها إلا على ورق المسؤولين . مرت خمس سنوات على ذلك التاريخ ، سكان الجماعة لازالوا يستقون الماء من آبارهم التي حفروها بسواعدهم كما فعل آباؤهم الأولون ، يتنقل أبناؤهم إلى حجرات دراسية متهالكة لكيلومترات سيرا على الأقدام ، يصلون إلى سوقهم الأسبوعي على ظهور دوابهم في غياب طريق معبدة ،يتنقلون لشحن بطائق عداداتهم الكهربائية أزيد من خمسين كيلومترا ، ينقلون مرضاهم وحواملهم عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام ، وما حكاية أطفال احترقوا ذات شتاء من سنة 2010 إلا البسيط من النماذج . فذات ليلة من ليالي 2010 الشديدة الإمطار ، وبينما كان محمد يحاول استبدال قنينة الغاز الصغيرة على ضوء الشمعة ، اشتعلت النيران وامتدت إلى قطع البلاستيك التي يحتمي بها من مياه المطر التي أبت إلا أن تتسرب من سقف كوخه المتهالك كأكواخ جيرانه بدوار إدوسليمان بالجماعة ، احترق ثلاثة أطفال تشهد إلى اليوم حالتهم على ما عانوه وذويهم من فواجع ... بعد محاولات اتصال كثيرة بالمسؤولين الذين يوجد مقدم فرقة إداوخلف أقربهم على بعد كيلومترات من بيتهم ، وتحت وابل المطر ، ومن هاتف لهاتف ، أخيرا تنقل إلى الدوار خليفة القائد بجماعة إيمي نتليت ، قائد سرية الدرك الملكي بسميمو ، تركوا سياراتهم حيث انتهت الطريق المعبدة وبدأت المعاناة ، أوحال ومسلك تحول إلى واد ، من أين ستمر سيارة الإسعاف المستقدمة من بعيد لنقل ثلاثة أطفال تفاوتت حروقهم ؟ حملوا يا للفاجعة في الأغطية ثلاثة كيلومترات من قبل المسؤولين قبل أن تستطيع سيارة الإسعاف نقلهم ...إنها حقا ثمار البرنامج الإقليمي للتنمية البشرية ، حاربوا فقرنا وأوقفوا هشاشة منطقتنا . أذكر كل هذا وغيره كثير ، ونحن نحتفل قبل أيام بالذكرى السابعة لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،سردت علينا تلفزتنا ارقاما أخرى ، لم تتوقف اسئلتنا عن مصير كل تلك الأموال ونحن على حالنا لا نزال : نفس البئر ، نفس المسلك ، نفس قاعة العلاج ، نفس قاعة الدرس منذ عقود ، نفس مستوى العيش واعتماد كلي على ذواتنا ،نفس سحنات لفحتها شمس المنطقة الحارقة ، وغياب تام للدولة إلا عند استخلاص الرسوم يوم السوق أو من خلال البطاقة الوطنية ... في إيمي نتليت ، سيطر الرئيس، العارف بكنه صنع الو لاءات والصداقات بين ومع المسؤولين ، المباركة خطواته دوما المتستر عليه لحد كتابة هذه السطور من قبل السلطات ، على كل شيء منذ سنة 1992 ، تربع على عرشها وشل مجالسها لثلاثة فترات متتالية 92/97 ،97/2003 ، 2003/2009 ، وصمم ومعاونيه أغلبياتها واسكت كل خصومه ، فصل اللجان والجمعيات والهيئات على المقاس ، وأغدق على المغردات والمغردين داخل سربه وأجزل العطاء ، وتحظى الجمعية بالدعم أو تحرم منه حسب درجة صمتها أو ولائها للرئيس أو مباركتها انجازاته الوهمية ، أمر ينطبق على ما يسمى باللجنة المحلية للتنمية البشرية بالجماعة ، لجنة أغلب أعضائها من مملوكي الرئيس وحوارييه ومريديه تسطر مشاريع الجماعة ذات الصلة بالتنمية البشرية . وهكذا اقترح عليهم رئيسهم تخصيص ستين مليون من أموال المبادرة عن سنة 2011 لتسقيف مجزرة القرية ، ثم اقترح تخصيصها للطرق وأي طرق ، ليرسو الرئيس وأصدقاؤه والمتواطئون معه المتسترون عليه من المسؤولين أخيرا على تخصيصها للماء بدائرة انتخابية شبعت ماء يمثلها أحد الموالين له ، مع محاولة الالتفاف على ستين مليون أخرى من ميزانية الجماعة كي تبذر مرة أخرى تحت مسمى تزويد دواوير استفاد سكانها من مشروع من إنجاز مؤسسة محمد الخامس للتضامن وصرف عليهم الرئيس من مال الجماعة الكثير منذ سنوات .بينما يبقى أزيد من ثلثي تراب الجماعة أعزل من أي تدخل مهما كان لحل مشاكله وعلى رأسها مشكل الماء . إيمي نتليت ، إحدى جماعات إقليمالصويرة السبعة والخمسين ، أحدثت برسم التقسيم الجماعي لسنة 1992 وتبلغ مساحتها 70 كلم مربعا بينما يصل عدد سكانها إلى 8215 نسمة يقطنون تسعة دواوير رئيسية تضم عددا كبيرا من الدواوير الفرعية . وتقع جماعة إيمي نتليت المنتمية إداريا إلى قيادة سميمو دائرة تمنار بإقليمالصويرة بمنطقة حاحا في مقدمة الأطلس الكبير الغربي ، يبعد مركزها عن الصويرة عاصمة الإقليم ب 57 كلمترا ، وعن أكادير عبر سميمو ب 148 كلمترا ويتميز مناخها شبه الجاف الحار صيفا بحرارة قد تصل إلى 40 ° والبارد شتاء بقلة التساقطات المطرية بمعدل 300 ملم سنويا. رغم ثرائها الطبيعي ، حيث تستفيد الجماعة كل عام من مداخيل مهمة من القطاع الغابوي ، وتعد من أهم مناطق انتاج مواد تشهد إقبالا منقطع النظير منذ سنوات كعسل تازوكنيت وزيت الأركان ، الخروب ،لحم المعز المعروف بجودته على الصعيد الوطني وزيت الزيتون الذي أنتجت منه المنطقة خلال موسم 2011-2012 الفلاحي كميات هائلة سوقت في كل مناطق المغرب ، رغم هذا الثراء ، وحجم السوق الأسبوعي الذي يضخ اعتمادات مهمة في ميزانية الجماعة التي تغذيها مدا خيلها المتنوعة التي عادة ما يتلاعب فيها من قبل القائمين على تدبير الشأن المحلي ، رغم كل ذلك تبقى إيمي نتليت من أفقر جماعات الوطن والإقليم من حيث البنيات التحتية والخدمات الأساسية . فباستثناء الطريق المتجهة من سميمو إلى أيت داوود عبر إيمي نتليت ، والطريق غير المكتملة الرابطة بين إيمي نتليت و طريق جماعة سيدي الجزولي عبر طريق زاوية المحصر ، تبقى أغلب الدواوير معزولة تماما عن العالم الخارجي في ظل غياب أية بادرة لفك عزلتها ، نذكر منها دواوير الدوائر الانتخابية 01 ، 02 ، 03 ، 07 ، 08 ، وجزء من 09 التي تستفيد من المسلك المتفرع عن الطريق الرابطة بين إيمي نتليت وبيزضاض والمتجه إلى زاوية سيدي محند أوسليمان الجزولي ، المسلك الذي رغم أهميته لم تقم الجهات الوصية رغم طلبات السكان وممثليهم بأية محاولة لتعبيده لفك العزلة عنهم ، ففي دواوير مثل تيمسوريين ، ايت واسيف ،أيت حساين ، إدبيكوران ، إد حماد ، إدبحبوس ، بوزرو ، إدعثمان ... يحاصر أزيد من 4000 نسمة يمثل الأطفال والشيوخ والنساء أزيد من نصفهم شتاء بسبب الأوحال ويجدون أنفسهم صيفا تحت رحمة الأفاعي والعقارب في غياب وسائل نقل تنقلهم من وإلى حيث سيتم إسعافهم ، بينما تضطر نسوة مقبلات على الوضع إلى التنقل على ظهور الدواب أو مشيا على الأقدام لعشرات الكيلومترات في اتجاه المركز الذي ستتنقلن منه نحو عاصمة الإقليم . الحديث عن الماء حديث ذو شجون ، ففي إيمي نتليت رصدت لهذا القطاع منذ 1992 تاريخ وصول رئيسها الأزلي إلى منصبه اعتمادات تشهد عليها محاضر دورات المجلس بذرت وبددت في مشاريع وهمية تحت مسميات مد قنوات لازالت ممددة على الأرض في انتظار ماء الرئيس ومعاونيه وشركائه الذي لن يأتي ، وتعميق الآبار وشراء المضخات في جماعة لا وجود لمشاريع مائية من انجاز الجماعة أو مؤسسة محمد الخامس للتضامن إلا بدوائرها 04 ، 05 ، 06 ، 09 و 11 ، يغيب ماء الدولة في بقية الدوائر الثمانية اللهم آبارا حفرها سكانها بأيديهم أو آباؤهم الأولون يبقى منسوب المياه بها رهينا بكمية التساقطات المطرية ، مما عجل هذه السنة الموسومة بندرة التساقطات بجفاف أغلب الآبار والمطفيات التقليدية مما دفع السكان إلى التنقل على ظهور دوابهم رويدا رويدا نحو المناطق المجاورة للبحث عن لترات منها ، وكلما اشتد الخناق على بئر جفت ليتم الانتقال إلى أخرى أبعد وهكذا دواليك . علاقة بقطاع آخر يعد من أهم القطاعات الاجتماعية تستفيد ساكنة إيمي نتليت البالغ عددهم 8215 نسمة حسب إحصاء 2004 منذ تسعينيات القرن الماضي من خدمات بناية بئيسة سميت سابقا قاعة علاج واستبدل اسمها بمستوصف قروي يشتغل به ممرض وحيد ، ويضطر هؤلاء السكان المغلوبون على أمرهم إلى التنقل إلى سميمو أو الصويرة للاستشفاء. ويظل وضع التعليم بالجماعة مماثلا لنظيره في باقي مناطق المغرب ، فرغم وجود ثلاث مجموعات مدرسية وإعدادية أحدثت قبل ثلاث سنوات دون قسم داخلي ، وفي ظل غياب أي دور لمختلف المتدخلين واغتيال كل المبادرات المدنية في هذا الاتجاه ، وأمام ظروف كارثية من قبيل غياب أو تغييب الداخلية بإعدادية علي يعتة غير المفهوم واعتماد التلاميذ الثلاثمائة الذين تشكل الإناث بينهم أكثر من النصف البعيدين في غالبيتهم عن المركز على إقامة التلميذة ودار الطالب المحدثة من قبل أحد المحسنين ، وغياب الربط الطرقي بين وحدات مجموعتي الإمام مسلم وإبلاتن التي تصل المسافة بينها في بعض الحالات إلى أزيد من سبع كيلومترات ، وتردي حالة الحجرات الدراسية بمركزية مم الإمام مسلم ، فرعية أيت حساين ، غياب الماء الشروب بكل الوحدات ،غياب الربط بشبكة الكهرباء ، غياب المرافق الصحية ... تبقى نسبة التمدرس بالجماعة من أحط النسب على الصعيد الوطني حيث الهدر المدرسي وغياب الظروف المواتية لتمدرس أحسن وبعد مساكن السكان عن المؤسسات التعليمية في غياب الطرق ووسائل النقل وعلى رأسها النقل المدرسي وتمثلات السكان وهم البالغة نسبة الأمية بين صفوفهم68.7 بالمئة عن تعليم لا ينتج إلا الفشل بعضا من أسبابه . لعل جولة بسيطة في مركز الجماعة ، أو التوقف خلال أربعاء يصادف يوم تلقيح أطفال إيمي نتليت الرضع أمام ما يسمى مستوصفها القروي سيجعل المرء يستنتج بعضا من معاناة سكانها ، ولو كلف إنسان نفسه عناء التنقل إلى بعض دواويرها لصدم من حجم معاناة السكان وأنعامهم ودوابهم من أجل بضع عشرات اللترات من الماء شروبا كان أو غيره، وأما الحديث عن مؤسسات التثقيف والترفيه كدور الثقافة والشباب والمكتبات والخزانات المدرسية وفضاءات الأنتيرنيت وتيسير الولوج إلى المعلومة فضرب من الخيال في عموم حاحا وليس في إيمي نتليت فحسب . في ظل الحصار المضروب من قبل رئيس الجماعة وباقي المتدخلين على المبادرات الجمعوية الطموحة ، يبقى المتدخل الوحيد هو المجلس الجماعي الذي ظل رئيسه منذ سنة 1992 يتفرد بكل شيء بل يعتبر الجماعة ملكية خاصة به حتى حدود 2011 ، فرئيس إيمي نتليت منذ 1992 إلى 2009 لا معارض لسياسته ، ولا أحد يجرؤ وهو المتنفذ النافذ الوازن في الإقليم حسب زعمه على انتقاده ، مما شجعه على التلاعب حتى بأموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لا تظهر لها نتيجة إلا إقامة التلميذة بإعدادية علي يعتة ، فبتواطؤ مع المسؤولين وتسترهم وتخطيطهم سخر الرئيس كل جهوده لتحويل اتجاه أرصدة الجماعة إلى خزائنه وخزائنهم . استنتاج وخاتمة . يعتبر سوء تدبير الشأن العام بالجماعة السبب الرئيسي والمباشر لما وصلت إليه الأوضاع ، حيث أن نفس الرئيس يسير الجماعة منذ إحداثها سخر إمكاناتها لمصلحته الخاصة ، فالجماعة سطرت عددا هائلا من المشاريع خلال السنوات المالية التسعة عشر الماضية منها تعميق الآبار القديمة العملية التي لم تعد بأي نفع على السكان ، ومد لكميات هائلة من القنوات المائية في دواوير الدائرتين 12 و 13 أسماهما على التوالي بوركيك وأيت صليب دون وجود مشروع للماء بهما ، وإقامة مشروع للماء من تمويل برنامج ميدا على بئر قديمة داخل ملك الرئيس ، وحفر هذا الأخير عددا من آبار الجماعة دون اية دراسة داخل أملاكه الخاصة كمثل البئر المخصصة لمشروع تزويد الدوائر 01 ، 02 و 8 بالماء بكلفة 76 مليون سنيتم وتزويد الدائرة 13 أي دوار أيت صليب بمبلغ 44 مليون سنتيم ضمن صفقة فوتت منذ 12 يونيو 2010 ولم تعرف بعد طريقها للتنفيذ . رغم ميزانية الجماعة التي لا يمكن وصفها إلا بالعادية ، لازالت إيمي نتليت تعيش غيابا تاما للتنمية في ثلاثة أرباع مساحتها ، ومعاناة السكان هذه السنة مع الماء في أغلب دواوير الجماعة مرشحة للتضاعف في ظل غياب أية مبادرة لتوفيره