أثارت العودة المفاجئة والصادمة لوزير النفط الجزائري السابق المثير للجدل، شكيب خليل، بعد اتهامه بالفساد وإبرام صفقات "مشبوهة" من القضاة الجزائريين والإيطاليين، إلى بلده بعد أن فرَ منه إلى الولاياتالمتحدة، منذ 3 سنوات، هاربا مُطاردا، الكثير من التساؤلات المحيرة عن التوقيت و"التبييض": فهل تراجع أسعار النفط، المورد الأساس لاقتصاد البلد، عجَل بعودته، وهو صاحب الكفاءة والخبرة وشبكة العلاقات الواسعة في مجال الطاقة؟ أم هل قرر الأمريكيون دعم جناح الرئيس بوتفليقة، باعتبار الوزير الهارب من "رجالهم" وعمل مستشارا لسنوات في البنك العالمي، وأشرف على مشروعات بترولية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، ورُقِّي أيضا إلى منصب رئيس دائرة الطاقة للبنك الدولي بأمريكا الجنوبية، قبل أن يعود سنة 1999 إلى الجزائر مستشارا للرئيس بوتفليقة. وهل عودة الوزير الهارب مقدمة لإعادة تأهيله وربما الدفع به ليخلف الرئيس المريض في الحكم بعد إنهاء عهدته الرابعة؟ والقصة من أولها إلى آخرها يختصرها هذا السؤال اللغز: كيف لمن كان يُقدم في وسائل الإعلام المحلية على أنه رأس الفساد في الجزائر وصاحب أكبر نفوذ وتأثير في اقتصاد بلده، يُستقبل رسميا في المطار بعد سنوات قليلة من هروبه؟ *** "إنهم تجرأوا على إعادة تأهيل من كان وراء أكبر عملية فساد في تاريخ شركة "سوناطراك" النفطية، ومن يقف وراء هذا هم أولئك الذين غطوا على فساده وربما استفادوا أيضا. ولست أنا الذي يتهمه بهذا، إنها محكمة ميلانو، شمال إيطاليا، التي كشفت الفضيحة. وأخبرتنا أن كبار المسؤولين في شركة ايني (ENI)، أكبر شركة نفط إيطالية، بمن في ذلك رئيسها، أجروا لقاءات مع وزير الطاقة، شكيب خليل، في القصور الباريسية، وذلك بحضور فريد بجاوي الذي كان وسيطا بين الجزائريين والايطاليين"، وفقا لما كتبه الخبير الاقتصادي الجزائري، حسين مالطي، نائب رئيس مجموعة "سوناطراك" البترولية، سابقا، قبل أيام في أحد المواقع الإعلامية الفرنسية. وتحولت الشركة الإيطالية إلى "الذراع الأيمن" للوزير، وحصلت خلال 3 سنوات، فقط، على صفقات ومشاريع لم تظفر بها أي شركة أخرى من قبل. وتساءل في مقاله: "إذا كان الوزير "شكيب خليل" قد صرح، مرارا وتكرارا، بأنه ليس مسؤولا عن إدارة شركة سوناطراك، وإنما الأمر منوط بالرئيس التنفيذي ونوابه وغيرهم من كبار المسؤولين في الشركة، فلماذا لم يأت المدراء التنفيذيون لشركة "ايني" الإيطالية إلى الجزائر للتفاوض مع نظرائهم الجزائريين في الشركة الوطنية؟ ولماذا فضلوا التفاوض خارج البلاد مع الوزير وشخص آخر ليس لديه منصب رسمي في الشركة؟". "التبييض" و"التطبيل": قبل العودة "الصادمة"، مهَد الموالون، لجناح الرئيس له الأرضية وعبدوا الطريق، حيث وصف الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، )ويُعرف بأنه حزب الرئيس( هذا الشخص كأفضل وزير أنجبته الجزائر منذ الاستقلال، وبعد عودته وصفه الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، الذراع السياسي لإخوان الجزائر، أبو جرة سلطاني، بأنه "رجل المرحلة" بالتزامن مع تراجع أسعار النفط، التي تشكل المورد الأساس لاقتصاد البلاد. ورغبة في "تعميده" و"غسل عظامه من سوابق الماضي"، كرمه رئيس المنظمة الوطنية للزوايا في زاوية، ووصفه ب"الصديق القديم للزاوية" وتوَجه بوسام "طالب القرآن". وقُدم الوزير السابق في صورة الوارع المريد للزوايا. لكن الذي لم يقله كل هؤلاء وغيرهم ممن أسهموا في حملة "إعادة تأهيله" أن الوزير الهارب كان خبيرا أيضا في الفساد، وهذا ما اكتشفه الإيطاليون، هذا من دون حساب العمولات على المبيعات من النفط؟ وماذا عن تلك التي دُفعت له مقابل إبرام عقود شراكة مع شركة أوراسكوم لصناعات البناء، لصاحبها الملياردير المصري؟، وفقا لما كشف عنه الخبير النفطي، حسين مالطي، وهو العارف بخبايا ملفات "البقرة الحلوب" للجزائر، شركة "سوناطراك"، في مقاله المذكور آنفا. كيف "تجرأوا" على هذا؟ يبدو أنهم تجرأوا لإعادة تأهيل وزير استباح مصدر الدخل الإستراتيجي للبلد، واستفاد من هذا أبرز أركان النظام، بما في ذلك أفراد من عائلة الرئيس. وذهب الوزير الهارب العائد إلى أبعد الحدود بتسخير ثروة النفط والغاز الجزائرية مصلحة نفط تكساس في وقت جورج بوش. وهنا تجدر الإشارة إلى قانون النفط والغاز لعام 2002، وهو ليس أكثر من نسخة مطابقة لرؤية الولاياتالمتحدة في هذا الشأن، حولوه في عام 2005 إلى مكتب الرئيس بوتفليقة للتوقيع عليه، وفقا لما ذكره الخبير النفطي الجزئري، حسين مالطي. وقد كشف البنك الدولي في تقرير سري أن القرض الذي منحه للجزائر في مارس 2003 لإعداد قانون المحروقات، والذي قدمه وزير الطاقة السابق شكيب خليل واستمات في الدفاع عنه، كان هدفه الوحيد هو خصخصة قطاع الطاقة، فالقانون "المستوحى" من الأنموذج الأميركي ساوى بين مؤسسة "سوناطراك"، التي تعتبر أول شركة نفطية في إفريقيا، والشركات الأجنبية الأخرى، وسمح لها بمنافستها للحصول على امتيازات نفطية في البلاد. وذكرت مطلعون أن القانون صيغ في الولاياتالمتحدة، وفقا لرغبات الإدارة الأمريكية، وقد أتاح لأي شركة نفطية تملك ما يكفي من الموارد المالية والتقنية الانخراط في البحث والاستغلال في الجزائر، مع مجرد الالتزام بمشاركة "سوناطراك" بنسبة 20-30٪. مما كان له مهلة 20 يوما لقبول أو رفض العرض. لكن هذا القانون واجه انتقادات حادة، وشُنت حملة ضد إقراره باعتباره "يبيع البلد وخيراتها"، فلم يُطبق، واستُبدل بقانون 2006. لكن هذا القانون واجه انتقادات حادة واتُّهم بأنه يبيع البلد ومقدراته، فسقط في النهاية دون أن يطبق. وجرى استبداله بقانون 2006 رجل الأميركيين: لدى وصوله على رأس وزارة الطاقة في عام 2000، وفقا لما كشف عنه الخبير النفطي، حسين مالطي، استوردت الولاياتالمتحدة 50 ألف طن من النفط سنويا من الجزائر، وقد ظل هذا الرقم يتزايد حتى بلغ 22 مليون طن سُلمت للأمريكيين في 2010، وهي السنة التي أُقيل فيها. ولوحظ في زمنه استغلال مفرط لحقول الغاز والنفط بحاسي مسعود وحاسي الرمل بين 2000 و2010، وفي هذا اتهمه الخبير النفطي، حسين مالطي، بأنه "تسبب في إلحاق الأضرار بهذه الحقول لحرصه المريب على رفع الإنتاج بأي ثمن"، وأدَت سياسته هذه إلى "هروب العديد من الكفاءات بسبب الضغوط التي مورست عليهم نحو شركات منافسة في الخارج". وهذه ليست إلا نسخة مطابقة لسياسة التشغيل التي تتبنها شركات النفط متعددة الجنسيات في الدول المنتجة. وهي تعتمد معدلات الإنتاج التي تسمح لهم باستخراج أقصى كمية من النفط أو الغاز خلال مدة صلاحية الرخصة التي مُنحت لهم، دون الحاجة إلى التفكير أو القلق حول المستقبل، لأنها تعلم أنها موجودة هناك لفترة محددة. وأي دولة ذات سيادة حقا إنما تتبنى سياسة مختلفة تماما، إذ ستضمن استمرار هذه الثروة لأطول وقت ممكن، لكن الوزير الهارب العائد نفذ سياسة مرشديه الأمريكيين وطارد كل من قاوموا هذا التحطيم. لماذا أتوا به مجددا؟ ويبقى السؤال المحير اللغز: لماذا تذكروه الآن، أو بالأحرى لماذا أتوا به مجددا؟ فهل جاء لمهمة أمريكية في الجزائر؟ وهل كان محتاجا لعملية "تبييض" و"غسل العظام" في الجزائر؟ هنا، يربط مراقبون بين عودة الوزير الهارب، شكيب خليل، إلى الجزائر بملفين أساسين، وهما: "الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد جراء تراجع أسعار النفط، وثانيا: التحضير لخليفة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. السلطة حرصت ابتداء، عبر متحدثيها، على تبرئته من كل شبهة، وكان هذا مكسبا ثمينا للأمريكيين. ونتذكر، في هذا السياق، أنه صدر ضده من القضاء الجزائري مذكرة توقيف دولية، ولكنهم قالوا بعدها إنها لاغية وباطلة بسبب وجود عيب إجرائي؟ ليُقال بعدها المدعي العام الذي أصدر المذكرة من منصبه. ولكن الأهم في هذا أن هذا الأمر الذي تضمن كل الشكاوى الصادرة عن العدالة الجزائرية ضد هذا الشخص، وصلت بالفعل إلى السلطات القضائية الأمريكية، مع كانوا على علم، بما كشفت عنه محكمة في ميلانو ضد الوزير الهارب العائد. لذا، تعرف هذه السلطات تماما أن الوزير "شكيب خليل" شارك في العديد من قضايا الفساد. والأمريكيون، من حيث المبدأ، صارمون في مثل هذه القضايا، إلا عندما يناسبهم الأمر. وعلى هذا، وفقا للخبير النفطي، حسين مالطي، فإن عدم تفاعل السلطات الأمريكية مع مذكرة التوقيف ورفض اتخاذها أي إجراء قانوني ضد الوزير الهارب، وكان يقيم في ولاية "ميريلاند" وقد أمضى 39 عاما في الولاياتالمتحدة، يوحي بأن الوزير الهارب عاد إلى الجزائر لأداء مهمة محددة، أو هكذا يبدو الأمر دون جزم أو قطع، تبقى قضية هل يتحقق هذا الأمر أم لا، تلك مسألة أخرى، ولا أحد يمكنه القطع بهذا، لأن الوضع متقلب ومضطرب والصراع على أشده. ثمة مسألتان مهمتان جدا في جدول الأعمال السياسي الجزائري الحاليَ: الأزمة الاقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، وإعداد خلافة الرئيس بوتفليقة مع قرب رحيله عن السلطة، وقد تزامنت عودة الوزير الهارب مع هذين الحدثين، وقد يرى فيه بعض المتنفذين، خصوصا المحسوبين على جناح الرئيس، أنه مناسب لكلا الأمرين. ويرى الخبير مالطي أن الشركات الأمريكية تقاطع الجزائر لجملة أسباب، أهمها قاعدة 51/49 الخاصة بالاستثمار الأجنبي والبيروقراطية ووضعية البنوك الجزائرية المتخلفة، وبالتالي فهي ترغب في العودة لقانون المحروقات 2002 والدفع لإقراره وتعزيزه من أجل استغلال الغاز الصخري، وبالتالي تصبح عودة شكيب خليل للإشراف على القطاع أكثر من ضرورية لإعطاء ضمانات حقيقية للشركات الأمريكية. ومن جانب السلطة، فإن الوضع المالي الخطر للبلد أثار مخاوفهم بشكل كبير جدا. وربما يتصورون أن تكليف الشركات الأمريكية بإدارة صناعة النفط الوطنية من شأنه أن يحل مشاكلهم. وللقيام بذلك وجذب الأمريكيين، وفقا لما كتبه الخبير الجزائري "مالطي"، فإنه ينبغي تطوير التشريعات فحسب، بل ضمان أيضا استدامة هذا التغيير من خلال تعيين رجال الثقة في مناصب رئيسة من رجال الثقة. وليس أفضل من الوزير الهارب العائد "شكيب خليل" لتولي هذه المهمة. الاحتمال الثاني أن عودة الوزير الهارب مرتبطة بالتحضير لخليفة الرئيس بوتفليقة في الحكم، وبالتالي سيكلف بمهمة أكبر في سياق التغييرات المرتقبة تحضيرا للاستخلاف. فهل سيتولى مناصب رفيعة جدا في الحكم الجديد؟ هل سيكون رئيسا للوزراء في المستقبل، وربما الرئيس المقبل؟ ويرى مراقبون ومطلعون أن الأمريكيين سوف يشاركون في تنصيب السلطة الجديدة التي يجري الإعداد لها، وهم في الواقع كانوا يهيئون الظروف، منذ فترة، لمثل هذه اللحظة، ومن ذلك الدفع باتجاه التغييرات التي حدثت في جهاز الاستعلامات والأمن "المخابرات". وخلاصة القول: ما يجري في حقيقة الأمر ليس بعيدا الصراع بين جماعتين "تتكالبان" على الجزائر، هما "جماعة فرنسا": "العاملين لها، الحالبين في دلوها، الحاطبين في حبلها" وبين "جماعة الولاياتالمتحدةالأمريكية" الذين ارتبطت مصالحهم بمصالحها. عن - إيوان24