التأهيل السياسي شرط تأهيل الجهة الشرقية كقطب اقتصادي الجهة الشرقية قطب اساسي في بناء المغرب العربي. ذ.عبدالسلام المساوي قد تحققت لبلادنا في الفترة الأخيرة عدة مكتسبات تحققت بشكل متواصل خلال سنوات العهد الملكي الجديد، مكتسبات مرتبطة بالذات وبتقوية الذات المغربية، وذلك من خلال مبادرات ملكية أساسية ورائدة، مبادرات جعلت المغاربة ينخرطون في التطور المنشود لتقوية أواصر الانسجام المجتمعي وهم يتأكدون من وجود إرادة فعلية في تعميق توجه المصالحة لفائدة مستقبل البلاد ككل، وهذا التوجه، توجه المصالحة مع الذات طبعه العلاقات مع الأقاليم، حيث أكدت الزيارات الملكية لإقاليم الشمال والجنوب والشرق، أن ديناميكية مستقبل المغرب رهين بالبحث عن نوع من التوازن بين الجهات والاعتراف بالبعد الوطني لكل المناطق المكونة للمملكة، وفي هذا الاتجاه برز الاتجاه الجديد لتوظيف الجهوية لإعطاء المغرب أداة جديدة لتقوية وحدته من خلال الإقرار بوجود خصوصيات جهوية تكون عامل تمنيع وحدة البلاد والاعتراف بمتطلبات إمكانيات الإنتاج والإبداع والابتكار داخل مختلف الجهات آخذا بعين الاعتبار التطورات الحديثة في التدبير الترابي للأمم، وكذلك إبراز ترسيخ النهج الديمقراطي المغربي في ارتباطه مع مستلزمات تمتيع كل جهات البلاد بمقومات المشاركة في مجهود التنمية المستديمة وتطوير قدراتها الداخلية. وان الزيارات الملكية المتكررة والمتتالية لوجدة عاصمة الجهة الشرقية ذات مغزى نظرا لأبعادها التنموية ودلالاتها الاجتماعية، أنها مؤشر قوي على الإرادة الملكية الهادفة إلى إعادة تأهيل الجهة الشرقية وتنميتها وذلك بتحريرها من العوائق التي عطلتها عن الإقلاع التنموي رغم (الإمكانيات الهامة والمؤهلات البشرية المتميزة بالإرادة القوية والجد في العمل) ونذكر في هذا الإطار الزيارة الملكية التاريخية للجهة الشرقية التي توجت بخطاب ملكي في وجدة يوم 18 مارس 2003، وهي الزيارة التي شكلت تحولا عميقا في مسارها التنموي، ومنطلقا استراتيجيا تنمويا لم تشهده الجهة من قبل، لأنها ترتكز على تصور جديد للجهة كقطب اقتصادي، وقد أعطيت بالفعل انطلاقة مشاريع تنموية هامة في إطار هذا التصور التنموي الجديد (خلق الصندوق الجهوي للتنمية الاقتصادية، مشروع الطريق السيار الرابط بين فاسووجدة عبر تازة، مشروع تثنية الطريق بين احفير وبركان، تثنية الطريق بين وجدة والسعيدية، انجاز الخط السككي بين تاوريرت والناظور، المحطة السياحية الضخمة السعيدية، كلية الطب، المركز الاستشفائي الجامعي...) هذه بعض الاوراش الهامة التي تجسد الاقلاع التنموي للجهة من فكيك الى الناظور والذي سيجعل منها قطبا اقتصاديا وازنا يرتكز على قدرات فلاحية ورعوية كبيرة، وعلى انتاج صناعي واعد، وحضور قوي في مجال السياحة، وكذلك على استغلال الطاقات المنجمية والبحرية التي تزخر بها هذه الجهة. ان تنمية الجهة الشرقية تكتسي اهمية قصوى لاقامة ربط متين للجناح الشرقي المغربي بباقي المجال الوطني، بغية ادماج كافة مكونات هذا المجال وتمكين الجهة الشرقية من الاسهام في مجهود التنمية الوطنية، والتعبير على كافة مواهبها، واضافة قوتها الى سائر القوى الجهوية الاخرى بالبلاد، وتمتين الموقع الاستراتيجي الذي يميز الجهة. ان المغرب قد اختار، عن وعي وحزم وتخطيط حازم، ان يتوجه صوب ترسيخ نظام جهوي له فلسفته ومنطقه وبناؤه الاداري والتنظيمي واطاره القانوني ومرتكزاته المالية اللازمة. ان المغرب اختار الجهوية كأداة لتطوير التنظيم الداخلي، ولكن اعتمادها ايضا كمنظور تنموي مندمج، اختار الجهوية كمنهجية للعمل ومنهجية لوضع تصور اسراتيجية خاص بمستقبل الجهات ببلادنا، وكاطار استراتيجي لتعزيز المكاسب، هذا التعزيز الذي يقتضي فتح افاق جديدة في العمل السياسي بلادنا. ان المغرب عندما اختار الجهوية فان اختياره لم يحدد قط من خلال اسباب مجالية فقط، او اقتصادية فقط، بل اختار الجهوية كمدخل لاصلاح الدولة المغربية. ان اصلاح الدولة المغربية من خلال البناء الجهوي ومن خلال اعتماد الجهوية هو الذي سيعزز دمقرطة الدولة المغربية، وهو الذي سيساعد على ارساء الارضية الصلبة لتصبح الدولة المغربية في خدمة المجتمع المغربي، فتطوير الجهة يعد مدخلا بنيويا للاصلاح السياسي العام ببلادنا. ان بناء المغرب على اسس متقدمة يقتضي تمكين الجهة من كل انواع السلطات لتكريس الفعل الديمقراطي، بما فيها السلطات السياسية، وهذا يفرض تأهيل المؤسسات الجهوية، وهو معطى رهين بتطور البناء الديمقراطي ببلادنا، نؤكد ضرورة انضاج الشروط التي تمكن الجهة من ان تصبح سلطة فعلية في الجوانب التي تهم الحياة العامة للمواطن اذا أردنا الاستمرار في بناء دولة الحق والقانون، وهذا يعني ضرورة اعادة توزيع السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية بالمغرب. تأسيسا على هذا كله نعتبر هذا الاختيار وهذا التصور من شأنه ان يجعل من الجهوية اطارا لتحفيز المواطنين على المشاركة في تدبير شؤونهم واطارا مناسبا لجعل المواطن المغربي يشعر بقوة انتمائه محليا، جهويا وكذلك وطنيا، ان الجهوية، اذن، ستساعدنا على اعطاء محتوى ملموس للمواطنة الجديدة. علينا ان نأخذ بعين الاعتبار هذا الاختيار الجهوي كاختيار وكمنهجية لتنمية الجهة الشرقية، من هنا مطلوب منا ان نجعل من المحطات الانتخابية مناسبة لوضع مخطط تنموي يروم النهوض بالجهة، هذا المخطط التنموي الذي يجب ان ينطلق من امكانيات الجهة، وهي متنوعة بطبيعة الحال، فهذه الجهة لها ما يكفي من الاكراهات، لكن، مقابل ذلك، لها ايضا ما يكفي من الامكانات الطبيعية والمعدنية والطاقية والبحرية والسياحية، وقبل هذا وذاك لها ما يكفي من الحس الوطني والدسامة التاريخية، الامر الذي بوأها دائما مكانة خاصة في نفوس جميع المغاربة، وانها فضلا عن هذا كله نزخر بطاقات بشرية مشرفة، لذا وجب تجاوز الاطروحة الشائعة والقائمة على فكرة التهميش، ووجب القطع مع هذا النوع من الخطاب الذي اصبح مستهلكا، لنا القدرة، لنا الوسائل والارادة السياسية متوفرة لجعل هذا المخطط التنموي المندمج في اطار تعبئة كل الفئات الاجتماعية التي تطمح الى تعزيز موقع الجهة الشرقية. وان وضع مخطط تنموي مندمج لهذه الجهة يجب الا ينطلق من تحليل اقليمي محض، بل اكثر من ذلك، من تحليل مرتبط بالبعد الوطني، معنى هذا ان تنمية الجهة الشرقية لا تستند فقط على تحليل الاوضاع الداخلية للمنطقة بقدر ما تستند على بعد وطني، أي اعتبار المصلحة الوطنية بصفة عامة، بل مصلحة المغرب العربي. ومن هنا ضرورة انخراط المواطنين في التأهيل الشامل للجهة الشرقية، لان الرهان على الجهة الشرقية كقطب اقتصادي تنموي مرتبط بالتأهيل السياسي لهذه الجهة، وهذه مهمة منوطة بالقوى الحية لهذه الجهة، بقوى الحداثة والديمقراطية. ان التأهيل السياسي للجهة الشرقية رهان مطروح على قوى الاصلاح والمستقبل، واي فشل لهذه القوى في هذه المحطة سيكون في صالح الحركات المحافظة، خاصة بعد ان اصحبت هذه الجهة مهددة باكتساب القوى المعادية للحداثة والديمقراطية وسيادة خطاب العنف والتكفير وهذا ما يجعل قوى التقدم امام مسؤولية تاريخية. والرهان الاساسي الذي يواجهنا هو العمل من اجل ان يشارك اكبر عدد من المواطنين في التصويت، ويقولوا بكل حرية واختيار ماذا يريدون لهذه الجهة ولهذا الوطن، وأن يساهموا في تقرير مستقبل الديمقراطية في بلدهم، من هنا واجب على المغاربة، كل المغاربة ان لا يبقوا متفرجين، منسحبين ومستقيلين، وعلى كل القوى الوطنية الديمقراطية ان تقوم بمجهود جبار لاقناع المواطنين بان السياسة وتدبير الشأن العام والانخراط بكل اشكاله هي مسألة المغاربة باكملهم وليست هناك مجموعة مفوض لها ان تمارس، تحترف السياسة وتقرر في غياب الاغلبية الساحقة من المواطنين، هذا الغياب الذي كان وليد ممارسات سابقة ارهبت المواطنين فابعدتهم عن السياسة ووليد ممارسات سابقة ميعت الانتخابات فأساءت الى الديمقراطية عبر مسارها الشاق و الطويل. ان اختيارنا للنظام الديمقراطي اختيار جريء وهادف من هنا وجب الحفاظ عليه وذلك بمقاومة كل قوى الارتداد التي تعمل جاهدة على اجهاضه، قوى الماضي المحافظة التي استفادت من القمع والتزوير لذا نجدها اليوم، للخلود في مواقعها تشيع خطابات التيئيس القائم على التشكيك في جدوى الانتخابات، والهدف ابعاد المواطنين من الانخراط فيها لتبقى المؤسسات المنتخبة حكرا على هؤلاء الذين سخروها لخدمة مصالحهم، وعلى القوى الحية اذن ان تناضل وتقوم بعملية بيداغوجية، مؤسسة على استراتيجية سياسية تروم تطهير العقل والذاكرة المغربية من هذه الطروحات العدمية التي تبخس المشاركة في العمل السياسي بكل تجلياته، وتروم توعية المواطنين بضرورة التصويت الحر والاختيار الواعي... واذا لم يصوتوا فهناك اخرون سيفعلون ذلك بدلهم، والنتيجة عشناها، تعثر الديمقراطية وتأخر بلادنا عن النهوض التنموي. ان الانتخابات مناسبة لفتح الحوار مع كل مكونات المجتمع، واذا كان الشباب يشكل العمود الفقري لسكان الجهة الشرقية باغلبيته الكمية والنوعية فان الاهتمام الاقصى يجب ان ينصب على هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة لتعبر عن مواقفها وتفصح عن انتظاراتها فتساهم في البناء الديمقراطي، من هنا ضرورة مد الجسور مع الشباب، حتى لا يصبح ضحية الاستعمال السياسوي وتوعيته بجدوى التصويت، لان مصيره ومصير مستقبله، مرتبط بهذه العملية، ويجب ان يشارك فيها، وحتى اذا قرر الشباب ان يقول لا لهذا المشروع او ذاك فعليه ان يقولها عن الطريق التصويت، ويتربى على هذا السلوك، لان الديمقراطي يجب ان يقتنع بهذا، فليس امامه خيار او حل آخر، ولان الديمقراطية هي القطع مع كل الوسائل الاخرى، اللاحضارية في تدبير الخلاف، وفي قول الرأي بمعنى العنف ومصادرة الرأي. * الجهة الشرقية قطب اساسي في بناء المغرب العربي: لقد عملت الجغرافيا وكرس ذلك التاريخ، على ان تكون الجهة الشرقية جهة مغاربية بامتياز، لا يمكن للمغرب ان يندمج في محيطه المغاربي بدون تنميتها وتمكينها من القيام بوظيفة الربط والتواصل، التي هي من صميم مصيرها وقدرها، ان المغرب العربي بقدر ما يمثل بالنسبة لسكان الجهة احد مستويات الانتماء الحاسمة على الصعيد العاطفي والوجداني ، بقدر ما يشكل احد المداخل الاساسية والطبيعية للانخراط في الهندسة الجديدة للاوضاع الدولية كما تشكل اليوم، وهو بالنسبة للجهة الشرقية رهان حقيقي يجب استنهاض كل الوسائل في سبيل كسبه. ان الموقع الاستراتيجي للجهة الشرقية، لا سيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار خاصيتها المتوسطية المنفتحة، سواء في علاقتها مع جيراننا بالجنوب الاوربي، او في امتداداتها الاستراتيجية نحو الشقيقة الجزائر وباقي اشقائنا في دول المغرب العربي، الامر الذي يحتم ضرورة استثمار هذا المعطى الاستراتيجي بما يجعل من هذه المنطقة نافذة للتقارب وجوا للاتصال والتواصل، ان على مستوى تمتين بناء اليات مشروع المغرب العربي، او على مستوى تصفية الاجواء الملتبسة لا سيما مع جيراننا في اسبانيا. وعلينا ان ذكر اشقائنا الجزائريين بدعم الشعب المغربي لهم والتضحيات التي قدمها دعما للثورة التي عاش كل مراحل صراعها منذ ثورة الامير عبد القادر ووصولا الى ثورة الفاتح من نونبر 1954، لقد كان الشعب المغربي ولا سيما سكان الجهة الشرقية، جزءا لا يتجزأ من الثورة الجزائرية، وكان دوما الى جانب اشقائه في الجزائر في كل المراحل الصعبة من حياتهم، كما ان هذه الجهة كانت النموذج الحي طول قرن من الزمن على هذا الدعم، فقد وقف سكانها مع الثوار وكان رجالاتها خيوط الربط بين الحركة النقابية والسياسية والحركة والوطنية في بلادنا. وعلينا ان نذكرهم باللحظة التي طرح فيها الرئيس الفرنسي شارل دوغول تقسيم الجزائر وفصل صحرائها عنها، وكيف رفض المغرب خطة يمكنها ان تضعف من احتمال استرجاع الجزائر لاستقلالها وسيادتها على مجموع ترابها، ولهذا لا يمكن للمغرب ان يقبل موقف الحكام في الجزائر في وحدتنا الترابية، ونؤكد لاشقائنا في الجزائر بانه الان بدأت بوادر حل سياسي ضمن الحكمة والتعقل ان يقف حكام الجزائر موقفا ايجابيا، وعلى المواطنين في الجزائر ان يدفعوا في هذا الاتجاه. لقد اصبح التنسيق بين الدول المغاربية ضرورة تفرضها وحدة المصير المشترك واهمية التكامل والاندماج المغاربي، فالتنسيق البناء وحده كفيل بان يجنب دول المغرب العربي النهاية المأساوية التي آلت اليها الكثير من الدول، ومن هنا نقول للاشقاء الجزائريين بان لا تنمية ولاتقدم لكم الا بالتنسيق مع اشقائكم المغاربة، من هنا وجب التنسيق والمساهمة الفعلية والجادة في بناء مشروع المغرب العربي لاخراجه من الجمود الذي يشل مؤهلاته ويعطل قدراته. نذكر في هذا السياق، بان الشعب المغربي وحدوي ظل دائما يضع الوحدة الوطنية والوحدة المغاربية فوق كل اعتبار، لهذا السبب، مازلنا نحرص على التأكيد على اهمية الاختيار السياسي كاختيار استراتيجي ومصيري انه اختيار لا يقبل، في نظرنا المساومة باي شكل من الاشكال. لقد مارس المغرب وطنية مفتوحة ومنفتحة على مختلف المكونات والجبهات والاختيارات التي تمنحها القوة، وقد ظل افقنا في الفكر وفي الممارسة السياسية مشغولا بالافق المغاربي، افق الوحدة والتضامن، افق البناء الديموقراطي، الذي يمنح للجميع امكانية والفعل والمشاركة وبناء عناصر القوة الاقتصادية والسياسية المتكاملة. وفي هذا الاطار، وجب التذكير باننا ومازلنا دائما نرى ان المغرب العربي هو الفضاء الطبيعي والتاريخي والمساعد، والاكثر ملائمة لحل كثير من اشكالات حاضرنا العالقة، وعلى مختلف الاصعدة والمستويات وذلك بما يضمن تدارك اخطائنا واشكال الخلل المحيطة بنا، من اجل تنمية بلداننا وجعلها في مستوى المنافسة الاقتصادية التي تتطلبها التحولات الاقتصادية الكبرى الجارية في العالم ان المغرب ابان غير ما مرة على انه بلد الحوار ونبد التفرقة والعنف، وهو حين اختار هذا السلوك الحضاري الرفيع، فلانه يراهن على الغد، عبر طي صفحة المآسي بعقلية منفتحة وواعية برهاناتها السابقة، لا بعقلية الماضي المطمئنة الى اللحظة التاريخية الثابتة، هذه العقلية التي تقف في تحد غير مفهوم، امام تحقيق مشروع اتحاد المغرب العربي، ذلك الافق المشترك الذي مازلنا نحلم به.