في بداية كلمته التي ألقاها أمام التجمعيين المشاركين في الجامعة الشتوية المنعقدة بوجدة يوم أمس السبت 25 شتنبر 2010، عبر السيد صلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار عن الإحساس بالرهبة التي يشعر بها وهو يقف وسط أحرر التجمع بالجهة الشرقية قائلا: "...الإحساس بالاعتزاز ليس كلام مجاملة، فوحدهم من لايتنكرون للجذور يعرفون معنى هذا الإحساس، لأن أي مشروع سياسي كبير يحمل أحلام الوطن لابد له من امتدادات ومن فروع وشبكات تخترق أوصال المجتمع والبلاد في كل الإتجاهات، ولكنها امتدادات وفروع لاتصمد أمام عاتيات الزمن إلا إذا كانت تستند وتتغذى من جذور صلبة وعميقة في أرض معطاءة. أيتها الأخوات أيها الأخوة اسمحوا لي أن احيي فيكم ومن عراقة هذه المدينة المناضلة الألفية عاصمة هذه الجهة الوفية التي كانت على مر القرون قلعة البلاد على واجهتها الشرقية ومفخرتها الحضارية يكفينا منها أن مغارة الحمام وضواحيها التي احتضنت أحد أقدم التجمعات البشرية أضحت اليوم معبرا ضروريا لكل الباحثين من أرجاء العالم، لاعن جذور حزبنا هذه المرة، بل عن جذور البشرية ككل..." وبعد أن طلب من الحضور وقفة إجلال أكراما لذكرى من استرخصوا دماءهم وممتلكاتهم لفتح باب جهنم على المحتل من أبناء المنطقة وكافة شهداء شعبنا، ربط الماضي بالحاضر: "..إن وجودنا اليوم كحزب رأى النور وسط هذه الحمولة التاريخية يؤشر إلى ربط الماضي بالحاضر في معركة مستمرة لبناء بيتنا الكبير الذي يحضننا جميعا. وكما عودنا أبناء هذه المنطقة على الوقوف في الصفوف الأمامية، فقد كان لهم ذلك يوم أخرجوا إلى الوجود، بمعية مناضلين من جهات أخرى، هذه الأداة السياسية التي تحولت مع الزمن إلى مكون مركزي للساحة الحزبية الوطنية. فلم يعد اليوم ممكنا تصور الحياة السياسية الوطنية بدون حزب التجمع الوطني للأحرار. ورغم صعوبات البداية وكل التصنيفات التي ارتبطت بمرحلة صعبة كان فيها الفعل الحزبي مطوقا بدرجة نضج التجربة الديمقراطية المغربية، استطاع حزبنا أن ينحت موقعه المتميز بفضل تبصر وإصرار أبنائه، منذ رعيله الأول بقيادة أخينا الأستاذ أحمد عصمان الذي اختزل كل قيم الوفاء والنضال المتأصلة لدى بنات وأبناء هذه المنطقة ليورثنا حزبا يجعلنا نرفع جميعا رؤوسنا عاليا أيا كانت الظروف وأيا كانت تقلبات الفعل الوطني. وحين نذكر الأستاذ أحمد عصمان، فإننا نستحضر فيه المبادر، الصبور، الوقور، الراعي لهذا المشروع الكبير، دون أن نغفل الآخرين، كافة الآخرين رموزا وأسماء كبيرة صنعت التجمع من أبناء المنطقة ومن أبناء المغرب ككل، وفي مقدمتهم الأخ الكريم مصطفى المنصوري الذي وددنا لوكان حاضرا بيننا اليوم في لحظة الصفاء هاته ليعرف التجمعيون وأصدقاء التجمع وحتى خصوم التجمع أن خيمتنا تتسع لكافة أبنائها، وان في صدر حزبنا متسع للجميع، بكل صدق وأمانة لأنه حزب حي ومن الشروط الأزلية للحياة الأخذ والرد والتدافع والجذب في بحث دائم ومستمر عن أمثل السبل لخدمة وطننا وشعبنا وما نعتقده المشروع الأصوب للمساهمة في بناء بلدنا، لنا ولأبنائنا ولأجيالنا القادمة..." ثم انتقل إلى تعداد مجموعة من الخصال التي يتمتع بها سكان الجهة الشرقية ومساهماتهم في صنع هوية الوطن: "..وليس ضروريا أن نستمر في تعداد إضافاتكم ومساهماتكم في صنع هوية الوطن وتميزه، وتثبيت اللبنات تلو الأخرى في مجال البناء ليس أخرها الانتعاش الملموس للواجهة الاقتصادية والتنموية، من خلال المشاريع الإنمائية الطموحة التي رأت وترى النور في هذه المنطقة، ومن خلال حس المبادرة القوي الذي تعبر عنه دينامية المقاولين المحليين والمقاولة المحلية الصغرى والمتوسطة والمقاولة الفردية الصغيرة جدا في إطار نسيج يتشكل بإصرار كمفتاح لإنتاج الثروة وإثبات الذات وتحقيق التنمية في منطقة أراد لها الجيران –سامحهم الله- أن تعيش تحت الحصار وهم واهمون بكل تأكيد وأنتم أقدر على المقارنة بين ماتحققونه وتحققه الدولة على هذا الجانب من الشريط الحدودي، ومالايحققه الأخرون على الجانب المقابل من الشريط لأن هناك فرقا جوهريا بين جانبي الشريط بين إرادة منسجمة ومتبصرة لبناء المستقبل تجمع جهود الدولة وجهودكم جماعات وأفرادا وبين شيء مناقض تماما على الجانب الأخر نترفع عن الخوض فيه لأننا نحترم أنفسنا ولانحشر أنوفنا في شؤون الجيران وحتى وإن اعتبروا أن مهمتهم الوحيدة في الحياة والوجود هي طعننا في الظهر، الذي بلغ مداه مؤخرا بالإرهاب الممارس على أخينا مصطفى سلمة ولد سيدي مولود لمجرد أنه عبر عما يخالج مواطنينا المحتجزين في تندوف من دعم لمشروع الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية. ولايسعنا في هذه الظروف ونحن على بعد خطوات من الجزائر إلا أن نطالب باسم التجمع الوطني للأحرار بإطلاق سراح أخينا فورا وضمان حق كافة المحتجزين في التعبير وحرية الإختيار، كما ندعو عقلاء الشعب الجزائري الشقيق سياسيين ومثقفين وفاعلين ديمقراطيين إلى حوار هادئ وبناء حول حاضرنا ومستقبلنا فيدنا ممدودة لمن يحملون هم مصيرنا المشترك بإصرار لايعادله سوى إصرارنا على حماية وحدتنا الترابية وأهالينا المحتجزين مهما كانت ومهما كانت التضحية..." بعد ذلك، وقف السيد مزوار عند المحطة التي يعيشها التجمع الوطني للأحرار اليوم ليبرز معالم إيديولوجيته المرتكزة على المواطن المبادر. "..إن هذا الميلاد المتجدد على الدوام، والذي دشنته الحركة التصحيحية التي عاشها حزبنا قبل سنة، جاء استجابة لمطمح طالما عبرت عنه قطاعات واسعة من مجتمعنا وعبرت عنه الفئات الشابة التي كاد الكثير منها يفقد الامل في الفعل السياسي مطمح بسيط في مظهره كبير في جوهره يلخصه حق المغاربة في أن تكون لديهم أحزاب تتفاعل وتتطور بانسجام مع التحولات المجتمعية، أحزاب قادرة على لعب دور التأطير الميداني الفعلي العملي للمواطنين في مواجهة مستجدات الحياة اليومية وفي رسم طريق المستقبل وفق بوصلة واضحة أحزاب لاتكتفي بالتدبير اليومي فحسب، أحزاب لاتتحول إلى دكاكين انتخابية للانتهازيين والوصوليين أحزاب تنتج الأفكار تبدع في سبل الفعل أحزاب تغري بالعمل السياسي النبيل تتفتح على الشباب وعلى النساء وعلى اليافعين وعلى الشيوخ كذلك فلكل جيل دوره وعطاؤه أحزاب تتسع هياكلها للفقير للمعدم للغني للمقاول للفنان للرياضي للذي يركب الليموزين وللذي يمتطي ظهور الدواب أو يمضي يومه وراء قطيع من الغنم. باختصار أحزاب ديمقراطية لاتعترف للفرد إلا بانتمائه للوطن ولاتفاضل بين الأفراد إلا بمقدار خدمتهم للوطن....." "..فكرة "المواطن المبادر" أساس مجتمع الغد، بل اليوم قبل الغد. لم يعد يختلف أحد في البلاد كلها على كون ثروة المغرب الأساسية هي ثروته البشرية، هي بناته وأبناؤه. هذا ليس بجديد ولكن للوقوف عند هذا الجزءمن الحقيقة وحده لايجدي، باعتبار أن الأهم والمطلوب من النخب وعلى رأسها النخب السياسية هو كيف يمكن أن نصوغ مشروعا مجتمعيا شاملا يطرق كل المجالات وينتهي إلى رسم سبل تفعيل هذه الثروة خاصة وأننا لن نختلف أن ثروتنا البشرية لم تعط إلا القليل من قدراتها الضخمة وأن حجم عطائها الممكن اليوم وفي المستقبل رهين بصيغ التدبير الاستراتيجي لمتطلبات حركية المجتمع في كافة المجالات. إن بلورة صيغ التدبير الاستراتيجي هي بالذات مهمة الحزب أي كيف يضع الإطار العام لتفعيل هذه الثروة على أساس أن نواتها المركزية هي "المواطن المبادر"..." وبعد أن أبرز أن الحرية أساس الليبرالية في إطار دولة القانون والمؤسسات ركز على دور الدولة في المبادرة المذكورة: "..ومن هنا يبرز دور الدولة فنحن في إطار هذا التوجه ننبذ الفهم النيو –ليبرالي الذي يقوم على تهميش الدولة وتقزيمها إلى مجرد مراقب، بل نعتبر أن على الدولة أن تقوم في نفس الوقت بضبط قواعد اللعبة لضمان التوازن بين الفاعلين من داخل المجتمع، وبدور الفاعل الاقتصادي والتنموي الرئيسي من منظور تأهيل المبادرة وضمان التقسيم العادل لثروة عبر اعتماد سياسات إعادة التوزيع من خلال المشاريع والمبادرات التي تراعي العدالة بين الأقاليم والجهات والفئات، وهو جزء من المضمون الاجتماعي الذي نرفقه بالليبرالية..." وعن علاقته الحزب بكل المكونات يقول السيد صلاح مزوار: ..إن هذا الاختيار ترجمناه عمليا من خلال انفتاح الحزب على مؤهلاته الداخلية انفتاح جسدته سلسلة الجامعات الجهوية التي تثري التجمع وتثري التجمعيين وتجمع على قدم المساواة كل بنات وأبناء التجمع لإنجاز التفكير والتداول الجماعيين في تشييد هذا الصرح الحزبي. كما قمنا ونقوم بنفس الانفتاح على الفئات الأساسية في المجتمع: الشباب، النساء، النخب المحلية، النخب المهنية... ضمن مسلسل يجب أن ينخرط فيه كل التجمعيين من مختلف مواقعهم النضالية. ولهذه الغاية ضمن غايات أخرى اخترنا التنظيم الجهوي بدل التنظيم المركزي الصارم حتى تتحلل قوة المبادرة والفعل من أية قيود اللهم مانتفق عليه كتوجهات عامة لحزبنا، لأن مستقبل المغرب ومستقبل الحزب سيبنى في الجهات وعلى الأرض، فلم تعد هناك أدوات سياسية فعالة تبنى في مكاتب المقرات المركزية داخل العاصمة الإدارية أو الاقتصادية. أنتم من يتحملون التجمع وفكرة التجمع وبالتالي فإن المسألة التنظيمية تكتسي أهمية كبرى جوهريا "ديمقراطية داخلية أكثر من أجل فعالية ميدانية أكبر"، بما يعنيه هذا الشعار من تطويع الآلة التنظيمية أي هياكل الحزب للعمل الميداني اللصيق بالمواطنين، وهو مايفترض الحضور الدائم ونبذ أساليب البيروقراطية والتسلط واقتناص مواقع المسؤولية خدمة للأهداف الذاتية الضيقة والتحلي بروح المسؤولية في إطار متحرك منفتح داخليا وخارجيا ومتفاعل مع المحيط.." وقبل الختام وقف على البعد المغاربي في فكر التجمع الوطني للأحرار: "..ويسعدني كثيرا أن ألاحظ أنكم ضمن جامعتكم هاته، اخترتم "الجهوية والبناء المغاربي" كموضوع لورشة الاتحاد المغاربي. يسعدني كثيرا لأن فكرة الموضوع تكشف فهما عميقا يستحضر تعدد أبعاد هذا المشروع، فالجهوية لن تضيف فقط إعادة توزيع الصلاحيات بين المركز والجهات بل إنها تحمل كذلك بعدا يرتبط بإعادة النظر في العلاقة بالجوار. المغرب لديه جوار متعدد، والجهات كوحدات للتنمية لابد أن تكون لديها دخل في ترتيب العلاقة مع هذا الجوار. فالاتحاد المغاربي وإن كانت عراقيل الجزائر قد صادرته إلى الثلاجة ضدا على منطق التكتلات الذي يحكم العالم، لابد أن يتحقق بإرادة شعوب المنطقة وبالإكراهات الجيوسياسية والاقتصادية للمحيط العالمي. لذلك فإن استراتيجيات التنمية الجهوية التي سيتم وضعها وفق خصوصية كل جهة، لابد أن تراعي الموقع المحوري للمنطقة الشرقية كمنطقة حدودية تفرض عليها الجغرافيا أن تكون محطة في البناء المغاربي بما سيجعلها مؤهلة لتحقيق الاندماج السريع في المحيط المباشر وفق تصور الدولة المغربية، سواء حين سيتم حل مشكلة إغلاق الحدود أو حين يكون للإتحاد المغاربي موعده مع التاريخ، فضلا عن أن أواصر الأخوة بل وحتى القرابة العائلية بين سكان جانبي الشريط الحدودي ستفعل فعلها بالضورة في مستقبل انفتاح الجهة الشرقية..." ولم تفته الفرصة دون تسليط الضوء على التقارب القائم بين حزبه ووحزب الاتحاد الدستوري: "..كما لاحظتم، فقد تعمدت عدم التطرق إلى الوضع السياسي العام وإلى مستجدات الساعة كما آثرت ألا اتناول موقع حزبنا في الخارطة الحزبية إيمانا مني أن هذه الإنشغالات تحظى لديكم باهتمام دائم، فضلا عن كونكم تتوفرون على الكلمة التوجيهية المخصصة للجامعات الجهوية والتي تتناول هذه الجوانب بشيء من التفصيل. ومع ذلك فإن هناك موضوعا يكتسي لدي ولدى كافة التجمعيين أهمية خاصة ومميزة ألا وهو موضوع التقارب الحاصل بيننا وبين إخواننا في حزب الاتحاد الدستوري. إن هذا التقارب يمثل بالنسبة إلينا لبنة تأسيسية في تجسيد منظورنا إلى مانعتقده الوضع الطبيعي الذي يجب أن تستقر عليه الساحة الحزبية أي وضع يتجاوز الشتات ويجعل من الأقطاب حجز الزاوية في المشهد الجديد الآخذ في التشكل، أقطاب تعطي مصداقية لمضمون التعددية السياسية كما حددته قبل قليل، وتجعل التمايز في الساحة قائما على منطق العائلات التي تتقاسم المرجعيات المذهبية والتصورات السياسية. إن مستوى تشتت النخب والتمزق الذي تعرفه الساحة الحزبية لم يعد يحتمل المزيد وهي قناعة نتقاسمها بقوة مع إخواننا في الاتحاد الدستوري الشيء الذي أفضى إلى إنجاز تقارب يتعمق يوما بعد يوم وانتقل بسرعة من التعبير عن النوايا إلى العمل المشترك، لاسيما على مستوى البرلمان واللجان المختلطة...." ذ.محمد بنداحة