لقد تحققت لبلادنا في الفترة الأخيرة عدة مكتسبات تحققت بشكل متواصل خلال سنوات العهد الملكي الجديد، مكتسبات مرتبطة بالذات و بتقوية الذات المغربية، و ذلك من خلال مبادرات ملكية أساسية ورائدة، مبادرات جعلت المغاربة ينخرطون في التطور المنشود لتقوية أواصر الانسجام المجتمعي وهم يتأكدون من وجود إرادة فعلية في تعميق توجه المصالحة لفائدة مستقبل البلاد ككل. وهذا التوجه، توجه المصالحة مع الذات طبع العلاقات مع الأقاليم . حيث أكدت الزيارات الملكية لأقاليم. الشمال و الجنوب و الشرق، أن ديناميكية مستقبل المغرب رهبن بالبحث عن نوع من التوازن بين الجهات و الاعتراف بالبعد الوطني لكل المناطق المكونة للمملكة. وفي هذا الاتجاه برز الاتجاه الجديد لتوظيف الجهوية لإعطاء المغرب أداة جديدة لتقوية وحدته من خلال الإقرار بوجود خصوصيات جهوية تكون عامل تمنيع وحدة البلاد و الاعتراف بمتطلبات إمكانيات الإنتاج و الإبداع و الابتكار داخل مختلف الجهات أخذا بعين الاعتبار التطورات الحديثة في التدبير الترابي للأمم، و كذلك إبراز ترسخ النهج الديمقراطي المغربي في ارتباطه مع مستلزمات تمتيع كل جهات البلاد بمقومات المشاركة في مجهود التنمية المستديمة و تطوير قدراتها الداخلية. و إن الزيارات الملكية المتكررة و المتتالية لوجدة عاصمة الجهة الشرقية ذات مغزى نظرا لأبعادها التنموية و دلالاتها الاجتماعية، إنها مؤشر قوي على الإدارة الملكية الهادفة إلى إعادة تأهيل الجهة الشرقية و تنميتها وذلك بتحريرها من العوائق التي عطلتها عن الإقلاع التنموي رغم "الإمكانيات الهامة و المؤهلات البشرية المتميزة بالإرادة القوية و الجد في العمل" ونذكر في هذا الإطار الزيارة الملكية التاريخية للجهة الشرقية التي توجت بخطاب ملكي في وجدة يوم 18 مارس 2003، وهي الزيارة التي شكلت تحولا عميقا في مسارها التنموي، ومنطلقا استراتيجيا تنمويا لم تشهده الجهة من قبل، لأنها ترتكز على تصور جديد للجهة كقطب اقتصادي. وقد أعطيت بالفعل انطلاقة مشاريع تنموية هامة في إطار هذا التصور التنموي الجديد (خلق الصندوق الجهوي للتنمية الاقتصادية، مشروع الطريق السيار الرابط بين فاس ووجددة عبر تازة، مشروع تثنية الطريق بين أحفير و بركان،تثنية الطريق بين وجدة و السعيدية، إنجاز الخط السككي بين تاوريرت و الناظور، المحطة السياحية الضخمة السعيدية، كلية الطب، المركز الاستشفائي الجامعي...). هذه بعض الأوراش الهامة التي تجسد الإقلاع التنموي للجهة من فكيك إلى الناظور و الذي سيجعل منها قطبا اقتصاديا وازنا يرتكز على قدرات فلاحية ورعوية كبيرة، وعلى إنتاج صناعي واعد، وحضور قوي في مجال السياحة، وكذلك على استغلال الطاقات المنجمية و البحرية التي تزخر بها هذه الجهة. إن تنمية الجهة الشرقية تكتسي أهمية قصوى لإقامة ربط متين للجناح الشرقي المغربي بباقي المجال الوطني، بغية إدماج كافة مكونات هذا المجال وتمكين الجهة الشرقية من الإسهام في مجهود التنمية الوطنية، و التعبير على كافة مواهبها، و إضافة قوتها إلى سائر القوى الجهوية الأخرى بالبلاد، وتمتبن الموقع الاستراتيجي الذي يميز الجهة. إن المغرب قد اختار، عن وعي و حزم و تخطيط حازم، أن يتوجه صوب ترسيخ نظام جهوي له فلسفته و منطقه و بناؤه الإداري و التنظيمي و إطاره القانوني و مرتكزا ته المالية اللازمة. إن المغرب اختار الجهوية كأداة لتطوير التنظيم الداخلي، ولكن اعتمادها أيضا كمظور تنموي مندمج، اختار الجهوية كمنهجية للعمل و منهجية لوضع تصور استراتيجي خاص بمستقبل الجهات ببلادنا، و كإطار استراتيجي لتعزيز المكاسب، هذا التعزيز الذي يقتضي فتح آفاق جديدة في العمل السياسي ببلادنا. أن المغرب عندما اختار الجهوية فإن اختياره لم يحدد فقط من خلال أسباب مجالية فقط، أو اقتصادية فقط، بل اختار الجهوية كمدخل لإصلاح الدولة المغربية، إن إصلاح الدولة المغربية من خلال البناء الجهوي ومن خلال اعتماد الجهوية هو الذي سيعزز دمقرطة الدولة المغربية، وهو الذي سيساعد على إرساء الأرضية الصلبة لتصبح الدولة المغربية في خدمة المجتمع المغربي. فتطوير الجهة يعد مدخلا بنيويا للإصلاح السياسي العام ببلادنا.إن بناء المغرب على أسس متقدمة يقتضي تمكين الجهة من كل أنواع السلطات لتكريس الفعل الديمقراطي، بما فيها السلطات السياسية، وهذا يفرض تأهيل المؤسسات الجهوية، وهو معطى رهين بتطور البناء الديمقراطي ببلادنا. نؤكد ضرورة إنضاج الشروط التي تمكن الجهة من أن تصبح سلطة فعلية في الجوانب التي تهم الحياة العامة للمواطن إذا أردنا الاستمرار في بناء دولة الحق و القانون، وهذا يعني ضرورة إعادة توزيع السلطة السياسية و الاقتصادية و الثقافية بالمغرب. تأسيسا على هذا كله نعتبر هذا الاختيار وهذا التصور من شأنه أن يجعل من الجهوية إطارا لتحفيز المواطنين على المشاركة في تدبير شؤونهم، و إطارا مناسبا لجعل المواطن المغربي يشعر بقوة انتمائه محليا، جهويا وكذلك وطنيا. إن الجهوية، إذن، ستساعدنا على إعطاء محتوى ملموس للمواطنة الجديدة. ونحن في أفق انتخابات 2012 علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الاختيار الجهوي كاختيار و كمنهجية لتنمية الجهة الشرقية. من هنا مطلوب منا أن نجعل من هذه المحطة التاريخية مناسبة لوضع مخطط تنموي يروم النهوض بالجهة. هذا المخطط التنموي الذي يجب أن ينطلق من إمكانات الجهة، وهي متنوعة بطبيعة الحال، فهذه الجهة لها ما يكفي من الإكرهات، لكن، مقابل ذلك، لها أيضا ما يكفي من الإمكانات الطبيعية و المعدنية و الطاقية و البحرية و السياحية، و قبل هذا وذاك لها ما يكفي من الحس الوطني و الدسامة التاريخية، الأمر الذي بوأها دائما مكانة خاصة في نفوس جميع المغاربة. وإنها فضلا عن هذا كله تزخر بطاقات بشرية مشرفة. لذا وجب تجاوز الأطروحة الشائعة و القائمة على فكرة التهميش، ووجب القطع مع هذا النوع من الخطاب الذي أصبح مستهلكا. لنا القدرة، لنا الوسائل و الإرادة السياسية متوفرة لجعل هذا المخطط التنموي المندمج في إطار تعبئة كل الفئات الاجتماعية التي تطمح إلى تعزيز موقع الجهة الشرقية. و إن وضع مخطط تنموي مندمج لهذه الجهة يجب إلا ينطلق من تحليل إقليمي محض، بل أكثر من ذلك، من تحليل مرتبط بالبعد الوطني، معنى هذا أن تنمية الجهة الشرقية لا تستند فقط على تحليل الأوضاع الداخلية للمنطقة بقدر ما تستند على بعد وطني، أي اعتبار المصلحة الوطنية بصفة عامة، بل مصلحة المغرب العربي. ومن هنا ضرورة انخراط المواطنين في التأهيل الشامل للجهة الشرقية، لأن الرهان على الجهة الشرقية كقطب اقتصادي تنموي مرتبط بالتأهيل السياسي لهذه الجهة. وهذه مهمة منوطة بالقوى الحية لهذه الجهة، بقوى الحداثة و الديمقراطية. إن التأهيل السياسي للجهة الشرقية رهان مطروح على قوى الإصلاح و المستقبل كسبه، و أي فشل لهذه القوى في هذه المحطة سيكون في صالح الحركات الظلامية، خاصة بعد أن أصبحت هذه الجهة مهددة باكتساح القوى المعادية للحداثة و الديمقراطية و سيادة خطاب العنف و التفكير، وهذا ما يجعل قوى التقدم أمام مسؤولية تاريخية. و الرهان الأساسي الذي يواجهنا هو العمل من أجل أن يشارك أكبر عدد من المواطنين في التصويت، و يقولوا بكل حرية و اختيار ماذا يريدون لهذه الجهة و لهذا الوطن يساهموا في تقرير مستقبل الديمقراطية في بلدهم. من هنا واجب على المغاربة، كل المغاربة أن لا يبقوا متفرجين، منسحبين و مستقلين، و على كل القوى الوطنية الديمقراطية أن تقوم بمجهود جبار لإقناع المواطنين بأن السياسة و تدبير الشأن العام و الانخراط بكل أشكاله هي مسألة المغاربة بأكملهم، و ليست هناك مجموعة مفوض لها أن تمارس/تحترف السياسة و تقرر في غياب الأغلبية الساحقة من المواطنين، هذا الغياب الذي كان وليد ممارسات سابقة أرهبت المواطنين فأبعدتهم عن السياسة، ووليد ممارسات سابقة ميعت الانتخابات فأساءت إلى الديمقراطية عبر مسارها الشاق و الطويل. إن اختيارنا للنظام الديمقراطي اختيار جريء و هادف من هنا وجب الحفاظ عليه و ذلك بمقاومة كل قوى الارتداد التي تعمل جاهدة على إجهاضه، قوى الماضي المحافظة التي استفادت من القمع و التزوير، لذا نجدها اليوم، للخلود في مواقعها، تشيع خطابات التيئيس القائم على التشكيك في جدوى الانتخابات. و الهدف إبعاد المواطنين من الانخراط فيها لتبقى المؤسسات المنتخبة حكرا على هؤلاء الذين يسخرونها لخدمة مصالحهم. و على القوى الحية إذن أن تناضل و تقوم بعملية بيداغوجية مؤسسة على استراتيجية سياسية تروم تطهير العقل و الذاكرة المغربية من هذه الطروحات العدمية التي تبخس المشاركة في العمل السياسي بكل تجلياته، و تروم توعية المواطنين بضرورة التصويت الحر و الاختيار الواعي... و إذا لم يصوتوا فهناك آخرون سيفعلون ذلك بدلهم، و النتيجة عشناها، تعثر الديمقراطية و تأخر بلادنا عن النهوض التنموي. إن الانتخابات مناسبة لفتح الحوار مع كل مكونات المجتمع، و إذا كان الشباب يشكل العمود الفقري لسكان الجهة الشرقية بأغلبيته الكمية و النوعية فإن الاهتمام الأقصى يجب أن ينصب على هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة لتعبر عن مواقفها و تفصح عن انتظاراتها فتساهم في البناء الديمقراطي. من هنا ضرورة مد الجسور مع الشباب، حتى لا يصبح ضحية الاستعمال السياسوي، و توعيته بجدوى التصويت، لأن مصيره و مصير مستقبله مرتبط بهذه العملية، ويجب أن يشارك فيها، و حتى إذا قرر الشباب أن يقول لا لهذا المشروع أو ذاك، فعليه أن يقولها عن الطريق التصويت، و يتربى على هذا السلوك، لأن الديمقراطي يجب أن يقتنع بهذا، فليس أمامه خيارا أو حل آخر، ولأن الديمقراطية هي القطع مع كل الوسائل الأخرى، اللاحضارية في تدبير الخلاف، و في قول الرأي، بمعنى العنف و مصادرة الرأي.