صفحة سوداء لضياع الفرص اهتمت الصحف ووسائل الإعلام الوطنية والدولية بقرار انسحاب الوفد المغربي من مراسيم جنازة أول رئيس جزائري بعد الاستقلال الراحل احمد بن بلة، وتداعيات ذلك على البصيص من الأمل الذي كان يرجى من التقارب الذي أشرت عليه تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، كان أبرزها زيارة سعد الدين العثماني إلى الجزائر ولقائه بالرئيس بوتفليقة. ثمة اتفاق بين غالبية الصحف الجزائرية التي تناولت خبر انسحاب الوفد المغربي من جنازة بن بلة بالتحليل والتعليق، على أن مقام العزاء لا يكون مسبوقا بالدعوات وكل مشيع ومعز يحضر إلى مكان التشييع بمحض إرادته، ومن ثم لا مجال للوم أهل الميت على طبيعة ونوعية الحضور المشيعين. تعليل كهذا قد يبدو مقبولا من الناحية المنطقية إن كان الأمر يتعلق بجنازة شخص عادي، لكن ما أغفلته الصحافة الجزائرية هو البحث في الخيوط المتحكمة في وضع وفد البوليساريو في المكان الذي اختارته الأجهزة الاستخباراتية أن يكون فيه، لأن هذه الجنازة هي جنازة رسمية يغلب عليها الطابع البروتوكولي، فكل موقع ومكان وكل وقوف وجلوس وكل الحركات والسكنات تكون محسوبة ومدروسة سلفا، ولست أعتقد أن أحدا في الجزائر، امتلك شجاعة تفنيد الإحساس بالخطر المغربي على الجزائر في حال فتح الحدود البرية بينهما، ولعل تفجير الموقع البرتوكولي لوفد البوليساريو في جنازة بن بلة، كانت تهدف من بين ما تهدف إليه، نسف جهود التقارب الذي كاد يرقى إلى مستويات أعلى، وربما هذه النقطة بالذات هي التي تشكل نقطة اختلاف بين بعض سياسيي الجزائر ومسؤولي مخابراتها العسكرية، لذلك وبالرغم من كل الليونة وحسن النوايا التي عبر عنها المسؤولون المغاربة في محطات مختلفة، لم تستطع الديبلوماسية الجزائرية مبادلة نظيرتها المغربية وفاء بوفاء وقربا بقرب، ويبقى أرجى تصريح منسوب لوزير الخارجية الجزائري مدلسي هو ذلك الإقرار بعدم إمكانية بقاء الحدود بين البلدين مغلقة إلى ما لا نهاية، وهو إقرار ما كان ليقر به، لولا ترادف الإشارات المغربية التي طوقت المسؤولين الجزائريين، إذن فهو تصريح أريد به فتح باب الأمل ريثما تتم فبركة حادث جديد تعيد كل الجهود إلى نقطة الصفر، ولن تجد المخابرات الجزائرية مناسبة أسنح من جنازة الراحل بن بلة لنسف كل تقارب. لقد أخطأت المخابرات الجزائرية في حق شعبي البلدين وثقافتهما وتاريخهما وجغرافيتهما، لابد أن تعترف الجزائر بأنه بعد أن تبددت بعض الغيوم وكادت أن تعود المياه إلى مجاريها، يقف شعبا البلدين على نهاية الطريق في لحظة فارقة كان يرجى أن تكون بداية جديدة بعد أن تعثرت الخطى في رحلة عبثية مؤلمة، وقد تكون نهاية حلم راود الشعبين. أشقاؤنا الجزائريون الآن أمام اختبار تاريخي، تؤكد طريقة تحريك دمى البوليساريو من طرف المخابرات الجزائرية، على أنها صفحة سوداء لضياع الفرص، لن أتوقف عند سخرية الأقدار أمام أسماء جنرالات الجزائر التي قطعت كل حبل واصل بين شعبين اثنين بصيغة المفرد، ولن أتوقف عند أشياء أخرى تثير المخاوف والشجون في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، ولكن يكفي أن أقول إننا أمام فرصة تاريخية بنبغي ألا تضيع.