نورالدين لبيار – نبراس الشباب: كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال من يوم في أحد شهور سنة من منتصف التسعينات، وقد كنت أدرس في بداية مستوى الإعدادي، وكنت أنهيت لتوي قراءة الرواية الشهيرة” بول وفرجيني “للكاتب الفرنسي برنار دي سان بيير، أو الفضيلة بعدما ترجمها الرائع الراحل، مصطفى لطفي المنفلوطي، أخذت ورقة وقلما، وبدأت أحاول الرسم بالكلمات، لعلي أحصل على شيء من الجنون، فكان قصيدة مصروعة عمودية مكسرة الأوزان بقافية مطلقة موصولة بألف. “وقد أعجبت بمن كنت أهواها”هي القصيدة التي قضت مضجعي وبدأ الشعر يحاصرني من كل جانب، لكن بعدها سأتيه في دروب الدراسة والحياة، ونسيت الشعر كليا وركزت على المواد العلمية إذ كنت مجدا فيها وقد نصحني أحد أساتدتي أن أتوجه علميا في الثانوي لكن في آخر لحظة كتبت آداب عصرية في ورقة التوجيه! حبي للأدب والشعر والرواية دفعني لهذا الاختيار، وإن كان اختيار العلوم منطقيا، أو أقرب إلى الواقع لكني آثرت الخيال والجنون الشعري والأدبي على الواقع، كيفما كان، هجرة،بطالة ......تيه ومهما يكن، لم أندم على اختياري، وحتى فيما بعد حين تجاوزت الباكالوريا، قررت أن أدرس اللغة العربية، لا لشيء سوى لعشق دفين للغة الضاد والقصيدة بوجه خاص. عشق لا يوصف، لأن الغوص في بحر من الكلام شبيه بالغوص في بحر أمواج متلاطمة، كلاهما يخيف وكلاهما يدهش، ولا يمكن المجازفة في الظلام بدون قنديل أو شمعة تضيء دروبك في العتمة. وكانت اللغة هي الشمعة والأدب هو النور والواقع هو العتمة ،وكان الشعر هو الجنون وكنت أنا على حافته.