طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وحي حكايات عائشة دهب وطلحة جبريل
نشر في محمدية بريس يوم 14 - 08 - 2011


من وحي حكايات عائشة دهب وطلحة جبريل
بقلم سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
زميلنا الأستاذ طلحه جبريل، مدير مكتب صحيفة الشرق الأوسط فى العاصمة المغربية الرباط ،من الصحفيين والكتاب المرموقين ،تعرفت عليه منذ ثمانينيات القرن الماضي ، وأنا ما أزال طالبا فى المرحلة الثانوية حيث كنت أذهب الى مكتبة الأفندي بمدينة دنقلا، وأشتري الصحف التي كانت تصل المدينة بعد يومين ( بالبصات )التي كانت تربط بين مناطق الشمالية والخرطوم قبل تشييد طريق الشريان ، وأشهرها ( بص )عمر عبد السلام وأحسبه من مواطني كورتي ، كان صديقنا طلحة يكتب باستمرار أخبارا وتقارير في صحيفة الشرق الأوسط ،وبعد امتهاني مهنة البحث عن المتاعب، كنت أيضا أتابع تلك التقارير، التي كان يبعث بها الأستاذ طلحة من مدن عديدة ،فى منطقة المغرب العربي وغيرها ، وكان حفيا كعادته بكل ما هو سوداني ، رغم أنه غادر قريته الصغيرة شبا، فى ديار الشايقية ،إثر تفوقه فى امتحان الشهادة السودانية المساق الصناعي بمدرسة كريمة الصناعية ، عام 1975،رافضا الدراسة فى جامعة الخرطوم، مفضلا الدراسة في المغرب ، حيث كانت إحدى المنح التي كانت تقدمها المملكة المغربية وقتها ، من نصيبه ،تعلم طلحة مهنة النجارة فى كريمة الصناعية ، وأضاف إليها مهنة الحدادة التي تعلمها من أحد أصدقائه ، لكنهما جلبتا إليه ،سخرية من بعض حسناوات ديار الشايقية ، كما تسرد زميلة لطلحة ، فتحكي حكاية حول هذه المسألة مفادها : (ذات يوم وأثناء عودة الأستاذ طلحة (الطالب ) حينها من مدرسته ،مع صديق له ، تعرض لموقف بسيط ( كلنا ربما تعرضنا لمثله ) ولكن تلك الحادثة كما تقول تلك الزميلة كانت بمثابة إنقلاب راديكالي ، فى حياة طلحه ،جعلته يقهر الفقر والظروف ، وضيق ذات اليد ، وينحت فى الصخر ، ليصبح شيئا آخر غير النجار ، كان الوقت ظهرا ، حيث خروج البنات من المدرسة ، أو ربما يكون طلحة قد تعمد الخروج فى هذا الوقت (يا ما تحت السواهي دواهي ) (التعليق من عندي ) شرع طلحة وزميله يتغزلان فى البنات ، فما كان من إحداهن ، إلا أن تهكمت عليهما قائلة : ( والله عشنا وشفنا،كمان النجارين بدأوا يتغزلوا.. ) فضحكت صويحباتها على هذا التعليق الساخر ، وأصيب طلحة بصدمة كبيرة ، وسأل نفسه ، لماذا لا يجوز للنجارين والحدادين أن يغازلوا ؟ وتضيف زميلته التي تنقل وقائع تلك القصة ( ونحن نوافقها ) فتقول : ورغم أنه لا يجوز لأحد أن يغازل بنات الناس فى الشوارع ، وليس النجارين والحدادين فقط ! إلا أن تلك المقولة صدمته ، ونزلت عليه كالصاعقة ، فكان لها أن تغير مجرى حياته ، مما جعله يكد ويجتهد ويواصل الليل بالنهار ، مدفوعا بتلك الحرقة ، أو هذا الوجع الذي سببته له تلك الفتاة ، وتفوق كما أشرنا آنفا وقبل بجامعة الخرطوم ، لكنه آثر ان يتقدم للمنح الخارجية ، وكان له ما اراد ، ولأن (ناقل الكفر ليس بكافر ) نقلنا تلك الحادثة ، وقد تكون غير حقيقية ، مما يلزمنا الإعتذار من الأستاذ الكبير طلحة ، وحتى لا يعد نقلنا لرواية مدسوسة قذفا يوجب علينا مساءلة ما ، أو حتى عتبا من الاستاذ طلحة .
تفوق طلحة فى تعليمه الجامعي فى المغرب ، وارتبط بثلاث صحف مغربية مشهورة ،رئيسا لتحريرها ، وتسابقت حسناوات ذلك البلد الجميل للظفر به ،وكان لبعضهن ما أردن ، حيث أصدرن بحقه شهادة صلاحية ، ربما بلغت تلك الفتاة التي حاولت النيل منه فى ديار الشايقية،كيف أن أخريات عرفن قيمته الحقيقية ، وتقول زميلتنا التي تروي بعض فصول تلك الحادثة ، كأنما تريد التأكيد (ان الحب ما هو الا للحبيب الأول ) ،عاد صاحبنا الى قريته الصغيرة فى ديار الشايقية ، وذكرى فتاته الأولى تحز كمنشار فى قلبه !عاد قبل سنوات ، وطرق باب تلك الفتاة (يا لوفاء الرجل )لأيام جميلة خلت، وذكريات الصبا ،التي تعطر النفس وتثير فيها شجنا ، ولما فتحت تلك الفتاة باب منزلها ،بحياء بنات السودان عندما يطرق باب منازلهن رجل ،أعطاها الاستاذ طلحة هدية ثمينة ،وقال لها : (لولا كلمتك إياها ؟ لكنت الآن نجارا فى هذه القرية الصغيرة ) .
ثم توطدت علاقتي بالرجل قبل سنوات ، عندما أقمت مجبرا فى العاصمة القطرية الدوحة مرافقا لزوجتي التي اختارتها وزارة التربية والتعليم القطرية ،معلمة لمادة الرياضيات فى مدارسها الثانوية ، عام 1999 فكان لزاما علي أن أرافقها ، رغم أني لم أكن أفكر يوما ما بأن اغترب عن بلدي ،ولست من ( الرجال البخافوا من نساوينهم ! ! ) كما يقول صديقنا الدكتور عبد الرحمن محمد علي المحامي ، الذي درس هو الآخر فى جامعات المغرب ، ولا أدري إن كان الصديقان طلحة وعبد الرحمن يتعارفان ،لكن الغريب أنني لم أقابل الزميل طلحة وجها لوجه حتى الآن ،حيث لم يكتب لنا القدر لقاء فى السودان أو خارجه ، كلانا غاب عن حضور ملتقى الاعلاميين الثاني الذي عقد بالخرطوم العام الماضي ، ونتواصل فقط عبر الحاسوب (الإنترنت ) وما يعجبني فيه تواضعه الجم ، حيث يرد على كل من يكتب إليه ، و ما جذبني الى الرجل ليس إطلالاته المتكررة فى الفضائيات المختلفة ، وأهمها ال ( BBC ) والحرة والعربية ، وليس (الجزيرة ) فللرجل موقف منها ، لا نود الخوض فيه ، احتراما لقناعاته وعملا ب (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ) حيث أتابع شخصيا الجزيرة ليس عبر شاشتها بل حتى عبر موجة (FM ) فى السيارة ،حيث يطل زميلنا طلحة، من خلال تلك الفضائيات والإذاعات ، بصلعته اللامعة ، أنيقا فى لبسه ، دقيقا وموضوعيا فى طرحه ،لا ينطلق من ضغائن لهذه الجهة أو تلك ، رغم أنه مظلوم من وطنه ، والقائمين على أمره (ظلم الحسن والحسين ) ككثير من أبناء السودان الذين كتب عليهم ربما التحليق بعيدا عن فضاءات بلدهم ، ولا يملك الأستاذ طلحة من حطام الدنيا شيئا فى بلد المليون ميل ، ومن هم فى سن تلاميذه فى المهنة ابتنوا لأنفسهم البنايات العاليات ، وركبوا الفاره من السيارات ،واستوزرتهم الدولة وأغدقت عليهم المال . وربما سر انجذابي إليه هو إيماني (ان الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف ) وفوق كل ذلك فهو أستاذ فى المهنة لا تملك الا أن تحترمه ، وأن تبدي كثيرا من الأسف فى أن تفقد البلاد وكليات الإعلام والصحافة السودانية فكره وعلمه ومهنيته وخبراته الثرة التي أكتسبها على مدى ثلاثة عقود قضاها بعيدا عن وطنه ،لكن ما يحمد للرجل أنه لم ينقطع عن بلده بقلمه وفكره وحتى روحه وجسده ..
وجود الرجل فى المغرب كان مكسبا لها ، قبل أن تكون مكسبا له ، لذا كان طبيعيا أن تكرم وفادته بما يستحق ، لكن رغم ذلك فحنين الرجل الى بلده لا ينقطع ، يشارك ويحاول بكل جهده وطاقاته فى تغيير واقعه ، أكثر من أناس فى الداخل يعملون لهدمه ، ظانين أنهم يبنونه ،بقلمه يكتب الأستاذ طلحة ما يراه صوابا ، قد يرضي السلطة أحيانا ويغضب خصومها ، والعكس صحيح ،هو مع الديمقراطية دائما ، ويرى فيها الحل الناجع لمشكلات السودان كلها ،حياده دائما ايجابي ، لا يمالئ هذا الفريق أو ذاك يقول رأيه بصراحة متناهية ، بعبارات يغلفها الأدب الذي تطبع به ،معلوماته دقيقة تحليلاته صائبة دائما ، مقالاته كثيفة المعلومات ، يكتبها بمهنية عالية ، من وحي خبرته الطويلة فى بلاط صاحبة الجلالة ،لا غرو فالرجل يدرس فنون الصحافة والإعلام فى معاهد كليات التعليم العالي هناك حيث يقيم ، وله صولات وجولات مع رؤساء وملوك وشخصيات العالم البارزين فى مجالات السياسة والثقافة والآداب والفنون ، وفوق كل هذا فهو صديق للأديب الراحل ،الطيب صالح وكتب من قبل سفرا قيما عنه ،وترجم من قبل عن الفرنسية كتاب ذاكرة ملك الذي يروي فيه الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل ذكرياته، وكتب مذكرات محمد عثمان الصيد، رئيس وزراء ليبيا السابق و كتب ثالثاً عن (الملك والعقيد قصة الذهاب والعودة من الحافة ) ولعله يصدر شيئا عن سنواته فى أمريكا حيث كتب سلسلة من المقالات الرائعة عنها ، فاقت العشرين .وكان وجوده فى واشنطن مكسبا لزملاء المهنة وجاليتها رغم أنة لم يطل البقاء بين ظهرانيهم ومؤكد انهم افتقدوه بمجرد مغادرته لبلاد العم سام .
الاستاذ طلحة جبريل ، يؤمن بان صناديق الاقتراع وليس فوهات البنادق هل الحل لازمات الحكم فى السودان ، ويدعو الساسة ان يتركوا الشعب السوداني يقرر مصيره إن كانوا يحبونه حقا ، و رغم انه شخصيا لم يشاهد قط صناديق الاقتراع ،طيلة حياته ،ولن يتمكن من التصويت لأي من مرشحي الرئاسة ، سواء خاضوا الانتخابات جميعا ، أو بعضا منهم ، (حتى الآن الرؤية فيها كثير من الضبابية ) ذلك أن عواصم عربية وافريقية وأوربية ستمنح الجاليات السودانية فيها الحق ، ستحرم أخري ،ويري الاستاذ طلحة أنه لو كان فى الانتخابات الحالية حسنة واحدة ، فإنها تتجسد فى هامش الحرية الكبير، الذي نتمتع به جميعا فى الصحافة ، بل حتى فى إقامة الليالي السياسية ومخاطبة الحشود الجماهيرية ،وهي بمثابة تمارين جيدة تعزز التجربة الراهنة ، يقول هذا الكلام ، رغم الشكوك التي تنتابه من أن المؤتمر الوطني الذي اغتصب الديمقراطية بقوة السلاح ، قد لا يستحسن تسليمها عبر صناديق اقتراع شفافة مستوردة من الغرب ، ويراقبها أوربيون وأمريكان وأفارقة ، وعرب وأناس كثر من الداخل ، ويرى أن المضي فى أشواط هذا السباق الى نهاياته أيا كانت أفضل ،من تأجيل الانتخابات ، أو مقاطعتها ، ولا يرى مبررا لذلك ، بحسبان ان السودانيين ليسوا قطيعا يقوده المؤتمر الوطني ، الى تلك الصناديق ، ليحملوه مرة أخرى الى السلطة ، ونحن نتفق مع الأستاذ طلحة فيما ذهب إليه من آراء وتحليلات ، ونضيف أن مقاطعة الانتخابات يعني بالضرورة إفساح الساحة للمؤتمر الوطني ، ليجلس على سدة الحكم لسنوات قادمات ، ذلك أن تأجيلها شهرا لن يضيف جديدا لقوى تحالف جوبا ، سيما إذا علمنا أن الحركة الشعبية لا يهمها من أمر الانتخابات سوى بلوغ هدفها الاستراتيجي وهي محطة الاستفتاء فى يناير 2011 ، وبالتالي الانفصال ومباركة المجتمع الدولي كله للدولة الوليدة فى الجنوب ، وقد تعقد الحركة الشعبية صفقات تحت الطاولة وفوقها مع شريكها الأكبر، دون علم تلك القوى ، أما المطالبة بدعم مالي لها كي تنهض فى بحر شهر بحملتها الانتخابية فأمر يثير استغرابي ، وقد لا تجد الحكومة آلية مناسبة للدعم ،و ذلك لوجود أكثر من 88 حزبا فى الساحة ، ولا تعرف الحكومة ولا الشعب وزنا حقيقيا لها بعد عقدين من احتكار الانقاذ للسلطة ،فلو ساوت بينهم ربما تكون ظالمة ، ولو ميزت بينها ربما أثارت عاصفة من الانتقادات لسلوكها هذا ، لكن كما قال البروفيسور إبراهيم غندور الأمين السياسي للمؤتمر الوطني ،بعد الانتخابات سوف تتحدد الأوزان ، وعلى ضوء ذلك يمكن للحكومة ان تدعم بشكل قانوني وشفاف الاحزاب ،ولن يكون مقبولا بحال تجميد قانون الأمن الوطني الذي شاركت الحركة الشعبية نفسها ، فى إجازته فى البرلمان، ( خلال فترة الانتخابات ) وقد تحدى غندور الاحزاب كلها ،ان تأتي بحادثة منع واحدة أو اعتقال أو ما شابه ذلك ،وقد رأينا كيف دشنت الاحزاب حملاتها الانتخابية دون أن يعترضها أحد ، و لا يعني ذلك مساواة للأحزاب كلها ونيلا لنصيبها من كعكة الإعلام القومي ، لكن تلام الاحزاب كونها لم تعمل خلال السنوات العشرين الماضية أو على الأقل من بعد محطة نيفاشا لمرحلة الانتخابات ،ولم ترتبط بشكل وثيق بقواعدها وربما كانت تظن ان محطة الانتخابات ليست سوى لعبة من ألاعيب المؤتمر الوطني ، ولم تستعد ليوم كريهة وسداد ثغر ، ربما ظنا منها أن المؤتمر الوطني لن يكون جادا فى إجرائها ، كما أن المقاطعة أو التأجيل لن يمنحها فرصة للفوز على المؤتمر الوطني ، الذي قال الأمريكان أنفسهم إنه فائز سواء كانت الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة أو مزورة ، ثم أنه ليس مقبولا بعد أن خسرت البلد كل تلك الخسائر ، أن يأتي هؤلاء ليؤجلوا أو يقاطعوا حدثا معلنا منذ 2005بشكل دستوري ، ومعلوم أن انسحاب هؤلاء ليس قانونيا ، وستكون أسماؤهم موجودة ، وسوف يصوت لهم من يصوت ويمتنع من يمتنع ، لأن فترة الانسحابات ولت ، وهي جداول وآجال معلومة لكن كما قلنا فى مقال سابق ربما الذى يحدث مجرد فرفرة مذبوح .وأن ما يحدث من انسحاب ومقاطعة يؤكد بجلاء ضعف أحزابنا السياسية وعدم استعدادها بشكل جيد لهذا الاستحقاق المهم ،وكان بإمكانها المشاركة بقوة بهدف تطوير الممارسة للمرات القادمة على الأقل .
عائشة دهب ما حكايتها ؟
عائشة دهب فتاة كانت تبلغ الثامنة عشر من عمرها كما يقول الأستاذ طلحة نقلا عن آخرين ، سرق خروف لها وهي ترعى ضأنها فى منطقة الجنينة بدارفور واتهمت رجلا يدعى يوسف زكريا بذلك ، وطبقا لأقوال بعض من شهدوا فصول قصتها فإن الفتاة قابلت الرجل صدفة فى الشارع وتلاسنت معه شتما وسبا ، ثم ضربته فقذفها الرجل بحجر أنهى حياتها ، ثم دفنها فى خور بالخلاء ، وقفل راجعا الى معسكر سيسي بالقرب من الجنينة ،فما كان من أهل القتيلة الا أن هاجموا المعسكر ، وأوسعوا سكانه ضربا طالبين تسليم القاتل ، فسلموه مرغمين ، فولوا به وربطوه الى جزع شجرة وبدأوا فى تعذيبه طالبين حوالي 50 ألف دولار حتى يخلوا سبيله ،مهددين بقتله ،وجمع بعض أهاليه وأحد أعيان المنطقة جزء من المبلغ وتعهدوا بإكمال الباقي ثم أطلق سراح الرجل ، الاستاذ طلحة ينتقد السلطات وقوات اليوناميد كونها لم تحرك ساكنا ، رغم ان الحدث لم يكن بعيدا عن سمعها وبصرها ،مثل هذه الأحداث تقع فى منطقة متوترة فى دارفور، ولن تستطيع قوات وجيوش الدنيا كلها توفير الأمن والسلام للمواطنين ، والإقليم ،ما لم تتوحد رؤى تلك الحركات المسلحة ، التي نحسب كل واحدة منها أنها تمثل الإقليم ومطالب أهله ، لتجلس الى الحكومة وصولا الى السلام المنشود والمفقود ، وكنا قد أشرنا فى مقالنا السابق أن محاولة كل فصيل للإستئثار بأكبر قدر من غنيمة السلطة والثروة ، كما تحاول حركة العدل والمساواة الآن تحقيقه مع الحكومة ، مع الإمعان فى إقصاء الآخرين من شأنه أن يزيد من بؤس سكان الإقليم جميعا ، ويجعل حادثة عائشة دهب تكرر بشكل دائم ، ( شخصيا قتل لي قريب بطريقة بشعة فى شمال دارفور من قبل عناصر حركة العدل ، رغم أن الرجل كان صديقا لخليل ابراهيم ، ربط الى جزع شجرة كبيرة وعذب عذابا شديدا ،حتى ابيضت عيناه من البكاء والعذاب طالبا منهم أن ينهوا حياته ، ظانا فى لحظات ضعفه التي استغلوها أبشع استغلال ، أنهم ربما يمنحوه موتا رحيما ، لكنهم تفننوا فى عذابه لمدة ثلاثة أيام حتى فاضت روحه الى بارئها .
أملي أن يلبي الأخ طلحة دعوة الأخ عبد الباقي الجيلاني وزير الدولة بوزارة الشئون الإنسانية له ليس لزيارة دارفور للوقوف عن كثب على الأوضاع هناك حيث لايجد الجيلاني عذرا لطلحة فى تأخيرها بل نرجو فى القريب العاجل أن يقول الأخ طلحة لبلده الثاني المغرب وداعا ويحزم حقائبه ويعود الى بلده ،وهو ينشد :
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه فى الخلد نفسي
ولوطنه عليه دين مستحق ، حتى لو كان ضنينا عليه ،وأرجو ممن يعنيهم أمر طلحه وأمثاله وما أكثرهم فى المهاجر ،أن ينظروا إليهم بما يستحقون وهم فعلا سفراء فوق العادة ،نرجو أن تعمل الدولة صادقة على إنهاء اغترابهم عن البلد كل هذه السنوات الطويلة ، إن كانت فعلا تقدرهم حق قدرهم وأخص بحديثي هذا الوزير الإنسان كمال عبد اللطيف عله يطلع على كلماتنا هذه .
سليم عثمان أحمد
كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.