يعكف الصحافي المغربي ذو الأصول السودانية، طلحة جبريل موسى، مدير مكتب "الشرق الأوسط "بالرباط، حاليا، على وضع اللمسات الأخيرة على كتاب جديد سماه" صحافة تأكل أبناءها".وينتظر أن تشرع يومية "المساء" في نشر حلقات الكتاب خلال أيام. وسيكون الكتاب رواية حقيقة تلخص مسار هذا الصحافي المخضرم في مهنة يسميها "مهنة المتع" وليس المتاعب، على امتداد أكثر من ثلاثة عقود. وينتظر أن يكون جبريل ليس فقط راويا لأحداث وملابسات عاشها شخصيا، بل موثقا،من خلال سيرته المهنية، لتاريخ الصحافة المغربية والعربية كما عاشها ابتداء من سبعينيات القرن الماضي،لا كما تروى. ومعروف أن تاريخ الصحافة، كما السياسة، في العالم العربي يبقى شفاهيا أو مطبوعا بالتأريخ الحذر، نظرا لتقاطع صانعي الأحداث والمصالح والملابسات في. وضعية تجعل تاريخ صحافتنا العربية بعيدا كل البعد عن التناول الموضوعي، مقتصرا عما تتناقله الألسن حول هذا زيد وعمر من الناس أو المؤسسة الفلانية والصحيفة العلانية. إذ ليس غريبا أن يكون رجل السياسة العربي (سواء في مركز الحكم أو المعارضة) هو صانع الحدث، ووفقا لمنطق المصالح والإكراهات والتجاذبات، يكون هو مهندس المؤسسات الإعلامية، التي يبقى كشف تاريخها مرتبطا بالقدرة والجرأة على كشف شق مهم من تاريخ صناع القرار أنفسهم.وهنا تكمن أهمية الكتاب وصعوبة قول الحقائق كما هي. ومن هذا المنطلق سيكون الكتاب المذكور محاولة أولى في اتجاه تشريح مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة المغربية، وجزء من الصحافة العربية، إنطلاقا من قراءة واقع المؤسسات الإعلامية من الداخل واستنادا على توثيق مراحل وما كان يمور فيها من أحداث كما وقعت فعلا ، لا كما يراد لها أن تروى. ومن المؤكد أن نشر تفاصيل ما عاشه طلحة جبريل في معمعان الإعلام المغربي لن يمر دون إثارة جدل،ذلك أن أناسا عاشرهم الرجل واشتغل معهم أو لحسابهم مازالوا على قيد الحياة.وليس من شك في أن قليلين نزهاء سيكونون راضين عما سيذكر عنهم، والمؤكد أيضا أن كثيرين سيستفزهم مضمون الكتاب. لكن المؤلف يردد دوما في أحاديثه الإعلامية أن"الناس يكتبون من الذاكرة وأنا أكتب من الوثائق" وقد يضيف "اقول هذا وأحتفظ بوثائقي قريبة من صدري".لعل هذا هو رهانه،وليس ما سيصدر من ردود أفعال لأناس لا يميزون ما بين مهمة الصحافي الباحث عن الخبر والموثق للحدث، وبين شعراء المديح. معروف عن طلحة جبريل أيضا أنه ذو علاقات كثيرة ومتشابكة في المغرب وخارجه مكنته من أن يحاور عشرات القادة، ما بين ملوك كالراحل الحسن الثاني ورؤساء حكومات.وبذاكرته اللاقطة لأدق التفاصيل لن يخلو الكتاب من طرائف وحقائق ومفارقات صادمة أحيانا ومسلية أحيانا أخرى. إنه خلاصة زخم سنين وتراكمات كثيرة.وبأسلوب بسيط وصعب التقليد. وبحكم أن كاتب هذه الأسطر احتك بطلحة جبريل، على مدار العقد الأخير، في ثلاثة تجارب إعلامية هي الصباح" قبل ولادتها، و"الجمهور" إلى غاية وأدها، و"الشرق الأوسط" التي ارتبط اسمها به في المغرب، وتركتها وتركتني ،فإني أنتظر توضيح كثير من الأمور التي ظلت خافية عني أو أن فهمي لها كان شخصيا أحاديا.ذلك أن طاحونة العمل اليومي تجعلك جزءا من نظام آلي يكون مجلبة للتسطيح.لعل أخذ مسافة قد تصل إلى سنوات مما حدث تكون ضرورية لفهم أعمق ل"ما وقع وكيف وقع ولماذا وقع؟" يذكر أن آخر كتاب أصدره طلحة جبريل تناول أسرار العلاقة بين الحسن الثاني والقذافي تحت عنوان"الملك والعقيد": رحلة الذهاب والعودة من الحافة.