تهيمن ظلال من الشك على موعد اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية الإسبانية الذي حدد له يوم 3 من الشهر المقبل في العاصمة المغربية، إذا لم يغير المكان والتاريخ في آخر لحظة كما حدث مرارا من قبل بطلب من المغرب. ويكتسي الاجتماع أهمية كبرى بالنسبة للجانبين، فهو الأول بعد التغيير السياسي النوعي الذي حدث في البلدين الجارين المتمثل في وصول حزبين جديد ين إلى السلطة: الشعبي المحافظ في إسبانيا ،الذي هزم الاشتراكيين ونال أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكنه يواجه في الوقت الراهن مصاعب جمة مع فئات عريضة من المجتمع والنقابات والأقاليم المسيرة ذاتيا التي يرفع بعضها علم "الاستقلال " والتحرر قدر الإمكان من هيمنة السلطة المركزية في مدريد، كما هو الحال بالنسبة لإقليم "كاتالونيا" وزادت من حدة تلك المطالب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي فرضت على الحزب الحاكم اتباع سياسة تقشفية تضررت منها الحكومات المستقلة، خشية الانهيار التام للاقتصاد الوطني. ومن جهته ليس العدالة والتنمية في وضع أفضل، إذ يتعرض، لسلسة هجوم وانتقادات من المعارضة بمختلف ألوانها، يؤججها غليان اجتماعي، مع فارق أن حزب الإسلاميين في المغرب لا يتوفر على كافة الأدوات التي تمكنه من سن السياسات التي يريد اتباعها بمقتضى التفويض الشعبي والدستوري الممنوح له، خلاف الحزب الحاكم في مدريد الذي يمارس سلطته التنفيذية، بدون منازع، على سائر مرافق الدولة الأمنية والعسكرية في الداخل والخارج ويدرك الإسبان نواحي القصور والضعف في السياسة الخارجية للحكومة ألمغربية لذلك فهم يحرصون أن يقتصر النقاش مع الرباط، خلال اللقاء المرتقب يوم الثالث من الشهر المقبل، على الملفات التقليدية مثل الهجرة السرية ومكافحة المخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة فضلا عن تفعيل وتنويع النشاط الاقتصادي وخلق فرض الاستثمار. وأكثرت الحكومة الإسبانية في المدة الأخيرة من تكرار عبارات الشكر والامتنان للمغرب، لما يبديه من حزم في التصدي للهجرة السرية ومنع جماعات الأفارقة الزاحفين من دول الساحل نحو سبتة ومليلية المحتلتين، لكن الإسبان يشعرون بنوع من الضيق حيال الاقتحام المتكرر الذي قام به أخيرا ناشاطون مغاربة، لثغر "باديس" الواقع على مسافة أمتار قليلة من مدينة الحسيمة ، وفيه رفعوا فيه لساعات العلم المغربي قبل أن يطردوا من طرف عناصر الحراسة الإسبانية. وفي سياق التصعيد، يعتزم من يطلقون على نفسهم "هيئة تحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة" العودة إلى تحرير "باديس" يوم الثالث من أكتوبر حينما يكون رئيسا الحكومتين المغربية والإسبانية مجتمعين في الرباط. وقبل ذلك الموعد، قررت نفس الجهة، تنظيم اعتصام، يوم السبت، عند مداخل مدينتي سبتة ومليلية، لعرقلة حركة الدخول والخروج منهما، ما يمكن أن تكون له عواقب سلبية على انسياب التنقل والمرور، خاصة وأنهم يطمحون أن يكون "توقيف" المرور لأجل غير مسمى. وينسق اعمال الناشطين النائب البرلماني، يحي يحي، الذي تصفه الصحف المحلية في مليلية وسبتة ب "المتهور والمريض نفسيا" والذي قال إنه وزع 5000 منشور سري في المدينتين المحتلتين، لدعوة سكانهما المغاربة إلى الانتفاض ضد الاحتلال. وحتى الآن لم يصدر عن الجانب الإسباني، ما يمكن اعتباره إشارة مطمئنة للمغاربة الذين يشعرون بالإهانة كون جارتهم الأيبيرية، متغطرسة بجنودها على بضعة أمتار من ترابهم الوطني في شاطئ الحسيمة وصخرة ليلي وجزر أخرى صغيرة متفرقة بالقرب من مليلية. لم تلمح مدريد قط إلى احتمال مراجعة موقفها وإعادة تقييمها لمعنى استمرار وجودها العسكري في جزر مهجورة لم تعد تمثل أية قيمة استراتيجية، يشكل الانسحاب منها فتح صفحة جديدة في علاقات ثنائية مبنية على تعاون متين وثقة متبادلة ويحرر إسبانيا من إرث استعماري بغيض. على العكس من ذلك، تصر الصحافة ووسائل الإعلام الإسبانية ومواقف الأحزاب السياسية، على وصف اجزاء محتلة من التراب المغربي بالأراضي الخاضعة للسيادة ألوطنية في نفي تام لحقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا ومن المؤكد أن هذا الملف المبلل بالرواسب والطحالب الاستعمارية، سيلقي بظلاله، بشكل من ألأشكال على أشغال اللجنة العليا المشتركة. وليس في مصلحة الطرفين وبالخصوص المغرب، على المدى البعيد التغاضي عن فتح أوراقه والهروب منه باعتبار ذلك امتحانا لإرادة ونوايا وقوة كل طرف، وبالتالي على المغاربة توحيد الصفوف والالتفاف حول حكومتهم، كيفما كان لونها، لتتحدث باسمهم وصوتهم أمام جار مصر على احتلال أراضيهم منذ بضعة قرون . تشعر مدريد أنه مكبلة حاليا بتداعيات الأزمة المالية غير المسبوقة، ولذلك فإنها تتبع سياسة النعامة إزاء المغرب ليخفف الضغط عنها بعدم إثارة القضايا الخلافية العالقة والمستعصية. وتعلم إسبانيا أكثر من المغرب، قيمة الأوراق التي يمتلكها ألأخير وهي كفيلة بترجيح ميزان القوى لصالحه، لكنها بنفس الوقت واثقة أنه لن يحركها أو لا يستطيع ذلك، على الأقل في الظرف الراهن، لأسباب لا تخفى على كل ذي بصيرة سياسية. *تعليق الصورة: عبد الاله بنكيران وماريانو راخوي رئيس الحكومة الاسبانية