مُنِعَ فيلم “الخروج: آلهة و ملوك” (Exodus: Gods and Kings) للمخرج ريدلي سكوت من العرض في مصر رسمياً من طرف لجنة الرقابة على المصنفات الفنية للسبب التالي: “عدم ملائمة الفيلم للأحداث التاريخية” و في المغرب بحسب تصريح السيد حسن بلقاضي مالك سينما الريف بالدار البيضاء للصحافة: “تمت مكالمة أصحاب القاعات التي كانت تنوي عرضه و تم إخبارها شفوياً بضرورة عدم عرض الفيلم تحت طائلة إقفال القاعة” رغم أن موزع الفيلم قد حصل له على تأشيرة العرض و لا يزال يعرضه في قاعته دون أدنى مشكلة بحجة أنه لم يتوصل بأي قرار مكتوب بهذا الشأن. و تقول جريدة الفيغارو على موقعها في الأنترنيت أنه ردا على سؤال لوكالة فرانس بريس، رفض مدير المركز السينمائي المغربي التعليق على أسباب حذف الفيلم من برمجة القاعات موضحا أنه قرار “لجنة رقابة الأفلام”، التي فضلت “إبلاغ الموزع بقرارها بدلا من التواصل.” و أضافت وكالة فرانس بريس “ومع ذلك، يجب أن تكون الحجج نفسها كما في مصر، حيث تم منع الفيلم من التوزيع بسبب “عدم الدقة التاريخية والدينية”. ما هي هذه الدقة التاريخية التي لم ينضبط لها الفيلم؟ على ما يبدو أولها أن المخرج ريدلي سكوت و شركائه من كتابة السيناريو قرروا ان يقدموا موضوع شق البحر على أساس أنه ظاهرة طبيعية بدل أن يقدموه كما في الكتب الدينية أنه معجزة. الأمر الثاني متعلق بشخصية موسى نفسه و الذي يصوره الفيلم على أنه زعيم سياسي كبير مقرب من السلطة ينقلب ليصبح مناضلاً من أجل الحرية. لكن الفيلم ليس بهذه الثنائية البسيطة بين الخير و الشر لأن بطل الفيلم كريستيان بال الذي يلعب دور موسى كان قد صرح في ما قبل: ” أرى موسى شخصيةً مصابة ب”الانفصام” و “الهمجية” و هو “مقاتل من أجل الحرية”. و لكنني أفضل أن أرى فيه “رجلاً معقداً” ولا أريد أن أصنع منه بطلاً تماما لأن المناضل من أجل الحرية بالنسبة للبعض قد يكون إرهابياً بالنسبة لآخرين.” و علاقة بالمنع في مصر و المغرب باختلاف شكليه، هناك في نظري ثلاث أمور يجب الوقوف عليها في الموضوع: 1- لا معنى البثة للجملة التي إستعملتها اللجنة المصرية و هي “عدم ملائمة الأحداث للوقائع التاريخية و الدينية” لأننا إذا افترضنا أن هذه القصة هي قصة تاريخية و هي ليست كذلك البتة لأنه لغاية الآن لم تتبث الحفريات الكثيرة التي تمت في مصر و في فلسطين و في كل المنطقة عن وجود شخصية تاريخية تسمى “موسى” و لا عن خروج ست مائة ألف نسمة من أرض مصر و لا عن موت أحد الفراعنة غرقاً في البحر هو و جيشه كاملاً. 2- لا معنى لضرورة ملائمة أي فيلم كان لأي حقائق تاريخية و لا دينية ما دام الفيلم روائياً بمعنى تخييلي يعكس تصور مؤلفيه عن الوقائع و الحكايات التي يحكونها. و حتى في حالة الأفلام الوثائقية فليس هناك أبداً “ملائمة للوقائع التاريخية” لأن الوقائع التاريخية تقرأ من باب وجهات النظر الإديولوجية و الفكرية و المعرفية و الطبقية و العقائدية لكل فرد و بالتالي فحتى الأفلام الوثائقية ما هي إلا التعبير عن رؤية مؤلفيها. 3- اللجنة المصرية للرقابة على المصنفات الفنية – رغم إعتراضي التام على قرارها – إلا أنها كانت على الأقل متحلية بالشجاعة الفكرية للتعبير عن الدوافع التي جعلتها تمنع الفيلم من العرض و نتمنى من لجنة مراقبة الأفلام المغربية أن تتحلى بنفس نوع الشجاعة و أن تبرر كتابة و عبر بيان للرأي العام إتصالها بأرباب القاعات هاتفياً لتفرض عليهم حذف برمجة الفيلم، لأنها بهذه السابقة ستكون قد أسست لنوع جديد من التعامل مع عروض الأفلام، سيهدد في القادم من الأيام كل فيلم مغربي أو أجنبي حاصل سلفاً على فيزا التوزيع بمكالمة هاتفية تسحبه من القاعات دون أدنى مبرر. مما سيهدد العملية الإنتاجية السينمائية المغربية و عملية توزيع الأفلام الأجنبية بالمغرب. في الختام أتمنى أن لا تكون هذه الواقعة بداية لوضع اليد على السينما في المغرب من طرف من يخلطون معتقداتهم الدينية بالسياسة و الثقافة و الفن و الذين كانو يحاولون منذ زمن ليس بالقصير تنصيب أنفسهم أوصياء على الناس و على ما يشاهدونه من أعمال سينمائية و أتمنى من غرف و هيئات و حرفيي السينما المزيد من اليقظة دفاعاً عن الحرية في المجال السينمائي: حرية الإبداع و حرية المشاهدة التي هي أساس إزدهار كل صناعة سينمائية.