03 مارس, 2018 - 08:03:00 في اشتباك فكري جديد بين الصحافي والسياسي، احتضنت القاعة الرئيسية للجامعة الأمريكيةبطنجة، مساء الجمعة 02 مارس الجاري، ندوة وطنية نظمها "المركز الإعلامي المتوسطي" تحت عنوان "الصحافي والسياسي.. سوء الفهم الكبير"، شاركت فيها أسماء سياسية وإعلامية بارزة وقفت خلالها على أسباب "سوء الفهم" الحاصل بين الصحافيين والسياسيين بالمغرب، ومدى تفَهُّم كل طرف لعمل الآخر، وحاولت أن تبحث عن نقاط الالتقاء الممكنة لتفادي الصراع بينهما. وعرفت الندوة التي شهدت حضورا كبيرا لإعلاميين وسياسيين وجمعويين .. غصت بهم جنبات القاعة الرئيسية الجميلة للجامعة الأمريكية بعاصمة البوغاز، رغم الأمطار القوية التي شهدتها طنجة مساء الجمعة، مشاركة كل من، عبد الصمد بن شريف مدير قناة "المغربية"، والناشط الإعلامي رشيد البلغيثي، والبرلماني محمد خيي، والباحث الأكاديمي عمر الشرقاوي، فيما تغيب الأستاذ حسن طارق لالتزام طارئ. خيي : السياسي النزيه لا يمكنه أن يشتكي من الصحفي المهني أولى المداخلات كانت للبرلماني محمد خيي، الذي اعتبر أن "هناك علاقة جدلية بين الصحافي والسياسي، فهي متوترة أحيانا وهادئة في أحيانا أخرى"، مشيرا إلى أن "وظيفة السياسي متميزة في الواقع عن وظيفة الإعلامي، فالإعلامي من المفترض أنه يشتغل على المعلومة، ويعمل على إيصال معطيات وأخبار للرأي العام والمجتمع، في المقابل هناك السياسي الذي لديه مشروع سياسي يسعى إلى الوصول إلى السلطة لتطبيق برنامجه السياسي الى غير ذلك" . في خضم هذا المسار، تساءل خيي "عن أي سياسي نتحدث وعن أي صحافي نتحدث"، وقال إنه "يتصور أن السياسي الذي يشتغل بمبدئية هو الأقرب إلى المناضل الذي عنده أفكار وأحلام أكثر منه طالب مناصب ومصالح، سيجد حليفا له في الجسم الإعلامي، إذا كان الصحافي يقوم على الحد الأدنى من الالتزام بالمهنية". وأضاف البرلماني عن حزب العدالة والتنمية "فأنا لا أعتقد بوجود استقلالية العمل الصحافي بشكل مطلق، أنا أومن بوجود خط للتحرير وهذا الخط التحريري قد يكون مستقلا عن مراكز معينة للنفوذ، أو مراكز السلطة أو أحزاب أو رجال أعمال"، ففي نهاية المطاف يؤكد المتحدث لا يمكن أن يكون مستقلا عن كل شيء، فالاستقلالية هنا في اعتقادي مسألة نسبية وفي بعض الأحيان تكون وهم، مشيرا إلى أنه ليس مطلوبا أن يتفق الصحافي مع السياسي. واعتبر محمد خيي أن "الإشكال الذي يتطور إلى سوء الفهم أو إلى صراع أو إلى علاقة صفرية أو إلى تناقض، بين الصحافي والسياسي، هو عندما يريد السياسي من الإعلامي أن يتحول تابعا له، أو بوقا له، أو أن يكون ذلك الصحافي، يشتغل لحساب أجندة مناقضة لأجندة هذا السياسي، فيدخل معه أنذاك في صراع" . وقال ذات المتحدث إنه "يتصور أن هذا السوء في الفهم قد يتبدد مع أول لقاء للتواصل، ولكنه قد يتحول إلى حالة مزمنة إذا كان هناك كل من هما له مرجعية مغلقة أو برنامج، أو غايات تتناقض مع غايات الصحفي"، مشيرا إلى أنه "إذا كان هناك احترام للمهنية، لا يمكن للسياسي أن يشتكي، وإذا كان السياسي فيه الحد الأدنى من النزاهة لا يمكن لهذا الصحفي أن يكون منصفا". بن شريف : في الديمقراطية الجدل بين السياسي والصحافي يكون محسوما عبد الصمد بن شريف مدير قناة "المغربية" الإخبارية، فقد اعتبر أن الجدل في المجتمعات المستقرة ديمقراطيا "أصبح محسوما ولم يعد هناك هذا التوجس مطروحا بنفس الحدة والخطورة، لأن السياسي يحتاج إلى الإعلامي للترويج لمشروعه، كما أن الإعلامي يوجد على علاقة سوية مع السياسي لأنه لا يجب أن يكون في صدام للحصول على المعلومة". وأضاف بن شريف أن الصحافي، على عكس السياسي، "يريد إخراج الأسرار إلى الرأي العام تبعاً لوظيفته الإخبارية الرقابية"، مشيرا إلى أن هذا الجدل في المجتمعات المستقرة ديمقراطيا "أصبح محسوما ولم يعد هناك هذا التوجس مطروحا بنفس الحدة والخطورة، لأن السياسي يحتاج إلى الإعلامي للترويج لمشروعه، كما أن الإعلامي يوجد على علاقة سوية مع السياسي لأنه لا يجب أن يكون في صدام للحصول على المعلومة". وسرد المتحدث في فقرة الردود، بعض الوقائع التي وقعت له مع بعض السياسيين الكبار، داعيا إلى تأهيلهم لأن لديه تمثل، بانه "مخصوشي يتقاس، مخصوشي يتناقش، وهذا مشكل". البلغيتي : لسنا في حالة "سوء الفهم" ولكننا في حالة "كسر العظام" من جهته كان الصحافي رشيد البلغيتي أكثر وضوحا عندما قال "لسنا في حالة سوء فهم كبير، وهو ليس سوء فهم، لا هو بكبير ولا هو بصغير، أعتقد أننا في مرحلة كسر العظام، وهذه حقيقة قد نخفيها وقد نتحدث عنها بوضوح" . واعتبر البلغيتي أنه "لا يمكن للصحافي أن يحيى إلا بوجود السياسي، ولا يمكن للسياسي أن يحي إلا بوجود الصحافي، ولا عيب في التقارب ولا في التباعد"، مشيرا إلى أن "الخطورة موجودة في القرب الدائم والمستدام ما بين الصحافي والسياسي، ومتى استدام هذا القرب تحول إلى زواج، وزواج الأقارب كما تعلمون ينتج عنه عيوب خلقية كبيرة". وأضاف المتحدث أن "السياسي في المغرب عموما لا يبحث عن صحفي ينقل الخبر بتجرد، بل يبحث عن الصحفي الذي يؤدي دورا تواصليا، والسياسي المغربي بشكل عام ما زال ينظر إلى الصحفي كبراح، والبراح لا يحتاج إلى تكوين، ولا إلى فهم سياسي، ولا إلى ثقافة متشعبة، بل يحتاج إلى صوت جمهوري فقط". وفي تعريفه لما سماه بالبراح، قال البلغيتي "البراح هو ناقل للخبر الرسمي يتلقى التعليمات من قائد قبيلته، أو من الأعيان، أو من القاضي، ويأتي بالأخبار من فوق ولا يأتي بأخبار الناس من تحت". وأشار الصحافي، إلى أن "إشكالية الممارسة الصحفية في المغرب، هو سجنها داخل نظرة تراثية لفاعل سياسي تراثي تقليداني تقليدي، يريد من الصحافي أن يبقى براحا، صاحب صوت جهوري لا رأي له، ينقل الأخبار من فوق إلى تحت، ولا ينقل الأخبار من تحت إلى فوق". وأوضح المتحدث على أن "السياسي استعمل فضاءات القانون للقيد وللتقييد، لذا جعل من مدونة الصحافة والنشر قانونا مكتوبا بمداد الضبط، لا بمداد الحرية، لذا فقد ترك فراغات يحدد فيها ما يعتبرها جريمة نشر بدون تحديد للعقوبة، فجاءت العقوبة في أماكن أخرى ونصوص أخرى من بينها القانون الجنائي". وأضاف البلغيتي أن "السياسي يعمل على صياغة قانون للمعلومة، قال عنه كل المتخصصين دون استثناء، انه قانون يقيد الوصول إلى المعلومة ويعمل على عدم الولوج إليها، لكن السياسي لم يكتفي في المغرب بالقانون كساحة للمواجهة وللحد الفعل الصحافي المهني بل انتقل إلى مجال أخطر الذي هو الإشهار، وجعل منه وسيلة للتأديب السياسي" . وتساءل ذات المتحدث "ما الذي يراد من الممارسة الصحفية بالمغرب؟ هل أن يتحول كل الصحفيون وكل المؤسسات الإعلامية إلى وسائل تواصلية، أم أن يؤدي الصحفي والمؤسسات الإعلامية دورهم الطبيعي، من خلال فسح المجال للنقاش العمومي بما يعتمل داخل المجتمع المغربي أم أننا سنستعمل الإشهار لقتل المؤسسات الإعلامية، وتصفيتها اقتصاديا ونستعمل القوانين كل القوانين من أجل إسكات الصحافة؟ وأضاف "هذا سؤال أساسي ومهم وعلى هذا البلد بمختلف الفاعلين فيه أن يجيبوا عنه ومتى أجابوا عنه أعتقد أننا سنكون قادرين على حسم مشاكل عدة". الشرقاوي : التوتر بين الصحافي والسياسي سيستمر من جانبة قال الأكاديمي عمر الشرقاوي "طبيعي أن يكون التوتر بين الصحافي والسياسي، وليس هذا التوتر وليد اللحظة وليس وليد الماضي فقط، ولن يقف بعد هذه الندوة، لأننا أمام فاعلين مختلفين في المصادر، في الأدوار، في النفوذ، في الأهداف"، مضيفا بالقول ""أعتقد أن هذا السوء الفهم سيستمر، لكن الأساسي هو كيف تدبير هذا السوء الفهم العادي والطبيعي"، متسائلا "هل يمكننا أن ندبره بمنطق أخلاقي، يعتمد على أخلاق السياسة وأخلاق الصحافة ؟". وأكد الأستاذ الجامعي على أن "علاقة السياسة بالصحافة ستظل متوترة، لأمور تتعلق بطبيعة النشأة"، خاصة وأن "السياسي يعتبر الصحافي رجل دعاية، وأنه لا يمكنه أن يخرج عن تصوراته، وجبته، وأهدافه، ورغباته". مضيفا "لا يمكن أن يكون الصحافي بدون رجل سياسة والعكس"، مشيرا إلى أن المشكل يكون "حينما يتقمص السياسي دور الصحافي، وحينما يريد أن يتقمص الصحافي دور السياسي، هنا تقع المشاكل لأن الصراع يكون حول من يمتلك الرأي العام، فهناك نوع من التنافس الصامت وهو من يكسب الرأي العام".