قال عبد الصمد بنشريف، مدير قناة الإخبارية المغربية، أن ثنائية السرية والحرية غالبا ما تحكم علاقة الصحافي بالسياسي، باعتبار هذا الأخير "صاحب مشروع وتصور وخطاب يحتاج إلى التعبئة، ولذلك يتحول إلى مصدر معلومة، لكنه بحكم تجربته الميدانية يكون كتوما". حديثُ بنشريف جاء خلال ندوة وطنية نظمها المركز الإعلامي المتوسطي حول موضوع "الصحافي والسياسي.. سوء الفهم الكبير"، مساء الجمعة، بقاعة المحاضرات بالجامعة الأمريكية "نيو إنغلند" بمدينة طنجة. وأضاف بنشريف أن الصحافي، على عكس السياسي، "يريد إخراج الأسرار إلى الرأي العام تبعاً لوظيفته الإخبارية الرقابية"، مشيرا إلى أن هذا الجدل في المجتمعات المستقرة ديموقراطيا "أصبح محسوما ولم يعد هناك هذا التوجس مطروحا بنفس الحدة والخطورة، لأن السياسي يحتاج إلى الإعلامي للترويج لمشروعه، كما أن الإعلامي يوجد على علاقة سوية مع السياسي لأنه لا يجب أن يكون في صدام للحصول على المعلومة". وواصل مدير قناة الإخبارية المغربية كلمته، موضحا أن المجتمعات الهشة اقتصاديا "تشهدُ الإغراءات الإعلامية أكثر، فيوظف السياسي الصحافي سلباً، مما ينتج عنه ريع وامتيازات، فيجد الإعلامي امتيازا بالتقرب إلى السياسي الذي يصبح نجماً، بينما البداهة تقتضي أن يكون كلٌّ في مكانه، السياسي في وظيفته التمثيلية، والإعلامي في مهمته الإخبارية". من جهته، اعتبر محمد خيي، برلماني ورئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة، أن الصحافة هي التي تحرك المياه الراكدة في السياسة، "كما أنه لا يمكن تصور إعلام بدون مادة سياسية وفاعلين سياسيين، فالسياسة هي نصب الحياة في المجال الإعلامي، ولا فكاك للسياسي من الصحافي، ولا معنى لوجود السياسي بدون الصحافي"، يقول خيي. وأوضح رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة أن استقلالية الصحافي "تقترب من أن تكون وهما، فهناك خط تحريري يدافع عن مبدأ ما، وبالتالي فالصحيفة تنحاز إلى القضايا التي تفي بهذا الغرض، وبهذا التوصيف سيشترك في مساحات كبيرة في الاشتغال مع السياسي". الإشكال الذي يتطور إلى سوء فهم أو صراع، يقول محمد خيي، "هو حينما يرغب السياسي بأن يكون الصحافي بوقا له، أو حينما يكون الصحافي يشتغل لحساب أجندة مناقضة لهذا السياسي، فيدخل معه في صراع وجود"، مشيرا إلى أنه لا يمكن حصر سوء الفهم في أن السياسي لا يريد من الصحافي ألا يتطرق إلى حقيقة معينة، "بل هناك تفاصيل تجعل درجة القرب والبعد تختلف حسب السياقات"، يضيف خيّي. الصحافي رشيد البلغيثي اعتبر في مداخلته أن الأمر بين الصحافي والسياسي تجاوز سوء الفهم ووصل إلى مرحلة كسر العظام، موضحا أن السياسي في المغرب عموما "لا يبحث عن صحافي ينقل الخبر بتجرد، بل الذي يؤدي دورا تواصليا، وهو ما زال ينظر إلى الصحافي من منظور تراثي ك"براح"، والبراح لا يحتاج إلى تكوين ولا فهم ولا ثقافة، بل صوت جهوري فقط، وهو ناقل للخبر الرسمي، يتلقى الأخبار من الأعيان ويأتي بها من فوق إلى تحت وليس العكس". وأوضح البلغيثي أن الصحافي "لا يمكن أن يحيا إلا بوجود السياسي"، مضيفا أنه لا عيب في التباعد ولا التقارب، "إلا أن الخطورة موجودة في القرب الدائم والمستدام، الذي يتحول إلى زواج، وزواج الأقارب يعطي عيوبا خلقية كبيرة" يقول البلغيثي، قبل أن يشير إلى مجموعة من الأرقام بخصوص المؤسسات الإشهارية، محذرا من أن يتم استغلال الإشهار لتصفية المؤسسات، أو أن تستخدم القوانين التشريعية من أجل إسكات الصحافيين. فيما اعتبر عمر الشرقاوي، وهو أكاديمي ومحلل سياسي، أن التوتر بين الجانبين ليس وليد اللحظة ولا وليد الماضي، ولن يقف بعد هذه الندوة، متسائلا: "كيف ندبر سوء الفهم؟". واستعاد الشرقاوي النشأة التاريخية للصحافة وطنيا، مؤكدا أنها كانت إما للدفاع عن الوطن، أو في حضن الأحزاب. واستعرض أسماء مجموعة من السياسيين، الذين كانوا رؤساء تحرير عدد من الصحف، مؤكدا أن الصحافة ولدت في حضن السياسي. هذه النشأة الملتبسة، وفق الشرقاوي، "كباقي النشآت المرتبطة بالنقابات والتنظيمات الحقوقية الموازية، جعلت السياسي يفكر بأن الصحافي يجب أن يكون رجل دعاية"، موضحا أن الصحافي هو ابن بيته، "وبالتالي لا يمكن أن نطلب منه أن يكون مثاليا في بيئة سياسية غير مثالية". وفي هذا السياق، قال الشرقاوي إن "قانون الحصول على المعلومة تمخض فولد حشرة"، مضيفا أنه قضى سنين بين الحكومة والبرلمان، ليضم في الأخير مادة غريبة جعلت قانون الحصول على المعلومة يساوي عدم الحصول على المعلومة، "وكل هذا بسبب العقل السياسي المحافظ المبني على الضبط"، يضيف الشرقاوي.