قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إن "القضاء والإعلام من بين الأعمدة الأساسية للمجتمعات الديمقراطية والمقومات الضرورية، التي لا غنى عنها لبناء دولة سيادة الحق وحكم القانون". وزير العدل والحريات يعلن عن إحداث مهمة ناطق باسم كل محكمة جانب من الندوة (ت: كرتوش) أبرز الوزير، في ندوة صحفية نظمتها جمعية "إعلاميي عدالة"، بشراكة مع وزارة العدل والحريات، مساء أول أمس الخميس بالرباط، تحت شعار "أي دور للإعلام في إصلاح منظومة العدالة؟" أنه بقدر ما لهذه العلاقة التفاعلية بين القضاء والإعلام من تأثيرات إيجابية، خاصة على مستوى مساهمة الإعلام في تنوير الرأي العام حول بعض القضايا التي تثير انتباهه أو توفير معطيات مهمة لمراقبة مرفق العدالة وحسن سير إدارته. وقال إن الممارسة اليومية كشفت العديد من مظاهر التأثير السلبي للإعلام على منظومة العدالة، ذكر منها نشر معلومات مفصلة عن بعض القضايا التي مازالت في طور البحث أو التحقيق، الأمر الذي يؤثر على حسن سير العدالة ويعطل الوصول إلى الحقيقة، ونشر صور وبيانات الأشخاص، ما يمس بمبدأ قرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة، ونشر أخبار عن وقائع غير صحيحة ونسبتها إلى أفراد وجهات محددة، دون مراعاة لكرامة وسمعة الأفراد والمؤسسات، واستعمال عبارات قانونية في غير محلها من قبل الإعلاميين، عند تغطية بعض القضايا، مما يُعطي تفسيرا خاطئا لحقيقة الأمور والإجراءات المتخذة. ويرى الوزير أن ضمان التفاعل الإيجابي بين منظومة الإعلام ومنظومة العدالة يقتضي نهج أفضل السبل، واتخاذ كافة الضمانات لتحقيق الموازنة بين حرية الإعلام في نقل الخبر وبين حق الرأي العام في معرفة مجريات الأمور، واحترام حدود وضوابط هذا الحق، بما يضمن استقلالية القضاء وضمان المحاكمة العادلة واحترام حقوق الأفراد، مضيفا أن هذا لن يتحقق إلا في إطار مقاربة شاملة، تتجاوز مسببات التنافر بين المنظومتين، وتتجاوز الصعوبات المطروحة، وتحتكم إلى إعمال الاجتهاد والانفتاح على التجارب والممارسات الدولية المتقدمة في هذا الشأن، مع المبادرة إلى اتخاذ بعض التدابير الكفيلة من طرف المنظومتين معا لتحسين العلاقة. ويرى الوزير أنه لابد من تعزيز التخصص القضائي على مستوى المحاكم، من خلال دعم الغرف المتخصصة في مجال النشر والصحافة والتواصل والإعلام بقضاة مكونين في هذا المجال، ووضع ضوابط للحصول على المعلومة القضائية وفق ما يفرضه القانون والمواثيق الدولية، ووضع آليات للتواصل بين الصحافيين والمحاكم، مشيرا إلى توجيه منشور من طرف الوزارة من أجل إحداث مهمة ناطق باسم كل محكمة، وتسهيل ولوج الصحافة لحضور الجلسات في إطار احترام مبدأ علنية الجلسات، وتخصيص فضاءات خاصة بالصحافيين داخل المحاكم، والمساهمة في تكوين الصحافيين على مستوى المعرفة القانونية والقضائية، وعقد ندوات ولقاءات علمية للتواصل. أما على مستوى منظومة الإعلام، فدعا الوزير إلى احترام الضوابط القانونية للتغطية الإعلامية للشأن القضائي، من خلال احترام استقلالية القضاء وقرينة البراءة وكافة ضمانات المحاكمة العادلة، ودعم التخصص القانوني للإعلاميين المتخصصين في تغطية المحاكمات والشأن القضائي، والتقيد بضوابط الحصول على المعلومة القضائية، ووضع آليات للضبط الذاتي تسهم في تطوير الأداء واحترافيته. وفي كلمة له بالمناسبة، أوضح عبد الله الشرقاوي، رئيس جمعية "إعلاميي عدالة"، أن الجمعية تسعى إلى تعزيز وترسيخ التكوين والتكوين المستمر والتخصص في الاتجاهين معا، القضائي والإعلامي، وخدمة المقاولات والمؤسسات الإعلامية، وتطوير الأداء المهني، والرفع من قدرات الصحافيين وتنمية الوعي القانوني والحقوق في هذا الميدان، مع الدفع باحتلال الإعلام المتخصص مكانته اللائقة، باعتباره يسدي هو الآخر خدمة عمومية، ورافعة أساسية لتنمية البلاد. وأضاف أن الجمعية تطمح إلى الدعوة لتوفير ظروف العمل بالمحاكم، من خلال بناء علاقة ثقة مؤسساتية، وإيجاد مخاطب للإعلاميين المهتمين بشأن العدالة، وتخصيص مقاعد للصحافيين بقاعات جلسات المحاكم، وتوفير فضاء للاشتغال من داخل بنيات المحاكم، في ما يهم وزارة العدل والحريات. وفي مداخلة له حول الضوابط القانونية للتغطية الإعلامية للشأن القضائي، اعتبر مصطفى يرتاوي، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرماني، أن تجربة الغرف المتخصصة في قضايا الصحافة تعد رائدة، ويجب تدعيمها بالوسائل الضرورية، سواء المتعلقة بالبنية التحتية أو من حيث التكوين والتكوين المستمر لقضاتها. ويرى اليرتاوي أن الاعتقاد السائد بأن هناك سوء فهم بين القضاء والإعلام يبقى مجرد سحابة صيف زائلة في ظل المقتضيات الدستورية، التي تحث على أن القضاء أصبح ملزما بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، مشيرا إلى أن الدستور أكد هذه المبادئ في ديباجيته التي تقضي بتعهد المملكة المغربية باحترام حقوق الإنسان وتشبثه بمبادئها كما هي متعارف عليها عالميا، وجعل الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية. وأضاف أن الدستور خص في الباب الثاني بكامله الفصول (19 إلى 40) للحريات والحقوق السياسية، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الموارد أصبحت الآن ملزمة للقضاء بالمغرب أثناء النظر في قضايا الصحافة. وأضاف أنه إذا كانت حرية التعبير تتطلب توفر هامش كبير من الحرية للصحافة من أجل إطلاع الجمهور على ما يهمه من وقائع بما فيها تلك المرتبطة بالعدالة، فإن هذه الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم المساس بحقوق أخرى، أهمها احترام قرينة البراءة. من جهته، قال نور الدين مفتاح، رئيس فدرالية ناشري الصحف، إن "الصحافة سلطة بلا حماية، ويمكن للصحافي أن يتعرض للاعتداء، وبالمقابل يمكن للقلم أن يحدث ضررا كبيرا"، مشيرا إلى أن الصحافي يعمل في ظروف سيئة جدا داخل المحاكم، إلا أنه بفضل مبادرة وزارة العدل والحريات، ستخصص مقاعد للصحافيين داخل المحاكم. وأبرز مفتاح أن المفاوضات حول تعديل قانون الصحافة ثلاث سنوات دون جدوى، وأنه قُدم لوزير الاتصال 120 تعديلا على 130 مادة استجاب ل 115 تعديلا، مشيرا إلى أن مطلب هذه التعديلات نابع من حق المجتمع في المعلومة. ودعا إلى توضيح الأمور من خلال القانون وإيجاد التوافق بين حرية الصحافة وحقوق الإنسان، مبرزا أن مجالي الإعلام والقضاء يوجدان في طور الإصلاح، وأن "قانون الصحافة فيه عيوب كثيرة، ولا يضمن حرية الصحافة، لذا نتفاوض حول وضع قانون أحسن يلغي العقوبات الحبسية، وبالنسبة للعدالة فإن استقلالية السلطة القضائية بدورها مطلب". في السياق نفسه، أبرز محمد الخضراوي، رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي بمحكمة النقض، أن الدستور حمل في مضامينه عدة مقتضيات ذات حمولة حقوقية. وأضاف أن التشكيك في السلطة القضائية أو زعزعة الثقة فيها ليس من مصلحة أي جهة، لأنها هي الملجأ دستوريا وواقعا، مبرزا أن كل التجارب أثبتت أنه "للاحتكام لا بد من اللجوء إلى جهة معينة طبقا للقانون، وبما أن السلطة القضائية هي التي تحكم، فإننا نطالب بقضاء متخصص وقضاء له تكوين حقوقي، ما يقتضي إحداث مسارات لتكوين حقوق الإنسان منذ البداية في الكليات". من جهة ثانية، أبرز أن التواصل يجب أن يكون له محتوى مع تقييمه وتطويره بشكل دائم، مشيرا إلى أن هناك مقاربتين يجب العمل بهما، الأولى تهم "إيصال المعلومة الصحيحة مهما كانت صادمة، والثانية، تهم تكريس الثقة، التي هي بحاجة إلى منهجية وإلى الصبر"، موضحا أن "الثقة لا تأتي بأخبار تشكيكية وبمنظور اتهامي وبنظرة فئوية أو تحيز فئوي". ودعا إلى التركيز في العمل من أجل الدفع بالبلاد إلى دولة الحق والمؤسسات. وأضاف أن محكمة النقض كانت سباقة إلى عقد ثلاث دورات تواصلية مع الإعلاميين، أنتجت توصيات مهمة وأفرزت دراسات مهمة جدا ودلائل عملية توجد رهن الطبع سيتم وضعها رهن إشارة الجميع. وفي مداخلة لها حول أهمية الإعلام المتخصص في إصلاح منظومة العدالة، طرحت فاطنة خراز، نائبة رئيس جمعية "إعلاميي عدالة"، مجموعة من التساؤلات، أبرزها موقع الإعلام بشكل عام، والإعلام المتخصص في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، والدور المنوط بمؤسسة التواصل المرتقبة في مشروع ميثاق إصلاح منظومة العدالة، موضحة أن التواصل علم قائم بذاته، كما تساءلت إن كان يمكن الحديث في المغرب عن إعلام متخصص، أم إعلام مهتم بالشأن القضائي.