نقاشات عميقة تلك التي شهدتها ندوة "واقع الإعلام في المنطقة المغاربية" اليوم بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، فبين ضرورة بقاء الصحافي في حدود مهنته وبين التزامه في النضالات السياسية، وبين رسوم "شارلي إيبدو" وحدود حرية التعبير، وبين واقع الصحافة في المغرب مقاربة بدول فرنساوالجزائروتونس، تعددت الآراء في لقاء نظمته المؤسسة الألمانية "فريدريش ناومان من أجل الحرية". ففي غياب وزير الاتصال مصطفى الخلفي وعدد من الفاعلين الإعلاميين الذين وضع المنظمون أسماءهم سابقاً في قائمة الحضور، شهدت الندوة تواجد مديرة مؤسسة فريدريش ناومان، أندريا نويس، التي استغربت عدم تواصل أي صحافي مغربي معها بخصوص أسباب منع تنظيم المؤتمر الذي تدخل الندوة في إطاره، مشيرة إلى أنها لا تعلم شيئاً عن احتجاج رسمي من وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي زار المغرب خلال هذا الأسبوع، وهو الخبر التي وقع تداوله في الأيام الأخيرة. رشيد البلغيتي، أحد المحاضرين في هذا اللقاء، ذكّر أولاً بواقعة احتجاز طاقم تلفزي تابع لقناة فرانس 24 البارحة الجمعة بالرباط، بسبب ما قالت ولاية الرباط إنه تصوير سري بدون رخصة، ليشير إلى أن السلطات المغربية "لا تزال تمارس الرقابة القبلية، وأنها تلجأ إلى سلطة المنع بشكل مزاجي حسب ما تراه مناسباً". وعاد البلغيتي إلى ما وصفها ب"البدايات الهاوية" للصحافة الإلكترونية المغربية، ثم اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الاتصال في مارس 2012، وبعدها إلى إصدار الكتاب الأبيض للصحافة الإلكترونية، فمشروع قانون مدونة الصحافة والنشر، الذي انتقده المتحدث بقوله إنه "يطالب هو الآخر بترخيص التصوير مع ما يتسبب به ذلك من إزعاج وإرهاق للصحافيين، ويشكل امتداداً للصيغ الفضفاضة في التطرّق لبعض المواضيع كالمؤسسة الملكية والجيش والدين". وتوقف البلغيتي عند بعض العراقيل التي تشهدها الصحافة الإلكترونية المغربية من قبيل البحث عن الزيارات بطرق غير أخلاقية وغير مهنية، وما أسماها ب"البروليتاريا الرقمية"، والتي عني بها الأوضاع الاجتماعية لمجموعة من الصحافيين العاملين في الكثير من الجرائد الإلكترونية. منهياً مداخلته بأنه على الصحافي ألّا يبقى في دائرة الحياد، بل عليه أن يكون مدافعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. رأي البلغيتي في "النضال الصحفي" وجد معارضة من طرف الصحافيين الحاضرين كعزيز الحور الذي اعتبر أن الصحافي ملزم أولاً وأخيراً باكتساب الآليات المهنية، وأن هناك طرقاً أخرى غير التحرير كي يناضل الصحافي من أجل حقوق الإنسان، حيث أشار الحور إلى ضرورة فصل الفعل الصحفي عن النضال الحقوقي والسياسي، وأن ما يهم المواطن عندما يقرأ مادة صحفية، هي المعلومة الصحيحة قبل كل شيء. ومن الحاضرين كذلك، الخبير الإعلامي التونسي كمال العبيدي الذي تحدث عن إصلاح الإعلام في تونس، والصحافي الفرنسي بيير دوم، الذي عاد إلى حادثة الهجوم على جريدة "شارلي إيبدو" كي يستنتج أن الإعلام "لم يستطع الدفاع عن الديمقراطية ولم يستطع المساهمة في تعايش الناس بتسامح وبتقبل الاختلاف"، متحدثاً عن عدد من "التحديات" التي تعترض طريق الإعلام في فرنسا والمغرب والجزائر، بشكل متفاوت. من هذه التحديات، مسألة التمويل التي تطرح الكثير من الأسئلة حول هويّة من يوجّهون الإعلام ولمصلحة من، ثانيها كثرة المواضيع الممنوعة في المغرب والجزائر، ثالثها غلبة المواضيع "غير المفيدة" في الجرائد والمواقع، رابعها عدم متابعة العناوين الصحفية الجادة، أما التحدي الخامس والسادس، فيرتبطان أكثر بفرنسا، الأول هو أن الصحافيين ينتمون في الأصل لطبقات اجتماعية غنية بحيث يصعب عليهم استيعاب هموم الطبقات الدنيا، والثاني هو التقليل من ميزانية تنقل الصحافيين إلى خارج مقرّاتهم، وبالتالي التأثير على جودة وطول المواد الصحفية. ومن الجزائر، تدخل الصحافي إلياس حلاس حول قيود حريّة الصحافة في بلاده، معتبراً أن "الغموض الذي يكتنف التاريخ الجزائري الحديث، وصعود الإسلاميين الذي ضايق الصحافيين، وغياب أي اهتمام حكومي بأوضاع الصحافيين لدرجة عدم وجود لجنة تشرف على توزيع بطائق الصحافة" من أكثر التحديات التي تواجه الإعلام الجزائري، غير أن مديرة المؤسسة، عقّبت على قوله بأن الجزائر تبقى أكثر حرية في الصحافة من المغرب، وهو ما رفضه بعض المتدخلين، كالصحافي المغربي سامي المودني الذي أبرز كيف أن الصحافة المغربية تلامس ملفات حساسة بشكل يغيب عند صحافة الجارة. جدير بالذكر أن لجنة تنظيم " المؤتمر الدولي حول الإعلام والحريات في المنطقة المغاربية" كانت قد أعلنت عن احتضان أحد فنادق الرباط لأشغاله، قبل أن تعود لمراسلة الصحافيين بأن إدارة الفندق المذكور قد تلقت تعليمات من "جهات عليا" بعدم احتضان هذا النشاط دون أن تقدم مبررات المنع، ليتم نقل أشغاله بالكامل إلى مقرّ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.