نبه مرصد العمل الحكومي إلى مجموعة من الإشكاليات والعراقيل التي تواجه الجالية المغربية، بالرغم من مساهماتها الكبيرة، سواء فيما يتعلق بالتحويلات المالية الضخمة التي تشكل دعامة للاقتصاد الوطني، أو حجم الاستثمارات المباشرة، أو المساهمة في موارد الأبناك، وفي دعم السياحة، والوحدة الترابية، ودعم الرياضة المغربية، فضلا عما تشكله الجالية من خزان للكفاءات والأطر. وسجل المرصد في ورقة تحليلية حول الجالية، أنه و رغم كون هذه الأخيرة فاعلا محوريا في التنمية الاقتصادية بالمغرب، إلا أن نسبة التحويلات المخصصة للاستثمار لا تتجاوز 10 في المئة، ليس بسبب غياب الإمكانيات، بل بسبب نقص في الرؤية والآليات المناسبة التي تعيق استثمار هذا الخزان الكبير من الطاقات الاقتصادية.
وتوقف المرصد على غياب رؤية استراتيجية شاملة ومندمجة تستهدف إدماج الجالية بفعالية في النسيج الاستثماري الوطني، ولاستقطاب استثماراتهم بشكل منظم ومدروس، حيث يجد المغاربة المقيمون في الخارج أنفسهم أمام خيارات غير مهيكلة وغير مدروسة، مما يجعل استثماراتهم غالبا عشوائية أو مقتصرة على قطاعات تقليدية كالخدمات والعقار، بدلا من استهداف قطاعات ذات قيمة مضافة عالية. وأشارت الورقة إلى ضعف آليات التمويل والدعم، وتعقيد الإجراءات الإدارية ومحدودية اليات الرقمنة، وغياب تمثيليات استثمارية في بلدان الإقامة، ونقص الحوافز الضريبية والبيئة المحفزة. كما رصدت الورقة التحليلية ضعف التمثيلية السياسية لمغاربة العالم، حيث تعاني مشاركتهم من عدة اختلالات تمتد إلى تمثيليتهم في المؤسسات الوطنية وتأثيرهم في السياسات العمومية، ما يكرس ضعف ارتباطهم السياسي بالوطن، خاصة في ظل ضعف أثر مجلس الجالية، ويظلون غائبين عن مواقع اتخاذ القرار والمؤسسات الحيوية، ما يخلق شعورا متزايدا بالتهميش. كما توقف المرصد على عراقيل أخرى يعاني منها مغاربة العالم، ومن بينها إشكالية الاستقبال، بداية من التحديات التي تواجه عملية "مرحبا"، وغياب أسطول نقل بحري وطني قوي، فضلا عن إجراءات الاستقبال في الموانئ والمطارات التي تعرف تعقيد المساطر الجمركية أحيانا، إضافة إلى تحدي جودة الخدمات المقدمة، دون إغفال الخدمات القنصلية المقدمة للجالية المغربية والإشكالات المرتبطة بها، وضعف المساهمة في التأطير الثقافي والرياضي للجالية. ولم تغفل الورقة التنبيه إلى إشكاليات البيروقراطية الإدارية والفساد الذي تعاني منه الجالية عند قضاء مصالحها داخل أرض الوطن، وهي إشكالية تتسم بتعقيد المساطر الإدارية، وتعدد الوثائق المطلوبة، وتكرار الإجراءات بين مختلف الإدارات، فضلا عن غياب التنسيق بينها، حيث تجعل هذه العقبات من إتمام المعاملات تجربة مرهقة ومكلفة على الصعيدين المادي والزماني، وتؤثر سلبا على العلاقة بين الجالية والمؤسسات الوطنية، حيث يترسخ لدى العديد منهم شعور بالإحباط والبعد عن الإدارة المغربية، التي من المفترض أن تسهل ارتباطهم بوطنهم الأم. كما تتعرض الجالية بشكل خاص لممارسات الفساد مثل الرشوة واستغلال النفوذ، نتيجة لغياب الوضوح في الإجراءات وضعف الرقابة، حيث يعاني أفراد الجالية أحيانا من التمييز غير المعلن، و ينظر إليهم على أنهم فئة قادرة على دفع تكاليف إضافية غير قانونية لإنجاز خدماتهم بشكل أسرع، وهو ما يضعف ثقة الجالية في المؤسسات، ويزيد من إحساسهم بعدم الإنصاف مقارنة بباقي المواطنين. وأوصى المرصد باعتماد خطة وطنية واضحة لإدماج مغاربة العالم في النسيج الاستثماري الوطني، من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية مثل التكنولوجيا، وتوفير منصة رقمية شاملة تضم فرصًا استثمارية محدثة ومهيكلة حسب المناطق والقطاعات الاقتصادية، وتطوير آليات تمويل مبتكرة، وتحسين الرقمنة والتواصل، وإنشاء مكاتب استثمار بالخارج. كما دعا المرصد إلى تقوية التمثيلية السياسية للجالية بإشراكها في مؤسسات الحكامة الوطنية، وتفعيل حق التصويت والترشح، ناهيك عن تحسين استقبالها بإنشاء أسطول نقل بحري وطني، ومراجعة سياسات السفر الجوي، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتحسين البنية التحتية في الموانئ والمطارات، وتطوير الخدمات القنصلية، بزيادة عددها وتطوير خدماتها الرقمية وتأهيل مواردها البشرية، فضلا عن تعزيز التأطير الثقافي والرياضي، ودعم الكفاءات المغربية المغربية بالخارج ، إشراك الجالية في الدبلوماسية الموازية. وأوصى المرصد بإصلاح البيروقراطية الإدارية ومحاربة الفساد، بإنشاء شباك موحد يوفر جميع الخدمات الإدارية الموجهة للجالية في أماكن تجمعهم خلال فصل الصيف وفي الإدارات الرئيسية، وتطوير الرقمنة، ووضع آليات صارمة لمحاربة الفساد الإداري مثل إطلاق منصات للإبلاغ عن الممارسات غير القانونية وضمان حماية المبلغين.