لقد أنهى الرئيس دونالد ترامب ولايته الأولى بما يسمى صفقة القرن الشهيرة في عام 2020 والتي بمقتضاها سيحل "السلام في الشرق الأوسط" بفضل "اتفاقيات أبراهام" بين دولة إسرائيل وبعض الدول العربية. من هو الغائب الكبير في هذه الاتفاقية؟ إنهم أهل الدار وأصحاب القضية الأوائل وهم الفلسطينيون.
لماذا؟ لقد اختفت عن إسرائيل صفة العدو وحلت محلها دولة إيران لتصبح العدو الكبير للعالم العربي. ماذا تقترح اتفاقيات أبراهام على الدول العربية التي تهددها دولة إيران؟ بكل بساطة الارتباط بالشراكة مع إسرائيل للحصول على حمايتها من العدو الجديد. ثم هيمن على الدول العربية خلال سنوات برنامج ٌضخم ٌمن التضليل من أجل الترويج لهذه الشراكة الجديدة و"منافعها الكثيرة" ولاتفاقيات أبراهام. وكانت الفكرة الطاغية هي أن إيران دولة مارقة تسعى لزرع بذور الفتنة بين السنة والشيعة وتريد إسقاط أنظمة الحكم في إمارات الخليج العربي وتمنح الدعم والسلاح لمنظمة البوليساريو الصحراوية من أجل إضعاف السلطة في المغرب وهذه الأخيرة ترفع شعارات مساعدة الفلسطينيين بينما الحقيقة هي أنها من أكبر أعدائهم. وقد انتشرت بالفعل ملامح هذه الحملة الساعية إلى شيطنة دولة إيران، لدرجة أن دول الخليج (باستثناء قطر وعُمان) قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ولكن الفلسطينيين اختفوا فجأة من الخريطة الجيوسياسية التي يشرف عليها المحافظون الجدد. لقد نجح ترامب في إقناع بعض الدول العربية ومن بينها المغرب بالتنكر لكل التزاماتها إزاء الجامعة العربية وقرارات مؤتمرات القمة العربية ومبادراتها التي كانت تقترح على إسرائيل حالة سلام مقابل نهاية احتلال الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها إسرائيل في شهر يونيو 1967 وهي مبادرة "الأرض مقابل السلام ". وقد كان الموقف التضامني الموحد من طرف الدول العربية هو الرصيد الدبلوماسي العربي لمساندة القضية الفلسطينية خلال عدة عقود. وقد استطاع ترامب تفكيك هذا الرصيد تماما كما تُفكك ربطة من البصل بسحب واحدة منها فتبتعد حبات البصل الواحدة بعد الأخرى. ولكن بعد أربع سنوات لازالت اتفاقيات أبراهام تراوح مكانها الذي تركها فيه ترامب عام 2020 ولم ينخرط فيها إلا أربع دول عربية من أصل 22 دولة عضو في الجامعة العربية. صحيح أن هناك دولا عربية طورت علاقات قوية مع إسرائيل رغم أن هذه الأخيرة ماضية في تنفيذ برنامجها الإجرامي من أجل التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين. وفي غضون ذلك تصالحت العربية السعودية مع إيران في شهر مارس 2023 بفضل وساطة صينية وهو ما ضرب مصداقية الاستراتيجية الأمريكية لتأجيج الخصومة بين إيران والدول العربية. ومنذ السابع أكتوبر 2023 جاء طوفان الأقصى ليزعزع توازنات المنطقة كلها (1) وظهرت الطبيعة الحقيقية لدولة إسرائيل التي لا تستطيع البقاء إلا على أنقاض التخلص من الفلسطينيين وطردهم والاستحواذ على أراضيهم وهذه النوايا التوسعية هي التي عبر عنها نتانياهو عدة مرات. (2) أما إيران فهي منخرطة أكثر من أي وقت مضى في مساندة المقاومة الفلسطينية وهو ما يجلب عليه سخط وغضب إسرائيل وكل المعسكر الامبريالي في العالم. أما اتفاقيات أبراهام فقد فقدت بريقها وجدواها بعد السابع أكتوبر. إذا أراد ترامب أن يظهر بمظهر البراغماتي عليه ألاّ يرضخ لضغوط المحافظين الجدد المتطرفين (ومنهم نتانياهو) وأن يراجع حساباته ومواقفه. إن المقاومة الفلسطينية مستمرة في معركتها منذ 13 شهرا رغم غياب التوازن بينها وبين قوى المحتل الصهيوني المدعوم سياسيا وعسكريا من طرف ائتلاف عالمي من الدول الاستعمارية وبعض الدول العربية ولا زالت أرض المعركة في غزةولبنان بين أيدي المقاومة وهذه القوى المقاوِمة هي التي تستطيع تحديد تاريخ اليوم الأخير ويوم ما بعد الحرب. ماذا سيفعل ترامب إذن؟ هل سيستمر في التشبث بسياسة المحافظين الجدد وسياسة بايدن التي تطمح إلى تحقيق النصر النهائي كما يزعم نتانياهو وهي سياسة الحرب المفتوحة التي يمكنها في كل لحظة أن تؤدي إلى نزاع إقليمي وربما عالمي. إن صورة الولاياتالمتحدة في العالم تضررت كثيرا بهذه السياسة لأن الحرب التي تساندها ستكون لها عواقب هائلة عند شعوب الدول العربية والإسلامية كلها وكذلك عند كثير من الأمريكيين وباقي شعوب العالم. ولذلك فإن مدة شهرين التي تفصلنا عن يوم استلام السلطة من طرف دونالد ترامت ستكون حاسمة جدا. إذا مرّ تسليم السلط بدون عوائق فلا يمكن إطلاق أية مبادرة كبيرة تورِّط الإدارة المقبلة دون موافقة الرئيس الجديد. لقد وعد ترامب ناخبيه وخاصة منهم العرب والمسلمين بإنهاء الحرب ومن غير المرجح أن تمضي إسرائيل وأمريكا في مهاجمة إيران خلال هذه الفترة الانتقالية. إن الحرب في أوكرانيا هي أيضا موضوع انشغال واهتمام من طرف المحافظين الجدد بالإضافة إلى أن الحرب على غزة وعلى لبنان قد كلّفت مليارات الدولار للميزانية الأمريكية وإذا أراد الرئيس الجديد إنعاش الاقتصاد عليه أن يضع حدا لهذه المغامرة العبثية وهذا النزيف المالي. لا بد للولايات المتحدة أن تتجاوز مرحلة المحافظين الجدد وتقبل العيش في عالم متعدد الأقطاب وتتخلى عن حلم القوة الوحيدة المسيطرة على الجميع وذات القوة غير المتناهية. والرئيس ترامب صاحب الخلفية التجارية العارف بحسابات الربح والخسارة عليه أن يعيد تقييم كلفة الدعم الكامل والمطلق لإسرائيل بالمقارنة مع الأرباح التي يجنيها من هذا الدعم. إذا كان يرغب في سلام دائم واقتصاد منتعش عليه أن يعترف بحق الفلسطينيين في العيش في بلادهم بأمن وأمان وبحق العودة لمن أجبرتهم ظروف الاحتلال إلى اللجوء إلى أماكن أخرى. إن الحل الوحيد هو تأسيس دولة متخلصة من نظام الأبارتايد الصهيوني وتضمن المساواة في الحقوق لكل مواطنيها. 9 نونبر 2024 الترجمة العربية : أحمد ابن الصديق (1) إن ما كان في الأصل عملية محدودة من طرف المقامة التي تسلل عناصرها إلى قاعدتين عسكريتين مكلفتين بحراسة وتطبيق الحصار على قطاع غزة ولها هدف أصلي يتمثل في احتجاز عدد من الرهائن في أفق مبادلتهم ب 20000 سجين فلسطيني، تحوّل في الغد إلى سردية عن محرقة جديدة لليهود كأنه فيلم هوليودي من إخراج نتانياهو وإدارته وحشود المستوطنين لتبرير إبادة جماعية ممنهجة تروم إفراغ غزة من كل سكانها وتشريدهم. (2) هذا يذكر بما حصل في عام 1948عندما أقدمت الميليشيات الصهيونية على اغتيال سكان قرية بأكملها ونشر الخبر لترهيب سكان القرى المجاورة على مغادرة بيوتهم واللجوء إلى بلدان أخرى.