بعد عام من انطلاق حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، هل تحددت ملامح «اليوم الموالي للحرب»، كما خطط لذلك بنيامين نتنياهو، الذي قال: «سوف نسحق «حماس» وندمرها، قبل أن يهدد بتغيير وجه الشرق الأوسط. فما معنى تغيير وجه الشرق الأوسط؟ وما هي إسرائيل التي يتطلع نتنياهو وحلفاؤه الغربيون إلى فرضها في المنطقة؟ لقد وقف خبراء «معهد واشنطن» (روبرت ساتلوف، دينس روس، ديفيد ماكوفسكي)، في مقال بعنوان «أهداف الحرب الإسرائيلية ومبادئ الإدارة في غزة في مرحلة ما بعد حماس»، على مجموعة من الأهداف «المحتملة» لإسرائيل في هذه الحرب التي أدانتها الأممالمتحدة غير مرة، بل أخرجت الرأي العام الأوروبي إلى الاحتجاج في الشارع، ولم تسلم منها حتى الجامعات الأمريكية. لقد أكلت الحرب الإسرائيلية حوالي 42 ألف فلسطيني، ولم تتوقف حتى الآن مجازرها وقصفها للمدنيين والمدارس والمستشفيات وتجمعات اللاجئين. بل اختارت أن تهاجم حزب لله، وأن تقصف ما أطلقت عليه «مراكز حزب لله»، مما تسبب في نزوح آلاف اللبنانيين، بل نظمت اغتيالات في حق مجموعة من القياديين، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب لله حسن نصر لله، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، فضلا عن مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية. فهل انتهى نتنياهو إلى تحقيق أهدافه؟ لقد حدد خبراء «معهد واشنطن» أهداف نتينياهو في نزع سلاح «حماس» وتجريدها من قدرتها العسكرية، فضلا عن استعادة قطاع غزة بعد التنازل عنه منذ عقدين تقريباً لصالح السيطرة الفلسطينية، إضافة إلى رسم الخريطة السياسية لفلسطين بتعاون مع الدول الصديقة، بما فيها الدول العربية التي وقعت معها اتفاقيات «أبراهام». فهل استطاع نتنياهو، بحرب الإبادة التي شنها على المدنيين الفلسطينيين، أطفالا ونساء ومسنين، وباستهدافه لقيادة حماس وحزب لله في لبنان، أن يخرج إلى العالم مرفوع الرأس ليعلن «النصر في ساحة المعركة» والشروع في تنفيذ مخططاته؟ يحدد خبراء «معهد واشنطن» أن الهدف الأكثر منطقية بالنسبة لإسرائيل يتمثل في إنهاء سيطرة «حماس» على غزة، لأن هذه هي النتيجة الوحيدة التي ستمنع نهوض قادة الحركة من تحت أنقاض الحرب لإعلان النصر بمجرد صمودهم في وجه قوة إسرائيل القاتلة. ومن غير المرجح أن تلبّي النتائج الأخرى احتياجات القدس الثلاثة الأكثر أهمية، وهي: -ضمان عدم قدرة «حماس» على شن هجمات في المستقبل. -استعادة ثقة الإسرائيليين بقدرة حكومتهم وجيشهم على توفير الأمن لهم. -إعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية بنظر الأصدقاء والخصوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويتابع الخبراء: «إن إنهاء حكم «حماس» لا يعني القضاء على كل مؤيد للحركة أو كل رمز عن نفوذها. ولكنه هدف كبير، لاسيما في ظل عقبتين هائلتين على الأرض، هما الرهائن الذين يقارب عددهم المئتين الذين تحتجزهم «حماس» والجماعات الأخرى، وما يتطلبه إنهاء حكم «حماس» من جهد عسكري هائل يمتد على فترة طويلة في جميع أنحاء غزة، سواء على السطح أو في نظام الأنفاق المفخخ الذي تتبجح به الحركة». ويحدد خبراء المعهد الدور الأمريكي ثلاثة أبعاد: أولا، مساعدة إسرائيل على تحقيق هذا الهدف بأقل تكلفة ممكنة من ناحية التسبب بإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين؛ ثانيا، ردع أعداء إسرائيل الآخرين لكي تتمكن البلاد من التركيز على تحقيق النجاح بأسرع وقت ممكن؛ ثالثا، مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على البدء الآن بالتخطيط لفراغ الحكم الذي قد ينجم عن إنهاء حكم «حماس»، لكي لا تملأ الجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار هذا الفراغ. بيد أن الولاياتالمتحدة ترى ، يقول الخبراء أنفسهم، أنه يجب على إسرائيل مغادرة غزة فور انتهاء المهمة العسكرية وتجنب إعادة احتلال المنطقة. كما يجب أن يكون الهدف النهائي هو عودة «السلطة الفلسطينية» كحكومة شرعية في غزة. لكن «السلطة الفلسطينية» تفتقر إلى الإرادة والقدرة على إنجاز هذه المهمة في المستقبل المنظور. ولذلك، يتطلب الوضع إنشاء إدارة مؤقتة لإدارة غزة إلى أن تتمكن «السلطة الفلسطينية» من الاضطلاع بهذا الدور، إذ ستتولى مجموعة من التكنوقراط من غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، بالإضافة إلى شخصيات محلية مهمة من بلدات قطاع غزة وعشائره إدارة إدارات الحكومة المحلية العاملة بكامل طاقتها – الصحة، والتعليم، والنقل، والقضاء، والرعاية الاجتماعية، وما إلى ذلك – تحت قيادة «رئيس الشؤون الإدارية» الفلسطيني. وخلال الفترة الانتقالية المضطربة، تستطيع «وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» التابعة للأمم المتحدة» («الأونروا») الاستمرار في تقديم الخدمات الغذائية والصحية والتعليمية الحالية – ليس أكثر وليس أقل مما كانت تقدمه في الماضي على أن يتولى توجيه السلامة العامة وإنفاذ القانون اتحاد من الدول العربية الخمس التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل – مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. كما ستعمل الجهات المانحة الدولية والأممالمتحدة وغيرها من وكالات المعونة الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية مع الإدارة المدنية في غزة تحت مظلة وكالة جديدة مسؤولة عن الإصلاح وإعادة الإعمار والتنمية. ينبغي أن يشكل هذا جهداً يديره العرب، وربما تترأسه دولة الإمارات، التي هي شريك سلام مع إسرائيل، وتمتلك الموارد المالية الكافية لتكون جهة مانحة كبيرة، وتتمتع بسمعة عالمية وحنكة مهنية تخولها إدارة مثل هذه العملية. وستشرف هذه الوكالة على الإصلاح الفوري وإعادة بناء المرافق والأشغال العامة الأخرى، بالإضافة إلى تحديد المشاريع الكبرى وجمع الأموال لها وتنفيذ المشاريع الكبرى. وستكون هناك حاجة إلى مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع مثل إنشاء ميناء جديد في غزة وبناء مناطق صناعية جديدة لتوفير خيارات العمل. ورغم أن الإداريين والضباط والمسؤولين العرب – بمن فيهم الفلسطينيين – يجب أن يتولّوا القيادة في جميع هذه الجهود، إلا أن هناك أيضاً دوراً حيوياً يجب أن تلعبه الولاياتالمتحدة وغيرها من الداعمين لمستقبل سلمي وبنّاء ومفعم بالأمل للفلسطينيين. وستشارك جهات فاعلة متعددة – من الشركاء الأوروبيين وإلى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة – ولكن الولاياتالمتحدة وحدها قادرة على حشد هذه الجهود وتنظيمها وضمان تنفيذ كافة عناصرها. هذا هو المخطط الذي ترعاه الولاياتالمتحدةالأمريكية للتخلص من حماس وحزب الله والنفوذ الإيراني. وقد استخدم نتنياهو خلال عام من العدوان، حسب ما يراه الكاتب والمحلل السياسي المصري قطب العربي، كل ما يمتلك من أسلحة، وما تدفق على كيانه من أحدث الأسلحة الغربية لإزالة غزة من خارطة فلسطين، تمهيدا لتغيير خارطة الشرق الأوسط بإزالة فلسطين تماما منها. ورغم أنه نجح في تدمير معظم مباني القطاع إلا أنه لم يستطع تهجير أهله الذين تنقلوا جنوبا وشمالا، لكنهم ظلوا متمسكين بأرضهم، رغم أنهم قدموا أكثر من 40 ألف شهيد حتى الآن. كما أن نتنياهو رغم امتلاكه لكل أسلحة التدمير ولأحدث أجهزة المعلومات، لم يتمكن من الوصول إلى قادة المقاومة وأسلحتها، ولم يستطع الوصول إلى أسراه المحتجزين لدى المقاومة منذ عام (باستثناء عدد محدود جدا بين أموات أو أحياء). وقال المحلل السياسي في مقال له بعنوان «خرائط نتنياهو للشرق الجديد»: سعى نتنياهو منذ اللحظات الأولى لعدوانه إلى توسيع دائرة الحرب، وحاول مرارا توريط إيران فيها ليجر إليها الولاياتالمتحدة جرا، وهو يثق أن الحرب في هذه الحالة ستضم جبهة واسعة داعمة له من الدول الغربية والعربية، وأنه سيتمكن من خلالها من كسر قوة إيران وحلفها، وسيدشن شرقا جديدا مطبعا مع كيانه، وتابعا له، وخاليا تماما من أي قوة مناوئة له سواء كانت دولا أو جماعات. ورغم أن إيران ردت برشقات صاروخية أصابت أهدافا عسكرية وأمنية داخل الكيان، إلا أن الكيان الذي توعد برد مزلزل لم يرد عليها حتى الآن، لكنه قد يبدأ هجوما واسعا في أي لحظة، وساعتها سننتظر الرد الإيراني الأقوى حسب تعبيرات القادة الإيرانيين، وعند تلك المرحلة – حال حدوثها- ستتحدد ملامح الجغرافيا الجديدة للمنطقة».