حينما يؤدي التشدد في الدين إلى الإلحاد "عندما بدأت علامات الأنوثة تظهر على جسدي، فرض علي الحجاب، وكنت أتساءل لم لا يفرض على الرجل أن يغطي مفاتنه مثلي؟ وجاءني الجواب صاعقا وقاطعا: "المرأة مثيرة أكثر وشهوة الرجل أقوى". أذعنت لهم صامتة، بينما كانت دواخلي تبكي"، تقول سهام، طالبة بمدينة طنجة، قبل أن تؤكد وعيناها مليئتان بالدموع: "ضبطوني ذات يوم وأنا بنت عشر سنين، كنت أحاول أن أكتشف جسدي لأول مرة، وقفت أمام المرآة عارية تماما وكنت ألمس تضاريس جسدي وأنا أشعر بلذة عارمة. صعقت أختي حين رأتني وبكت، وقادتني نحو أمي التي أجبرتني على أن أقسم على القرآن أنني لن أكرر الفعلة مرة أخرى. وقالت لي "الله غادي ايمسخك إيلا عاودتيها"، ومن هنا بدأت رحلتي مع الأسئلة الوجودية وبدأت أقرأ وأبحث في الأديان". سهام وأخريات، فتيات في ربيع شبابهن وطالبات متفوقات في دراستهن. قررن التمرد على قوانين المجتمع "الظالمة" للمرأة حسب تعبيرهن، ويتمثل تمردهن، بالأساس، في "تحررهن" من الدين، شأن الكثير من الشباب المغربي الذي يعتبر الدين مجموعة من الخرافات والأساطير التي لا يقبلها عقل سليم. غير أن سهام ومثيلاتها من الفتيات وبالإضافة إلى محاولتهن لدراسة الدين والتعمق فيه، أكدن على استحالة تدينهن بديانة "تظلم" المرأة وتحرمها من حريتها بل حتى من أبسط حقوقها، ما جعلهن يجدن في بعدهن عن الدين راحتهن وتوازنهن النفسي، بل وحتى العقلي. "عييت مانقلب على الأسباب ديال هاد التمييز والاضطهاد اللي كانعاني منو داخل المجتمع ولقيت بللي الدين هو السبب الوحيد و الأساسي ديال هادشي"، بنبرة منفعلة، تقول حنان، وهي طالبة بمدينة وجدة شعبة الحقوق. تضيف بنفس النبرة: " الدين ظلم المرأة كثيرا ولم ينصفها. عندما كنت مسلمة، كنت أحس بالسكيزوفرينيا حيث كنت أقوم بأشياء محرمة في ديني وكنت في صراع كبير مع ذاتي" "التحرر من الدين هو عملية مناهضة لكل ما هو سلطة ونواهي ومحرمات لأنها لا تتماشى والأفكار التحررية أو ما يسمى بالنضج النفسي لبعض الفتيات" يقول أحمد الحمداوي، عالم نفس بالرباط، مضيفا أن هذا ما يفسر الخلاف النفسي لدى بعضهن، كون الدين قد استصغر المرأة وهمشها واحتقرها وهو موقف أنثوي حيال سلطة الرجل". أشياء إذا زادت عن حدها... يفسر الكثير من الشباب، اليوم، ظاهرة "الإلحاد"، سواء عند الإناث أو الذكور، إما بأن الخطاب الديني لا يواكب التجديد الذي نعيشه، وإما بالتناقضات التي تعشش في الدين والكتب "السماوية"، وكذا تناقض العلم مع الدين. ما جعلهم يقتنعون أن الديانات هي من صنع البشر وليست منزلة من عند الإله. وآخرون "يلحدون" معتبرين الإلحاد "موضة" العصر. في حالة النساء، غالبا ما يأتي الإلحاد نتيجة الأوضاع التي يعشنها داخل أسرهن، خصوصا التشدد الديني للأب أو الأم في الأسرة والذي يجعل هذين الأخيرين يفرضان على بناتهما مجموعة من القيود وفي مقدمتها ارتداء الحجاب. ومع ذلك، فحسب نور الدين الزاهي، باحث متخصص في السوسيولوجيا، فإنه يصعب كثيرا الحديث عن "الإلحاد" كظاهرة سوسيولوجية بالمغرب، بحكم أن الدراسات الميدانية حول القيم تظهر أن الشباب المغربي عموما، تتصاعد وتيرة تشبعه بالقيم الدينية مقارنة بالقيم ذات المرجعيات الحقوقية أو الأنوارية أو العلمانية. ويضيف" يبقى الأمر منحصرا في حالات قد تجد تفسيرها في سياقاتها المحلية والأسرية، التي تكون متشددة نوعا ما، في محيط ثقافي محافظ، وليس في السياق المجتمعي والجمعي". الحسيمة، هذه المدينة الهادئة التي تنام على البحر. تواجهك باستحياء كذاك الذي تتسم به أغلب الفتيات والنساء فيها، حيث تجد أغلبهن محجبات أو منقبات خصوصا بعد موجة القنوات الدينية الوهابية التي غزت عقول سكان المدينة، والنتيجة تشدد ديني يذهب ضحيته بالأساس الجنس اللطيف، هذا الذي تفرض عليه كل أنواع القيود وتقف في وجهه المحرمات. فالحجاب يفرض على البنت والتمييز بين الجنسين داخل الأسرة وفي كل مؤسسات المجتمع ضحيته بنت... "أجبرني والدي على ارتداء الحجاب وعمري عشر سنوات، لم أستطع أن أقاوم، في البداية، لصغر سني. وكان يمنعني من أن أخرج لألعب الكرة مع أصدقائي، بينما يسمح لأخي بذلك." بحزن ممزوج بالتحدي تحكي سناء، خريجة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالحسيمة عن أسباب إلحادها، مضيفة وقد أطرقت رأسها المغطى بالحجاب: "كنت أحس بالعجز، لا يمكنني أن أمثل في مسرحيات لأنني أنثى، لا يمكنني أن أخرج وحدي، لا يمكنني أن أسافر وحدي، لا يمكنني أن ألبس ما أريد ولا أن أقول ما أريد...فقط لأنني أنثى. وكثيرا ما كنت أتساءل عن سبب كل هذا، وكلما بحثت وجدت أن السبب يكمن في الدين." حسب علم النفس، ليس التمرد على الدين مرضا نفسيا، بل هي مواقف تصاحب التحولات النفسية عند الفتيان والفتيات بصفة عامة، و يمكن لهذه المواقف أن تتغير حسب كل مرحلة من عمر الإنسان، فالدين يظهر ويحضر في فكر الشخص مع بروز فكرة الموت والمعاناة، تمييزا كانت أو تقييدا. الدين "ظلم" المرأة حسب رباب، ثلاث وعشرون سنة، فإن الديانات كلها ابتداء باليهودية وانتهاء بالإسلام، كلها تشيء المرأة، هذه الأخيرة ليست إلا وعاء لا دور له إلا إشباع شهوات الرجل والإنجاب. وتشدد رباب على أن سيرة النبي محمد خير دليل على ذلك، فهي مليئة بقصص الاغتصاب والنساء والجواري والنكاح... " وتواصل محتجة: "كيف لامرأة سليمة العقل أن تؤمن بدين يقبرها ويقتل إنسانيتها ويجعلها عبدا للرجل؟ !!" أصبح الدين، إذن، في موقع النقد بسبب ما يفرض على الكثير من الفتيات بسببه. فأغلب اللادينيات والملحدات مقتنعات أن الدين هو الذي فرض على المرأة هذا النوع من القيود، كوجوب ارتداء الحجاب وتحريم السفر بدون محرم، كما أنه ظلمها في مسألة الإرث، فهي ترث نصف الرجل، ولو تفوقت عليه في عملها وجهدها وذكائها، والإسلام يبيح ضرب الرجل لزوجته، على حد تعبيرهن. يقول الدكتور أحمد الحمداوي إن بروز أسئلة الوجود واللاوجود وكذا سؤال الحياة والموت لدى الشباب يرافق التحولات النفسية والفيزيولوجية للإنسان وهو سؤال يجب أن يكون ماديا، بمعنى أنه ينتظر منه منطقا حسب رؤيته، وبروز هذه الأسئلة يتلاءم والنقاش المجتمعي السائد كون المرجعيات الدينية تطرح قضايا الحرية الفردية والشخصية في مجتمع يتسم بالغنى الانغلاقي والتقليدي، والتجاذب بين تمثلات فيها نوع من التحرر وأخرى فيها نوع من التقيد بإرث الماضي الذي يتسم بحضور الوازع الديني. "هدم الدين يوجد في الدين نفسه" "أي حاجة بغيت نديرها كايقولوا لي فالدار راه حرام، وحرام غي بالنسبة لي حيت أنا بنت..". هكذا تعبر أميمة، عشرون عاما، عن امتعاضها الشديد وكرهها للدين، لأنه يقيد حريات الإنسان، وخصوصا المرأة. وتضيف أن "الدين يتدخل في أبسط تفاصيل حياتنا، نحن النساء، حتى في طريقة اللباس ونمص الحواجب..." تضحك ساخرة. تتكون مواقف الفتيات اللواتي ساءلن ذواتهن حول اعتقاداتهن وملامساتهن لرؤية التحرر وسؤال الحرية بشكل عام وقد يكون ذلك تشبعا بأفكار تحررية، يسارية أو ليبرالية أو غيرها، وتكون مواقف هؤلاء الفتيات هي الرفض لتعاليم السلطة الرمزية للدين، لأن السلطة تمثل النواهي والمحرمات والقيود، فتولد المواقف المضادة، كون المرجعية الدينية تشكل إكراها بخصوص الكثير من القضايا بل وحتى أبسط الأمور في الحياة اليومية للإنسان. "كبرت في أسرة محافظة، كما هو شأن أغلب الأسر الريفية، وكنت مولعة بالقنوات الدينية التي أثرت في بشكل كبير، خصوصا قناة "الناس"، وكنت أستمع إلى الشيخ محمد حسان وحسين يعقوب. ارتديت الحجاب، وكنت أصلي الفجر وأقرأ القرآن.." تقول رباب وقد انفرجت شفتاها على ابتسامة ساخرة وهي تتذكر أيام إيمانها. تضيف : "حتى جاء يوم قرأت فيه شيئا عن "رضاع الكبير"، وعندما بحثت، وجدت أنه موجود فعلا في الإسلام، وأول من صدمني مؤكدا لي الأمر هو محمد حسان ذاته الذي كنت معجبة به جدا. وكانت بداية طريقي في البحث في الإسلام، وصدمت بأخطائه وتناقضاته الصارخة..." في هذا السياق، يؤكد نور الدين الزاهي أن التكوينات الدينية والدعوية المعاصرة لم تعد تتميز بالرصانة الكافية والحجاج المتين، بل أصبح يغلب عليها الطابع الدعوي الإعلامي المرتكز على التأويلات السطحية والقراءات الغير العميقة للنصوص القدسية، أمام ذلك ينتفض الذكاء الشخصي، خصوصا في لحظات اكتمال الشخصية الفردية، وتتعزز يقظته ليكتشف بياضات أصحاب الدعوة والوعظ، ويتوجه نظره نحو مفارقات الواقع، حينها يحصل التمرد". الفتيات اللادينيات، يعتبرن أنفسهن ضحية دين لم ينصفهن، حتى مقارنة بالرجل، دين "حرم" عليهن حتى أبسط الحريات والحقوق، دين كان السبب في تمييز أسرهن بينهن وبين إخوانهن من الذكور، فالإسلام، مثلا، حسبهن، يتدخل حتى في علاقة الإنسان مع ذاته وجسده. مما نفرهن منه. إن المواقف السلبية لبعض الشابات من الدين هي آلية دفاعية على المستوى النفسي لإعطاء صورة التحرر من الشعور بالذنب تجاه السلطة الرمزية للأب التي تجسد الأنماط الاجتماعية ل"المحرم". قراءة تاريخية للحركة النسائية في فرنسا في الستينيات من القرن الماضي، لدليل واضح على أن المرأة تثور في وجه كل ما يشكل سلطة أبوية أو ذكورية، وهو واقع يجب أخذه بعين الاعتبار لتحليل أسباب الإلحاد في صفوف النساء. وبالرغم من ذلك، يبقى الدين مرجعية ثقافية لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها. ويمكن لرؤيته لها أن تختلف حسب نضجه النفسي وثقافته المجتمعية ومحيطه الأسري، وكذلك تمييزه بين واقع الدين الحالي والدين كمنظومة خطابية أي أن رفض الدين يتركز على أسئلة عمرية من الإنسان بشكل عام ما فتئ يتجاوزها وينظر إليها من منطلق رؤية مغايرة.