حدثتني سيدة فلسطينية، تقيمُ في قرية من قرى محافظة جنين، والواقعة في شمال فلسطين، وهي قرية من قرى الريف الفلسطيني، والمعروفة بالعادات والتقاليد الكلاسيكية السائدة والمتشابهة في المجتمع الفلسطيني، عن قصة معاناتها وكدها وتعبها في حياتها، فقالت لي بحديث مسترسل طويل، قناعتي، ان الشكوى لغير الله مذلة، وفي الواقع، انا لا اشكو لأحد، ولا لشخصك الكريم أيضا، كل ما ارَدتُ ان اوضحهُ لك، هو حالتي الشخصية، ومعاناتي القاسية، طيلة فترة حياتي الماضية، وما آلتْ اليه احوالي في الوقت الحاضرة، وما عانيتهُ واعانيه من ظلم واجحاف بحقي، فانا عشتُ حياتي بفترة العشرين سنة الماضية من عمري في القرن العشرين، ومثلها واصلتُ العيش سنين من حياتي، ببداية القرن الواحد والعشرون، ومع هذا، فان معاناتي من زوجي، انتقلت معي عبر القرن الماضي الى القرن الحاضر، ولم تتبدلْ اوضاعي الزوجية معه، عن ذي قبل كثيرا، فالمعاناة زادتْ، والاجحاف والظلم بحقي، ما زالا يتواصلا معي، رغم التقدم الحضاري، وانتقال الثقافات الانسانية، وتمازجها وتبادلها كثيرا بين الشرق والغرب، وحدوث ثورة تكنولوجية في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية وتبادل المعلومات، وما زلتُ اعيش مع زوجي واولادي، بهذا البيت المتواضع البسيط، والذي يضمنا ويجمعنا معا، بين جدرانه، فالكل في هذا المنزل، يتغير مع تقدم الزمن، فالاولاد، كانوا صغارا، واصحبوا الآن كبارا ومتعلمين، ومعظمهم انهوا دراستهم الجامعية، وكذلك البنات، ترعرعوا وكبروا، ومنهن من تزوجن الآن، فكل شيء يتغير بهذا الكون، الى ما هو افضل، وكذلك أنا شخصيا تطورتُ وتقدمتُ علميا، الا حياتي البائسة مع زوجي ومعاملته لي، فما زالتْ كما هيَ، بل بالعكس من ذلك تزدادُ سوءا يوما بعد يوم، فزوجي ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى، بتعامله مع اولاده، ومعي بالذات. اما انا فقد تغيرتْ شخصيتي كثيرا الى الأفضل والأحسن، بعد ان انهيتُ دراسة التوجيهي، وكذلك مستواي العلمي والاجتماعي، فحصلتُ على شهادات علمية، عبر مسيرة حياتي التي انقضتْ، وعلى العديد من الدورات التدريبية، وارتقى مستواي علميا واجتماعيا، كما ذكرتْ، واصبحتُ اشعر بدوري في المجتمع، كانسانة منتجة، يُحسبُ لي الفَ حساب، وما زلتُ، اشعر بنضارتي حتى سنين قليلة مضتْ، فأنا اتمتع بجمال أخاذ، ومتوسطة الطول، ووجهي يمتليءُ بسمة واشراقا، وبهجة وحمرة، نتيجة لتورد الدم به كثيرا، وخدايَ يظهران، كحبتيْ تفاح موشحتين باللون الأحمر القاني، وعينايَ السوداوتان واسعتان، ولهن بريقٌ ساطع، كأن النور يشع منهما، يشبهان عيونُ المها، وفوقهما حاجبين دقيقين، كأنهما رُسما رَسما، بريشة فنان مبدع، بشرتي بيضاء اللون، وناعمة الملمس، وكنت عندما اسير بالشارع، اسير وكأنني نخلة باسقة الطول، اتمايلُ يُمنة ويسرة، كواحدة تتبختر، زُهوا وجمالا، والكلُ ينظر اليَ، من قريب او من بعيد، مفتونا بجمالي واناقتي، وطلتي الجميلة والرائعة، وكنت اشعرُ بأنوثتي وأفتخر، حيث كانتْ تفيضُ من جسدي، تحتاج لمن يتلقفها خوفا عليها من السقوط او الضياع، كنتُ اعيشُ شبابي، واشعرُ به كثيرا، كأي شابة مقبلة على الحياة، بكل امل وسرور، وراحة بال، كان جسمي صغيرا، يمكنك القول انه كان كالفراشة، وشكلي يشبه راقصات الباليه بخفة وزنه، فوزني لم يكن يتعدى ال 45 كجم، ولست بالطويلة ولا بالقصيرة، وكنت فاتنة جدا، حيث كنت ألبسُ ملابس الجينز والكابوي، والتي تظهر مفاصل جسمي، ومفاتنه، خاصة مقدمة صدري وخلفيتي، والتي شيرت، وفساتين الشانيل وخلافها من ملابس الشابات المقبلات على الحياة، بكل اندفاع وقوة وجرأة، وكان البعض يعتبرني مثل العصفورة، وشعري كان ناعم جدا، طويل وحالك السواد، ينسدل على جانبي وجهي، والذي يشبه قرص الجبنة البيضاء، فيزيده اشراقا وجمالا، وكنت من اجمل بنات القرية، كما كنت اسمع البعض يقول عني من النساء، فكرتُ وقلت لنفسي، لماذا كان ينتابني كل هذا الشعور بالزهو والخيلاء؟؟؟؟ حقيقة، كنت انسى حالي، وحال عائلتي ووضعهم المريح والعامر بالرخاء والسعادة، ألمْ اكنْ من اسرة غنية وميسورة الحال والمال؟؟؟؟؟ المْ اكن المسُ واشعرُ، بالكل يخدمني ويقدم لي كل طلباتي واحتياجاتي على طبق من ذهب؟؟؟ لا اذكر يوما، انني لم احصلْ على كل مستلزماتي الخاصة بي، عندما كنت اعيش في احضان والديْ، امي وابي، مرفهة ومنعمة، فقد كنتُ مفعمة بالحب والدلال من كليهما، وكانوا يغدقون علي بالمال والحنان، واعيش حياتي بشكل طبيعي، بدون مشاكل اوعراقيل تذكر، وانمو نموا طبيعيا ومتوازنا أيضا، أشعر براحتي النفسية بشكل كبير جدا، واشعر بانوثتي، تزداد معي، مع كل سنة تمر بي، من سنين حياتي، وكنت سعيدة بكل هذا، بل واشعر بانني اسعد مخلوقة بالوجود، لا اخفي عليك حقا، فان الزمن فعل فعله بي الآن، اضافة الى الهَم الذي حملتهُ بنفسي، واقصدْ به همُ ابنائي السبعة وتربيتهم وتعليمهم والعناية بهم، وحرصي عليهم، وعلى تفوقهمْ الدراسي، ما قبلَ، وبعد دراستهم الجامعية، طبعا، كل هذا قد تغير بالنسبة لي، بعد زواجي خاصة، وخلفتي لأبنائي، واصبحتُ كما قلت لكْ، ووصفتُ حالي، فانتَ ترى شكلي الآن، وانا ادخل العقد الرابع من عمري في القرن الواحد والعشرون، بعد هذا العمر الطويل نسبيا، رغم انني ما زلتُ اتمتع كثيرا من حيويتي وجمالي واناقتي المعهودة، كيفَ غدوتُ شاحبة الوجه، وهزيلةُ الجسم، والتجاعيد بدأت تزحف، لتغطي اجزاء قليلة من وجهي ورقبتي، واجزاءَ اخرى كبيرة من جسمي، وصدري بدأَ يتدلى، وعضلاتٌ كثيرة من جسدي، بدأتْ تتهدل وتترهلْ، واحيانا، لا استطيع الوقوف، إلا والألم يعتريني، وشعري الأسودُ الحالك السواد، اصيبتْ خصلاتٌ كثيرة منه، بالشيب، ايْ أنني شبتُ بدون اواني كما يقولون، وحقيقة، القلقْ، اصبح يعتريني باستمرار، واعصابي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، مع محة البالْ مع العيال، كما كنت في السابق، ونشاطي، الذي كنت ازاوله يوميا وباستمرار، سواء كان داخل او خارج المنزل، قلً كثيرا عن ذي قبل، ولم اعدْ قادرة على القيام به، كسابق عهدي، واصبح دون المستوى المعروف لديَ، لواحدة مثلي بهذا العمر، وجاذبيتي، خفََ بريقها كثيرا عن ذي قبل، وتكاد انوثتي، ان تضيع مني، لولا حرصي ومحافظتي عليها من الضياع باستمرار، باستعمال الشامبوهات والكريمات والفيتامينات، وعمل المساجات المختلفة، وممارسة الرياضة الخفيفة وخلافه، رشاقتي لم اعد اشعر بها، كما كنت اشعر بها من قبل، مع أنني اعلم جيدا، ان سنوات العمر، تفعل فعلتها ببشرتي وجاذبيتي، وكل اجزاء جسمي، وحتى أعصابي ونفسيتي، كما يحدث مع بقية السيدات، ولكن حقيقة، هناك الكثير من السيدات، من منهن بمستوى عمري، ولكن لم يصبهنَ ويعتريهنَ ما أصابني واعتراني من التغير والتبدل، هل يعقلْ ان يكونوا قد عاشوا على الراحة والدلال، معظم سنين حياتهن، ولم يعانينَ مثلي مثلا!!!! والكل الى جانبهنَ يخدمهنَ، ويسمع كلامهنً، وامورهن كلها سالكة بسهولة؟؟؟؟؟ ليس مثلي انا، فانا في الحقيقة: (غرابُ البينْ مشْ مثلي)، فكل اموري سالكة بصعوبة، الم أقلْ لك؟ بانني شبتُ بغير اواني، وانوثتي تكاد ان تضيع مني قبل اوانها ايضا، واسأل نفسي في احيان كثيرة : لماذا اصابني كل هذا التبدل والتغير، وبهذه السرعة؟؟؟؟ وكأنني لا اعرف او اعلم بأن مرور الوقت والزمن، كفيلٌ بان يفعل كل شيء بالانسان، مهما كان عوده صلبا وقاسيا، فالدهر يفعل فعله بالبشر والناس، مع مرور الزمن، وانا اعلم ذلك، وهذا شيء طبيعي طبعا، واتقبله بكل صدر رحب، لكن، ما يؤلمني حقا، ان كل هذا التغير والتبدل، حدث معي بغير اوانه، وبسرعة كما اعتقد، كما ذكرتُ لك، على الأقل، هذا هو شعوري، واعتقد جازما، انني عانيتُ اكثر من كل من عانين من النساءَ، وهُن في مثل سني، هل هذا حقا، يعود كوني فلسطينية؟؟؟ فالفلسطينيات يعانين كثيرا من مآسي الاحتلال، واجرامه بحقهن، وينعكس هذا كله على صحتهن ومظهرهن ونفسيتهن، وأكاد أحملُ هموم الوطن والحياة المعيشية والمعاناة القاسية، التي تلاحق الفلسطينيون في حلهم وترحالهم دوما ؟؟؟ هل حقا كل الفلسطينياتْ كُتبَ عليهنَ ان يعانوا مثلي كما عانيتْ؟؟؟؟ واصابَهنَ وألّمَ بهن ما اصابني، بهذا العمر؟؟؟ لا اعتقد ذلك حقيقة، بالمطلق، لأنني أرى كثيراتٌ منهن أيضا، من هنّ بعمري، يعيشون بمستوى اكثر مني رقيا، ولا يظهرُ عليهن الشيبُ في خصلات شعورهن، مثلما هو ظاهر لدي، كما ان وجوههنِ، تظهر نضارتها عليهن بكل وضوح، وبشرتهن البيضاء، تفيض نصاعة وبياضا، واجسامهن بشكل عام، تفيضُ انوثة، واثداؤهن، تندفع من صدورهن امامهن، وكأنها تود الخروج من تحت ملابسهن، لشدة انوثتهن، ولم تنتشر التجاعيد بعد، في وجوههن ورقابهن، ولم تتهدل عضلاتُ اجسادهن. تابعت سرد قصتها بحديثها الطويل والمنمق والسلس، وقالت: هناك موقفين اتعباني كثيرا في اول حياتي الزوجية، واولهما، انني سكنتُ مع اهل زوجي في بيت واحد، وسأوضح لك هذا تأثيره عليّ لاحقا، وكيف كان وضعي على اثره مقلقا ومتعبا، وكذلك، ما فاجأني هو زوجي وضعفه الجنسي في ليلة الدخلة، وعدم تمكنه مني ايضا، وساوضح لك ذلك في حديثي، ومدى ما أصابني وألّمَ بي من القلق والانزعاج بسببه، حتى كرهتُ الزواج، وما كنت اسمعه عن ليلة الدخلة وشهر العسل، والذي اصبح بالنسبة لي شهر بصل، فكل ما كنت اسمعه اصبح هباءا منثورا، ولا اساس له من الصحة او المصداقية في ظروفي، ولكن حقيقة ايضا، بعد زواجي وانجابي لأطفالي، حدث كل هذا التغير لي بشكل دراماتيكي وسريع، وغيّرَ من شخصيتي وجاذبيتي ونفسيتي وجسدي. من اجل من تحملتُ واتحملُ كل هذه التضحيات والمعاناة؟؟؟ تسأل هذا السؤال، ثم تجيب عليه ايضا ردا على تساؤلها، وتقول، صحيح، انني ضحيتُ من اجل اسرتي وابنائي وزوجي، ولكن هل حقا يستحقون كل تضحياتي هذه ؟؟؟ وعلى حساب جسدي ومعاناتي ونفسيتي؟؟؟؟ خاصة ان زوجي كان سلبيا جدا، وكأنه ليس هو رب الأسرة، والمسؤول عنها بكل صغيرة وكبيرة، بل عمليا هو انا من كان يقوم بهذا الدور، وما زلت أقوم بكل شيء أيضا. واصلت سردها لقصتها وقالت: كل التغيرات التي حدثت معي، تمت بعد زواجي فعلا، هذا الزواج، وهذا الزوج، الذي لم اكن احلم او أفكر بهما، كبقية الشابات من بنات جنسي، فقد تغيرتْ كل احوالي خلاله راساّ على عقب، فالبنات، من كانوا بجيلي من العمر، في ذلك الوقت، كانوا يحلمون بالزواج، وكانوا يتمنوا ان يأتي اليوم الذي يهربون به على فرس بيضاء، مع فارس احلامهن، وهذا ما لم أكن افكر أو أحلم به أنا شخصيا، ولا في اي يوم من الأيام، قد اقول كوني لم اشعر بمعاكسات من احد من الشباب، تثير انوثتي الدفينة والكامنة، او انني لم أكن اشعر بالحب، لفارس احلامي، الذي لم اكن احلم به بعد، والذي لم يكن ليأتي بمخيلتي، في يوم من الأيام، ولم اكن اعرف شكله ولونه حتى يوم زواجي منه، والذي قد يستطيع أن يفجر انوثتي ويريحني، وامنحه كل حبي وعطفي وطاقاتي الكامنة، وقد يكون لكوني مغمورة بالسعادة، والعواطف الجياشة، من قبل اهلي، واسرتي، ووالدي ووالدتي بالذات، والتي قد تكون قد انستي وعوضتني عن كل هذا وذك. بدأ مشوارُ حياتي العملي بعد تخرجي من معهد الطيرة، التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في مدينة رام الله/تخصص لغة عربية، وكنت متميزة بدراستي، وقد حصلت على الكثير من الدورات التعليمية، كي ابني شخصيتي علميا وعمليا، مع انني من عائلة متعصبة نسبيا، ولا تسمح لخروج البنات، خارج منزلها للدراسة، أو لأي سبب كان، ولكنني تعلمتُ بشق الانفس، حيث كنتُ متفوقة، واسمي كان ضمن المقبولين للدراسة الجامعية في جمهورية مصر العربية، ولكن والدي-رحمه الله- رفضَ سفري، لتزمته وتعصبه دينيا واجتماعيا، لسفر البنات للخارج، وبعد معاناة وقهر كبيرين، كان قد وافق لي، للذهاب والدراسة، في مدينة رام الله، وكنت اول شابة من عائلتي، تدرس، وهي بعيدة عن بيت اهلها واسرتها، وقد تحديتُ الكل، وتفوقتُ بالادب والاخلاق والدراسة، وبالفعل، رفعتُ رأسَ عائلتي عاليا، حتى كان يُضرب بي المثل، بالجد والاجتهاد والمثابرة وخلافه، ومن ثم، التحقتُ بجامعة القدس المفتوحة، واكملتُ دراستي للغة العربية، وحصلتُ على درجة البكالوريوس بتقدير جيد جدا، وكنتُ متميزة، وهذا حدثَ معي بعد ان تزوجتْ، وانجبتُ كل اولادي السبعة، رغم ما واجهته من صعوبات وعقبات، ومن ثم، الكل من عائلتي، صار يعلمُ بناته، اقتداءّا بي، لنجاحي وتفوقي الدراسي، مع ان زوجي، من النوع الذي لم يكن ليشجعني على شيء كي اقوم به، ولكنني بالتحايل عليه كثيرا، وفي مرات اخرى، كنت احردُ عليه، وبطرق أخرى ذكية، تمكنتُ من تحقيق بعضا من ذاتي، ولو طاوعني زوجي قليلا في دراستي، لكنت الآن، احمل شهادة الدكتوراه، ويحسبْ لي ألف حساب. بعد تخرجي من دراستي الجامعية باسبوعين تقريبا، اشتغلتُ مدرسة بمدرسة، تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تقع بجانب البيت الذي اقيم فيه، واثناء عودتي منها، قابلتُ اخي يسير في الشارع مع شخص ما، لا اعرفه، وكان هذا هو الشخص الذي تزوجته في فترة لاحقة، وكان زوجي، حتى يومنا هذا. قال لي اخي كعادته دائما: من اين اتيت واين انت ذاهبة الآن؟؟؟ قلت له: كنت في العمل، وذاهبة الآن الى المنزل. قال: ولماذا انت ضاحكة ومبتسمة؟؟؟ قلت: كعادتي دوما، فانا وجهي مشرق ومبتسم دائما، والسعادة والبهجة لا تفارقه. قال: هل تريدي مني شيئا؟؟؟ قلت: لا ابدا، رافقتكَ السلامة، ولكن ارجو ان تهتمْ بنفسك. فهو عندما رآني وسمع كلامي وأنا أتكلم مع اخي أمامه، اعجبَ بشخصيتي وبجمالي الفتان كثيرا، وبرقة صوتي، وافتنن بي، وعلمتُ لاحقا، بانه اصبح يعمل على تمتين علاقته مع اخي كثيرا، واصبح يزوره باستمرار، حتى يراني أو يسمع بي، حتى ولو عن بعد، ومما قاله لأخي في يوم من الأيام:(اموت، وادفع عمري ثمنا، بس يوافقوا لي اهلك، على الزواج منها) طبعا هو يقصدني، هذا ما قاله لي اخي قبل ان تمت خطبتي وزواجي، فقد كان زميلا لأخي في العمل، ولم اشاهده من قبل بالمرة، وهذه اول مرة اشاهده ويشاهدني، وكان شاب متدين وملتزم، مظهره عادي جدا، ولم يثرني شكله او يهز شعرة من جسدي وكياني، ويعمل في مجال الحدادة، باشكالها والوانها المختلفة. استاذي للغة الانجليزية، طلب الزواج مني ايضا، وصارحني بذلك، وكنت يومها بالصف الأول الثانوي، وقال لوالدي يومها، بأنه سيكتبْ باسمي عمارة سكنية وسيارة وقطعة ارض كبيرة، ومع كل هذه الاغراءات، ومع هذا وذك، رفضته ولم اقبل به، حقيقة، لأن شكله ومظهره لم يكونا ليحلوا لي، ولم يكونا جميلين كما ارغبهما، وكنت اسمع مثلا شعبيا من والدتي، وكانت تردده امامي كثيرا يقول:(يا ماخذْ القردْ على ماله، بكرة بضيع المال، وبظل القرد على حاله)، وكذلك بعدما ذهبتُ الى بنك فلسطين، كي استلم أول راتب لي منه، حاول المحاسب، الذي صرف لي راتبي، ملاغاتي بالحديث كثيرا، وشعرتُ بانه لا يودني ان اتركه قبل ان يواصل حديثه معي، وحاول جس نبضي، فيما اذا كنت اقبل بالزواج منه، فارسلْ لي اختهُ ورائي في وقت لاحق، كي تسألني ذلك، فرفضتُ ايضا، لأسباب شخصية عدة، المهم تمتْ موافقتي على الزواج من زوجي الحالي، مقاول الحدادة، على الرغم من الاغراءات الكثيرة التي عرضتْ علي من آخرين غيره، وكانوا حقا مفتونون يجمالي وأناقتي وأنوثتي، وجاذبيتي وشخصيتي بشكل عام، وكأنني القمر، والذي يشبه جمال جميع الفتيات بجماله، مع انني اتمنى من كل قلبي الآن، لو انني رفضتُ الزواج منه في ذلك الوقت، بعد كل ما لاقيتهُ منه، من ظلم واجحاف وسوء معاملة، وعدم تقديره لشخصيتي واحترام لثقافتي وروحي الاجتماعية العالية والمرحة، وتضحياتي له بكل ما املك من المال، بشكل لا يتصوره العقل، واشعر بالندم كثيرا، على خطأي الشديد هذا، بالقبول به لي زوجا، فانا شخصية محترمة، ومن اسرة عريقة، ومثقفة ومتعلمة ومتربية على العز والدلال، استحق شخصا يفهمني جيدا، ويقدر شخصيتي وكرامتي كامرأة لها حقوقها الانسانية، كباقي سيدات العالم المتحضر. قيل عن فرحي بعد زواجي منه، بأنه كان من أجمل الافراح، التي شاهدتها او سمعت بها، واحيتْ الفرحْ، فرقة للدبكة الشعبية الفلسطينية، طبعا لبسني عريسي قطع ذهبية عديدة وغالية الثمن، واوزانها تفوق المعتاد كما هو الحال في مثل هذه المناسبات السعيدة، لا اعتقد هناك عروسة، حلمتْ بمثلها يومها، واشترى لي ايضا مجموعة من فساتين للسهرة، أحضرها من تركيا، وكانت قمة بالجمال والأناقة، وزواجي لم يتأخر كثيرا بعد الخطبة، حيث تزوجتُ بعد الخطبة باسابيع معدودة، مع ان الجو كان شتاءا وبردا قارصا، وقد لبى زوجي كل طلباتي المادية واحتياجاتي بعد زواجي منه في حينها، وقد كانت هذه المقدمات لي، كي ارنو واصبو الى حياة زوجية مستقبلية هانئة وسعيدة، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد كان يوم عسل وليس شهر عسل كما يقولون، والسنين التالية، كانت بالنسبة لي، سنين من البصل وليست اشهرا فقط. ما ازعجني حقا من زوجي، شخصيته المعقدة والمتزمتة دينيا، والتي كرّهتْني بديني، الذي احبه واحترمه كثيرا، حيث كان من الجماعات الاسلامية المتشددة جدا، ويستغلُ الدين لمصلحته ضدي بكل المناسبات، ولا يتركْ لي فرصة واحدة، يضع به الدين الى جانبي مطلقا، وكأن ديننا الاسلامي هو دين ذكوري، أنصف الرجل فقط ولم ينصف المرأة، وايضا لم يكن متعلما مثلي، وما اقلقني كذلك، كونه اسكنني مع والديه واسرته، بشقة سكنية واحدة، حيث كان لهم ايضا قرب المنزل سوق مركزي، كانت تعمل به والدته من الصباح الباكر وحتى المساء، وكانت تتركني بالمنزل مع زوجها وابنائها، وكنت احتار كثيرا بادارة أمور البيت وبخدمتهم، خاصة، انني كنت اجهل الكثير من الأمور المتعلقة بالطبخ والنفخ والمطبخ، وكنت اغسل واعجن وامسح وانظف كل شيء في المنزل لوحدي، وكأنني خادمة لأهل البيت، اقصد اهل زوجي، وانا الشابة الصبية المدللة عند اهلي، اُصبحُ فجاة كالخادمة، حيث لم اذكر انني حملت مكنسة، طيلة حياتي عندهم. ولم اكن اشعر بأحد من البيت يهتم لخدمتي أو يقدم لي شيئا مهما كان بسيطا، وبدأتُ اشعر انهم (اي اهل زوجي) مع مرور الوقت، بدأوا يغارون مني كثيرا، ومن جمالي ودلعي، وبداوا يخلقوا لي المشاكل، ويا ويلي لو نمت شوية زيادة عن اللزوم، عندما كنت اكون تعبانة من شدة العمل، فانهم يقيمون الأرض ولا يقعدونها، وكان لديهم بنت صغيرة تتسلط علي، وتشتمني باستمرار، بمناسبة وبدون مناسبة، دون ان ينهرها او يمنعها احد، وكنت لا اعرف الرد عليها بالمثل، لاني كنت مدلعة ومربية عند اهلي، على العز والدلال. لم اكن ابلغ زوجي بكل ما كان يحدث لي ومعي، وانا في بيت الزوجية عند اهله، حيث لم اكن اريد أن تسوء العلاقة بينه وبين امه بسببي، وكنت من شدة التعب والألم، ابكي لوحدي في مكان منزوي من المنزل، دون ان يشعر بي أحد، واشكي همي وألمي، لماما (رحمها الله)، وتقول لي ماما دوما، اصبري، ان الله مع الصابرين. عندما زوجتْ حماتي ابنها الثاني، وتركتُ سكني معهم، بعد اقامة لي عندهم بلغت اربع سنوات، كي أفسح المجال لابنهم كي يسكن معهم مكاني، واستقليتُ بسكن لوحدي مع زوجي واولادي، شعرتْ عندها حماتي بغلاوتي وقيمتي واهميتي بوجودي في البيت، وما كنت اقوم به من اشغال لوحدي، وبدون مساعدة من احد، وصارتْ تحدثُ الناس عني، وتقول لهم :(لو كل يوم اجيب كنة، لن أجد كنة، افضل منها). ولكن شو الفايدة، عرفتني حماتي على حقيقتي، وجّدي واجتهادي وأصالتي، بعد كل معاناتي معها ومع زوجي، وسكوتي عليها، وبكائي الليل والنهار، ولم اكن اشعر احدا، بما كان يحدث معي، سوى والدتي (يرحمها الله)، فقد كنت احدثها عن نفسي، عندما كانت تتصل بي، او عندما كنت اتصل بها، كي أنفس عن همي قليلا. لم اتمتعْ او اهنأْ بحياتي الزوجية في بدايتها، ولا طيلة فترة الأربعة سنين التي تلتْ، والتي كنت مقيمة بها عند اهل زوجي، لانني كما ذكرتُ لك، لا اعرف شيئا عن الزواج، ولا ماهية طبيعته ومسؤولياته الجمة، وكنت اتحمل كل المسّبات والاهانات والظلم الذي يقع علي، ويلحق بي، بالصبر والسكوت والتحمل الشديد. ما أثارني واقلقني كثيرا، وعقّدَ نفسيتي بداية زواجي، كوني بقيتُ فترة تصل الى عدة اشهر، وانا عذراء، حيث كنت مع الأسف الشديد، جاهلة وخجولة جدا لمثل هذه المواضيع الزوجية، والأدهى والأمّر من ذلك، أن زوجي، والذي يقال له رجل، كان يجهل العلاقات الزوجية وطبيعتها أكثر مني، حتى تعذبتُ كثيرا بسببه، كونه كان يعاني من الضعف الجنسي، ولا يملك حدا ادنى من الثقافة الجنسية، وبكل انواع الثقافة بشكل عام، ونقصَ وزني على اثر ذلك، اكثر من سبعة كجم، ومع الأسف الشديد، بدلْ من ان يحّلوا أهله مشكلة زوجي معي، بطريقة علمية، ويرسلوه الى الطبيب المختص لمعالجته بمثل هذه المشاكل، احضروا لنا شيخا يعمل بالحجب وبفكها، على اساس ان عريسي معمول له حجاب، من قبل الشياطين، كي يفسدوا زواجه عليه، وصار هذا الشيخ يقول لنا اقوالا، وكأنه يود ان يهدينا الى الصراط المستقيم، الذي لا نعرفه، والطريق الصواب الذي نجهله، وكان يود ان يعمل لنا حجب، كي نضعها تحت الوسادة، قبل ان نقدمْ على ممارسة العملية الجنسية، ومع الأسفْ، عندما كنا نلتقي معه انا وزوجي، كان يتواقح علينا ويتكلم معنا بالفاظ بذيئة، غير مقبولة، لم نسمع بها في حياتنا، وكل ما يعمله لزوجي، هو ان يقرأ عليه بعض التعاويذ والكلام غير المفهوم، ويدلكْ له صدره وظهره احيانا بزيت الزيتون، مقابل مبلغا كبيرا من المال، والكل من اهله حولنا، كان يسخرُ منا، لدرجة كنت افكر واحاول الهروب من بيت الزوجية، الى بيت والدايْ، كي اشكو واقول لهم، مش عايزة هذا الزوج ولا حتى هذا الزواج، حتى أن نفسيتي، تدمرتْ من الكل، وكلهم يودون ان يتخلصوا من مشكلة زوجي بسرعة، ويشاهدوا الفوطة الحمراء، لأنني كنت ما زلت عذراء، والسبب هو جهل زوجي بالأمور الزوجية جيدا، وما أّثر بي كثيرا ايضا، كون أهله كانوا يعتقدوا، بأنني انا المشكلة، وأنا السَبَبْ، ببقائي عذراء طيلة هذه المدة، لأنني لم اكن امكنه من نفسي وارفض مساعدته، مما زاد من ألمي وكرهي للحياة الزوجية، والتي كنت رفضت الزواج من أجلها، لو كنت اعلم انني سأكون بمثل هذا الوضع البائس والمقلق والمحرج لي. بالنسبة لأولادي، فأنا انجبتُ منه سبعة من الأبناء، بعد ان حلتْ عقدته ومشكلته الجنسية معي، خلال عشرة اعوام من زواجنا، خمسة منهم، انهوا دراستهم الجامعية في مواضيع علمية مختلفة، منهم من يعمل، ومنهم من ينتظر، والبعض منهم قد تزوج، انا حقيقة انسانة مثقفة، واحمل شهادة بكالوريوس في اللغة العربية، واحب الثقافة والعلوم كثيرا، بينما زوجي رجل أعمال وبمعنى اصح هو صاحب مصلحة، وطبيعته، أنه شخص عملي، يعمل في مجال الحدادة، ولا تروقه الدراسة والعلم والثقافة كثيرا، ولا امور العلم والتعلم بشكل عام، يتناقض في الكثير من افكاره المتزمتة والأجتماعية معي، فهو انسان منعزل ولا يحب الآخرين، لذا تميزتُ عنه بحبي للعلم والتعلم والدراسة، واهتمامي بتدريس ابنائي في الجامعات، ودفعتُ الثمن غاليا من اجل ذلك، معاناة، وسهر الليالي، وتضحيات وكفاح، ظهرتْ ملامحها على وجهي، وبل على كل جسمي، وهذا ما حصل معي فعلا، فقد عانيتُ وضحيتُ كثيرا، حتى توترتْ اعصابي وتغيرتْ نفسيتي، اضافة الى تغير ملامح وجهي وجسدي، حتى تمكنت من تعليم خمسة من ابنائي السبعة في الجامعات، والآخرين على الطريق، كما ذكرتُ لك، وهذا حالي كما ترى، نتيجة لكدي وتعبي ومعاناتي، فاضافة الى امور البيت الاعتيادية التي أقوم بها من طبخ ونفخ، وغسيل وتنظيف وخلافه، كنت متابعة لأمور ابنائي الدراسية، وغير الدراسية، من اجل توفير احتياجاتهم، والسهر عليهم، ومتابعة كافة متطلباتهم المعهودة، سواء في مراحل دراساتهم الاعتيادية، وحتى مراحل دراستهم الجامعية، هناك الآن بقي لي بنت وولد، ما زالا، بالمراحل الدراسية الأخرى، فالولد، يدرس في مرحلة التوجيهي، والاخرى تدرس في الصف التاسع الابتدائي، اما زوجي فلم يكن يهمه امر تعليمهم ودراستهم بكل انواعها، لا الاعتيادية ولا الجامعية، فكانت كل المسؤولية، تقع على عاتقي لوحدي، واقتصرَ دوره على السبْ والشتمْ، وفي احيان كثيرة على الضربْ لي ولأولاده، فيما اذا حدثتْ مشكلة ولو بسيطة بيننا في المنزل. ابني حمدي، درس ارشاد نفسي وتربوي، وابنتي هيا، درست لغة عربية مثل دراستي، وابنتي مي، درست اصول علوم الدين، وابني حسان، درس علم الكمبيوتر، واما ابنتي داليا، فقد درست تربية رياضية، وحقيقة، كلهم متفوقين، وهذا كله يعود لمجهودي ورعايتي الشخصية لهم، وحرصي الشديد عليهم، اضافة لجدهم واجتهادهم، حيث كافحتُ كثيرا معهم، بالدراسة منذ صغرهم، وهذا حقا ما اثلجَ صدري كثيرا، وأسعدني أيضا، وفرّج عني كربي وهمي، وحقيقة، فانا كنت بفترة من الفترات، مصدر الرزق الوحيد لهم، وكان زوجي لا يعمل، لأنه كان يعاني من آلام حادة، من غضروف بظهره، فانا من كان ينفق عليه وعليهم، وأتحمل كافة مصروفاتهم الدراسية وغيرها، سوف يكون سعيدا جدا أي انسان، يحقق انجازات مثل انجازاتي هذه، ولكنني حقيقة، لم اجد التقدير او الأحترام أو الاشادة بي، مقابل جهدي وانتصاراتي هذه، من قبل زوجي، ومع الأسف، كنت مستكينة وخانعة وساكتة. صحيح، ان عبأهم المادي قد خف الآن عن ذي قبل، وهذا يعود الى ان ابنتي هيا، اصبحت تعمل مدرسة في سلك التدريس، وقد اصبحتْ متزوجة كذلك، أما ابنتي ميْ، فقد تخرجت قبل مدة وجيزة، وزوجتها بعد تخرجها مباشرة لابن عمها، وهكذا تخلصت من هم مصاريفها أيضا، مع أن ابني حمدي، وكذلك ابني حسان، لا يعملان لحد الآن، وكلاهما ينتظر الوظيفة. لا اخفيك سرا اذا قلت لك، بأن هناك عدة مواقف، عانيتُ منها في حياتي، منها على سبيل المثال، تعليمي الذي لم يكتمل بعد، فانا انسانة طموحة كما ذكرتُ لك، كنت اطمح للحصول على درجة الدكتوراه، وهذا مع الأسف، لم اتمكن من تحقيقه، لصعوبة الظروف التي واجهتني. الموقف الآخر، كان موضوع زواجي، الذي اعتبره كان مبكرا بالنسبة لي، حيث قيّدَ حركتي، وحدّ من طموحاتي الشخصية نوعا ما، وكان مؤلما لي ايضا، حيث لم اكن اعرف معنى الزواج، وتزوجتُ قبل استكمال طموحاتي. من المواقف المؤلمة لي ايضا، هو تزويجي لابني حمدي، وهو في السنه الدراسية الثالثة من دراسته الجامعه، وتنكرهُ لنا، وبفضلنا عليه، حيث بعد زواجه، أخذتهُ زوجته مني، بعيدا عني، ولم نعد نراه او نسمع به كثيرا، بالرغم من تضحيتي له، بالمال ومحة البال، واصعبُ شئ بالوجود، هو ان ينكر ابنك، معروفك ومصروفك عليه، غير المعاناة التي لاحقتني اثناء سهري وتعبي عليه عبر السنين، وهو اقرب الناس اليك. (لقد باشرتْ بالبكاء كثيرا، وهي تروي لي هذا الموقف، ولم تتمكنْ من مواصلة حديثها معي). تابعتْ سردَ قصتها لي بعد مرور فترة وجيزة من الوقت، وقالت:معذرة استاذي الكريم، فانا كنت متوترة جدا، وانت فتحتَ عليَ كثيرا من الجراح، كنت اكتمها في نفسي، منذ أكثر من خمس وعشرون عاما، ولم ارَ مجالا للتنفيس عنها غير هذا الوقت، وانا حقيقة، عمري ما اشتكيت همي وآلامي لأحد، غير الله، عز وجل، كما قلت لك بحديثي معك، لأن شعاري:(الشكوى لغير الله مذلة). ولا تحسبوا ابتساماتي وضحكي، هو دليل على فرحتي وسعادتي، فأنا أضحك احيانا، والاسى في مهجتي وقلبي، وعمري ما اشتكيتُ لأحد، كما قلت لك، بل كان يضرب المثل بنا، وبسعادتنا وهناؤنا، وهذا كان شعور الناس من كانوا حولنا، ومن معارفنا وجيراننا، ولكن هذا كله، كان على حسابي الشخصي فقط، وكنت ادفع ثمنه غاليا، ايْ راحتي وسعادتي وشقائي وتعبي، وهكذا كان كل من حولنا من الأهل والأصدقاء، يحسبوننا نعيش بسعادة متناهية، ومنقطعة النظير، ولا يعرفون خبايا انفسنا ومعاناتنا الشديدة، وما يحدث خلف الجدران المغلقة بيننا، ويحسدوننا على ما نحن فيه من السعادة. اما زوجي حقيقة، فهو من رجال الدعوة الاسلامية والذين يفهموا الدين بطريقتهم الخاصة، ولا يريدون احدا بتصحيحهم او مناقشتهم في شيء يؤمنون به، كما انه ممن بلبسوا الجلبية القصيرة والطاقية ويلبس الشاروخ في قدميه ويربي ذقنه حتى تصبح طويلة، وتصل الى منتصف صدره، أي كلمة اتحدثها انا بنفسي له، لا يعتبرها ولا يعطيها اي اهمية تذكر، وكان يحتقر المرأة بشكل عام، ولا يعترف بوجودها ودورها في المجتمع بتاتا، ويحتقرنني كزوجته بشكل خاص، ويتفوه معي بالألفاظ البذيئة دائما، ويقلل من شأني امام اخوته وأهله، وكأنه هو المتعلم والفاهم فقط، ويجب ان تطاع اوامره فورا، وتجتنب نواهيه دائما، بدون نقاش، مهما كانت سلبية، والا أقام الدنيا ولا يقعدها على رؤوسنا جميعا، أما انا، الانسانة المتفهمة والمتفانية بخدمة بيتي واولادي وحتى خدمته هو بشكل كبير جدا، والواعية لمصلحة بيتها وابنائها، فيعني اني جاهلة وامية، وكل ما اقدمه من خدمات له ولبيتنا، كان يعتبره من واجباتي له عليْ، وكان يرددُ امامي قولاّ باستمرار:(لو باتتْ الزوجة وزوجها غاضب منها، فالملائكة تلعنها، حتى تصبحْ) وقول آخر كان يقوله لي أيضا:(لو حاول الزوج مس جسد زوجته بيده، وحاولتْ ابعادْ يده عنها، فانها تأثم)، وهناك اقوال كثيرة له كان يرددها امامي بمناسبة وبدون مناسبة، يستغلها ليس بموضعها السليم، منها ان الرجال قوامون على النساء، والمرأة ناقصة عقل ودين، وثلثيْ اهل النار من النساء، والمرأة والشيطان، رضعا من ثدي واحد، وهكذا الى آخره من الأقوال، التي لا تنطبق في معظمها عليّ شخصيا، وهكذا كان دوما بمواقفه معي، يستغل الدين في مصلحته لأخضاعي له بالكامل، حتى أكون له عبدة جارية، وتحت اقدامه. لم يكن ليحترمني ابدا، بينما الكل خارج منزلنا، من المعارف والاهل والأصدقاء، يشكرون بي ويحسبون لي كل حساب، وحتى البعض من اهله، من يعرف وضعي جيدا، من الصغير وحتى الكبير، حتى سلفاتي، بحبونني جدا، وكذلك معظم أهله واخوته، ومع هذا، هو يحملني كل مسئوليات البيت، من كافة النواحي، كيْ أقوم بها، ويا ويلي لو قصرت بأي شيء بسيط جدا وتافه، عندها اصبح جاهلة وامية وتافهة وغيرها من الصفات المشينة، اضافة الى عملي الشاق الذي اقوم به، خارج البيت في هيئة التدريس، كما انه لا يعرف المجاملة والحديث مع الناس، ودائما ما يختلق المشاكل مع اولاده بوجود الضيوف، ويتذمر من تصرفاتهم باستمرار، معظم معارفنا من الناس، في خارج المنزل يحسدوه كثيرا، كوني زوجة له، محترمة ومعتبرة وناجحة ومتألقة في حياتي، ومطيعة ومعروفة في المنطقة التي نقيم فيها، وأساوي حسب رأيهم، الف امرأة. راتبي الشخصي الذي كنت اتقاضاه ويبلغ أكثر من ألف دولار شهريا، كله كنت اسلمه له طواعية، وأنقده بيده بالكامل، واذا ما اطلبتُ منه اي مبلغ لي، كمصروف شخصي، يتذمرْ مني دوما، ويقول لي انت زوجة مبذرة، حتى ان اولادي كانوا يضحكوا عليه من كلامه هذا، الذي لا معنى له. مع هذا وذك، فانا انام لوحدي بغرفة النوم، وينام هو بالصالون المجاور دائما، ويتعمدْ هجري واهمالي اياما كثيرة بدون سبب، ويقصد من هذا اذلالي واهانتي، ولا يحضر عندي، الا اذا احتاجني للحظات او دقائق معدودات، في يوم من ايام الأسبوع، وحتى بالشتاء القارس، كان يتركني وحيدة، أتقاسم الشتاء القارس، ببرده ووحشته وقسوته، مع شجرة تطل علي عبر نافذة غرفتي، عارية من الاوراق، فهي تستقبل الشتاء وبرده عارية، وانا استقبله عليلة ووحيدة، الا من همي وكربي. كان يحرجني، بلبسه ومظهره كثيرا، فهو يلبس جلابية ميني جيب، ويضع طاقية صغيرة على رأسه، تشبه طاقية اليهود الصهاينة تقريبا، ويلبس بقدميه الشاروخ، ولحيته تصل الى نصف صدره ويحلق شاربه، ويحمل دوما بيده مسواكا ينظف به اسنانه كل الوقت، بداعي النظافة كما يقول، وحقيقة، كنت اخجل منه عندما يراني البعض من معارفي، وانا اسير الى جانبه في بعض الأحيان، وكنت احاول أن اشتري له بنفسي ملابس لائقة به، كبقية الناس في الشارع، كي يكون بمظهر لائق ومقبول، فكان يقسم أغلظ الأيمان، بانه لن يلبسها، ولا يتعامل مع مثل هذه الملابس، كذلك، فهو لا يقدر الانوثة، ولا يحب الجمال بالمطلق، ولا يعتبرهما شيئا مهما في حياته، ولا يحب ان يظهر بمظهر لائق وانيق، الكل من معارفي وأهله، كانوا يقولوا لي، والله خسارة، ان تكوني زوجة له، وأن يرى خصلات من شعرك، وحتى اي جزء من جسدك. اشتريتُ له قطعة أرض وعملت له مشروع ثلاجة، لتخزين الخضار بها، كلفني ثمنها حوالي 20 الف دولار، كي يكون شخصا منتجا وعاملا، وهذا العمل، يتناسب مع حالته الصحية وما يعانيه من الآلام في ظهره، وعندما احتجتُ ان يكون لدي سيارة، استعملها بتنقلي لعملي الرسمي، كونْ مدرستي التي اعمل بها، اصبحت بعيدة كثيرا عن منزلنا بعد ترقيتي، كذلك طلبت منه ان يعلمني السياقة بعد أن تعبتُ من شحططة المواصلات وبهدلتها، لم يقبل طلبي بالمطلق، واعتبره تبذيرا لاداعي له، علما بان كل مديرات المدارس، لديهن سيارة خاصة بهن، وما زال هذا الموضوع على اجندتي يوميا، اصارعه من اجل ان يوافقني عليه، وكنه حتى هذه الساعة لم يوافق بعد عليه، فقد ربّاني على يدية، وانا كنتُ غير واعية لكافة حقوقي وواجباتي، بداية زواجي منه، وانصعتُ له كما يجب، وكنت له سمعا وطاعة، كي يقدرني ويحترمني، ولكنه بالعكس فعل معي، خلاف ما اريد واشتهي، فكلما كنت له مطيعة ومستجيبة لكل طلباته مني، كان يزيدني اذلالا واحتقارا وتعنيفا واساءة، وكنت افكر واقول حسب الدين الشرعي، كما كان يقول لي:( انه من باتتْ وزوجها غاضب منها، لعنتها الملائكة حتى تصبح). حصلتُ مرة على راتب شهر اضافي على راتبي، كوني عملتُ عملا اضافيا، فقدمتُ له المبلغ بالكامل، كعادتي كل شهر معه، وكنت محتاجة لأشتري لي بعضا من الملابس، فلم يعطني سوى مائة دولار، وقال لي بعنجهية وبكلام بذيء، خذي، فانت امرأة مبذرة كثيرا، دون أن يقول لي كلمة الله يعطيك العافية. الزمني بلبس النقاب لمدة اكثر من 22 عاما، مع انني لم اكن مقتنعة بلبسه، حيث يمحو شخصيتي تماما، ولا يتعرف احد عليَ من خلاله، وكان هذا النقابُ يعيق حركتي ونشاطي، مع الآخرين، ويسبب لي المشاكل، خاصة بعد ان اصبحتُ مديرة مدرسة، وطلبتُ منه ان انزع النقاب، واكتفي بلبس الحجاب، فرفضَ رفضا قاطعا، ولكنه في الأخير، اقنعته على خلع النقاب، وان ابقى بالحجاب، وبعد معارضة ومعاناة شديدة منه، وافق لي، على لبس الحجاب في داخل المدرسة فقط، اما خارجها، فألزمني بلبس النقاب، ومع هذا، فما زلت في قمة الأناقة والشياكة، حتى بلبسي للحجاب، وكل من اخواته واخوانه، مش عارفين كيف انني قابلة وراضية بالعيش معه بهذه الطريقة وبهذا الشكل، وبعقليته الظالمة والمتزمتة والمتخلفة جدا، ومن مشاكل النقاب معي، ان احدى المنقبات، كانت تستغله بطريقة مشينة، ولمّا القى رجال الأمن القبض عليها، وسألوها عن اسمها، ذكرت لهم اسمي الشخصي بدل ان تذكر اسمها الحقيقي، وبعد أخذ ورد طويل تركوها، ولما ارادوا استدعاءها مرة اخرى للنظر في قضيتها، تم استدعائي شخصيا بدلا منها، وكنت عندها قد وقعتُ بمصيبة كبيرة، لولا ان الكثير ممن عرفوني من زملاء العمل، نفوا ان اكون تلك السيدة المنقبة، خاصة بعدما علموا بطبيعة عملي ايضا . من المفروض ان الشابة، لا تتزوج من أي شخص اقل منها في المستوى التعليمي والثقافي، فيجب ان يكون بين الأثنين، أيْ الزوج والزوجة، توافق عقلي وفكري وثقافي واجتماعي وجسدي، فانا تزوجت بعمر صغير نسبيا كما ذكرتُ لك، ولم اكن ناضجة أو متهيأ للزواج بما فيه الكفاية، ولم اكن متفهمة لمعنى الزواج ومسؤولياته الجمة، ولم يكن بيني وبين زوجي توافق فكري أو ثقافي او اجتماعي، ولا حتى مستوى تعليمي، فزوجي يحمل الشهادة الابتدائية، ويعمل في مجال الحدادة، وطرقْ الحديد وصبه، طبعا هاي مشكلة كانت فعلا بيننا، وبين تفاهمنا وانسجامنا، شو جاب صب الحديد وطرقه، والتعامل مع اسياخه وتطويعها، لصبْ التعليم والفكر والثقافة والرقي، والتعامل مع بني البشر!!!!!! طبعا تناقض واضح وكبير جدا، خاصة انني كنت مدللة عند اهلي كثيرا، وكانوا يغاروا علي من نسمة الهواء، اذا مرتْ على وجهي، خوفا من ان تجرح شعوري وكبريائي، وبابا كان غني، ولا يحرمني من كل شيء كنت اطلبه منه، سواء المأكل أو الملبس، كنت من صغري، احب أن اقوم بأعمال مديرة مدرسة، لانني احب الاعمال الادارية الغير مجهدة كثيرا، وهذه الشخصية اشعر بانها تتجسد بشخصيتي. بعد زواجي أيضا، كنت اتمتع بكل معاني الزوجة الصالحة، والمرأة المخلصة لزوجها والامينة، بالرغم من انني، اتمتع بكل معاني الجمال والرقة والأنوثة، وكل الناس يعرفون انني اسعد زوجة في العالم، لكن شخصيتي كانت مطموسة وغير ظاهرة في حقيقة الأمر، من قبل زوجي، واهله ومعارفه، فهم لا يعرفون ما ابذله من الجهد والمعاناة اليومية، ولم اكن اشعر معه بكياني يتجسد، كما اتمنى وارغبه أن يكون، لدرجة، انني كنت اكتب ما يجول في خاطري من هموم واحلام وطموحات، وأقرأهُ لنفسي، ومعظم كتاباتي لا يقرأها أحد غيري، ولا احكي همي ومشاعري، لأحد كان، حتى زوجي، كان لا يسأل بي كثيرا، ولا يهتم بأفكاري وثقافتي وأمري وهمومي الخاصة بي، وكنت في واد، وهو الذي كان اقرب الناس لي، بواد آخر، والمفروض ان يكون الى جانبي دوما، يحس باحساسي ويشعر بشعوري ويأخذ بيديْ، وانت تعرف السبب، كما قلت لك سابقا، حقيقة، وكما يقولون، تأتي الرياح، بما لا تشتهي السفن. على الرغم من انوثتي الصاخبة، وجمالي الملفتْ للانتباه والأخاذ، والذي يتمناه كل الرجال، بأن يكون موجودا بمثله لدى زوجته، فلم القى الاهتمام والرعاية الكافية من زوجي، فلم يكن ليلتفتَ لي كثيرا، ولم يكن ليثير احساسي وانوثتي وعواطفي بحركة او بكلمة حلوة، كما يجبْ أو كما احبْ، مع اني كنت قادرة، كي امنحه الحب بكل انواعه وصوره، وامتعه بكل المتعْ التي يمكن ان يتمناها كل رجل، لو كان يعطيني من وقته اهتماما كافيا، كي ينظر ويتطلع بوجهي، والى جمالي وأنوثتي الغضة، ويفجرها بين يديه، ويلعب بها كما يشاء، لكن كل هذا، لم يحدث لي الا قليلا، وفي فترات موسمية احيانا كثيرة، فكل وقته كان منصبا على عمله وشغله، بقطاع الحديد والصلب، يبني للآخرين كل شيء ويدعمه بالحديد، ويترك جسدي يتآكل ويتهدم ولا يدعمه بشيء، ويصدأ كل يوم يمر فيه، بدون حب وحنان، كنت اشتاق فيه اليه. كنت بحاجة حقيقة، الى عازف عود جيد، كي يعزف على جسدي الحانا موسيقية ممتعة وراقية وعذبة، فكل اوتار جسدي نافرة ومشدودة، كنت اومن ان جسد المرأة كالعود، لا يفهمه او يخرج منه لحنا موسيقيا ممتعا وجميل، الا عازف عود جيد، وهذا ما كنت افتقده فعلا، كل ما كان يعطيهِ لي زوجي من وقته واحصل عليه، هو بضع دقائق، حيث كان يأتي اليْ في بعض الأوقات، بعد انتهائه من عمله طول اليوم، متلهفا عليَ احيانا، ويطلبني الى السرير فورا، فاحضرُ اليه، حسب رغبته، وارتمي باحضانه كي يفعل بي كما يشاء، غيرُ عابيء بمزاجي الشخصي، أو رغبتي من عدمها، وحالتي النفسية وتعبي، يطفيءُ نار جسده المشتعل، بحرارةِ جسدي الملتهب والمتفجر، كما يطفيء سيجارتة في طفاية السجائر، ثم لا يلبثْ ان يتركني ويغادرني بسرعة، يتركني بناري المشتعلة، كي تحرقني، ولما تنطفيء بعد، وبوحدتي وحيرتي، أقوم بعد ذلك من على السرير، واجمع بقايا ملابسي المبعثرة من هنا وهناك، وأذهب الى الحمام، كي اغتسل تحت دوش الماء، بماء بارد، اطفيء بها بقايا نار جسدي المشتعل، الذي تركه مشتعلا حتى يواصل اشتعاله لوحده، حتى احترق وأذوب، ثم لا البثُ أن اجلس على اريكتي، بعد حمامي المنعش، وبعد ان اطفأتُ لهيب ناري المشتعلة، استكمل متعتي الخاصة بي، في الكتابة والمطالعة أو مشاهدة التلفاز، والاستماع الى الأغاني المحببة لي، او مشاهدة المسلسلات التاريخية وخلافها من برامج مفيدة وعلمية، وأحيانا اخرى، اتفنن بأعمال يدوية خاصة، من التراث الشعبي الفلسطيني، أعتدتُ على القيام بها، حيث كنت اتفننُ بفن التطريز الشعبي، وكنت اقوم بتطريز الكثير من صور تراثنا الحضاري الفلسطيني الواسع والعميق، وكنت استمتع كثيرا في الكتابة، فقد كانت كتاباتي كلها تعبر عن هموم شعبي الفلسطيني في كل مكان، يعني عن المعاناة والآلام التي يمر بها شعبي نتيجة للاحتلال الصهيوني البغيض، وكل حدث جديد في هذا المجال ايضا، كان يحرك عندي ملكة الكتابة، نتيجة لما نشهده ونعانيه، وهناك امور منها تربوية خالصة، كنت اكتب بها، مثل كيف نربي ابناءنا، والتعليم المحوسب، ولغتنا العربية الجميلة، وهكذا، كنت اقضي الكثير من وقتي بهذا الشكل، واملأ فراغي، وامتع بها نفسي، بدل المتعة التي كنت ارنو اليها وانتظرها مع زوجي كل يوم. تابعتْ حديثها وسرد قصتها بحرقة والم، وتنهداتِ من الآهات والحسرة تعلو وجهها الشاحب، وعيونها الذابلة والناعسة، ما عوضني ويعوضني حقا، هو حبي لعملي الشديد، وحبي لخدمة الناس، وتخفيف آلامهم واحزانهم. عند ترقيتي بوظيفتي، تم تعييني مديرة لمدرسة، اسمها مدرسة المناهل الابتدائية، تقع في محافظة جنين، وهي بعيدة جدا عن سكني الخاص بي، حيث كنت اقيم باحدى قرى المحافظة، وكانت تقع بالقرب من ميدان باسم ميدان جمال عبد الناصر، يومها بكيتُ بكل حرقة، ووضعتُ يدايَ على خديْ، وقلت، شو بدي اعمل بهالمصيبة اللي أصابتني، لدرجة كرهت الترقية، وكنت سأتراجع عن قبولها، لأن هذه الوظيفة، شاقة ومتعبة جدا، وتحتاج لجهود جبارة للقيام بها من جانبي، ومن جانب اي شخص سيتبوأ هذا المنصب، فالمدرسة طلابها كثيروا العدد، والمنطقة الموجودة بها غير متطورة، كباقي المواقع في المحافظة، ولكن، قلت يجب ان اكسب أجري عند الله، طالما عندي القدرة وقوة التحدي، والتصميم والارادة الكبيرتين، للاصلاح والعمل، وطالما القضية تمس خدمة ابناء شعبي المحتل، والذي يعاني من ظلم وشراسة الاحتلال يوميا، وواجبي ان اعمل على خدمتهم وتوعيتهم وتطويرهم، والأخذ بيدهم، مهما كلفني هذا الأمر من جد وجهد واجتهاد، وارهاق ومعاناة، فعقدتُ اجتماعا مع الهيئة التدريسية في المدرسة، وكانوا في معظمهم أساتذة من كبار السن، وبعضهم من المشاكسين والمتعجرفين، ولا يعرفوا الا اللغة القاسية والغطرسة والتمرد، وذلك لشحذ هممهم، ومضاعفة جهودهم، وحثهم على العمل الجاد والبناء، بشكل أكثر نحو الطلبة، وكان عددهم سبعة عشر مدرسا، وتسع من المدرسات، لعدد من الذكور، تعدادهم يقارب السبعمائة من الطلاب، وثمانون من الطالبات، جمعتهمْ وتحدثتُ معهم، وقلت لهم، بأن وضعنا بهذه المدرسة، صعب جدا كما ترون، وانا وانتم تعرفون ظروف هذه المدرسة، ومشاكلها الجمة، والغارقة بالمشاكل، التي لها اول، وليس لها آخر، وكذلك طبيعة وظروف هذه المنطقة، وتخلفها، وطبيعتها القاسية والصعبة علينا جميعا، لكن ما في شيء اسمه صعب ومستحيل في اجندتي، وكذلك يجب ان يكون في اجندتكم جميعا، ولا يمكن ان نترك هذا الوضع الصعب، ان يهز عقيدتنا وارادتنا وعزيمتنا وصمودنا، هؤلاء هم ابناء شعبنا، وهم بحاجة الينا، والتعليم فيهم، هو اللذي سينفعنا عند الله تعالى، وشجعتهم وحثيتهم على العمل الدؤوب والمتواصل، حتى حققنا نجاحات باهرة وملموسة، ظهرتْ على تفوق الطلبة، ونسبة نجاحاتهم، وانتظام دوامهم، وقلة المشاكل بينهم، وكنت اقدم لهم كتابات شكر وامتنان، مع كل تقدم ونجاح كانوا يحققوه مع طلابهم، كي اشجعهم على التفاني بعملهم، ثم اجتمعتُ بوجهاء القرية المذكورة، وتحدثتُ اليهم بنفس الكلام الذي تحدثتُ به مع المدرسين، وباسلوب يتناسب مع طبيعتهم وامكانياتهم ومواهبهم، كي يتعاونوا معنا بمساعدة ابنائهم، وحثهم على الدراسة والاجتهاد، والاهتمام بنظافتهم ودروسهم وامورهم الخاصة، وحل مشاكلهم، ومن خلال تجربتي الناجحة هذه، بدأتُ اطلب من اولياء الامور، ذوي المستوى المتنفذ والفاعل، كي يقوموا بالخطب في المساجد يوميا، للحث على السلوك والأخلاق الحميدة، لدى عامة الناس، وحثهم على النظافة والأيمان والقيام بالأعمال الحسنة، وكذلك كلفتُ بعض المدرسين ممن لهم الكلمة المسموعة أيضا، ولديهم الرغبة كذلك، للقيام واعطاء النصائح والارشادات، عبر الخطب والدروس في المساجد، وللحث على الأعمال الحسنة، ولإعطاء دروس للطلاب من على المنبر، ثم جمعت نساء القرية كذلك، وعملت لهن دورة في محو الأمية، لمن هن بحاجة لها، وكنت بنفسي اقوم بتدريسهن، من اجل محو اميتهن، اضافة لما كنت اقوم به من اعمال اخرى ادارية عديدة . انهت قصتها لي بقولها:هذه هي قصتي سيدي الفاضل، بحلوها ومرُها، وقد تكون تعبر عن قصص الكثير من السيدات الفلسطينيات في كل محافظات الوطن، سواء في الضفة الغربيةالمحتلة، أو في قطاع غزة المحاصر، فنحن جميعنا السيدات الفلسطينيات، نعيش تحت سقف واحد، ألا هو سقف الاحتلال الغاشم والظالم والمجرم، فهو فوق رؤوسنا دوما، وابناؤنا او ازواجنا او اخوتنا، وحتى بناتنا ما بين شهيد واسير معتقل، لدى سلطات الاحتلال، وبين معوقْ لا يستطيع الحركة او التنقل، نتيجة لاصابة، اصابتهُ واقْعدتْه، او مطاردْ، ولا يستطيع ان يرسو له على برْ، لملاحقة قوات الاحتلال له باستمرار، فالمرأة الفلسطينية، تتحمل كثيرا من المسؤولية الملقاة على عاتقها، ولكن احيانا كثيرة، تعاني من ظلم الرجل لها سواء الزوج أو الأخ أو الابن وحتى الأب في احيان كثيرة، واستغلالها وعدم احترامها واعترافه بجميلها وتضحياتها الجمة، وهذا ما يثير شجونها واحزانها أكثر من اي شيء آخر، كما ان استغلال العامل الديني ضد المرأة، وضد حقوقها وكرامتها وانسانيتها، بات امرا عاديا جدا، ومفروغ منه، ويمارس علينا الارهاب الديني بشكل غير معقول، ولا احد منا يستطيع تقبله، وكأن ديننا هو ديني ذكوري، يختص بالرجل بدون المرأة، فهل يعقل كل هذا؟؟؟؟ الا يكفي الاحتلال، وهو يكتمُ انفاسنا، ويدوسُ على كرامتنا وعزتنا وكبرياؤنا؟؟؟؟ ومع هذا، فالمرأة الفلسطينية تبقى صابرة ومثابرة ومجدة، وتعاني كثيرا، ولكنها تتحمل وتتحدى الصعاب، وفي الأخير، تحقق اهدافها النبيلة، وتنتصر كعادتها دائما، وهذا حقا ما يكيد العدو، ويجعله يفقد صوابه.