الحجاب فريضة من فرائض المرأة المسلمة المتدينة، حفاظا على قيمتها في الأسرة والمجتمع، ولأنها كائن جميل ومخلوق لطيف حباه الله بمفاتن من رأسها إلى أخمص قدميها، فرضه المولى عز وجل حين أوحى نبيه محمد (ص) أن يأمر بناته ونساء المسلمين بأن يدنين عليهن من جلابيبهن وأن يضربن بخمورهن على صدورهن لأن في ذلك خير وإكرام لهن. «المساء» استمعت إلى بعض الشهادات وإلى نبض الشارع في قراءة اجتماعية لنظرة المرأة المغربية إلى الحجاب «بكل أنواعه». «الحجاب في القلب وفي الأعمال والتصرفات وليس في اللباس أو الزي»، هكذا عبرت منى ذات الأربع وعشرين سنة، وهي طالبة جامعية ليست محتجبة وأضافت مؤكدة: «لم أرتد الحجاب بعد رغم أن أغلب صديقاتي محجبات، وأعترف بأنني أفكر أن أرتديه قريبا، ولكن ليس بالشكل الذي ترتديه بعض الفتيات اللواتي يضعن مساحيق التجميل وأحمر الشفاه، حيث يكن نصف محجبات ونصف متبرجات»، وأنا أتخوف من ارتداء الحجاب وعدم القدرة على الالتزام به أو الإخلال بشروط صحته، وبالتالي فقد أتلقى جملة من الانتقادات من المجتمع أو من أفراد عائلتي ومعارفي، ولذلك مازلت مترددة في ارتدائه، وإن كنت أرى أنه لن يغير في سلوكي وتصرفاتي أي شيء، طالما أنني مقتنعة بتربيتي المحافظة وراضية على نفسي وعلى تكويني الديني وثقافتي الاجتماعية». أما فاطمة أم علي، التي تجاوزت عقدها الثالث بست سنوات، فقد وجدت راحة نفسية بالغة ومتعة كبيرة في ارتداء الحجاب، حيث تقول: «قبل أن أرتدي الحجاب كنت أحس بالكثير من الارتباك حين أتعرض لنظرات بعضهم الثاقبة ممن لا يعرفون غض البصر، خاصة وأن أغلب زبائني في المكتبة التي أعمل بها من الرجال. إن ارتدائي الحجاب زادني قوة وعزيمة وثقة بالنفس ونشاطا وحماسا وكذا مردودا جيدا في العمل، رغم أنني لقيت رفضا ومعارضة من طرف صديقاتي. فعندما ارتديت الحجاب قبل عشر سنوات لم تستسغ الكثير منهن هذه المبادرة والتي هي في الواقع فريضة وواجب، حيث رأين أنني أسرعت في الإقدام على ذلك بحكم أنني مازلت شابة وأملك شعرا طويلا وناعما وجسما جميلا، ولأجل هذه الأسباب، وعلى عكس صديقاتي، ارتديت الحجاب». وترى فتيحة أن أغلب اللواتي يسارعن إلى ارتداء الحجاب دون الالتزام به لسن على درجة من الجمال أو مصابات بمرض جلدي مقزز ك»البرص»، مؤكدة في ذات الوقت أنه كلما كانت المرأة جميلة إلا وتوجب ارتداؤها للحجاب باعتبارها فتنة وسببا للإغراء». وتعتقد نسرين، البالغة من العمر 30 سنة، والتي تحضر رسالة الماستر في علوم الاجتماع أن الحجاب ضروري بالنسبة إلى المرأة المسلمة باعتباره فريضة أكثر منه قناعة دينية ونفسية، إلا أنها لا تحبذ النقاب أو الخمار حيث تقول: «ربما لست على ثقافة كبيرة من الدين، إلا أني أرى أن الحجاب ضروري للمرأة لكن النقاب الأفغاني مبالغ فيه، فبعض الفتيات المنقبات أو المحتجبات يبالغن في تصرفاتهن كرفضهن مثلا التواجد في أي مكان يضم رجالا حتى لو كان ذلك للضرورة». قناعة أم تعود؟ رغم أن جل الفتيات اللواتي ارتدين الحجاب قمن بذلك عن قناعة كبيرة وأحسسن بأنه من أهم أسس تكوين شخصية سليمة وقويمة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من الفتيات ارتدينه فقط لإرضاء أولياء أمورهن، وسرعان ما خلعنه لأنهن لم يكن مقتنعات به، وأخريات لبسن الحجاب بسبب ضغط إخوانهن ونجحن ببراعة في إيهامهم بالتمسك به، ولكن سرعان ما يخلعنه في أية فرصة تتاح لهن، ويكن في حالة تأهب بحيث يرتدين تحت الملابس المحتشمة ملابس أخرى مثيرة غير آبهات بانتقادات المجتمع أو الشارع، وهذا ما يؤكده عبد الرحمان سائق سيارة أجرة صغيرة بقوله: «بعض الفتيات يركبن معي في التاكسي مرتديات الحجاب أو الجلباب، وما إن أشغل العداد حتى يشرعن في وضع «الماكياج» والتبرج، كما يباشرن في خلع ملابسهن التي يرتدين تحتها ملابس منافية تماما للباس المحتشم الذي ركبن به أول مرة...». وترى بعض الفتيات أن الحجاب هو مسألة تعود ليس إلا، وخاصة إذا ما تم ارتداؤه في الصغر وقبل أن تبلغ الفتاة سن الرشد، حيث تتعود عليه إلى درجة أنها لا تستطيع خلعه مهما كلفها الأمر، وهو ما لا تتفق معه السيدة ثريا وهي أم لطفلة صغيرة حيث تؤكد بقولها: «من غير المعقول أن نحرم الأطفال من حريتهم وطفولتهم، وأن نشحنهم بمعلومات دينية فوق طاقتهم الاستيعابية وقدراتهم الفكرية وخاصة الإناث.. بل يجب تمهيدهم على المستوى النفسي وتبسيط الدين لهم فالدين ترغيب وليس ترهيبا». ورغم تضارب الآراء حول مفهوم الحجاب وطريقة التعامل معه والنظر إليه، فإنه يبقى اختيارا شخصيا يهم الفتاة بالدرجة الأولى، ونابعا عن اقتناع راسخ والتزام عميق واحترام وتقدير لهذا «الزي» الذي هو في الواقع فريضة إسلامية قبل كل شيء، وليس مجرد هندام أو «فولار» يغطى به الرأس وتكشف به ممارسات لاأخلاقية، إن في السر أو في العلن، يحجبها الحجاب الذي لا يعني الالتزام بالنسبة إلى الكثيرات من اللواتي اتخذنه موضة يسايرن بها العصر، ويكشفن عن مفاتنهن في ما يشبه خلطة الزيت والماء غير المتجانسة، ويبقى القاسم المشترك في كل هذه الشهادات هو رفض استغلال الحجاب والمنظر المحتشم من طرف بعض الفتيات للقيام بتصرفات مشينة أو فقط للخروج من بيت العائلة دون رقيب أو حسيب.