جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الحجاب المتكامل في تفسير الفقهاء والصوفية
نشر في هسبريس يوم 27 - 07 - 2009


الفتاوي الفقهية في الظواهر العملية للحجاب : ""
إن الأصل في مصطلح الحجاب الشرعي وأبعاده الروحية والسلوكية ينبغي استلهامه ابتداء من الآيات الخاصة بحجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله تعالى :
يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق، وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما
وعن سبب نزول هذه الآية التي تسمى بآية الحجاب، روى البخاري عن أنس قال : "قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب". وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش.
فآية الحجاب هاته خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهي الأصل في فرض الستر على نساء المؤمنين وبناتهم، إذ القدوة الأولى ينبغي أن تكون ابتداء ببيت النبوة، والغاية في الخاص والعام واحدة، وهي تحصيل كمال الطهارة النفسية والسلوكية وتفادي الإذاية والمعثرات التي تعترض السالكين طريق الله خاصة وأن إلى ربك المنتهى.
ولهذا فالحجاب الخاص بأمهات المؤمنين قد يشمل في أغلب أحكامه إلزام عامة المؤمنات من النساء، ومن هنا أمكننا اعتبار الأمر بالستر جزء مهما ورئيسيا في الحجاب، بل قد يرادفه من حيث المعنى والغاية، وهذا الترادف يمكن استلهامه من خلال الأمر الشامل في قول الله تعالى : يأيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفورا رحيما.
ونجد هذه الشمولية في الأمر بالستر وتفصيلاته لتحصيل غاية الحجاب من خلال قول الله تعالى في سورة النور: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
ومما تنبغي الاشارة إليه بصورة سريعة هو أن الأمر بالستر أو الحجاب وما يلازمه من غض للبصر يدخل في حكم الوجوب وليس مجرد الندب، سواء فيما يخص أمهات المؤمنين أو يعم الأمة جمعاء.
وهذا الوجوب يتضمن أمرين متكاملين في آن واحد وهما: أمر يختص بالالزام الباطني المستند على الاعتبار الايماني، وأمر يشتمل على الالزام الظاهري بتحقيق الوجوب الفعلي للحجاب على أرض الواقع كممارسة شرعية يكون ملزما بالسهر على تطبيقه كل ذي مسؤولية ابتداء من النبي إلى الخليفة ومن الولي إلى القاضي، وكذلك من الأب إلى الزوج، ويظهر هذا الوجوب الفعلي وإلزامية تطبيقه عمليا من خلال الأمر الوارد في قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم باعتباره رسولا وحاكما وزوجا وأبا على صيغة "قل"، مما يعني مارس الأمر كواسطة في التبليغ والالزام ممارسة عملية، ولا تبق الأمر للاختيار أو الانتظار لحين الاقتناع الشخصي والتهيؤ الباطني المحتمل لتقبل الأمر، لأن المسألة تهم المجتمع ككل وفي الحجاب إيجابية كلية، كما ان التبرج سلبية عامة.
ومن هنا فيكون من الواجب على كل سلطة مسلمة في مجتمع إسلامي أن تسعى إلى إلزام نسائه بالحجاب الشرعي قضاء لا مجرد فقه أو انتظار للعامة حتى يقتنعوا بمسألته حسب أمزجتهم وأهوائهم.
فمن مظاهر هذه الإجراءات على مستوى السلطة قد ينبغي العمل بجدية وفنية ودقة منهجية وتنظيمية على الحيلولة دون حدوث أية مظاهر متسيبة وغير مبررة شرعا للإختلاط بين الجنسين، وخاصة على سبيل التبرج في المرافق العامة والمدارس والإدارات والمستشفيات والمنتديات وأماكن الاستجمام والترفيه... إلخ، كما قد يكون من الواجب إحداث سلطة خاصة بالحفاظ على سلامة الأعراض وثوابت الحياة في المجتمع وذلك بالترصد والحيلولة دون كل مظاهر الخلوة المشبوهة بين غير المتزوجين أو غير ذوي المحارم وخاصة بأماكن يكون فيها الشيطان ثالث الجنسين!
إذ الخلوة من هذا المستوى تعتبر تبرجا ولو كانت المرأة عندها محتجبة، وذلك لأنها تكون فيها أقرب من الوقوع في المحذور والفاحشة منها في التبرج غير المختلي وعلى أعين الناس ومراقبتهم رغم أنه مذموم في كل أحواله، لأن حجاب الجماعة ورادعها وكذا الحياء النفسي والضبط الغريزي يكون إذاك مفقودا ومختلا، ومن هنا كان النهي عن الخلوة غير المشروعة قائما وملحا كما نجد في قول النبي صلى الله عليه وسلم محذرا: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" وفي رواية "فإن ثالثهما الشيطان".
وقد ورد في السنة التطبيق العملي لمنع الاختلاط كما يروى عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق، عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".
وكتفسير ظاهري ومجمل لهذه النصوص الخاصة بحجاب المرأة المسلمة يقول محمد رشيد رضا بأن "الله أمر المؤمنات بما أمر المؤمنين من غض وحفظ وزاد عليه نهيهن عن إبداء زينتهن للرجال إلا ما ظهر منها لضرورة التعامل والقيام بالأعمال المشروعة من دينية ودنيوية، وفسره العلماء والمختلفو المذهب بالوجه والكفين وبالملابس الظاهرة كالقناع والجلباب".
أما الآية الخاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين في سورة الأحزاب فيقول في تفسيرها بأن الله تعالى: "علل هذا الأمر بالستر بأن تعرف به المرأة المؤمنة أنها مؤمنة حرة، فيمتنع المنافقون والفساق من إيذائها، فالعلة الخوف عليها من أشرار الرجال لا الخوف منها، فهي كعلة آية الحجاب ومن جنسها. وما زال الرجال يسيئون الظن بالمرأة التي تظهر محاسنها وزينتها، وما زالوا يطمعون فيها، وما زال أهل الدين والعفة يتجنبونها، وناهيك بما يلقاه النساء المتبرجات في زماننا... من إيذاء سفهاء الرجال".
وعن الاختلافات المذهبية حول جزئيات الحجاب وحدود كماله في اعتبار الشرع نجد مثلا ابن تيمية يعرض لبعض منها حيث يقول : " فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة، وأخذوا ما يستر في الصلاة من قوله : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ثم قال: ولا يبدين زينتهن يعني الباطنة إلا لبعولتهن الآية، فقالوا يجوز لها في الصلاة أن تبدي الزينة الظاهرة دون الباطنة والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين:
فقال ابن مسعود ومن وافقه: هي الثياب.
وقال ابن عباس ومن وافقه: هو ما في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم، وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى الأجنبية.
فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد.
وقيل: لا يجوز، وهو ظاهر مذهب أحمد. قال: كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك.
وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة، وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم.
"وأمر النساء خصوصا بالاستتار وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة، فهذا لاجناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محظور آخر فإن هذه لا بد من إبدائها، وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن أحمد.
وقال ابن عباس : الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد وهو قول طائفة العلماء كالشافعي وغيره ...".
أما مواقف الفقهاء حديثا وأسباب الاختلاف حول مستوياته فأورد مقتطفات لمحمد رشيد رضا يقول فيها: "وأما ضرب النساء خمرهن على جيوبهن فالمراد أن يدرنها على جيوب قمصهن يسترن بها نحورهن وصدورهن لعدم الحاجة إلى إبداء غير وجوههن في أعمالهن على مرأى من الرجال الأجانب. وكان النساء في الجاهلية يسدلن خمرهن من ورائهن ويوسعن جيوب قمصهن لينكشف ما في نحورهن وعلى صدورهن من العقود والقلائد يفتخرن بها" ...وكل ما استحدثه الناس في المدن والقرى الكبيرة من المبالغة في حجب النساء فهو من باب سد الذريعة لا من أصول الشريعة، فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين".
"ومن دلائل السنة على عدم وجوب ستر الوجه حديث المرأة الختعمية ونظرها إلى الفضل بن العباس ونظره إليها وهو مروي عن ابن عباس في الصحيحين والسنن وعن علي عند الترمذي وحاصله في جملة الروايات أن الفضل كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فعرضت للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من خثعم وضيئة الوجه تسأله هل تحج عن أبيها الذي أدركته الفريضة وهو ضعيف لا يثبت على الراحلة فأفتاها بالجواز، وفيه أن الفضل جعل ينظر إلى المرأة وتنظر إليه فجعل صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، وفي بعض ألفاظه : فلوى صلى الله عليه وسلم عنق الفضل فقال العباس : يا رسول الله لويت عنق ابن عمك ؟ وفي لفظ : وجأت عنق ابن عمك فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت شابا وشابة فلم آمن من الشيطان عليهما، وفي رواية: فلم آمن عليهما الفتنة".
ويؤيد هذا الاستدلال على عدم وجوب ستر الوجه الحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه". وهو حديث مرسل فيما يروي بعض المحدثين.
وربطا لموضوع الحجاب بغض البصر على سبيل التلازم الضروري يقول ابن تيمية كمفسر وفقيه : "فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ، ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما، فإنه يباح النظر للحاجة لكن مع عدم الشهوة، وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز.
وأما الأبصار فلابد من فتحها والنظر بها، وقد يفجأ الانسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا، ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته.
وابن تيمية يتميزفقهه في كثير من الأحيان بأنه لا يهمل العنصر الذوقي في فتاواه وذلك بالاعتماد على علم التصوف الذي هو فقه القلوب لتحديد أبعادها وضوابطها الروحية والسلوكية، وهذا ما حدا بنا لتحبيذ عرض نمادج منها في هذا المبحث الخاص بالبعد التوحيدي للحجاب على سبيل إبداء أوجه التقارب والتوحد المبدئي بين رؤية أهل الفقه وأهل التصوف عند تفسير الآيات والأحاديث الخاصة بحجاب المرأة.
فنجد ابن تيمية لوعيه بهذا التكامل النظري المعرفي يختم فتاواه حول موضوع الحجاب، فيقول معتمدا على الأسلوب الصوفي في تعليل الأحكام : "ولهذا يقال : إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها، كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها : حلاوة الايمان ولذته التي هي أحلى وأطيب ما تركه لله فإن "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".
وأما الفائدة الثانية من غض البصر فهو يورث نور القلب والفراسة، قال تعالى عن قوم لوط: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (الحجر 72)، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه.
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال: الله نور السماوات والأرض (النور آية 35) وكان شجاع بن شجاع الكرماني لا تخطىء له فراسة، وكان يقول: "من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات، وذكر خصلة خامسة -أظنه- هو أكل الحلال لم تخطىء له فراسة.
والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فينطلق نور بصيرته وينفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب.
الفائدة الثالثة : قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله، ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه، قال الله تعالى : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (سورة المنافقون آية 8). وقال تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (سورة آل عمران آية 139).
ولهذا كان من كلام الشيوخ : "الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله".
وهذا المنهج في التفسيروالفتاوي هو الذي يحض عليه الصوفية خصوصا ، حتى تتكامل المعاني وتصبح الفتوى الفقهية ذات مناسبة ذوقية، كما نجد هذا الحض من طرف الغزالي حيث يقول قبل ابن تيمية : "يجب على المفسر أن ينظر في القرآن من وجه اللغة ومن وجه الاستعارة ومن وجه الصوفي".
ومن خلال هذا التكامل الضروري بين الفتوى الفقهية والتحليل االذوقي والنفسي الصوفي للحجاب بخلفياته وأبعاده، يبقى الباب مفتوحا لتوسعة حقله إلى حدود شاسعة، قد تشمل كل مرافق الحياة الانسانية ابتداء من الواقع الداخلي للإنسان، بكل تفاعلاته القلبية والعقلية والغريزية النفسية والجسمية... وتشعبا إلى واقعه الخارجي في مظاهره الحسية الذاتية والاقتصادية والسياسية.
ورغم هذا التوافق بين أهل الفقه والتصوف حول موضوع حجاب المرأة والاعتقاد بضرورة التزامه شرعا، فإن غالبية الفقهاء والمفسرين يقفون عند حد التعليل الظاهري للحكمة من الحجاب يجمله ابن تيمية في قوله : "المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجال، ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل لأن ظهور النساء سبب الفتنة والرجال قوامون عليهن".
وفي نفس السياق تقريبا يقول محمد رشيد رضا : "وجملة القول : أن أصل الشرع في آداب النساء والرجال معروف، وأن سد ذرائع الفتنة والفساد مشروع وهو يختلف باختلاف الأعصار والأمصار وإنما الحرام ما ثبت بنص قطعي الرواية والدلالة، وما دل على طلب تركه دليل ظني فهو مكروه ، وكل رجل وامرأة أعلم بحال نفسه ونيته وحال قومه وبيئته".
الاعتبارات النفسية والروحية للحجاب عند الصوفية :
فإذا كان غالبية الفقهاء والمفسرين يقفون عند هذه الاعتبارات الظاهرية والملموسة للحكمة من حجاب المرأة ، فإن الصوفية يزيدون لبنة راقية وعميقة في هذا الباب وهو الاعتبار الباطني والعقدي للحكمة من فرض الحجاب وتبعاته من محبة وغيرة.
إذ الملاحظ سواء في الآيات أو الأحاديث الخاصة بغض البصر والحجاب والضبط الشهوي أنها مرتبطة ارتباطا ضروريا وتلازميا بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يستخلص الصوفية البعد التوحيدي للحجاب حيث يجدون مرتعهم وبغيتهم للغوص فيه معنى وصيغة.
فنجد أن الصوفية لا يقتصرون في تفسير الحجاب على مجرد ملاحظة البعد السلوكي والاجتماعي أو النفسي والغريزي فقط ، إذ أن هذه المراحل قد يتخطونها ولا يقفون عندها كغاية محورية متمثلة في الشكل والمظهر الاجتماعيين لا غير، لأن الحجاب لم يشرع لمجرد صرف محاسن المرأة وزينتها عن الرجال الأجانب فقط، بل في بعض الأحيان قد تحتجب المرأة عن زوجها الذي يجوز له أن يراها بغير حجاب، مما يعني أن المسألة ليست متعلقة بموضوع الشهوة والضبط الغرائزي فقط، وإنما الحجاب له بعد عقائدي إيماني ألمحت وصرحت به الآيات والأحاديث النبوية وكذلك الاجراءات التعبدية العملية التي يفرض فيها على المرأة أن تحتجب ولو كانت في بيتها ولا يراها أحد من الناس سواء كان محرما أو غير محرم، ويتجلى هذا الاستثناء خاصة عند أداء الصلاة، وهذا ما لا يستطيع الفقيه العادي أن يعلله سوى بقوله : "الأحكام في العبادات لا تعلل".
لكننا سنجد الصوفية يقتحمون هذا الميدان ويعطون تفسيرات لحجاب المرأة في الصلاة مما يجعلنا نربطها بالحجاب خارج الصلاة كقاعدة عامة ، يقول ابن عربي الحاتمي مثلا في : "فصل بل وصل فيما يجزىء المرأة من اللباس في الصلاة" "اتفق الجمهور على الدرع والخمار، فإن صلت مكشوفة فمن قائل تعيد في الوقت وبعده، ومن قائل تعيد في الوقت، وأما المرأة المملوكة فمن قائل أنها تصلي مكشوفة الرأس والقدمين ومن قائل بوجوب تغطية رأسها.
- اعتبار النفس في ذلك : لا فرق بين المملوكة و الحرة ، فإن الكل ملك لله فلا حرية عن الله ، فإذا أضيفت الحرية إلى الخلق فهو خروجهم عن رق الغير لا عن رق الحق أي ليس لمخلوق على قلوبهم سبيل ولا حكم، فهذا معنى الحرية في الطريق وقد تقدم الكلام في الثوب الواحد وبقي الاعتبار في تغطية الرأس هنا.
واعلم أن المرأة لما كانت في الاعتبار النفس، والرأس من الرياسة ، والنفس تحب الظهور في العالم برياستها لحجابها عن رياسة سيدها عليها وطلب شفوفها على أمثالها ، ولهذا قيل آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة أمرت النفس أن تغطي رأسها أي تستر رياستها فإنها في الصلاة بين يدي ربها، ولا شك أن الرئيس بين يدي الملك في محل الافتقار، فإذا خرج إلى من هو دونه أظهر رياسته عليه، فلهذا أمرت النفس المملوكة أن تغطي رأسها في الصلاة".
ويذهب ابن عربي في تحليل أو استخلاص الأحكام ذات البعد العقدي من مشروعية حجاب المرأة وذلك على غرار التفسير السابق مع تحديد مفهوم العورة ، فيخصه ب "فصل بل وصل " في حد العورة من المرأة يقول فيه : "فمن قائل أنها كلها عورة ، وأما مذهبنا فليست العورة في المرأة أيضا إلا السوأتين كما قال تعالى : وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فسوى بين آدم وحواء في ستر السوأتين وهما العورتان، وإن أمرت المرأة بالستر وهو مذهبنا لكن لا من كونها عورة ، وإنما ذلك حكم مشروع ورد بالستر ولا يلزم أن يستر الشيء لكونه عورة.
- اعتبار ذلك في النفس : المرأة هي النفس، والخواطر النفسية كلها عورة فمن استثنى الوجه والكفين والقدمين فلأن الوجه محل العلم، لأن المسألة إذا لم تعرف وجهها فما علمتها وإذا استتر عنك وجه الشيء فما علمته وأنت مأمور بالعلم بالشيء فأنت مأمور بالكشف عن وجه ما أنت مأمور بالعلم به، فلا يستر الوجه من كونه عورة فإنه ليس بعورة، وأما اليدان وهما الكفان بهما محل الجود و العطاء وأنت مأمور بالسؤال فلابد للمعطي أن يمد يده بما يعطي فلا يستر كفه، فإنه المالك للنعمة التي تطلبها منه فلابد أن تتناولها إذا جاد عليك بها والجود والكرم مأمور بهما شرعا، وقد ورد أن اليد العليا خير من اليد السفلى فعم يد السائل والمعطي ، فلابد للمعطي أن يناول وللسائل أن يتناول، وأما القدمان فلا يجب سترهما وأنهما ليستا بعورة لأنهما الحاملتان للبدن كله ونقلاته من مكان إلى مكان ، ومن كان حكمه التصريف فيتعذر ستره واحتجابه فلابد أن يظهر ويبرز ضرورة فيبعد أن يكون عورة تستر".
فربط المرأة بالنفس في حثها الشهوي وصرفها عنه بالحجاب الحسي والمعنوي سيكون مؤديا سواء بالنسبة إلى الرجل أو المرأة إلى سلامة السلوك في طريق التوحيد ومعرفة الله تعالى، لأن أهم حجاب للإنسان عن معرفة ربه هو نفسه ، ومن ثم فلرفع هذا الحجاب ينبغي أن يضع بينه وبين نفسه حجابا صارفا له عن الالتفات إليها والوقوف عندها كمحطة نهائية في سلوكه وغاياته.
ومن هنا تكون القاعدة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف هو قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"، ومعرفة النفس من معناها ضبطها والحيلولة دون إثارة تشويشها بكشفها مقابل مثيرها ، وخاصة الجانب الشهوي المؤدي إلى التجاذب والميل الأعمى.
فالحجاب بهذا المعنى سيكون من أهم مباحث الصوفية وأكثر المصطلحات تداولا لديهم إذ أنه يبدو حاضرا بصورة مكثفة في تعابيرهم واستعاراتهم المعرفية ، نختار من بينها هذه الحكمة لابن عطاء الله السكندري القريبة للدلالة على هذا المعنى الذي نروم الوصول إليه من وراء الحجاب فيقول : "الحق ليس بمحجوب وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر وهو القاهر فوق عباده"].
فالحجاب الحسي المتمثل في لباس المرأة سواء بالنسبة إليها أو إلى الرجل ، يمثل في الحقيقة عكس الحجاب الذي أشار إليه ابن عطاء الله السكندري في هذه الحكمة، لأنه بالنسبة إلى المرأة كما فسره ابن عربي يكون تربية لنفسها وصرفها عن الظهور وحب الرياسة وما إلى ذلك من أحوال النفس وظواهرها. وبالنسبة إلى الرجل يكون صرفا له عن الانشغال بالنفس على وجه الميل والانطواء والدوران في رحى الشهوة والهوى ، فينحجب سواء المرأة أو الرجل عن الله تعالى ولا يحصل الشوق إلى ذكره ومواصلة السير في معرفته كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون.
ولهذا السبب كان غض البصر من كلا الطرفين أي المرأة و الرجل ملازما للحجاب، لأنه نوع من الحجاب الذاتي يصرف النفس عن التعلق بغير الله على غير قاعدة شرعية مأذون فيها من طرفه سبحانه وتعالى.
وفي هذا المعنى يقول أبو حامد الغزالي : " ثم عليك وفقك الله وإيانا بحفظ العين فإنهما سبب كل فتنة وآفة وأذكر في أمرها ثلاثة أصول كافية : أحدهما ما قال الله سبحانه:قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. واعلم أني تأملت هذه الآية فإذا فيها مع قصرها ثلاثة معان عزيزة : تأديب وتنبيه وتهديد .
فأما التأديب فقوله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ولابد للعبد من امتثال أمر السيد والتأدب بآدابه وإلا فيكون سيء الأدب فيحجب فلا يؤذن له في حضور المجلس والمثول بالحضرة. فافهم هذه النكتة وتأمل ما تحتها فإن فيها ما فيها ، وأما التنبيه فقوله تعالى : ذلك أزكى لهم و يطلق على معنيين والله أعلم الأول : ذلك أطهر لقلوبهم. والزكاة : الطهارة والتزكية التطهير، والثاني : ذلك أنمى لخيرهم وأكثر والزكاة في الأصل النمو فنبه على أن في غض البصر تطهير القلب وتكثير الطاعة والخير ، وذلك أنك إن لم تغض بصرك وأرخيت عنانه، تنظر إلى مالا يعنيك فلا يخلو من أن تقع عينك على حرام ، فإذا تعمدت فذنب كبير، وربما تعلق قلبك بذلك فتهلك إن لم يرحم الله تعالى، وإن كان مباحا فربما يشتغل قلبك به فجاءك الوساوس والخواطر بسببه، ولعلك لا تصل إليه فتبقى مشغول القلب منقطعا عن الخير وإن كنت لم تر ذلك كنت مستريحا عن ذلك كله...
وأما التهديد فقوله تعالى : إن الله خبير بما يصنعون وقال تعالى: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكفى بهذا تحذيرا لمن خاف مقام ربه فهذا أصل واحد من كتاب الله عز وجل".
فالمؤمن ينبغي أن لا يشغله عن الله شيء، إذ النظر في غير ما أحله الله تعالى يعتبر شاغلا وصارفا عن السلوك المطرد في معرفة الله تعالى، ولهذا فالمرأة المتبرجة إن هي تراءت للرجل المؤمن المشغول بربه لحد إثارة شهوته، تكون بذلك قد حجبته عن الله تعالى لأنها تكون قد صرفته عن توجهه الكلي التجريدي وأعاقت ترقيه الروحي بسبب أنها عكست له صورة نفسه من خارج بعد ما جاهدها من داخل، فأصبح الضغط عليه مزدوجا يصعب مقاومته، وتبرج المرأة يعني إثارة الغرائز الشهوية والأمر بالسوء على سبيل المبالغة بسبب التجاذب القوي الذي يحدث بين نفس المرأة والرجل على وجه التقابل ونزع الحجاب . فتتعاون إذاك نفس الرجل الباطنية مع نفس المرأة الظاهرية وكذلك العكس ، فينشغل السالك حينئذ عن الله تعالى ، ومن ثم تصبح المرأة ممقوتة لهذا السبب وتنطبق عليها القاعدة الصوفية كما تنطبق على الرجل أيضا إن هو لم يلتزم بشروط الحجاب وآدابه وهي : "من أشغل مشغولا بربه أدركه المقت في الوقت" وهذا المعنى مستلهم من النداء الالهي في آية الحجاب التي تركز الخطاب فيها على المؤمنين خاصة ، إذ الموضوع ليس مجرد تنظيم اجتماعي أو شعار سياسي وحزبي ، وإنما هو ذو أبعاد عقدية وعرفانية وحضور في شعائر تعبدية لا يفهم معناها حق معرفتها إلا أهل الأذواق والمتدرجون شعوريا في سلوكهم إلى الله تعالى.
ثالثا : التكامل الوظيفي بين الحب والغيرة لإيجاب الحجاب:
البعد التوحيدي للغيرة في الحق والخلق:
لتحديد العلاقة بين الغيرة والحجاب في بعده التوحيدي ينبغي تعريف الغيرة أولا وهي مؤصلة من القواعد الشرعية الدالة عليها لفظا ومعنى.
فالغيرة في المصطلح الصوفي هي "كراهية مشاركة الغير، وإذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه أنه لا يرضى بمشاركة الغير معه فيما هو حق له من طاعة عبده". حكي عن السري أنه قرىء بين يديه: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا فقال السري لأصحابه أتدرون ما هذا الحجاب؟ هذا حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله تعالى، ومعنى قوله : هذا حجاب الغيرة يعني أنه لم يجعل الكافرين أهلا لمعرفة صدق الدين".
ويقول ابن عربي عن أصل الغيرة الشرعي ومعناها بأن : "الغيرة نعت إلهي. ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سعد : "إن سعدا لغيور، وأنا أغير من سعد والله أغير مني، ومن غيرته حرم الفواحش". وفي هذا الحديث مسألة عظيمة بين الأشاعرة والمعتزلة وهو حديث صحيح، فالغيرة أثبتها الإيمان ولكن بأداة مخصوصة وهي اللام الأجلية أو من أو الباء. وتستحيل بأداة على، وهي التي وقعت من الشبلي إما غلطة وإما قبل أن يعرف الله معرفة العارفين، فالغيرة في طريق الله هي الغيرة لله أو بالله أو من أجل الله والغيرة على الله محال. فتحقيق كونها نعتا إلهيا وهو نعت يطلب الغير، ولذا سميت غيرة فلولا ملاحظة الغير ما سميت غيرة ولا وجدت.
فالإله القادر يطلب المألوه المقدور وهو الغير، فلابد من وجود ما يطلب الاله وجوده، فأوجد العالم على أكمل ما يكون الوجود. فإنه لابد أن يكون كذلك لاستحالة إضافة النقص إلى الكامل الاقتدار فلذلك قال أعطى كل شيء خلقه وهو الكمال فلو لم يوجد النقص في العالم لما كمل العالم فمن كمال العالم وجود النقص الإضافي فيه، فلذلك قلنا انه وجد على أكمل صورة بحيث أنه لم يبق في الامكان أكمل منه"
ويفسر الغيرة الشرعية ووظيفتها فيقول : "وأما الغيرة لله ومن أجل الله وبالله فهو أن يرى الإنسان ما حده الحق أن يتعداه الخلق، فيقوم به صفة الغيرة لله لا لنفسه ومن أجل الله لا من أجل نفسه، إذ علم أن الخلق عبيد الله وأنه حكم العبد وأن لا يتعدى حد ما رسم له سيده، وأما أن يغار على الله فإن الغيرة ستر يحجب المغار عليه حتى لا يكون إلا عنده خاصة، وطريق الله مبني على أن ندعو الخلق إلى الله وأن نردهم إليه ونحببه إليهم ونعرفهم به وبمكانته وبهذا أمرنا. والغيرة الكونية تأبى ذلك لجهلها بالمغار عليه الذي لا يستحق الغيرة عليه، ولولا الوقوع فيمن انتمى إلى الله وجهل بعض ما ينبغي لله وقصد بذلك الخير ولكن ما علم طريقه، وإلا كنا نذكر جهل هذا القائل بالغيرة على الله، ولكن يكفي تنبيهنا على أن هذا ليس بصحيح، وإنما التبس على مثل هؤلاء الغيرة لله بالغيرة على الله، وما علموا ما بينهما من الفرقان".
ويقول الغزالي عن سبب إثارة الغيرة ووجودها في نفس الرجل خاصة : "وهو أن يقصد حريم الرجل ويتعرض لمحارمه، فالغضب له ولدفعه محمود، وقلة التأثر به خنوثة وركاكة، ولذلك قال عليه السلام : "إن سعدا لغيور وإن الله أغير منه" وقد وضع الله الغيرة في الرجال لحفظ الأنساب، فإن النفوس لو تسامحت بالتزاحم على النساء لاختلطت الأنساب. ولذلك قيل :
"كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها".
فالغيرة إجمالا هي كراهية مشاركة الغير وهي إما للحق وإما على الخلق، وهذا ما فهمه الصوفية وخاصة في تعريف ابن عربي، إذ أن أكمل أنواع الغيرة على العرض هي التي تجمع بين الغيرة للحق بالخلق وبين الغيرة على الخلق للحق.
فالذي يغار على أهله يغار على خلق ، وذلك لما يقتضيه الحق من هذه الغيرة وما يحدد لها من شروط وحدود، وإلا انقلبت إلى شك أو قذف أو إذاية للمغار عليه قد تتجاوز وجه الحق في الغيرة. كما ورد في حديث قول النبي صلى الله عليه وسلم : "من الغيرة غيرة يبغضها الله"، ومن مظاهرها كما يروى عن علي كرم الله وجهه : "لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك". ولهذا فلابد من الاعتدال في الغيرة "وهو أن لايتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن والتنعت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع عورات النساء".
والغيرة في حالة الاعتدال دليل المحبة ومن هنا كان "نعت المحب بأنه غيور على محبوبه منه وهذا أحق ما يوجد في حق من يحب الله"، فإن المحبين – حسب تعبير ابن عربي - "لهم إدلال في الحضرة الالهية إلا المحبين الموصوفين بالغيرة فإنهم لا إدلال لهم لما غلب بأنهم من المحبين، وهذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه وصف نفسه بأنه أغير من سعد، فستر محبته وما لها من الوجد فيه بالمزاح وملاعبة الصغير وإظهار حبه فيمن أحبه من أزواجه وأولاده وأصحابه، هذا كله من باب الغيرة وقوله : "إنما أنا بشر"، فلم يجعل عند نفسه أنه من المحبين فجهلته طبيعته وتخيلت أنه معها لما رأته يمشي في حقها أو يؤثرها، ولم تعلم بأن ذلك عن أمر محبوبه إياه بذلك، فقيل إن محمدا يحب عائشة والحسن والحسين وترك الخطبة يوم الجمعة، ونزل إليهما لما رآهما يعثران في أذيالهما وصعد بهما وأتم خطبته ، هذا كله من باب الغيرة على المحبوب أن تنتهك حرمته وأن هذا ينبغي أن يكون الأمر عليه تعظيما للجناب الأقدس أن يعين، ثم لا يظهر ذلك الاحترام من الكون فسدل ستر الغيرة في قلوب عباده المحبين المحب الله، قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "والله أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش " ليفتضح المحبون في دعواهم محبته فغار أن يدعي فيه الكاذب دعوى الصادق ولا يكون ثم ميزان يفصل بين الدعوتين، فحرم الفواحش. فمن ادعى محبته وقف عند حدوده، فتبين الصادق من الكاذب والكل بالله قائم، فغار على محبوبه منه فأضاف الأفعال إليه لا إلى العبد حتى لا ينسب نقص للعبد.
تلازم الغيرة والمحبة في إيجاب الحجاب :
وإذا كان نعت المحب هو الغيرة فإنه لزوما وعلى سبيل الخصوصية التي تتطلبها الغيرة يستر محبوبه ويحجبه في سره عن رؤية الغير، سواء كانت المحبة ولازمها من الغيرة قائمة بين الخالق وأوليائه من مخلوقاته أو بين مخلوقاته فيما بينهم، وفي هذا المعنى يقول ابن عطاء الله السكندري "لكن الحق سبحانه يوفي أعيان الكائنات حقها ويعطيها قسطها فيقدر لكل كون رتبته، ويوفيه دولته، فلذلك ستر سر الخصوصية في وجود البشرية ولابد للشمس من سحاب، وللحسناء من نقاب. وهل يكون الكنز إلا مدفونا والسر إلا مصونا؟ وضع ذلك سبحانه ليكون سر الولاية غيبا، فيكون المؤمن به مؤمنا بالغيب وأيضا أجل ولايته أن يظهره في دار لابقاء لها فأرخى عليه ذيل الستر حتى إذا كانت الدار الآخرة التي رضيها أهلا لظهوره واقترابه ووجود كشف حجابه، كذلك يكشف الحجاب هنالك عن سر الولاية ويجل مقداره ويرفع مناره.
وعن الكسوة اللائقة بأهل المحبة لله من أوليائه الذين أراد لهم الظهور يقول السكندري أيضا : "فاعلم رحمك الله أن من أراد الله به أن يكون داعيا إليه من أوليائه فلابد من إظهاره للعباد، إذ لا يكون الدعاء إلى الله إلا كذلك، ثم لابد أن يكسوه الحق سبحانه كسوتين : الجلالة والبهاء.
أما الجلالة فليعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب معه ويضع له في قلوب العباد هيبة يبصره بها.
الكسوة الثانية التي يكسوها الحق سبحانه لأوليائه إذ أظهرهم، الألفة والمحبة. فيكون ذلك باعثا لهم على الانقياد إليهم، أفلا ترى كيف قال الله سبحانه في شأن موسى عليه السلام : وألقيت عليك محبة مني وقال سبحانه :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا.
فحلاهم بحلية الهيبة ليحبهم العباد فيجرهم حبهم إلى حب الله، والحب في الله يوجب المحبة من الله لقوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله : "وجبت محبتي للمتحابين في".
... وعلامة الحب لله دوام ذكره مع الحضور، وعلامة الحب في الله أن تحب من لم يحسن إليك بدنيا من أهل الطاعة والخير، وعلامة الحب بالله أن يكون باعث الحظ بنور الله مقهورا، وعلامة الحب من الله أن يجذبك إليه فيجعل ما سواه عنك مستورا."
فربط موضوع المحبة بسر الخصوصية والاستعارة لضرورة حجبها غيرة بالنقاب للحسناء، كما أن ظهور خصوصية الأولياء المحبوبين يقتضي التستر بكسوة الجلالة والبهاء التي من جهة دالة عليها ومميزة لها ومن جهة ساترة لسرها الذي هو لب المحبة والداعي إلى الغيرة عليها، وهذا السر ليس سوى الاخلاص في المحبة وهو المروي في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى أنه قال : "الاخلاص سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي" .
فالجمع على سبيل الاستعارة بين كسوتي الجلال والبهاء ليتم الظهور بصورة إيجابية، قد يعني بتوظيفه في حقل حجاب المرأة المؤمنة بالله تعالى أنه لكي يكون ظهورها سليما وللضرورة فقط فلابد من الجمع بين باعث المحبة الأصلي وهو البهاء والجمال السلوكي والأخلاقي، المؤسس على فضيلة العفة كخاصية للتواصل المشروع، وبين عنصر الهيبة كحاجز يحول دون التجرؤ غير المشروع لكشف الكنز المدفون والسر المصون.
والهيبة قد تكون هيبة الايمان وهيبة المرأة المحتجبة وهيبة الأمة والمجتمع الذي يلتزم نساؤه بالحجاب، وهذا المعنى يمكن استلهامه من خلال قول الله تعالى : يا أيها النبئ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما.
وعنصر الهيبة يظهر جليا عند قوله تعالى:ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين لأن الذي يتجرأ على إذاية النساء المتبرجات حينما يرى امرأة محتجبة ببهاء الايمان بالله ومحبته، والتي من أهم مظاهرها الحياء وبجلال الحجاب الذي يدل على المنعة والتقوى فإنه يتفادى التعرض لها أو إذايتها خوفا من غضب الله تعالى إن كان لديه إيمان، أو خوفا من غضب المرأة واعتراضها على مراودته ومضايقته لها، أو خوفا من غضب المجتمع المسلم المؤسس أصلا على المحبة والغيرة التي تقتضي تغيير المنكر، وهو حالها كما يقول ابن عربي : "وأما حال الغيرة في الحق وهي الغيرة التي تكون عند رؤية المنكر والفواحش، وهي التي اتصف الحق بها والملأ الأعلى والرسل وصالحو المؤمنين...
وأما في حق المخلوق فلابد من تغيير النفس وهو مكلف بها في الحق لابد من ذلك، ومذموم من لم يجد ذلك من المكلفين فإنه مخاطب بتغييره من يده بالفعل إلى لسانه بالقول إلى وجود ذلك في النفس، وهو أضعف الإيمان في الزمان لا في نفس الغيور. فحال الغيرة هو ما يجده الغيور من اختلاف الأمر عليه في نفسه عند وقوع ما لا يرضي الله سواء وقع ذلك منه أو من غيره ، بل من هذه صفته هو معصوم فإن من وقع معه ما يوجب الغيرة ولا يغار، وإذا رأى ذلك من الغير أدركته الغيرة فليست الغيرة حقية إلهية، وإنما هي غيرة نفسية لا قربة فيها إلى الله تعالى".
ولقد مارس الصوفية - وما يزالون - الغيرة بأصولها وأسبابها وأحوالها على مستوى دقيق جدا تراعى فيها طبيعة النفس وواقعها، سواء لدى الغيور أو المغار عليه أو المغار منه. فكانوا أولى الناس بإدراك معنى الحجاب وخلفيات التبرج سواء النفسية أو السلوكية أو الاجتماعية... وكانوا رواد الغيرة في الله ولله ومن أجل الله، وبذلك عرفوا مواطن توظيف الحجاب ومتى يجب أو لا يجب، مراعين في ذلك أصل الغيرة وحالها فطبقوه على أحسن وجه بدون إفراط ولا تفريط. أورد نموذجا راقيا من تطبيقاتهم حيث يقول القشيري : "وكان الجنيد قاعدا وعنده إمرأته فدخل الشبلي فأرادت امرأته أن تستتر، فقال لها الجنيد : لا خبر للشبلي عنك فاقعدي فلم يزل يكلمه الجنيد حتى بكي الشبلي، فلما أخذ الشبلي في البكاء، قال الجنيد لامرأته استتري فقد أفاق الشبلي من غيبته".
وبعد هذه التعاريف والتفسيرات لمعنى الغيرة المستلهم من النصوص القرآنية والحديثية، يتبين لنا ماهو وجه العلاقة بين الغيرة في حق الله تعالى والغيرة في حق المخلوق بالله ومن أجل الله ولله، وهذه المعاني دقيقة وذوقية جدا لما للغيرة في المفهوم الصوفي من بعد توحيدي ، سواء على المستوى العقدي أو السلوكي الاجتماعي والنفسي والعاطفي الغريزي.
فإذا كان تعريف الغيرة إجمالا هو كراهية مشاركة الغير، وهذا معنى توحيدي بارز في بعدها، فعلى سبيل الاضافة التفسيرية المبنية على ما سبق من المعاني حولها، نقول : بأن المرأة والرجل في هذا الأمر سواء ولكنها من حيث الأصل والشمولية تكون في الرجل أكثر من المرأة لأن تكوينه أصل للمرأة في الخلقة الأولى وأنها جزء من كله حسب التفسير الصوفي المبني على النصوص الاسلامية المفيدة لهذا المعنى كما سنرى.
ومن هنا فالكل يشمل الجزء شمولا تاما، وهذا الحكم العقلي في تحديد علاقة الكلية بالجزئية واقعي ومقبول يؤيده التكوين الجسدي للرجل والمرأة واختلاف وظائفهما، من حيث الفعل والانفعال وقابلية التوزع والتجزؤ أو عدم قابليته.
فالرجل يمكن بحسب تكوينه الجسدي والعضوي أن يتناسل مع أكثر من امرأة وفي يوم واحد ، وبالتالي فالنسل المترتب عن مباشرته سينتسب إليه كلية، دون أي اعتراض أو عارض يخص أحوال الرجل وقدرته على توزيع نسله، إذا كان وحده هو صاحب هذه المباشرة الجنسية دون أية مزاحمة من طرف شخص آخر في نفس المحل ونفس الفترة التي تم فيها حمل أولئك النساء اللاتي باشرهن.
بينما بالنسبة إلى المرأة فلا يمكنها أن تلد إلا مرة واحدة في السنة على أعلى تقدير، ويكون نسلها من رجل واحد لاغير وإن تعرضت لمباشرة أكثر من رجل في نفس الفترة التي تم فيها حملها، وذلك إما على سبيل ما يسمى عند الفقهاء بالوطء بشبهة كخطأ، أو الوطء بمعصية كخطيئة فيما تعرض له بعض الشاذات من النساء أنفسهن كانحراف، وإما باعتداء كما هو حال المرأة عند اغتصابها من طرف أكثر من رجل.
إذ أن الرجل الذي يكون علقه سبب التلقيح الأول هو الذي ينسب إليه نتائجه من حمل وتوابعه، إما من جهة الاعتبار الشرعي أو التناسلي المحض.
ومن هنا فالمرأة في الأصل لا تكون إلا لرجل واحد بينما الرجل قد يكون لأكثر من امرأة، بحسب استعداده وبسبب الاختلاف التكويني ولأسباب نفسية واجتماعية وصحية... إلخ .
فغيرة الرجل هي كراهية مشاركة الغير مع استحالة تحققها عند المزاحمة عمليا، وغيرة المرأة كراهية مشاركة الغير مع إمكان تحققها رغم المزاحمة عمليا بتعدد الزوجات.
ومن هنا فغيرة الرجل عاطفية نفسية ونسلية، أما غيرة المرأة فنفسية عاطفية لا غير، رغم أنها قد تبدو لدى بعض النساء أقوى من غيرة الرجل في كثير من الأحيان، بسبب التعلق الذي يكون سببه المحبة وانجذاب الجزء بالقوة إلى الكل المناسب له والمؤسس على الرابطة الشرعية أصل الغيرة وضابطها.
فالغيرة حال صحي حينما توجد في الرجل والمرأة على حد سواء. كما أنها تقتضي ضرورة حجب المغار عليه عمن يريد أن يشارك الغيور فيه أي نوع من المشاركة، وخاصة من الجانب العاطفي والجنسي والنسلي. لأن هذه الجوانب مترابطة ببعضها ترابطا موضوعيا من حيث علاقتها بالحجاب والغيرة، إذ الحجاب وضع من أجل النظر والسمع والشم واللمس كذلك، وهذه القنوات كلها سبيل إلى إثارة الغرائز والشهوات مما يترتب معه الميل النفسي ثم الجنسي ثم المراودة والمكايدة، وما يتبعها في حالة عدم مراعاة الضوابط الشرعية الصارفة للمؤمنين والمؤمنات عن تتبع خطوات الشيطان وهوى الأنفس المريضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.