كم هم كثيرون، وما زالوا صامدين، إلى يومنا هدا، الرؤساء الديكتاتوريون الدين يظلمون ويعذبون ويرمون إلى السجون وينفون ويقتلون كل إنسان يتجرأ على نقدهم كديكتاتوريين، أو محاربة نظامهم الديكتاتوري المبني على القمع والاحتقار والقهر والتخويف والتجويع ودس كرامة الشخص، كرامة الإنسان، كرامة المواطن. فالحاكم، عندنا، نحن العرب المسلمين، لما يصاب في ذهنه بمرض السلطة المطلقة واللانهائية، يصبح، بين عشية وضحاها، رئيسا وزعيما، متكبرا، ظالما، طاغيا، ثم مجنونا، فديكتاتوريا مريضا. فمند الثورة الناصرية، فأغلب الرؤساء العرب الحاليين لم يأتوا إلى الرئاسة على ضوء انتخابات حرة وشفافة، بل بفضل المؤامرات الدنيئة والانقلابات العسكرية. ولعل صاحب الكتاب الأخضر، الزعيم معمر القدافي، الذي يحكم ليبيا من فاتح سبتمبر 1969 إلى يومنا هذا لدليل على ما أقول. كما أن الدليل الثاني هو زوج الحلاقة، ليلى الطرابلسي، زين العابدين بن علي، الذي، بفضل انقلاب بوليسي وتواطؤ حزب الدستور على أب الأمة التونسية، الحبيب بورقيبة، استطاع بسهولة مدهشة التربع على عرش الرئاسة الجمهورية التونسية، يوم 7 نومبر1987، إلى أن تسبب في سقوطه وطرده من عرشه وسقوط حزبه الوحيد، محمد البوعزيزي، هدا البائع المتجول المجهول، الذي اختاره الله ليكون السبب النافع في اندلاع الثورة التونسية الجميلة والمباركة. فبإضرام النار في جسده، احتجاجا على دس كرامته من طرف البوليس ومنعه من الحصول على قوته اليومي، من قبل مافيا الحزب الوحيد، انتقل هده الشاب، من حامل شهادة عليا عاطل، إلى شهيد الثورة التونسية. المجيء المفاجئ والغير المنتظر لهده الثورة التونسية الشعبية، لا يمكنه إلا أن يدخل السعادة والغبطة والمحبة والتضامن إلي قلوب وعقول جميع الدين يعرفون أن لكل ديكتاتوري، مهما طال الزمن ومهما تطاول، عقابا أليما ونهاية مأساوية، لا مفر منها. ألم نر كيف أهين شاه إيران، الإمبراطور محمد ريضا بهلافي، وكيف طرده شعبه، لأنه كان ظالما ولا يخدم إلا مصالحه الشخصية ومصالح أميركا التي كانت دوما تحميه إلى أن تبين لها أن إرادة الشعوب في سقوط الطغاة، أكبر بكثير من حمايتها لخدامها الطغاة. فالطغاة والديكتاتوريون خدموا، من جهة، الامبريالية الرأسمالية القاتلة باسم المال، ومن جهة أخرى، الشيوعية الفتاكة والقاتلة للحرية ولحرية الرأي الآخر الذي يرفض ولائه للحزب الوحيد. واليوم، وأنا أسعد بنجاح وانتصار هده الثورة التونسية الفتية والجميلة، اسمع هدير النيران التي افترست جسم البوعزيزي، تصل إلى أذن شباب وشعب مصر، هدا البلد العربي العظيم الذي، بتضحياته الكثيرة والكبيرة إزاء القضايا العربية والفلسطينية، جعل الأمة العربية ترفع رأسها، رغم الهزائم التي تكبدتها على يد إسرائيل الصهيونية وحاميها أميركا. فالمجيء المنتظر لهده الثورة العربية المصرية التي تستمر في انفجارها يوما بعد الآخر، لم يقبلها ولم يفهمها ولن يتحملها، لا الرئيس حسني مبارك ولا حزبه الوحيد، وإنما حسين أوباما، الرئيس الأمريكي الذي صفق لهده الثورة المصرية بعدما زغردت للانتفاضة التونسية. هنيئا إذن لهذه الثورة المصرية وللشعب المصري المثقف، المقهور، الذي انفض مند أن قبل حكامه التطبيع مع إسرائيل. فالمزيد من الحرية والديمقراطية والتوفيق لهده الثورة المصرية. المزيد كذلك من المسؤولية بالنسبة لصانع الثورة التونسية التي، أسبوعين فقط على انفجارها، غيرت وجه الإعلام التونسي كما نراه بالملموس عبر القناة الفضائية التونسية، هانبال، التي ظلت جهازا تلفزيونيا متخلفا وبوقا رديئا في خدمة بن علي ونظامه وحزبه الوحيد، والتي أصبحت اليوم تحمل اسم هانبال صوت الشعب، أي إلى مرآة جميلة تحمل رؤية جديدة متفتحة ومفتوحة في وجه جميع التونسيات والتونسيين، بدون ابدون استثناء، وأمام جميع الأحزاب السياسية والتيارات ذوي الأفكار والتوجهات المختلفة، بدون إقصاء أي رأي كيف ما كان ومن أي جهة أتى. أليس من أهداف الثورة النبيلة هو تغيير ما هو أسوء إلى ما هو أجمل؟ وما لا شك فيه أن هده الثورة التونسية ستغير وجه السياسة الثقافة "البنعليلية"، والسياسة المسرحية والسينمائية والتلفزيوننة المهندسة من طرف حزبه الوحيد. وأيام قرطاج السينمائية، بفضل الثورة التونسية، سترى كذلك تغييرات جذرية، ثورية، عميقة، جميلة وايجابية، علي يدي نساء ورجال يحبون والإبداع السينمائي ويرفضون ويكرهون "التبزنيس"، هذا "التبزنسيس" السيئ والسائد عندنا، والمبني على المعرفة و"الوجهيات" و"الصحبة" والزبانية، على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فأنا لا أرى حاليا إلا سياسة اقتصادية وسياسية وتلفزيونية وسينمائية فقط قي خدمة مصالح الأثرياء وأبنائهم وأحفادهم وأصدقائهم وحاشيتهم وخدامهم. فعندما أسمع أو أقرأ أن المغرب بلد ديمقراطي وأن نظامه الملكي العريق نظام دستوري مثلما هو الشأن بالنسبة للملكية البريطانية أو الدنمركية، فإنني أخجل مما أسمع وأقرأ رغم أنني أومن بأن نظامنا الملكي مضطر لتغيير نفسه بنفسه ليصاحب التحولات السياسية والديمقراطية التي تعرفها الإنسانية مند ثلاثة عقود. وقد كان بوسع التلفزيون المغربي أن يساهم ويسرع بحدوث تغيير عميق وجدري على العقليات المتخلفة، لو فتح أبوابه لجميع المغاربة بدون استثناء. فلو أنني شاهدت مرة واحدة أن باب التلفزيون العرايشي فتح مرة واحدة في وجه الشيخ ياسين وابنته وجماعته، لشعرت حتما أن المغرب تغير. لو أنني كذالك شاهدت في التلفزيون العرايشي "ربورطاجا" واحدا يبين لنا بالصورة والصوت ما يحدث أثناء كل هذه المحاكمات السياسية التي تجرى في محاكمنا ولا نرى عنها شيئا، لاقتنعت أيضا أن المغرب تغير. لكنني منذ مجيء العهد الجديد لا أرى إلا تلفزيونيا مغربا (بجميع قنواته ما فيها ودوزيم)، جهازا متخلفا ومغلقا في وجه كل من يحمل رأيا مختلفا عن السياسة الرسمية للبلاد. فنحن إذن نعيش كمواطنين تحت حذاء الحزب الوحيد الذي يستمر فيطعم المشاهدين المغاربة برداءته عبر برامجه السياسة والإعلامية والفنية والثقافية والترفيهية. إنه الحزب الوحيد الذي من واجبنا أن نحاربه إذا أردنا لبلادنا أن تتقدم وتنجو من سياسة الجهل السياسي.