توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقومات واستراتيجية الحركة الإسلامية
نشر في التجديد يوم 09 - 10 - 2002

ان اسرائيلي ومن ورائها لا يتحدثون بقوة السلاح ووفرة المال والرجال وانما بنمط حضاري يقدم لافراد تلك المجتمعات قدرا من الاتجاهات والمسالك تتيح لطاقاتهم ان تثمر وتنتج وتنبصر على كل المستويات، على حين ان العكس تماماً هوالذي يحدث في بلداننا. ومن ثم فما نحن في حاجة اليه ليس مجرد تقنيات نستوردها - كما يفكر في ذلك بعض فتيان السياسية في بلداننا - وانما ثورة تزودنا بعقلية حضارية وخلق حضاري وسلوك حضاري يستجيب لمكنوناتنا وحاجاتنا ويطلق طاقاتنا المعطلة ويعيد الحياة عن الاسلام والحركة الاسلامية.
ان البحث في الاسلام والنضال من أجله خاصة لدى جيلنا الذي ترزح روحه تحت وطأة الهزائم العسكرية وتسلط الانظمة الديكتاتورية والتبعية الثقافية والسياسية والفقر والذل والحرمان. هذا البحث وذلك النضال لا ينطلقان من منطلق معرفي هو اشباع الرغبة في المعرفة والاطلاع ولا من منطلق صوفي يستهدف البحث عن ملجأ أمين في الاسلام ينجي الفرد من القلق والحيرة وانما هي مشكلات الواقع المعيشي الحادة وفشل الحلول الغربية في الخروج بالامة من المأزق، ذلك هو المحرك الكبير في دفع الاجيال الى الاسلام وفي التزامه في صفوف الحركة الاسلامية. فما هي الحركة الاسلامية؟ وما هي الصفات المشتركة بين فصائلها؟ ما هي تقنياتها وأساليبها في تغيير المجتمعات؟ ما هو اسهامها في تجديد الفكر الاسلامي؟ وهل يمكن ان نتبين من خلال كل ذلك ملامح استراتيجية لحركة الاسلام في الغد؟
تجديد الدين
اود ان القي نظرة قبل ذلك على حركة التجديد في الاسلام: يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - «ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» - رواه او داؤود - لقد كان الانسان وسيبقى ابدا في حاجة الى النبوة لكي يفقه معنى وجوده وليستبين نهج حياته وليقوم بدور الخلافة وقد جاءت الرسالات تترى حتى نزلت آية (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فكانت اعلانا صريحا بان الانسان قد تركز وانه قد فقه قانون السير الذي أراده الله لحياة البشر، فما عادت به حاجة الى ان يجلس الى جانبه باستمرار سائق حتى يقود سيارته. غير ان البشر تعرض لهم خلال مسيرتهم عوارض من الجهل بقانون السير او بطريقة تطبيقية ازاء حالات جديدة من التعقيد، فكانت الحاجة تدعو الى وجود رجال يعيدون للقانون نقاوته وينفون عنه ما التبس فيه من أوهام البشر وتجاربهم الناقصة ويعالجون على ضوئه ما يستجد من تطور الحياة ومشكلاتها - على ضوء النصوص الثابتة والغايات الكبرى الشرعية - مما يعيد للدين شبابه ويحفظ العلاقة بين المتطور والثابت، بين القرآن والزمان، وحتى يبقى القران قادراً ابداً على هداية البشر في طريق
الخير والحق والعدل. وان خلود الاسلام وبقاء امته انما يرجعان الى أمرين:
الاول: ما في طبيعة هذا الدين من مرونة وانسجام مع الطبيعة البشرية وقدرة على تلبية احتياجات الانسان مهما بلغ مستوى تطوره.
الثاني: ان الله - عزوجل - قد تكفل بمنح الامة الاسلامية رجالا أكفاء أقوياء يرثون الانبياء ويقومون بمهمة تنقية الدين من الشوائب وتقديم الحلول لمشاكل العصر على ضوء مبادئ الدين.
نشأة الحركات الاسلامية الحديثة
لقد أسس النبي - عليه الصلاة والسلام - دولة كانت تجسيداً رائعاً لمبادئ الاسلام في العدل والحرية والاستقلال واستمرت هذه الدولة بعد وفاته تحت قيادة اصحابه، فرأت البشرية من خلالها آمالها ومثلها العليا وقد تحققت فدخل الناس في دين الله أفواجا مما أحدث بالاضافة الى ما جرته حروب الردة من خسائر في صفوف الاصحاب الكرام ما أسماه ابو الاعلى المودودي بحق: الانقلاب الخطير في مجرى التاريخ الاسلامي. اذ تسببت هذه الظاهرة في تقلص عدد المسلمين في الدنيا من ذلك النمط المثالي الرائع الذي كان مسلما حقا يطابق قوله فعله ومن جهة أخرى تصاعدت نسبة الذين هو وان كانوا قد دخلوا الاسلام اعجابا بمبادئه الا ان الناحية السلوكية واحيانا العقائدية فيهم لم تكم منطبعة كليا بطابع الاسلام. وهذه الظاهرة قادت الى انقلاب خطير اولى النكبات وهي التباعد التدريجي بين الدين والسياسة حتى لم يبق من الخلافة مع مرور الزمن الا رسمها - كما يقول ابن خلدون - وجاء الاستعمار الحديث ليهدم هذا الرسم ولتنشأ في العالم الاسلامي الدولة العلمانية والدولة الاشتراكية والدولة التي تزين دستورها بالاسلام.
لقد أحدث سقوط الخلافة وما سبقه ولحقه من غزو استعماري صدمة عنيفة في شعور المسلم أيقظته من نومة الانحطاط وأزالت عنه الطمأنينة المزيفة التي كان يعيش عليها بأنه على كل حال هو من خير أمة أخرجت للناس. ومما زاد في هذه الصدمة واستفزاز شعور المسلم ما صاحب الحملة الصليبية على العالم الاسلامي من غزو ثقافي وتبشيري يجتث الثقافة الاسلامية من جذورها وينشئ جيلا من المسلمين منبتا عن جذوره مولعا بالمستمر - شأن المغلوب مع غالبه - فالعجب - والحال هذه - ان كان انسؤال المطروح في العالم الاسلامي في أوائل هذه القرن: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وكان الجواب على نحوين منتاقضين لا يزالان حتى اليوم يقسمان العالم الاسلامي الى معسكرين متصارعين. الجواب الاول: ان مشكل التخلف يكمن في الاسلام ذاته فلا بد من تطويره وتحويره حتى ينسجم مع الغرب فيلحق المسلمون بركب الامم المتقدمة وتطور هذا الجواب عند الماركسيين الى الدعوة الى التخلي عن الاسلام جملة ومحاربته ولذلك كانت ليبرالية طه حسين تمهيدا الماركسية لطف الخولي وعبد الله العروي.
الجواب الثاني: ان المشكل يكمن في المسلمين لا الاسلام. تخلى المسلمون عن الاسلام في صورته الحقيقية فحدث الانحطاط والحل حركة تجديد تمسح عن الاسلام غبار الانحطاط فيستعيد حيويته وقدرته القيادية على ايجاد مجتمعات اسلامية ليست متقدمة فحسب بل تمثل اعلى صور التقدم. واذا كان الاتجاه الاول قد تبلور في مجموعة من الحركات الوطنية والقومية والاشتراكية التي استمدت وتستمد صورها ومثلها من الغرب الرأسمالي والاشتراكي وهي التي حكمت العالم في مرحلة ما بعد الاستقلال وظهر فشلها واضحا في احداث نهضة في العالم الاسلامي بل اتجه المسلمون في ظل قيادتها الى مزيد من التبعية للغرب ومزيد من الهزائم العسكرية والاقتصادية والممارسات الديكتاتورية البشعة. فان الاتجاه الثاني قد عبر عن نفسه على لسان عدد من المفكرين والعلماء المجددين كالافغاني واقبال ومصطفى صبري والسوسي وابن باديس وتبلور وأخذ شكلا واضحا على يد الامام البنا والمودودي وقطب والخميني ممثلي اهم الاتجاهات الاسلامية في الحركة الاسلامية المعاصرة. وأخذ دور هذه الحركات - لا على المستوى المحلي بل على مستوى العالمي - يتنامى ويزداد. بالاضافة الى انها رغم انها تندرج في
خطها العام في سياق حركة التجديد المتواصلة عبر التاريخ الاسلامي فان مفهومها للتجديد اخذ بعدا جديدا هو التأسيس أي اعادة البناء من الاساس، ذلك انه طالما بقيت الدولة الاسلامية قائمة ولو في شكلها الانحطاطي فان عمل المجددين كان عبارة عن عملية اصلاح وترميم وتقويم للمعوج ونبذ للدخيل على الاسلام، وفي هذا الاطار كان عمل ابن حزم وابن تيمية. اما والبناء قد سقط جملة وأصبح الاسلام غير معترف له بالحاكمية والسلطان لزم ان يكون التجديد لا اصلاحا بل تأسيسا. وما نشهده اليوم على ساحة العالم الاسلامي هو تجديد من هذا النوع، فقد سقط المجتمع الاسلامي القديم وانتهت بذلك دورة من دورات الاسلام الحضاري، واليوم يبدأ الاسلام مع نجاح الثورة في ايران وباكستان دورة حضارية جديدة.
ماذا نعني بمصطلح الحركة الاسلامية؟
ان للدعوة للاسلام والتحرك به أساليب واتجاهات كثيرة كالوعظ والارشاد ونشر العلم والتربية على العبادة والذكر وانشاء مؤسسات صحية وثقافية وللخدمات الاجتماعية ولكن الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الاسلام الشامل مستهدفا اقامة المجتمع المسلم والدولة الاسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق اكثر ما ينطبق على ثلاث اتجاهات كبرى: الاخوان المسلمون، الجماعة الاسلامية بباكستان وحركة الامام الخميني في ايران. وما تبقى من اتجاهات اسلامية اما هو تابع بشكل او آخر لاحد هذه الاتجاهات او هو مبتدئ لم يتبلور بعد، أو انه قاصر عمله على جزئية من جزئيات الاسلام والعمل الاسلامي كالوعظ والدعوة والارشاد والتربية والذكر.
مقومات الحركة الاسلامية
ما هي أهم العناصر التي تشكل ماهية الحركة الاسلامية؟
1- الشمول:
اول هذه المقومات فكرة الشمول: فالاسلام في هذه الاتجاهات الثلاثة يؤخذ على انه كل مترابط، كل جزئية فيه ترتبط بغيرها فالعقيدة والشريعة والعبادة كل متكامل ومن ثم لا مجال للتفريق بين الدين والسياسة والدين والدولة. والنصوص الصادرة عن كل هذه الاتجاهات كثيرة اكتفي بنص للامام الخميني يقول فيه: «ان اول واجبات الفقيه العارف بأحكام الشرعية هو النهضة والقيادة من أجل اعلاء كلمة الله في الارض والجهاد المستمر لتطهير أرض الله من اعداء الله - عزوجل - عرفوا الناس بحقيقية الاسلام حتى لا يظن جيل الشباب ان أهل العلوم في زوايا النجف يرون فصل الدين عن السياسة وانهم لا يمارسون سوى دراسة الحيض والنفاس ولا شأن لهم في السياسة. ان النضال السياسي واجب وطني». ومن نتائج فكرة الشمول هذه العمل على تكوين دولة اسلامية. ولقد بذلت الاتجاهات الاسلامية الثلاثة جهودا جبارة لتحقيق هذا الهدف ومن فروع النظرة الشمولية للاسلام اعتبار المسلمين كلهم ما بينهم من خلافات كيانا واحدا فرقته أحداث الزمان، وفرض على المسلمين بعث الكيان الدولي للاسلام.
ومن أبعاد فكرة الشمول - أيضا - الاهتمام بالقضية الاقتصادية والاجتماعية. يقول الامام الهضيبي: «يجب على ولي الامر ان يساعد الناس على ايجاد اعمل لهم يتعهدهم حتى يصلح حالهم. فاذا كان دخل الانسان لايكفيه وكان غير قادر على العمل فهو في كفالة الدولة. فان لم تكف الزكاء لسد حاجات الفقراء أصبح فرضا على كل من عنده فضل من المال ان يعود به على الفقراء فاذا منع الفقير حقه فاز له ان يقاتل عليه».
القضية الوطنية:
ومن هذه المقومات الاهتمام بالقضية الوطنية. انه لا تناقض في نظر الحركة الاسلامية بين العالمية والوطنية اذ الوطنية هي منطلق العالمية، وان عناية المسلم باصلاح وطنه واجب ديني، اذ كلما تقدم هذا الوطن الا واصبح اقدر على اعانة الاوطان الاسلامية الاخرى والناس حيثما كانوا. يقول المودودي: «ان الجماعة الاسلامية ليست بجماعة تستهدف القومية الوطنيد ولا تقتصر دعوتها على امة بعينها ووطن بعينه بل الدعوة التي ترفعها عالمية الاهداف، غير ان الجماعة تؤمن اننا معشر المسلمين في باكستان ما دمنا لا نجعل بلادنا مثلا حيا للنظام الاسلامي فاننا لا نقدر على اقناع الناس بسلامة هذه العقيدة».
فالمسلم اذا وطني وليس اولى منه بهذه الصفة لانه الامتداد الحقيقي لثقافة الوطن وأمجاده وغيرهم من لا يحملون دعوة الاسلام هم غرباء عن هذا الوطن بل هم بقايا تركها المستعمر بعد انسحابه.
3- السلفية:
ومن مقومات هذه الحركة السلفية ونعني بها استمداد الاسلام من أصوله دون تعصب لما وجد في تاريخ الاسلام من نظريات واجتهادات. فالاصل ما ورد في الكتاب والسنة وعصر الخلفاء. يقول البنا: «وتستطيع ان تقول ولاحرج عليك ان الاخوان المسلمين دعوة سلفية لانهم يدعون الى العودة بالاسلام الى معينه الصافي كتاب الله وسنة رسوله».
ويقول الامام الخميني عندما سئل عن نظام الحكم الذي يسعى اليه هو سني ام هو شيعي؟ فأجاب: «اننا نريد ان نحكم بالاسلام كما نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لا فرق بين السنة والشعية لان المذاهب لم تكن موجودة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». ومن ثم فان تهمة الوهابية ظلت تلاحق الحركة الاسلامية في كل مكان مما جعل الامام الخميني يندد بأولئك الذين لا شغل لهم الا بالجزئيات واتهام فلانا بكذا او آخر بكذا. يقول: «هنالك أجهزة معروفة تسعى لاثارة الضجة حول مسائل ثانوية فعلى سبيل المثال يضيعون مناسبات ثمينة وفرصا غالية في الحديث عن ان زيدا من الناس كافر، ان فلانا مرتد او ان فلانا وهابي المذهب وذلك بسبب عمل الحركة الاسلامية في ايران المتواصل ضد التراث البدعي الذي ورثوه وورثنا جميعاً عن عصر الانحطاط». ولا تعني السلفية هن كما هي عند البعض حربا على المذاهب الفقهية او العقيدية. كلا! فهذا تمزيق لكيان الامة وانما السلفية تعني اولا: التحري في معرفة حكم الله من الكتاب والسنة قدر المستطاع. ثانياً: عدم التعصب للمذهب والاشتغال بالدعوة اليه حتى يصبح المذهب بديلا عن الاسلام دون التسامح مع المخالف، واعتبار
أخوة الاسلام فوق أخوة كل فرقة وكل مذهب. ويلحق بالمعنى السلفي تجميع المسلمين حول ما هو معلوم من الدين بالضرورة ابعاداً للخلاف وتوحيدا للصفوف حسب القاعدة: «تتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».
4- البعد الايماني:
ومن مقومات الحركة الاسلامية البعد الايماني أي ان الحركة الاسلامية تؤكد في تربيتها على ضرورة الاخذ بالاسباب ولكن مع الاعتقاد بان هذه الاسباب لا تؤدي الى نتائجها الا باذن الله.
5- الشعبية:
ومن مقومات الحركة الاسلامية ايضا الشعبية وهي ان الحركة الاسلامية ليست حركة فئة معينة أو طريقة صوفية تحصر عملها في مجموعة المريدين. انها ضمير الامة المتحرك وأعماقها الثائرة. ومن ثم فهي ترفض مقولة الصراع الطبقي وتعتبر ان الاسلام - والاسلام وحده قادر على ازالة كل ألوان الظلم والاستغلال داخل المجتمع الاسلامي ولكن في مجتمع لا يطبق الاسلام حقيقة تتولد الفوارق الطبقية والحركة الاسلامية عندئذ تجد نفسها منحازة الى صفوف الفقراة بأمر من الله (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا). (عبس وتولى ان جاءه الاعمى...). «اللهم احيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني من زمرة المساكين». فحتم على الحركة الاسلامية ان تحشر نفسها في زمرة المساكين.
ولقد استطاعت الحركة الاسلامية المعاصرة ان تحرر - الى حد ما - الاسلام من الطبقة الحاكمة، والاسلام يتحول كل يوم وفي اكثر من بلد من ان يكون ملكا لحاكم لان يكون ملكا لشعب، والذي حدث في ايران هو تسلم الجماهير للاسلام. لقد بدأت في ايران عملية لعلها من أهم ما يمكن ان يطرأ في مسيرة حركات التحرر في المنطقة كلها وهي تحرر الاسلام من هيمنة السلطات العاملة على استخدامه في وجد المد الثوري في المنطقة.
من انجازات الحركة الاسلامية
لقد ورثت الحركة الاسلامية تركه ثقيلة من عصر الانحطاط: جمود وعطالة في الفكر ونمط فردي قبلي ديكتاتوري من الحضارة زاده الغزو الفكري ثقلا. ورغم ذلك فقد استطاعت الحركة الاسلامية بفضل الله بعد جهاد طويل خلال ربع قرن من الزمان ان تنفض عن الاسلام غبار عصر الانحطاط وان تحرره من هيمنة ثقافة الغرب وان تقدم للامة عنه تصورا شاملا تتجاور وتتناسق فيه الجوانب السلوكية والعقائدية والاجتماعية. كما استطاعت ان تنزل بهذا التصور الشامل ساحة المعركة على المستوى الشعبي تناضل ضد الخرافة والبدع. تناضل على مستوى المراكز الثقافية التي أقطعها الغرب تلامذته فاحتكروا سلطة القيادة والتوجيه فيها. نزلت العناصر الاسلامة هذا الميدان فأقبلت خير البلاء واستطاعت بعد كفاح مرير ان تنقذ جانبا كبيرا من هذه الجيل من بين براثن الغرب وبراثن الانحطاط وتسلمت الحركة الاسلامية اليوم في أغلب الجامعات في العالم الاسلامي على المستوى الطلابي - على الاقل - مراكز القيادة واجتماعنا هنا في ظل هذه المؤسسة المباركة هو ثمرة لهذا الجهاد الطويل خاضته الحركة الاسلامية في السودان. ولو شئنا ان نستمر في رصد مكاسب الحركة الاسلامية المعاصرة على المستوى
الفكري او مستوى الحركة لطال بنا الحديث، ويكفي لاخذ فكرة عن هذه الانجازات ان نعلم ايها الاخوة الكرام ان الخلافة العثمانية في القرن التاسع عشر استبدلت القوانين الاسلامية بقوانين غربية فيما يسمى بالتنظيمات كما فعل باي تونس نفس الشيء سنة 1964م دون ان تحرك المؤسسات الدينة ساكنا لا بسبب جبن وانما لانعدام الوعي بأن تلك القوانين تمثل جوهرا في الاسلام.
اما على المستوى التعبدي الشعبي فلا تزال بعض الصور الانحطاطية قائمة في بلداننا حتى اليوم وعلى المستوى الثقافية فقد كان الخيار امام المثقفين في أوائل هذا القرن حاسما بين الاسلام والرضي بالجهل والتخلف او العلم مع ما يصحبه حتما من تحلل والحاد.
المشكلة الكبرى للحركات الاسلامية
قلت ان التهوين من انجازات الحركة الاسلامية خاصة من طرف هذا الجيل الذي فتح عينيه على مفاهيم اسلامية ناضجة وأساليب في التربية والتوعية وعلى جماعة اسلامية مناضلة لهو من أخطر مايمكن ان تصاب به الحركة الاسلامية ولكن على نفس المستوى فان اقبال الجموع الكبيرة عليها سيطرح امامها سؤالا هاما: ماذا ستفعل بهذه الجموع المقبلة عليها؟ كيف ستوظفها في خطة التغيير في الخطة الحضارية؟ حتى لايعدو عملها - كما يقول المرحوم مالك ابن نبي وهو يتحدث عن عمل الانسان المتخلف - الجمع والتكثير. ومعلوم ان أكوام من الحجارة مهما كثرت ان تصنع بناءا ما لم تدرج ضمن خطة مسبقة، ومن هنا ظل العمل الاسلامي في حالة سماها فتحي يكن حالة التكامل والتآكل: كلما ارتفع البناء قليلاً وابتهجنا بأنه اوشك ان يكتمل انهار لاول دفعة من يد قوية، بل أحيانا يسقط من تلقاء رد فعل عدم تماسكه الداخلي.
ان حال العمل الاسلامي هذه يشبه حال التقنية القديمة. لقد كانت التقنية القديمة تقوم على مجرد التجربة. ان الفرق بين التقليدي والمهندس هو ان البناء التقليدي يبدأ عملية البناء وفقا لفكرة مسبقة غير مدروسة عن نوع البناء الذي يريد فان سقط البناء اعادة على نحو آخر حتى يستقر. اما مهندس البناء فيبني البيت في رأسه قبل ان يجهزه في الواقع، يبينه كفكرة ثم يجسم تلك الفكرة على الورق مقالا وفق حسابات هندسية، فاذا استقر البناء الهندسي على الورق انتقل يجسده على الواقع مستندا الى علم الهندسة. وبذلك تغدو التقنية كما هي في الواقع تطبيقا للعلم، ويوفر الانسان على نفسه جهودا كثيرة. اما النباؤون المسلمون فلا يزالون مجرد رجال تقنية وهم في أحسن أحوالهم يمارسون تجربة المحاولة والخطؤ هذا في أفضل احوالهم اما في حالات اخرى فهم على تكرار اخطائهم ماضون دائبون وذلك راجع الى العطالة التي أصابت عقل المسلم فما عاد يفقه في أبعاده ولا الواقع في معقداته ولا السبيل الى النقل الاسلام الى الواقع ولا الارتفاع بالواقع الى الاسلام. ان عقل المسلم ظل قرونا طويلة مترنحا بين سكرة نواسية وشطحة حلاجية فاذا أفاق منها عالجته بطشة حجاجية.
وان آثار هذه السكرة لا تزال عالقة تغشي الابصار وتمنع الرؤية الصحيحة والتخطيط العلمي على ضوء المعطيات الواقعية.
الاستراتيجية والتغيير الحضاري
انه على حين حشدت كل الاطراف السياسية خطتها للتغيير بدأ الاسلاميون يكدسون ولا ينبون. انه لمكسب عظيم ان تربي الشباب الصالح في مجتمع يزخر بالاغراءات ولكن هذه التربية نفسها ينبغي ان لا تكون معزولة عن استراتيجة الحركة الاسلامية في التغيير في المجتمع. ان في جسد المجتمع كما في جسد الفرد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله، ولقد حدد القوميون هذه المضغة فعمدوا الى الجيش يكثفون فيه نشاطهم حتى بلغوا مراكز قيادية فيه انطلقوا منها للسيطرة على المجتمع كله. وحدد الشيوعيون هذه المضغة فانطلقوا الى النقابات خاصة وجعلوها مكانا لعملهم يجندون الطبقة العاملة ويوهنون السلطة حتى تضعف فينقضوا عليها وينقضوا على المتجتمع كله. بينما الحركة الاسلامية لم تحدد بعد هذه المضغة الاجتماعية وظلت توزع جهودها على كل المستويات فتبقى ضعيفة في كل المستويات. لا تقود أفرادها وانما تتبعهم من وراء المطلبة - مثلا - المنتمين اليها اختيارات وتخصصات محددة لخدمة خطتها لانها ليست لها خطة وآية ذلك ما ترى عليه الاسلاميين من اقبال على الكليات العلمية والتخصصات الطبية والهندسية، لسبب واحد هو الاغراءات المالية التي تقدمها
للخريجين وتضاءلت بذلك العناصر الاسلامية في الكليات الانسانية والتخصصات العسكرية. والنتيجة ان العناصر الاسلامية آل أمرها الى ان تعمل عناصر تنفيذ نبني السدود والمشاريع الزراعية وتداوي مرضى الخصوم. ونفذت العناصر القومية والشيوعية الى مراكز القيادة السياسية والثقافية في مجتمعاتنا حتى ان الصحف الاسلامية تعاني عجزا كبيرا في المحررين ورجال الاعلام.
بعد نصف قرن من العمل الاسلامي انتج رجالا صالحين ولكنهم محدودو الفعالية بل هم أعوان في ادارة الدواليب التي يعارضونها. ينجحون في عملهم المهني بقدر ما يفشلون في دعوتهم. وليست في هذا - ابدا - دعوة لشعارات فقدت دورها كشعار مفاصلة الجاهلية والهجرة والتكفير، وانما هذا تشخيص لواقعنا المؤلم. لقد فشل العقل المسلم في الحركة الاسلامية في فهم واقعه والتخطيط له بسبب ما ران من غبار عصر الانحطاط ومخاوف الحاضر وبسبب ردود الافعال فانفصل بذلك عن الواقع واستمر انفصال الدين عن الحياة في مجتمعاتنا وانفصال الدين عن السياسية والتأثير والمشاركة في توجيهها رغم ان الحركة الاسلامية بدأت رفض الفصل بين الدين والدولة. باختصار لا مناص للعمل الاسلامي من تنظير لاستراتيجية تخرج بالحركة والامة من الدوامة وتستجيب للتحديات الكبرى التي تواجه المنطقة. اكتفي هنا في هذه العجالة بتقديم مبادئ ضرورية في وضع هذه الاستراتيجية، هي مجرد توصيات وليست خطة، هي مجرد معطيات لابد من توفرها ووضعها في الحساب.
مبادئ اساسية
في استراتيجية العمل الاسلامي
أولا: لابد من تحديد موقفنا من التراث، ماذا نأخذ منه وماذا نترك؟ ما هو ملزم لنا وما هو غير ملزم؟ ما هي القيم الايجابية الباقية من تراثنا لنحتفظ بها؟ وما هي القيم السلبية؟ بعيدا عن موقفي التقديس والاحتقار.
ثانياً: لابد من تحديد موقفنا من الغرب. هل هو سلسلة من الاخطاء والاباطيل والارتكابات - كما يجتهد الاسلاميون في تصويره وانه بين قاب قوسين او ادنى من الانهيار - وكأنهم يريدون ان يبشرونا بوراثتنا له، مع انه حتى وان سقط الغرب فانه ليس بالضرورة ان نكون نحن الوارثين لانه يرث الارض اصلح من فيها. فهل نحن اصلح من فيها الآن؟ واذا كان الغرب سلسلة من الاخطاء فكيف استطاع ان يفرض هيمنته قرونا طويلة على العالم؟ هل يرتفع على الباطل بنيان؟ كلا! وهل الغرب مقابل ذلك المثل الاعلى للمدنية؟ هل هو النموذج الصالح للتطبيق في كل زمان ومكان مهما اختلفت الظروف؟ ماذا نأخذ من الغرب وماذا نترك؟ هل نستفيد ما ألح الاسلاميون على استعارة تقنياته مع رفض كل قيمه وتنظيماته ومؤسساته؟ وحتى لو كان هذا ممكنا نظريا - قالوا: وممكن عمليا - هل هو صالح لنا؟ أليس في تنظيمات الغرب الادارية والسياسية وعلومه الاجتماعية ما يمكن ان نحرره من اطاره المادي ونضعفه في سياق حضاري اسلامي كما فعل اسلافنا مع كثير من المعابد الفارسية والرومانية التي هدموها ولكنهم سكبوا احجارها في بناءات اخرى بعضها مساجد لا نزال نستظل بها حتى الآن.
ثالثا: تجديد نظرتنا الى واقعنا بعيدا عن فكرة مسبقة. هو جاهلي ام هو اسلامي؟ والسلطة التي تحكمه كذلك وفئاته وتجمعاته السياسية والدينية: نتعاون معها ام نفاصلها؟ ما هو الحد الادنى الذي يمكننا ان نلتقي فيه مع كل التجمعات الدينية والسياسية؟
رابعا: ما هي ادارة التغيير؟ القوة والاكراه ام الحرية والاقناع؟ هل نؤيد الانقلابيين في العالم الاسلامي ام نعتبرهم غاصبين انتهازيين؟ هل نمد اليهم ايدينا اذا ما فعلوا ذلك ام نعتبر ان شر ما تبتلي به أمة على الاطلاق النظام العسكري. وان الانقلابي - كل انقلابي - رجل مغرور يقفز الى السلطة في حالة غفلة من الوعي من الشعب فيستبد بالامر دون الناس جميعا، ويحيط نفسه بكل منافق لئيم. يصفقون له حتى يخيل اليه انه آتي بما لم يأت به الاوائل وان الدهر لم يجد بمثله. ويعتبر نفسه الزعيم المنقذ، بل حكيما من الحكماء. بل حكم بين الحكماء. ام نعتبر ان الشعب بعد الله هو السلطة العليا في المجتمع فلا حق لاحد في ان يكون وصيا عليه لانه ليس طفلا ولا سفيها بل هو خليفة الله في أرضه مصرين على ان الجهاد من اجل الحرية هو جهاد من أجل الاسلام. وان من حق كل التجمعات السياسية ان تتكتل لاستعادة الحرية المغتصبة. المؤودة في العالم الاسلامي؟ اننا ينبغي ان نرفض الديكتاتورية في كل أشكالها ولو مارسها مسلم يدعي انه يريد ان يحمل الناس على الاسلام. اذ قد أباها الله حتى على انبيائه، فكيف نجيزها نحن للعساكر المغرورين؟ (أفأنت تكره الناس حتى
يكونوا مؤمنين).
فاذا تحقق لنا نظام يعترف بالحريات العامة فينبغي على الحركة الاسلامية ان تمارس حقها كطرف سياسي معرتفة بغيرها من الاطراف السياسية الاخرى مقدمة اختياراتها للنموذج الاجتماعي الذي تريد. فتخوض المعارك الانتخابية وتضع مواطن أقدام لها في البرلمان ومؤسسات المجتمع كالبلديات وتشارك في الحكم ولو جزئيا لتدريب أفرادها على ادارة المؤسسات وعلى قيادة الجماهير وتعبئتها وتوعيتها بأهداف الحركة الاسلامية. اذ المجتمع الاسلامي لم ينزل من السماء مكتسلا ولا سقط في يوم انما بني حجرا حجرا وسقط حجرا حجرا. هكذا اعادة البناء. وفي هذه الحالة اذ تعترف الحركة الاسلامية بالشرعية القانونية للدولة على اعتبار انها مختارة من الشعب فانها ما دامت هذه الدولة لاتحكم بالاسلام لا نعترف لها بالشرعية الدينية حتى يكون الدين هو قاعدة المجتمع والتشريع وهنا ينبغي الحذر من ان يظن الشعن ان السلطة غدت اسلامية لمجرد مشاركة بعض الاسلاميين في أجهزتها. اما اذا كانت السلطة تستظل بارادة الشعب فالحركة - في رأيي - لا ينبغي ان تترك أي لبس في ذهن الشعب من هذه السلطة لا هي اسلامية ولا هي قانونية ما دامت لا تسمح للشعب في التعبير عن ارادته وحريته في
التجمع. وعندئذ فليس امام الحركة الاسلامية الا الثورة الشعبية التي تنتهي بتكتيل الشعب صفا واحدا في وجه السلطة الجائرءة كما حدث في ايران او الثورة المسلحة التي تدفع الشعب لحمل السلاح في وجه السلطة الجائرة كما حدث في أفغانستان ولعله بدأ يحدث في سوريا. فهناك اذن ثلاث طرق واضحة للوصول الى الحكم كلها الشعب أداتها: الحل الديمقراطي. الثورة الشعبية والثورة المسلحة. وحل آخر أداته العسكر ما أحسب انه ينسجم مع قيم الاسلام الذي اعتبر الجهاد من أجل الحرة على رأس اهداف جهاده الدائم.
خامسا: الدعوة للاسلام من خلال حاجات الناس وهمومهم، وأهم هذه الحاجات والمطامح التحرر من كل تبعية للاستعمار بكل أشكاله والتحرر من الانظمة الاستبدادية في الداخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. فيجب ان نربط ربط اقتران بين الاسلام وحاجات شعوبنا حتى تستيقن هذه الشعوب ان نضالها من أجل الاسلام هو نضال من أجل آمالها ومطامحها. ذلك ان الحركة لا تنتصر في مجتمع الا اذا جسدت آماله. وان الحركة الاسلامية حين حالفها النجاح بسبب تصديها لاعداء الامة، وانما تزحزحت عن مركز القيادة في أوقات اخرى بسبب موقفها غير الواضح من الهموم الكبرى للامة وممالاتها للسلطان الجائر. ولقد آن للحركة الاسلامية ان تغادر مواطن الحذر والتردد وتلتحم بضمير الشعب وقضاياه معتمدة على ربها ثم على رصيدها الشعبي.
سادسا: التربية المتكاملة على المستوى الفكري: تنمية الروح النقدية والموضوعية في الحكم ومحبة الحق والاذعان له حتى بكون الولاء للفكرة لا للشخص ومحبة العلم وتوقير العلماء دون تعصب وتبنى الخطأ في أحدهم فكل ابن آدم خطأ والحكمة ضالة المؤمن، فنتحرر بذلك من العقلية المانوية التي تعتبر ان الاشياء اما خير مطلق واما شر مطلق. وعلى مستوى التربية الروحية: نوثق صلات الفرد بربه وتفكره في لقائه والاستعداد ليوم الميعاد وهي من أوجب واجبات الحركة الاسلامية في عصر طغت في المادية واستفحلت الشهوات مما جعل بناءنا الحركي مهما سمى على جرف هاو. فلا مناص من اعتبار التقوى اسمى قيم الاسلام والميزان الاول الذي يوزن به الافرداد مهما كانت صفاتهم وبذلك نقلل من امكانية الانحراف ويرتفع مستوى تضحية الافراد بأموالهم وأوقاتهم وأرواحهم وتغدو الشهادة اسمى اماني المسلم وتجنب الافراد الامراض النفسية كالكبر والغرور والنفاق وحب الظهور والرياء والجدل، ولكم فتكت هذه الامراض بجسم الحركة.
سابعا: ومن هذه المبادئ العالمية في الحركة الاسلامية تحقيقا لمبدأ التوحيد وهو أساس العقائد الاسلامية وارضاء للرب، فضلا عن ان العالمية هي روح العصر بدلا عن فكرة القومية والوطنية - التي سادت في القرن التاسع عشر في اوربا - مما يجعل الداعين الى الاسلام ليسوا على انسجام لا مع دينهم ولا مع عصرهم. والعالمية في العمل الاسلامي ليست البديل للوطنية فانما هي معنى يضاف اليها ويكملها ويثريها. ان العمل الاسلامي العالمي رمز لوحدة الامة وهي تعوض للخلافة وقتيا وهو اطار لتبادل التجارب والخبرات ورسم للسياسات الاسلامية الكبرى دون مس بالتجارب المحلية فأهل مكة أدرى بشعابها. ولماذا يكون لليهودي وكالة يهودية عالمية ويكون للمسيحي المجمع الكنائسي العالمي وللشيوعية المؤتمر الشيوعي العالمي وللاوربيين البرلمان الاوربي والسوق الاوربية المشتركة وللعرب الجامعة العربية ولا يكون للعاملين للاسلام مؤسسة عالمية الا ان نكون متخلفين عن ديننا وعصرنا.
ثامنا: اعتماد التخطيط وهو روح العصر والكم مبدأ اساسي في التخطيط وكثير ما يهمل طريقة القياس الكمي وتلغى برفع شعار: المهم الكيف لا الكلم، مع ان احدى اهم خصائص عصرنا - خصائص العلم الحديث - تحويل الكيف الى كم، الى مقدار قابل للقياس. والقرآن يعتبر الكم مبدأ اساسياً في بنية الكون (وكل شيء عنده بمقدار) وحيث لا وجود للقياس الكمي تغدو عملية تقييم عملنا ومحاسبة انفسنا شبه مستحيلة ولا ينبغي ان ينسينا التخطيط أبدا انه بغير مدد من الله يأتينا وتثبيت منه وتوفيق فلن نكون شيئا.
ومما يجب مراعاته في التخطيط في تجاوز التحديات ايجاد مجالات لتفريغ طاقات الشباب الذين تملأهم الحركة بالحماس، لانه ان لم توجد هذه المجالات تعرضت الحركة لكثير من الانحرافات وليست ظاهرة التكفير والهجرة الا نتيجة لعمل اسلامي لم يوجد مجالات للتغيير في المجتمع كالنهر المتدفق الذي ينساب في جوانب مختلفة اذا لم يشق طريقه امامه.
ومن هذه العوامل اعتبار عامل الزمن اساسا في حركتنا فلابد للحركة ان تطور نفسها باستمرار. ومنها ايضا الواقعية: ونعني بها تقدير امكانياتنا وامكانيات خصومنا والتخلص من وسواس التآمر الذي تصاب به الحركة الاسلامية فتتحيل ان العالم كله يتآمر عليه يحسبون كل صيحة عليهم. صحيح ان العالم يكرهنا ولكن السياسات لاتبنى على المبادئ فقط، وانا تبنى على المصالح وليس من المستحيل ان تلتقي مصالحنا في خطوة في الطريق حتى مصالح اعدائنا.
ان نعيد للجماهير الوعي والسلطة وان نخطط لكل طاقات المسلمين وان اختلفوا معنا في الرأي. ضرورة التسلح بالجرأة والشجاعة للدخول على العالم الحديث ومؤسساته كالتمثيل والسينما لنحررها بدل الهروب منها ربنا يقول (ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون).
ان التحدي الخطير ايها الاخوة هو: هل نستطيع ان نعيش في العالم الحديث محافظين على اسلامنا؟ لقد بذلت الحركة الاسلامية جهدا كبيرا في اقناع الامة بالتوافق بين دينها والعلم الحديث ونجحت في ذلك الى حد كبير. لقد استطاعت في عالم ملوث ان تربي شبابا طاهرين. لقد استطاعت الى حد كبير ان تقضي على شعار الفصل بين الدين والدولة ولكن التحدي الخطير كيف نستطيع ان نروض عصرنا؟ ان نصب ونذيب ثقافة العصر في كل اطار الاسلام فيرى الناس الاسلام مجسدا في نظريات وتطبيقات في الاقتصاد والفن والمسرح ويعبر الاسلام عن نفسه ازاء العالم لا بالرد فقط بل بتقديم البديل وبذلك ينتقل الاسلام من كونه دينا لفرد او فئة الى كونه حضارة شعب وأمة وطريقها الوحيد الى العزة والعدالة والحرية ولقد استطاعت الحركة الاسلامية ان توجد رأيا عاما مواليا للاسلام ولكن هل تستطيع الحركة الاسلامية ان تقود هذه الجماهير وتتبنى قضاياها وتحول بين جمعيات بدأت تتكون يمكن ان نسميها جمعيات المتستفيدين من الاسلام، اولئك الذين اخذوا دون سابق عهد وكانوا بالامس في صف العدو اخذوا يرفعون الشعارات الاسلامية كالاخذ بالتشريعات الاسلامية وتطبيق الاسلام. هذا تحد آخر وهو
محاولة من القوة المضادة لتوجيه النصر الكبير الذي أوجدته الحركة الاسلامية توجيهه الى مسارات خاطئة ثم تضييعه في الطريق.
خاتمة
ولا يفوتني في الاخير ايها الاخوة الكرام ان اعتذر عن تقصيري في الاحاطة بهذا الموضوع فهو أكبر من ان يتناوله مبتدئ مثلي، ولكن ان كنت نبهت عن أهميته فقد بلغت ما أريد. وكثير من المسائل التي ذكرتها هي من قبيل تحصيل الحاصل بالنسبة للحركة الاسلامية في السودان التي نعقد عليها آمالا كبيرة بالنسبة لهذه المنطقة خاصة في ان تكون المضغة التي ينطلق من صلاحها الجسم كله، ويؤيد ذلك ما يراه مالك بن نبي من ان جانبا كبيرا من الشعوب الاسلامية قد دخل الحضارة ثم خرج، ومن الصعب ان يعاد شعب الى الحضارة بعد ان خرج. وان المجتمع السوداني لا يزال مجتمعا بكرا. اما الحركة الاسلامية في السودان فلها من تجاربها وموقعها بالنسبة لافريقيا وآسيا وتاريخها الجهادي الطويل ووعي افرادها وقادتها ما يرشحها - اذا أحسنت التعامل مع جيرانها - لان تكون اول استجابة ناجحة للتحديات الكبرى المطروحة في المنطقة. لقد أبحرت سفينتكم أيها الاخوة فلا يلتفت منكم احد الى دنيا يصيبها او شهوة يشبعها وامضوا حيث تؤمرون الى جهاد متواصل، الى جنة عرضها السموات والارض وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاستاذ راشد الغنوشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.