ليس العيب أن تخطئ لكن العيب كل العيب أن تعيد نفس الخطأ مرات و مرات، العيب كل العيب أن تُلدغ من نفس الجحر ثم لا تعتبر، والعاقل ليس من يستفيد من أخطائه فحسب، بل العاقل من يعتبر من أخطاء غيره إذ الحكمة ضالة كل لبيب والتاريخ مدرسة، والتجربة برهان، والعاجز من أتلف وقته في استنساخ تاريخ فاشل وينتظر إحداث المعجزة. تاريخ حركة الإخوان المسلمين في مصر حافل بالتجارب والاحتكاك مع السلطة الحاكمة منذ عهد الملك فاروق إلى اليوم، فهل استفادت الجماعة من النكسات المتتالية ومن الانقلابات المتكررة على التهدئة بعد أن يستتب حكم الحاكم. الإخوان و عبد الناصر في عهد جمال عبد الناصر الذي هادن الإخوان في أول الأمر واستغل شعبيتهم ونفوذهم حتى قوي سلطانه وتمكن من خصومه، ولما أراد أن يستبد بالحكم وطلب من جماعتهم أن تنصهر في هيئة التحرير، راغباً من ذلك في القضاء عليهم، لكن عندما رفضوا وطالبوا بعودة الحياة الديمقراطية للبلاد، وتحديد موعد لإعلان الدستور اتهمهم بالعصيان والتمرد ومعاداة الأهداف الوطنية للثورة، واتهمهم بالاتصال بالإنجليز, وإقامة منظمات سرية في الجيش والبوليس ومحاولة قلب نظام الحكم, فاتخذ عبد الناصر إجراءات في وضح النهار واعتقل آلاف الإخوان على مدار شهرين وتم تجميعهم في السجن الحربي بمدينة نصر وترحيلهم إلى معتقل العامرية. كما تعرض الإخوان لوسائل تعذيبية بشعة على يد رجال عبد الناصر حيث تفننوا في سلخ المقبوض عليهم دون موتهم حتى صار الموت بالنسبة لهم أرحم بكثير مما يعانونه في هذا الجحيم المسمى بالسجن الحربي. كانوا ينظمون حفلات استقبال للواردين من الإخوان بعاصفة من الصفع والركل والضرب بالعصي ثم يحشرونهم حشراً في زنازين مميتة لا تُفتح عليهم سوى مرتين في اليوم لمدة خمس دقائق، ومن أرادوا المبالغة في تأديبه حبسوه انفرادياً وجعلوا معه الكلاب المتوحشة الجائعة أو رموه في زنازين مملوءة بالماء العطن كى يحرموه من النوم، وكانوا يأتون بنساء وأخوات وأمهات المعتقلين ويهددون ذويهم باغتصابهن، وفي حالة رفض المعتقل الإفصاح عن زملائه كانوا يقتلونه ويكتبون في سجلاتهم هرب من المعتقل. و اختلفت وسائل التعذيب من شخص لآخر حيث تعرض الإخوان لما يُسمى بالتعذيب النفسي عن طريق إلحاق أكبر قدر من الإهانة الشخصية بالإنسان المطلوب تعذيبه لعله ينهار سريعاً، فيستخدمون الألفاظ البذيئة والمهينة التي تطعن في شرف الشخص أو شرف زوجته أو أمه أو أبيه بصور غاية في الوقاحة. الإخوان والسادات علاقة السادات بالإخوان اتسمت بالانفتاح في بداية حُكمه، فقد سمح لهم بهامش من الحرية في ممارسة الدعوة، وفك القيود عن أعضاء الجماعة بعد أن كبّلهم بها عبد الناصر لأكثر من عشرين عاما، لكنه انقلب عليهم في نهاية حكمه فأساء معاملة مُرشدهم، وهددهم وأطلق العنان لوزير داخليته للتضييق عليهم ومنع انتشارهم. الإخوان ومبارك. أما علاقة جماعة الإخوان بمبارك منذ توليه الحُكم عام 1981 حتى إرغامه على التنحي في فبراير 2011 فكانت علاقة تهدئة وهدنة سمحت بدخول الحركة الإسلامية في مصر في بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعت النجاح في انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين، لكن مع ازدياد نشاطهم السياسي في المجتمع وبالنقابات المهنية، وظهورهم كقوة قادرة على اكتساب قاعدة شعبية كبيرة، دفع ذلك نظام مبارك إلى التكشير عن أنيابه، مما أدى إلى اعتقال 50 ألفاً من الإخوان، وصاحب هذه الاعتقالات اقتحامات وانتهاكات لبيوت وشركات أعضاء وقادة الجماعة، بالإضافة إلى عمليات التعذيب البشعة منذ مطلع التسعينيات حتى رحيل مبارك. الإخوان والمجلس العسكري لا ينكر أحد الدور الذي لعبه الإخوان في ميدان التحرير إثر الانتفاضات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي جاد بها الربيع العربي، والجهود الجبارة التي بذلوها من أجل تثبيت الشعب في الميدان وخدمته والاستماتة في وجه المكائد التي كان يقوم بها النظام من أجل تشتيت الجهود وجبر الشعب على التراجع عن مطالبه العادلة. لكن القيادة السياسية للإخوان و لربما سعيا منها لقطف ثمار الثورة قبل أن تنضج، قامت بالجلوس مبكرا مع المجلس العسكري للحوار وقد تعهد لها بالانتقال إلى الدولة المدنية وتشكيل الدستور ونقل الصلاحيات إلى الرئيس المنتخب مقابل إخلاء الميادين واستتباب الأمن والهدوء . هذا الإجراء أعطى للمجلس العسكري الوقت الكافي و الهدنة اللازمة كي يعيد ترتب أوراقه ويحدث شرخا واسعا في الشارع المصري الذي نزل بكل فئاته العمرية وكل طبقاته الاجتماعية وطوائفه الدينية من أجل المطالبة بدولة القانون والحريات وإسقاط دولة الفساد و الاستبداد. القيادة السياسية للإخوان أهدت فرصة ذهبية للمجلس العسكري الذي أوهم الشعب في بداية الانتفاضة بالوطنية وعدم الانحياز للنظام فرفع المتظاهرون شعار الجيش والشعب يدا واحدة، لكن في النهاية سيكتف الشعب أنه قد استدرج لإخلاء ميدان التحرير مقابل وعود بأنصاف الحلول دون أن يجني ثمار تضحياته وثورته السلمية والتي من أبرزها محاكمة رموز الفساد والانتقال بمصر من دولة حزب العسكر الحاكم إلى دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه اليوم بالبارحة، تهدئة ثم انقلاب، انتخابات حرة ثم حل لمجلس الشعب، فهل تستفيق الشعوب وتستفيد من تجارب الآخرين، وتعلم أن الحكام هم مجرد سائقي قطعان يمكن استبدالهم إذا اقتضت الضرورة وهدِد النظام الذي هو خط أحمر ومقدس عند الدول العظمى التي لا تسمح بالخروج عنه مهما كلف ذلك من ثمن، ولو أن تضحي بشعب بأكمله.