كم كانت حزينة تلك الليلة في عيون فاطمة؟، حينما طلبت منها والدتها التي كانت مصابة بمرض عضال في مراحله الاخيرة ،حيث عجز الاطباء عن علاجه، الحضور على عجل الى المنزل لتتحدث اليها بعدما احست بوجع حاد في بطنها وبرودة في قدميها. تركت فاطمة كل شيء وراءها، اتت مسرعة وبخوف شديد فتحت الباب ، بدأت تبحث في كل ارجاء المنزل عن امها لتجدها مستلقية في فراشها ووجهها شاحب، فقالت لوالدتها: ماذا بك يا اماه؟. ردت عليها والدتها: ابنتي، انه وقت الرحيل يا ابنتي!.. فاطمة : لا تتفوهي بهذا الكلام يا امي، انه مجرد وجع بسيط، سأحضر لك منقوعا من الزعتر وستكونين في احسن حال.. في تلك اللحظة، شدت والدتها بيدها وقالت لها: ارجوك يا فاطمة، اجلسي وانصتي جيدا، لم يبق لدينا الوقت الكثير، لا تخافي وتبثي نفسك، فهذا حال الدنيا ولابد من يوم الفراق.. تنهدت فاطمة لتطلب من امها ان تهدا قليلا وتخبرها بعد ذلك بوصيتها. قالت والدتها: ابنتي! ان لم تجدي يوما من يحبك فاعلمي انني مت.. ابنتي! بعد رحيلي، ستتغير حياتك، لن يعود الناس يهتمون لاحوالك ان كنت سعيدة ام شقية، ستموت الضحكات داخلك، سيغيب الاهل والاحباب عنك. فلا تتعجبي، هذا حال الدنيا وبقاء الحال من المحال، سينتابك الاحساس بالضياع لتشتاقي لصوتي، لرائحة الطعام الذي كنت اعده لكم، ستتذكرين كم كنتُ سعيدة حينما تخرجت من الجامعة، ستتذكرين دموعي يوم زفافك، سيشدك الحنين الى نصائحي لك حينما كانت تقسو عليك الحياة، ستتوالى عليك السنوات وستحرمين مني ولكن يا حبيبتي، كوني قوية كما كنت انا دوما، عانيت في هذه الحياة ولم استسلم بل كنت اقف من جديد بعد كل عثرة، لا اعتمد على احد سوى على الله سبحانه، لا تدعي من ينتظر زلاتك يفرح لضعفك و انكسارك. ابنتي، ان قدر لك ورزقت بأطفال، فكوني أما مثلي، واصلي مشوارك، اصبري تذكري حين تتعبين، انك انت ايضا اتعبتني في صغرك، احكي لأبنائك عن جدتهم خديجة التي هي أنا، لا تدعيني مجهولة في ذاكرتهم.. وفي نهاية كلامها اعادت الجملة التي بدأت بها: ابنتي! حينما لن تجدي من يحبك فاعلمي انني مت.