مات المفكر والبقية في حياة أشباه مثقفين يحملون أقلاما تحت الطلب يتهادون على أنغام مزمار الراعي تتقاذفهم سلطة الوظيفة الحكومية وتروضهم المبادرات والامتيازات يبررون الإخفاقات ويدافعون عن القرارات الخاطئة، عيونهم على الكراسي. مفكر آخر الزمان يتهرب من رسالته ومسؤوليته لا يقف من السياسات موقف الناقد الرافض المتمرد ولا تصدر أفكاره ومبادئه عن قناعات واقعية. نسي المفكر والمثقف سلطته في التنبيه والتوجيه وإمكانية الابتكار والتجديد والتأثير في الأجيال وكأن لكل جيل مفكرين بقيمة مختلفة. المفكر المثقف الجديد يقنعك بأن لا جدوى من فكر التيئيس وينصح بتسطيح الوعي، يدافع عن الفشل في عجزه والتعاطي مع القضايا الكبرى أو يدوخك باتباع أصناف وألوان وأشكال من الإطارات المشحونة المفرغة من المعاني حسب الأهواء، زخرفا وغرورا يكسبنا مصطلحات تافهة ويضيع عنا فرصا ومعان وحقائق . المفكر المثقف المبدع المعاصر تعطيه ورقة وقلما وتؤذيه إلى حد الكتابة ولا يفعل شيئا وكأنه عديم الإحساس يتقبل الحياة كما هي بغير تفكير ولا مناقشة ولا رأي والواقع يزخر بالقضايا الفكرية والانسانية والأحداث والتداعيات المعقدة والعسيرة التي يتقاطع فيها السياسي بالإنساني، بالقومي وبالريادي. المفكر الحالي يغرد خارج السرب يكتب بالوردي على السواد والولائم ولم تعد لآرائه قيمة لأنه اُختار الانكماش ورضخ للتهميش ويستحق الإهانة لأنه هجر الواقع واُختار الغياب فلا تأثير له في الرأي العام، رضخ واُفترش التخلف والقرارات الارتجالية الخاطئة وينتظر من يذكره بدور الفكر في النهضة. المفكر التقليدي أصبح من عالم المتاحف وذهب معه الإبداع والفكر المستنير والتقدمي ومات الفكر الرائد المتحدي للوقائع والأوضاع والمحرض على فحصها ونقدها والتمرد عليها من أجل غد أفضل - إلا القليلون -.، المفكر صاحب رسالة وموعود بالترهيب والمضايقة والاضطهاد والردة، ولكنه ليس بالشخص العادي فلا تستقيم الحياة دون فكره السليم والصريح، فدراساته و تأملاته وتساؤلاته واقتراحاته، المفكر لا يهمه أن يكون مداده أحمرا فالكتابة دمها حرية وأفكاره واعدة بالتمرد على الموت الفكري والنكوص الأيديولوجي والانتحار السياسي.