من "سرت" إلى رام الله، ارتفع عدد "البدائل" التي تتوفر عليها القيادة الفلسطينية لمواجهة فشل المفاوضات وإنهيار عملية السلام، من أربعة بدائل إلى سبعة بدائل، ولا ندري كم سيبلغ عددها إن استمر "البازار" مفتوحاً على مصراعيه، إذ ربما يتشكل هنا رقم قياسي عالمي جديد، ويدخل الفلسطينيون موسوعة جنيس من بوابة "وفرة البدائل" هذه المرة، بعد أن دخلوها مؤخراً من بوابة أكبر طبق مسخن وأوسع صدر كنافة. « من كبّر حجره ما ضرب"، مثل شعبي فلسطيني ذائع الصيت وواسع الانتشار، وفيه عصارة التفكير الشعبي العقلاني...و"من كثّر بدائله مَال حاله"، مثل غير شعبي، نقترح إدراجه في قاموس "العاميّة الفلسطينية"، وتعميمه على أوسع نطاق ممكن، لأننا بتنا على يقين، بأن الإكثار من البدائل والاسترسال في الحديث عنها، دون التقدم خطوة واحدة على الأرض، باتجاه أي منها، ليس في واقع الحال، سوى "خداع" و"تضليل" و"عملية شراء للوقت" بانتظار الانتهاء مما يعد في الخفاء والعلن، وقد بدأنا نسمع عن صفقات وعروض يجري إنضاجها في الغرف المظلمة، قبل أن تطرح للاستهلاك العام، وتكون مخرجاً لاستعصاء المفاوضات. لقد قالها الوزيران أبو الغيط وعمر سليمان في رام الله، ورددها معهما الرئيس محمود عباس: استئناف المفاوضات المباشرة هو البديل الوحيد المطروح على الطاولة الآن، ولا انتقال لأي بديل آخر، قبل أن يتم استنفاذ هذا البديل، وإذ هدفت جولة أبو الغيط/سليمان لنقل "المخرج الإسرائيلي" الذي حمله عوزي آراد للقاهرة، فإن الرئيس عباس، على ما تقول المصادر، يؤثر التريث لمعرفة النتائج والمآلات التي ستنتهي إليها المفاوضات الأكثر أهمية الجارية الآن وفي خفاء على خطين متوازيين: المفاوضات الإسرائيلية – الإسرائيلية، بين نتنياهو وحزبه وشركائه للتوافق على طبيعة وحدود الخطوة التالية، والمفاوضات الإسرائيلية – الأمريكية لمعرفة نقاط الالتقاء وخطوط التماس بين واشنطن وتل أبيب، والمعلومات المتسربة عن هذين المسارين تميل للتشاؤم وإن كانت شحيحة ونادرة. والمؤسف حقاً، أن مآلات ما يسمى ب"عملية السلام" ونتائجها، باتت تقررها بشكل رئيس وحاسم، نتائج المفاوضات الإسرائيلية – الإسرائيلية، والإسرائيلية - الأمريكية، فإن توافقت إسرائيل على موقف مشترك، أو تبلورت أغلبية وازنة خلفه، وإن أمكن إقناع واشنطن ببعض أو كل عناصر هذا الموقف، يتحول هذا الموقف تلقائيا، إلى "بيان للجنة الرباعية" و"قرار عن مجلس الأمن"، ولاحقاً يصبح موقفاً ممهوراً بخاتم "لجنة متابعة مبادرة السلام العربية"، وربما يتطور الحال ويصدر على شكل قرار عن القمة العربية التالية، هكذا كان الحال في السابق، وهكذا هو الحال اليوم. وبالعودة إلى "حكاية البدائل الفلسطينية السبعة"، فنحن وإن كنا لا نعرف آخر ثلاثة منها، إلا أننا نرجّح أن تكون من "جنس" البدائل الأربعة الأولى التي كُشِفَ النقاب عنها على هامش "قمة سرت"، وهي بدائل ترتبط في معظمها بنوايا الإدارة الأمريكية، وتبدو معلقة على شرط قبول واشنطن بها، أي أن مصائرها ليست بيد الفلسطينيين، وإنما بأيادي غيرهم، ولا أدري كيف يمكن إطلاق وصف "البديل" على سيناريو لا ناقة لنا فيه ولا جمل، خصوصاً حين يصدر عنّا، نحن الذين اكتوينا بنار "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن، عشرات المرات. لو كان هناك قليل من الجدية في "حديث البدائل" الذي يملأ الأرض والفضاء هذه الأيام، لرأينا القيادة الفلسطينية تشرع في إطلاق "ورش الحوار الوطني" بين مختلف مكونات المجتمع وشرائح الشعب وطلائعه ونخبه وفصائله وقواه الحية، من أجل بلورة توافق وطني حول بديل رئيس وبديل رديف "خطة - ب" على الأكثر، ولرأينا حواراً وطنياً شاملاً لا يستنثي أحداً، يعقد على أرفع مستويات صنع القرار الفلسطيني، ولرأينا عناوين هذا الحوار تدور حول: المشروع الوطني، مستقبل السلطة، أشكال المقاومة، وضع منظمة التحرير، استنهاض الشتات، الهجوم الدبلوماسي والحقوقي المضاد، نزع الشرعية عن إسرائيل احتلالا وممارسات وسياسات، ورفع الغطاء عن قياداتها المدنية والعسكرية المتورطة في جرائم الحرب، إعادة قراءة خارطة التحالفات، إلى غير ما هنالك من عناوين تتصدر الأجندة الوطنية للشعب الفلسطيني في الوطن المحتل وخلف الخط الأخضر وفي الشتات. لو كان هناك قليل من الجدية في حديث البدائل، لرأينا إرهاصات المراجعة تطال بعض رموز الحقب السابقة المسؤولة عن الخراب والكارثة التي ألمت بالشعب والقضية، فهل يعقل أن تكون هذه الرموز العابرة للحقب الزمنية والجغرافية (الزمان والمكان) في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، عابرة أيضاً للبدائل والخيارات على تناقضها، هل يعقل أن تكون رموز التهافت السياسي هي ذاتها رموز المقاومة الشعبية، هل يعقل أن يكون الملوثون بفساد السلطة وتهافت مشروعها الوطني، هم أنفسهم المولجون بمهمة استئناف النضال الوطني وإعادة الاعتبار للحركة الوطنية الفلسطينية؟!.