قد يبدو لأول وهلة ان هدف حركة التحرر لدى المثليين الذكور في سبعينيات القرن الماضي كانت تهدف الى تفكيك الصورة النمطية للرجل: المحارب، الطيار، عامل المناجم، لاعب كرة القدم، الخشن، العنيف. الفحل جنسيًا. وبالتالي طرح صور بديلة وأشكال واقتراحات مختلفة لمفهوم الرجولة والذكورة بحيث لا تدور الحياة على محور يتوسطه قضيب آري عملاق. ولكن المثلية الغربية ومن خلال أدبياتها أعادت إنتاج الصورة النمطية ذاتها للرجولة والرجل “المقبول” مقابل الرجل “المرفوض” بشكل “نظيف” أكثر ولكن بذات الوقت أسوأ وأفدح. لا يوجد جسد قبيح كرست المثلية الغربية مفهوم الرجل “الشرعي” عن قصد او من دون قصد؛ فلا يكاد الذكر المثلي يتخلص من كوابيس طفولته المتمثلة بلفظ مجتمع “الصبيان” له ونبذ المجتمع الرياضي والتلقين الجماعي حول مبادئ الرجولة السّامية والوحدة ومواجهة ميوله والخ الخ، ليعترف بمثليته ويتصافى مع هويته، حتى تتلقفه الثقافة المثلية بمعاييرها العجيبة التي تقدّس الجّسد على حساب الروح وتعبد القضيب بغضّ النظر عن كل شيء آخر من حوله. فإذا أردت أن تكون رجلا مثليا نظاميًا في مجتمع غربيّ رأسماليّ أو في مجتمعات أخرى متشبعة بمعايير وأدبيات الغرب حول موضوع الجنسانية، يتوجب عليك ان تكون منفوخ العضلات بقضيب كبير ومؤخرة صلبة و/أو مكوّرة وصغيرة ولا ضيرَ من تسفع عميق ومسطّحات جلدية خالية من الشعيرات الدقيقة “المزعجة”. ففي مرور سطحيّ على الأدبيات المثلية بدءًا من افلام البورنو المهلهلة عبر مجلات المجتمع وصولا لأغلفة أرقى كتب الدراسات أو الأفلام الرفيعة يلاحظ انه لا وجود سوى للجسد متكامل العضلات والموصول لقضيب عملاق، وكأنّ لا شرعية جنسية أو لا دفق جنسي إلا داخل هذه الأشكال من الأجساد وكأنّ لا حقّ للتعددية الجسدية في المعادلة الذكورية الصعبة، وما هذا الا اعادة انتاج للقمع الذي يواجهه المثلي منذ ولادته وباشكال متعددة. فمن يتجول في اماكن تجمع المثليين من نوادٍ وحانات وأحياء كاملة في عواصم اوروبا الكبرى يشعر بطغيان هذا الشكل الجسدي “الشرعي” المقبول اجتماعيًا، وخاصة في المجتمعات المثلية الكثيفة والمتكاتفة في المدن الكبرى كلندن وباريس وبرلين ومدريد– حتى تخال انك تشاهد عرضا عسكريا لعصابات الإس إس النازية سيئة الصيت. ولا اعرف لماذا يذكرني هذا بالحجاب، حيث المطلب الإجتماعي بارتدائه لنيل القبول المجتمعي- اصبح هوس معاهد اللياقة وازالة الشعر بالليزر والتسفع وتربية الذقن وإزالته بحق كابوس في عملية “شرعنة” أو “لا شرعنة” الشكل الخارجي للرجل المثلي. ويحدث ذلك خاصة وكما ذكرت في المجتمعات التي غزت العوامل الاستهلاكية وعوامل الترفيه و”اللايف ستايل” المثلية أسواقها. خلي القضيب يحكي كي لا أكرّر ما جاء في المقال الممتاز للزميل ياسر عبدالله بعنوان “في امتداح المثليات: انطباعات رجل غيريّ”، والذي استعرض بدقة وإسهاب سيطرة “الفالوس” على المثلية الرجالية وأدبياتها ومشهديتها، أضيف أنّ الحركة المثلية الغربية لم تحاول ان تتحرّر من السيطرة الرجالية المتمثلة بتقديس القضيب الذي يمثل الفحولة، السلطة والسيطرة، بل على العكس؛ فقد عززت من دوره ورمزيته واسقاطاته التي تنسحب على كافة مناحي الحياة إلى درجة “البهائمية”. فأشهر مواقع التعارف المثلية gaydar تضع حجم القضيب في رأس معايير التعارف، قبل الشخصية والهوايات وملامح الوجه مثلا. كما يتفاخر الرجال بأحجام قضبان أصدقائهم وردًا على سؤال: “كيف علاقتك الجديدة؟” يأتي الرد: “علاقتي ممتازة..عندو كبير”! كما تنتشر في حوانيت السراويل الداخلية قطع داخلية بحشوات تضخم من حجم “البضاعة” بأضعاف من وراء البناطيل الملتصقة. وهكذا تلفظ هذه الثقافة كلّ من لا يستوفي هذه الشروط خارجها وبشكل عنيف وتحوله إلى متفرج محبط وشرير. أما المثلية العربية يمكننا تقسيم الحركات المثلية في البلدان العربية طبقيا وبشكل قاطع حيث هنالك “ابناء الذوات” المقربون من السلطة ورؤوس الأموال والذين يقلدون الغرب المثلي بمعاييره ومفاهيمه بشكل شبه مطلق- حتى باللغة حين تستبدل الإنجليزية والفرنسية العربية بشكل اختياري وواعٍ، كما يملك هؤلاء الأموال الكافية لقضاء 24/7 في معاهد نفخ العضلات وتكبير القضيب والتسفع الآلي، بينما تمارس الفئات الأخرى مثليتها بشكل طبيعيّ وأكثر أصالة، وأحيانا بفوضى خلاقة خارج حسابات الجسد الإستهلاكية. باستطاعة الحركات المثلية العربية التي لا تزال في مهدها التعلم من هذه الأخطاء -وبالأحرى الخطايا- محاولة خلق مفهوم جديد وأصيل للمثلية الرجالية النابعة من محاكاة الشكل الخارجي المتمثل بالجسد للهوية الجنسية والذات وحقيقتها، بحيث يتناغم طيف الرجولة-الأنوثة وما بينهما بشكل طبيعي وإنسانيّ مع جسد حامله وبالعكس كي لا تتحول المثلية الرجالية الى حفل تنكري كبير لعبادة القضيب.