‬ندوة تلامس حصيلة تفعيل الأمازيغية    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    المغرب ‬يعتزم توسعة مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بتكلفة 15 مليار درهم    استشهاد 591 فلسطينيا من بينهم 200 طفل وإصابة أكثر من 1042 خلال 72 ساعة    وزان تستنكر العدوان الصهيوني    "ليلة القرآن" تشع في رمضان.. والتوفيق يُكرم حفظة وخُدام كتاب الله    برمجة تعيين أطباء بمشفى خنيفرة    موقعة الحسم بين المغرب والنيجر .. الركراكي والزاكي في صراع التأهل إلى مونديال 2026    استعدادا لمبارتي النيجر وتنزانيا.. الأسود يشدون الرحال إلى وجدة    مجلس الحكومة يقرّ تغييرات على مدونة السير تشمل الغرامات وسحب الوثائق    قرار حكومي يمنع ذبح إناث الأغنام والماعز    توقيف سائق سيارة دبلوماسية أشهر مسدسا في وجه سائق طاكسي    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    كيرستي كوفنتري تصنع التاريخ كأول امرأة وأول إفريقية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية    مدرب تنزانيا: مستعدون لمواجهة المغرب ونسعى لتحقيق نتيجة إيجابية    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    بايتاس: الأمطار الأخيرة أنعشت آمال الفلاحين وستخفف أعباء الري والطاقة    إقليم الجديدة.. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تواصل دعمها للتعاونيات الفلاحية النسائية    حقيقة بناء عشوائي في المجمع السياحي سانية بلاج    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    لليوم الثاني على التوالي.. احتجاجات حاشدة في تركيا ضد ديكتاتورية أردوغان (فيديوهات)    تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا يطيح بإرهابي موال ل"داعش"    اليابان أول منتخب يتأهل إلى كأس العالم 2026    بايتاس: متوسط التساقطات المطرية بلغ 113,9 ميلمتر إلى حدود 19 مارس    نقابة المهن الموسيقية تمنع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    المغرب يدين بأشد العبارات خرق وقف إطلاق النار وتجدد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة    إسرائيل توسع العملية البرية في غزة    أرباح "سنلام" 418 مليون درهم    4 ملاعب مغربية تحتضن "كان U17"    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    رئيس الحكومة يترأس مراسم التوقيع على اتفاقية استثمارية مع المجموعة الصينية "صنرايز" الرائدة في صناعة النسيج    وزان .. حجز 94 ألفا و728 قرصا مخدرا وثلاثة كلغ من الكوكايين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    العتاد المتهالك للجيش الجزائري يستمر في حصد الأرواح بعد تحطم طائرة سوخوي    المغرب يدعو إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل    الفيدرالية المغربية للإعلام والمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز يناديان بإيقاف نزيف الانتحال والرذاءة واللامهنية في الصحافة    تأجيل محاكمة مبديع إلى أبريل المقبل    فنلندا أسعد دولة في العالم للمرة الثامنة على التوالي    بوعلام صنصال يواجه 10 سنوات سجنا    سؤال الجمال    الراضي وهبة محمود تضعان خارطة الطريق للتعاون الثقافي المغربي – المصري    أخبار الساحة    دراسة: محبي السهر أكثر عرضة للتفكير السلبي والاكتئاب    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    توقيف شاب ببيوكرى للاشتباه في تورطه في السياقة الاستعراضية وتعريض مستعملي الطريق للخطر    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    الصيام في رمضان.. علاج للروح وفوائد جمة للجسد    هذه تدابير مفيدة لجعل المنزل ملائما لمرضى الحساسية    المؤسسة الإعلامية " موروكو ميديا نيوز" وشركائها توجوا الفائزين والفائزات في تجويد وترتيل القرآن الكريم بأكادير    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    عمرو خالد: هكذا يمكن تفادي الصراع والصدام واللجوء إلى الحوار والوئام    استئصال اللوزتين يحمي الأطفال من اضطرابات التنفس أثناء النوم (دراسة)    اليوم العالمي للشخير    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال الجمال
نشر في هسبريس يوم 20 - 03 - 2025

ليس الوجود المؤرِّق بانفتالاته وتعدداته هو الذي يفرض العودة إلى سؤال الجمال، وإنما هي عودة إلى قيمة مطلقة عالية تصطف في مصاف القيم الكونية العليا كقيم العدل والحرية والحق والخير. تؤججها شهوة تحيين السؤال داخل نسيجنا الحياتي عامة، وذلك باستحضار صور من تجليات الجمال تُساعد على تبيين مقام الجمال، وضوابطه، وإشكالياته في عالمنا المعاصر. فالجمال اليوم صار من المفاهيم التي يكثر اللجوء إليها لتمرير مفاهيم أخرى مغايرة باسم الجمال، وبخاصة في الميادين العمرانية والفنية والأدبية والصناعية والإعلامية والتكنولوجية والإشهارية والتربوية... وما إلى ذلك. وهي مجالات تمس في الصميم حياتنا اليومية. ولذا كانت العودة إلى السؤال ضرورية للتعرف على مقام الإنسان بين الموجودات، طبيعية كانت أو صناعية، باعتباره كائنا مُكرَّما ومحترمة حياته، لا يجوز صخُّ الدجل والتشويه فيها تحت أية ذريعة من الذرائع البراغماتية المهيمنة راهنا.
فالجمال؛ في كل مجاليه ومظاهره؛ متجذر في الشعور الإنساني، والحس الكوني، وعميق في هذا الوجود، ومقصود لذاته فيه. يتبدى واضحا في كل كائناته "الجامدة" وغير الجامدة، وما على الإنسان أيا كان جنسه ومعتقده ولونه ولغته وجغرافيته ومستواه الاجتماعي إلا أن يفتح حسه ووجدانه لهذا الجمال ليلتقيَ أجمل ما في نفسه وهو حاسة الجمال بأجمل ما في الكون، لأن من هذا الالتقاء ستنتج تلك الألوان المتنوعة من الفنون والإبداعات والقيم المثلى التي لا تكون الحياة إلا بها. فالتلازم بين الجمال والإبداع هو تلازم بين الجسد والروح، إذ لا تصورَ للفن بلا جمال، ولا تصور للجمال بلا فن، كما أنه لا تصور للحياة بلا جمال، ولا للجمال بلا حياة. فالجمال هو الفن قبل أن يُعبَّر عنه، هو الفن بالقوة، والفن هو الجمال بعد أن عُبِّرَ عنه بالفعل كما يقول المناطقة. وهذا التلازم هو الذي يبرر التداخل بين كلمتين: فن وجمال، في الاستخدام عن طريق المجاز حينا، وعن طريق التجاوز عن الدقة حينا آخر.
ونحن إذا فتحنا أعين الروح الصافية فإننا سنجد أن كل ما في الكون جميل، وأنه يطلب الجمال من حيث حقيقتُه، لأن الجمال انتصابٌ بارزٌ، والإنسانُ يمثل هذا الانتصاب. فرأسه يطلب الفوقيةَ، ورجله تطلب التحتية لأنها في حقها أُفُقُها، وليس في العالم حركة إلا وهي طالبة للجمال الحق. ففي الرؤية الجمالية يأخذ الرائي المُدركات عن مدركاتها الكونية. والمدركات كلها حسب ابن عربي نسبتها إلى الاسم الجميل نسبة واحدةٌ، فحقائق الكون تتقرب إلى وجوده لتُكمل حقيقتها في وجوده، فهي تخدمه بظهورها في عالمه، وهو يخدمها لكونها واردةً من كليِّ الجمال إليه، ولذا كان حبه للموجودات، وحبُّ الموجودات بعضها لبعض، ولَهُ.
ومن هنا يحق لنا أن ندعو إلى إلغاء مفهوم النبالة الثقافية السائدة منذ القرن السابع عشر الميلادي إلى اليوم، فامتلاكُ الثقافة والوعي الجمالي لا يمكن أن يُعطي امتيازا داخل المجالات الحياتية لأولئك الذين نهلوا من هذا النبع في عائلة مثقفة، بغض النظر عن المواد التي تلقوها في دراستهم، وعمقت فيهم الممارسة الجمالية دون قيود، حتى صاروا يتحكمون في الأذواق والرغبات الجمالية لعامة الخلق، ويُشرْعنُونَ ل"العين الأخلاقية" ضدا على "العين الحرة" التي هي نتاج تاريخي يُعادُ إنتاجه بفعل التربية. فهي بهذه الصفة عينٌ فنية مدركة للترتيبات الجمالية المعتبرَة كقدرات، ولكل أشياء العالم المختزنة لجماليات لا تبدو إلا للنظرة الخالصة.
ولا مراء في أن "علم الذوق" والاستهلاك الثقافي قد بدأ بانتهاكٍ لا علاقة له بما هو جمالي، بحث أصبح يُطالِب بإلغاء الحدود المقدسة التي تجعل من الثقافة التقليدية عَالَمًا منفصلا، بغرض اكتشاف العلاقات المعقولة التي تجمع بين "اختيارات" غير قابلة للقياس في الظاهر، مثل الميولات في مناحي الطبخ واللباس والفنون والأدب والتشكيل والرياضة والحلاقة والرقص... إلخ. إن هذا الإدماج الفظ للاستهلاك الجمالي داخل عالم الاستهلاك العادي ليُلغِي التعارض المؤسس على الاستيطيقا العالمة "Esthétique" منذ الفيلسوف كانت "Kant"، بين "ذوق الحواس" و"ذوق التفكير"، بين الذوق "السهل" وهو الذوق الملموس المقترن بالحواس، والذوق "الخالص" القابل لأن يتحول إلى رمز السمو الأخلاقي، وإلى مقياس لقدرة الإعلاء التي تحدد إنسانية الإنسان، وإلى طابع يطبع المطبوعات والأشخاص والمواقف بنوع من الارتقاء الأُونطولوجي. وفي هذا ما فيه من إنكار للمتعة "الوضيعة، والبذيئة، والحقيرة، والتجارية المبتذلة" المصنَّفة داخل المتعة الطبيعية والمشكلة في حد ذاتها نوعا من "المقدس" الثقافي "Sacré culturel".
إنه إنكار يؤكد على سمو أولئك الذين يلبون رغباتهم بمتع رفيعة ومتعالية ومجدَّدة، وهي محرمة على البسطاء، ويُشرعِنُ للتمايز الذي ترفضه ماهيةُ الجمال على الصعيد الإبيستيمولوجي والوجودي. إن الاستيطيقا في منظورنا لا تتجاهل أي اتجاه أو موقف، كما أنها لا تتقيد بهما. فإذا كان كانت "Kant" قد سعى في استيطيقاه إلى التمييز بين ما يروق "ce qui plait" وما يخلق المتعة ""ce qui fait plaisir، فإن هذه الرؤية تنأى عن ذلك. فهي تُلغي الحدودَ والفواصل، وتصلُ المطلقَ والإنسانَ والعالم بخيط واحد هو خيط الاستيطيقا الخالصة المتجذرة ضمن الإيطيقا "Ethique"، أي ضمن الاستعطاف "Ethos"، وذلك للملاءمة مع ظروف الحياة القصوى، وضرورات العالم الطبيعي والاجتماعي حتى يتأتى للوضع الجمالي أن يصير مبدأ كونيا قابلا للتطبيق، متصلا عضويا بالموقف العام من العالم.
فهمها هو القيم الجمالية الرائعة المتضمَّنة في الكون بكل مكوناته، باعتبارها عينا حدسية لا تنحرف عن مرامها، وقد حددت لذلك معايير أساسية؛ منها: التوفيةُ، والإتمامُ، والإكمالُ، والإشراعُ، والإرسالُ. إذ بهذه المعايير تتأملُ الماديَّ المسربَلَ باطنيا برداء الروح، والمعنويَّ المسربل برداء المادة، فتكشف البُعدَ الجمالي فيهما، والخيطَ الناظم لوجودهما. ومن ثمة تجدها غير عابئة بالفروق والحدود مادام كل مادِّي يتضمن معنى روحيا، وكل روحاني يتضمن معنى ماديا. هي رؤية إذن بالمطلق وفي المطلَق وللمطلَق
تتنفسها أبياتُ وِلْيَمْ بْلِيكْ التالية:
فَلِكَيْ تَرَى اُلْعَالَمَ فِي حَبَّةِ رَمْلٍ
واُلسَّمَاوَاتِ فِي زَهْرَةٍ بَرِّيَةٍ
لَا تُفْلِتِ اُلْمُطْلَقَ مِنْ يَدَيْكْ
ولَا اُلْخُلُودَ، فِي سَاعَةٍ مِنَ اُلزَمَانْ.
رؤية تحاول الوصول إلى ما وراء الحاجز الذي يفصل الجمالَ عن الحقيقة الصلدة، وملامسة الروح المكبلة في الصور والرموز والإشارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.