سيراً على نهجها منذ سنة 2004، وفي النصف الثاني من رمضان المبارك، أحيت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ليلة أمس الخميس بالرباط، "ليلة القرآن" لعام 1446ه/ 2025م، في إطار تجسيد اهتمامها المستمر بكتاب الله وأهله، والعناية والاحتفاء بحفّاظه ومُقرئيه ومُحفّظيه، وبجهود كل الساعين لخدمته، "حفظاً وأداءً". وقال أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في كلمة ألقاها بالمناسبة بعد افتتاح الليلة بآيات من الذكر الحكيم: "نشكر الله تعالى على ما أنعم به على الأمة المغربية من تعلّق بالقرآن الكريم، تلاوة وتدبّراً وعملاً؛ وهو تعلق يرعاه ويحفظه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، حفظه الله". وأضاف التوفيق، أمام سفراء دول عربية وإسلامية، وجمع غفير من العلماء والحضور الذين غصّ بهم المدرج الكبير لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات بالرباط، أن "نصيب الوزارة من التعلق بكتاب الله يتمثل في تعهّد الكتاتيب القرآنية وتأهيلها، حتى تستمر في دورها في تخريج حفظة القرآن الكريم". مدارس قرآنية نموذجية بحسب ما أفاد به وزير الأوقاف، "بلغ عدد الكتاتيب القرآنية إلى يومنا هذا ما يقرب من 12 ألفاً و500 كتاب، منها نحو 67% بالعالم القروي، وأكثر من 92% توجد داخل المساجد". وأوضح أن الوزارة تمنح للمتأهلين والمستحقين من الحفّاظ عشرات الرخص سنوياً لفتح الكتاتيب خارج المساجد، شريطة التقيّد بالقواعد المرعية في هذا المجال. ويَدرُس بهذه الكتاتيب القرآنية في مختلف ربوع المملكة أزيد من 458 ألف تلميذ، نصفهم من الإناث (51%)، تحت إشراف 14 ألفاً و551 مُحفّظاً؛ 70% منهم من أئمة المساجد والقائمين عليها. كما كشف الوزير عن عمل الوزارة هذا العام على إحداث مدارس قرآنية نموذجية متخصصة، وفق طرق التحفيظ الأصيلة، مع الانفتاح على الأساليب التربوية الحديثة النافعة، بهدف الارتقاء بهذه الكتاتيب وتطوير مناهج التحفيظ لمواكبة الأنظمة التعليمية وتحقيق الأهداف المرجوة. منصة ومصحف رقمي أكد الوزير أنه "تم إعداد دليل مرجعي لتحفيظ القرآن الكريم بالكتاتيب القرآنية، أعدّته لجنة متخصصة من الغيورين على تقاليدنا الأصيلة، ومن الواعين بأهمية تطوير التحفيظ". وأضاف أن الوزارة تعمل على إحداث منصة إلكترونية للقرآن الكريم، تهدف إلى تيسير تلاوة كتاب الله، وبيان أحكامه، والتبصير بهدايته، وترجمة معانيه، كاشفاً أنها "ستكون جاهزة، إن شاء الله، في الأشهر القادمة". كما أفاد التوفيق بأن "مصحفاً محمدياً شريفاً جديداً طُبع هذا العام، مُرتّباً على الأرباع، مع إضافة رموز QR في هوامش الصفحات، تتيح إمكانية الاستماع إلى تلاوة الربع الموجود في الصفحة، والاطلاع على تفسيره وترجمة معانيه باللغة الفرنسية". وقد قُدمت النسخ الأولى من هذا المصحف للملك محمد السادس. تعزيز دور القرآن في التعليم العتيق تطرّق وزير الأوقاف أيضاً إلى جهود الوزارة في تعزيز مركزية القرآن الكريم ضمن المنظومة التربوية للتعليم العتيق، مؤكداً أن "التعليم العتيق يستمد شرعيته من حفظ القرآن الكريم، ولذلك، فإن اجتياز امتحان نهاية الطور الابتدائي في هذا النظام يشترط الحفظ الكامل للقرآن". وأشار إلى "رفع عدد الحصص الدراسية المخصصة لمادة القرآن الكريم بالطور الابتدائي العتيق وزيادة معاملاتها في الامتحانات الموحدة، مع إعداد دليل مرجعي لاختبارات الحفظ لفائدة المترشحين"، كما استعرض "التوفيق في تحقيق المعادلة بين شهادة الإعدادية للتعليم العتيق والشهادة الإعدادية بالتعليم العمومي". وختم الوزير كلمته بتهنئة القائمين على قناة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، مشيداً بجهودهم في تبليغ القرآن وإسماعه داخل المغرب وخارجه. كما أعلن عن عزم الوزارة إنشاء إرسال رقمي موجه للدول الإفريقية والأوروبية، حيث توجد الجالية المغربية. تكريمات وجوائز كانت الليلة أيضاً مناسبة لتكريم عدد من خُدّام كتاب الله من المُحفّظين والمُحفّظات، والفائزين والفائزات في المسابقات القرآنية الوطنية والدولية، إضافةً إلى بعض الحفَظة المتميّزين من ذوي الاحتياجات الخاصة، والإعلاميين الذين يسهمون في نشر القرآن وعلومه. في هذا السياق، كرّم وزير الأوقاف شيوخ تحفيظ القرآن الكريم، ومنهم: المحفّظة الزهرة الكيات (من سلا). المحفّظ امحمد الكنتاوي (من المجلس العلمي لمدينة الرباط). كما تم تكريم: الطفل القارئ زيد البقالي، الفائز بالرتبة الثالثة في المسابقة الدولية لحفظ القرآن بتنزانيا لموسم 2025. الطفلة الحافظة خديجة آيت بجا، التي تتابع دراستها بالطور الابتدائي العتيق في أحد كتاتيب إقليمتارودانت. وفي فئة الإعلام، تم تكريم الإعلامي الهاشمي قدوري عن برنامجه الإذاعي "يوم مع قارئ"، الذي يسلط الضوء على الأصوات المغربية الشجية ومساراتها. كما حصل الدكتور عبد الهادي حميتو على تكريم عن كتابه الذي يبرز جهود المغاربة في ضبط ورسم القرآن، بينما كُرّم كل من الخطاط محمد العسري والخطاطة شريفة الحيمري لمساهمتهما في تخطيط ورسم المصحف الشريف. وكان لحفَظة القرآن من ذوي الاحتياجات الخاصة نصيب من التكريم، من بينهم: الحافظ عبد الكريم ازروال. الحافظة مليكة لحلاح. بالإضافة إلى تكريم الطالب المتفوق أشرف حائر، الحاصل على أعلى درجة من معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية. يُذكر أن حفل ليلة القرآن تخللته قراءات فردية وجماعية للقرآن الكريم (بالقراءات العشر)، إضافة إلى عرض شريط وثائقي بعنوان "طباعة المصحف الشريف بالمغرب: مناهج التحرير ومباهج التحبير".