أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مؤخرا، في طباعة أنيقة معززة بمجموعة من الصور التوثيقية وعدد من الجداول الإحصائية والنصوص القانونية التنظيمية، كتابا جديدا يحمل عنوان "حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية"، يبرز بطريقة ضافية تفصيلية تتوسم الإحاطة، كيفيات معالجة هذا الركن الأساس في تدبير الحقل الديني. ويعرض الكتاب، في 323 صفحة من القطع الكبير، لأوجه الرعاية الموكولة على المستوى الوطني لكتاب الله عز وجلº تدريسا وتحفيظا وترتيلا وتجويدا وطبعا وتوزيعا ونشرا عبر وسائل التبليغ التكنولوجي من إذاعة وتلفزيون وحوامل مدمجة، وأيضا من خلال الجهود المبذولة من قبل مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف. كما يتوقف عند التدابير المؤطرة لهذه العناية من الناحية القانونية التأطيرية المنظمة للتعليم في مختلف مستوياته، وأيضا التشجيعية المتمثلة في مختلف أصناف التباري بأبعاده المحلية والوطنية والدولية وبالجوائز التحفيزية الممنوحة للفائزين. وبعد توطئة تاريخية بعنوان "معالم في تاريخ القرآن الكريم بالمغرب" يتناول فيها المؤلف أنواع القراءات المعتمدة في المغرب وخصوصية المدرسة المغربية في هذا الشأن وأساليب ومناهج العناية بالقرآن الكريم عبر مجموعة من المحطات التاريخية، يدلف إلى تتبع "مظاهر العناية بالقرآن الكريم في الوقت الحاضر"، متعقبا "الإطار القانوني لنظام التعليم العتيق"، ومتوقفا بكثير من التفصيل والتدقيق الإحصائي لبرامج ومناهج ووحدات التكوين وكذا الكفايات المطلوبة والمحصلة في "تحفيظ القرآن الكريم" سواء داخل مؤسسات التعليم العتيق أو في المجالس العلمية المحلية أو كجزء من برنامج محو الأمية بالمساجد وفي المؤسسات السجنية، وأيضا باعتباره شرطا أساسا لاستكمال مقومات الإمامة. ويتطرق المحور الخاص ب"تلاوة القرآن وتجويده"، الذي تتصدره دراسة في موضوع "القراءة الجماعية والحزب الراتب في المغرب .. بحث وتأصيل في المشروعية والتاريخ"، ل"القراءة الجماعية والحزب الراتب في المغرب"، وللمباريات المنظمة في هذا المجال، وأنواع وقيمة الجوائز المخصصة (مرفقة بالنصوص القانونية المنظمة لها وبجرد تاريخي للفائزين بها في مختلف دوراتها)º ك"جائزة محمد السادس لأهل القرآن"، و"جائزة محمد السادس الوطنية في حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده وتفسيره"، و"جائزة محمد السادس للطفل الحافظ"، و"جائزة محمد السادس الدولية في حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده وتفسيره"، وكذا المباريات المنظمة على صعيد الكتاتيب القرآنية. وللإحاطة بمجموع هذه الأنشطة التشجيعية لحفظ الكتاب العزيز، يعرض الإصدار أيضا لتظاهرة "ليلة القرآن" التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنويا خلال الشهر الفضيل لمكافأة المتبارين في كفايات الحفظ والترتيل والتجويد، ولبرامج كل من إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، فضلا عن إبراز المساهمة الإشعاعية للموقع الإلكتروني للوزارة في خدمة القرآن الكريم وعلومه وقراءاته. كما يفرد الإصدار محورا مفصلا لنشر المصحف، خاصة المصحف المحمدي المشتمل على 332 لوحة من ألواح الكتاتيب القرآنية، متوقفا عند جهود النشر والتوزيع المبذولة من قبل مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف التي أصبحت تطبع ما يقارب مليون نسخة سنويا من المصحف المحمدي الشريف، بعضها يوجه لتغطية الخصاص بمساجد المملكة، والآخر يرسل إلى مساجد الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومساجد البلدان التي تعتمد رواية ورش، لاسيما الأقطار الإفريقية. ويركز المحور الأخير على وجوه العناية بعلوم القرآن الكريم، المتمثلة في إحداث معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، وفي الاهتمام بهذه العلوم في البرامج الدراسية بمؤسسات التعليم العتيق، وفي الأنشطة والأبحاث الجامعية بكل من مؤسسة دار الحديث الحسنية وجامعة القرويين وشعب الدراسات الإسلامية بمختلف الجامعات المغربية، ناهيك عن إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية في هذا المجال . ويتسع المقصود ب"حمل القرآن الكريم" إلى "تلاوته وتدبره ومدارسته"، خلافا لما وطن في ذهن المغاربة من أنه فقط الحفظ الكامل لكتاب الله ، وهو ما اعتبره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق في مقدمة الكتاب من أبرز "المظاهر التي وفى فيها المغرب لتقاليده الدينية والثقافية مع ما تتطلبه الاستمرارية من تنزيل على مقتضيات السياق"، موضحا أن المقبلين على حفظه ومدارسته أصبحوا يعدون بمئات الآلاف، بل أصبح إقبال الشبان والكهول "ظاهرة ذات بعد اجتماعي"، وهو ما بدا أنه يؤكد المقولات المأثورة عن حظوظ التبريز والحذق لدى الشعوب الإسلامية والوارد فيها أن "القرآن الكريم نزل بلسان العرب ففسره الفرس، وكتبه الترك، وقرأه المصريون، وحفظه المغاربة". ويركز السيد احمد التوفيق أبرز معالم استمرارية العناية بكتاب الله في "لزوم قراءة الحزب الراتب بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح في جميع المساجد، والتمسك بالقراءة الجماعية الجهرية بما لها من تأثير روحي في النفوس، واشتراط الحفظ الكامل للقرآن الكريم في إمام المسجد، بله في العالم المتخصص في الدين، وتنصيص قانون التعليم العتيق على تخصيص ثلث الخطة الدراسية لحفظ القرآن الكريم خلال التسع سنوات الأولى من الحياة المدرسية العادية".