تتجدد في شهر رمضان الكريم، بواعث التطوع، وتترسخ ركائز العمل الخيري من أجل المجتمع بصفة عامة ، وليس فقط لفائدة فئات معينة منه، لأن فعل الخير يعم، والتطوع، في دلالته العميقة، هو إحدى الفضائل المثلى والمكرمات العظمى، التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، سبحانه وتعالى، في هذا الشهر الفضيل الذي هو موسم للطاعات والقُربات والبركات والخيرات، لصالح الإنسان في حد ذاته، ولفائدة أقرب أقربائه من الفروع والأصول، ومن أجل محيطه القريب والبعيد، وفي سبيل الإنسانية على وجه الإطلاق. وبهذا الاعتبار يكون التطوع، وفي جميع الأحوال، فضيلةً ومكرمةً، ومن أفعال الخير التي تقام بإخلاصٍ وبتفانٍ وبروحٍ من التجرد والتضحية بالجهد وبالوقت، وإذا اقتضى الحال، بالدعم العيني والدعم المالي ، لإنجاز مشروع عمومي، أو لقضاء حاجة مجتمعية ، أو لتقديم خدمات يستفيد منها الجميع، أو لرد مخاطر تهدد استقرار المجتمع، أو لنشر قيمة من القيم الرفيعة، أو لتعزيز مبدأ من المبادئ السامية التي تؤسس الدعائم القوية للمجتمع. وهذا التنوع في أغراض التطوع، يُدخله، بالمعيار الديني، ضمن أعمال الطاعات التي يقوم بها المؤمن لوجه الخالق، عز وجل، تقرباً إليه، تقدست أسماؤه، وطمعاً في مرضاة الحق، جل جلاله، وحسن الثواب.
وانطلاقاً من هذا المفهوم الديني السمح والعميق، فإن التطوع ليس حركةً بلا مردود، وعملاً بلا مقابل، كما يفهم ويروج ويُتداول، وإنما هو من أعمال القربى إلى رب العزة والجلال، ترتقي إلى مرتبة الطاعات التي يجازى عليها رب العالمين، سبحانه وتعالى.
وتتعمق هذه المعاني في وجدان المسلم خلال شهر رمضان ، فيربط الإيمان بالتطوع من أجل خدمة المجتمع والنهوض به، ويحرص على أن يستخلص من هذا المفهوم الديني بواعث الإقدام على التطوع، وحوافز الدأب عليه طيلة حياته، وعلى مدار أشهر السنة، وليس فقط في هذا الشهر الأبرك.
ومن هذا المنظور، نرى أن البواعث الدينية للتطوع، لا تنفصل عن الدوافع الوطنية، إعمالاً لمبدإ وطني كرسه حزب الاستقلال، ولا يزال يعتمده ويعمقه، ألا وهو تنافي الفصل بين الديني والوطني، في العقيدة الوطنية التي يصدر عنها حزب الاستقلال، منذ أن كان في البدء، كتلة العمل الوطني، فالحزب الوطني لتحقيق المطالب، ثم حزب الاستقلال صانع وثيقة الحادي عشر من يناير لسنة 1944 التاريخية.
فهذه بواعث دينية ودوافع وطنية ، منظومة في شبيكة ذهبية واحدة، تتجلى، في أبهى صورها، خلال هذا الشهر الفضيل، تكرس المشروع الوطني الذي يتبناه حزب الاستقلال، الذي جعل السنة الحالية، سنة التطوع من أجل الوطن وفي سبيل المواطنات والمواطنين كافة، وعلى امتداد التراب الوطني، انطلاقاً من المبدأ الثابت الذي يربط ازدهار الوطن بإشاعة ثقافة التطوع وتعميق مفهوم الفضائل المثلى والمكرمات العظمى التي تتجلى في أعمال التطوع متعدد الأغراض، لخدمة الوطن والرفع من شأنه، ودعم تنميته الشاملة والمستدامة.