بعدما تعرض أحد الأبراج التاريخية بالموقع الأثري البرتغالي "قصر البحر"، لانهيار أتى على واجهته الجنوبية الغربية المقابلة للمحيط الأطلسي، حسب ما تمت معاينته بعين المكان،بسبب التأثير القوي لأمواج البحر التي تصطدم مباشرة بالموقع الأثري وهشاشة الوضعية الجيولوجية للجرف البحري الذي يتواجد به، من العوامل التي تسببت في هذا الانهيار الذي سبقه قبل فترة وجيزة انهيار سور محاذي له. ويرى " لبداوي" نائب رئيس الجماعة الحضرية لأسفي، أن إنقاذ هذا المعلمة، أصبحت مهمة مستعجلة تتطلب تحويل ميناء الصيد البحري والميناء الصناعي إلى منطقة أخرى من شاطئ المدينة، لكي تعود الأمواج نحو وجهتها الطبيعية، مع بناء مصطبة ووضع حواجز إسمنتية في الجهة المقابلة ل"قصر البحر".
ويؤكد المتحدث ذاته، أن كلفة استثمار من هذا النوع، تتطلب أموالاً باهظة وقراراً سياسياً من طرف الدولة المغربية لتشعب الموضوع وكثرة المتدخلين، حسب نائب الرئيس، الذي يقترح إنشاء ميناء جديد محل الميناء الصناعي يكون له وقع على الاقتصاد الوطني والمحلي، ويساهم في تعويض الخسائر الناجمة عن هدم الميناء القديم وبناء الجديد.
واعتبر لبداوي، أن الموضوع شائك ويتجاوز المجلس الجماعي الذي من أكبر المستحيلات أن يقوم بهذا المشروع ولو لعشرة سنوات القادمة، وأن المشروع يهم وزارة الثقافة وكذا وزارة التجهيز ووزارة التجارة والصناعة وكذا السياحة والمالية والجهات الوصية وغيرها، مشيراً إلى أن المجلس وبشراكة مع كل الجهات المعنية، تعكف على إعداد دراسة من أجل بناء ميناء جديد، لأنه لا يمكن في نظره التفريط في موروث وطني لا يقدر بثمن، فقصر البحر بآسفي، معلمة عمرانية وتاريخية تتجه نحو الإندثار.
واعتبرت فعاليات مهتمة بالمجال التاريخي والأثري، بأن قصر البحر مهدد بالانهيار الكامل لهاته المعلمة التاريخية بالمغرب، والتي صنفت في عهد الحماية الفرنسية في فبراير عام 1924، كأول معلم أثري في عداد التراث المغربي باعتباره تحفة فريدة تتميز بالطراز الفني المعماري الإيمانويلي.
ويحمل هذا الموقع اسم القلعة البرتغالية، نسبة إلى البرتغاليين الذين بنوه كحصن عسكري سنة 1508 على المحيط الأطلسي، بمدينة آسفي حين احتلوها في القرن السادس عشر، وعلى مدى خمسة قرون ظل يواجه عاديات الزمن وأمواج المحيط العاتية التي نخرت الجرف الصخري الذي أقيم عليه.
وكان "قصر البحر" أول موقع احتله البرتغال لدى دخولهم إلى مدينة آسفي، واستخدموه، بالنظر لموقعه الاستراتيجي المتصل مباشرة بالبحر، كمكان لإقامة الجنود وتخزين الأسلحة والبضائع، فيما اضطلعت أبراجه أساسا بوظيفة المراقبة العسكرية.
في هذا السياق فقد عبرت دراسات ميدانية، بان نسبة تآكل الصخور، تعدت المساحة التي يحتلها القصر والبالغة 3900 متر، ليمتد زحف الأمواج نحو أساسات شارع الرباط، المحاذي للموقع، إضافة إلى جزء من حي المدينة العتيق، والمقاهي والمرافق المحتلة لواجهته والمطلة على البحر ومنها فرع لبنك المغرب.
وتشير الدراسات ذاتها، إلى أنه حين يكون المحيط في حالة مد، يتطاير الماء من بئر توجد في ساحة القلعة بنحو 20 متراً في الفضاء، وتهتز الحواجز الحديدية التي توضع عادة في لحظات المد على بعد 6 أمتار من البئر.
هذا، فان العديد من المهتمين والمتتبعين، يؤكدون اليوم أن ما يتعرض له قصر البحر، هو نتيجة كانت مرتقبة، لغياب التعاطي الإيجابي مع كل الدراسات التي أنجزت حول هذه المعلمة، والتي كانت مجرد صيحة في واد سحيق، في وقت تستنكر جمعيات مهتمة بالتراث الصمت المريب للسلطات المختصة، وعدم تدخلها لحماية ما تبقى من قصر البحر، الذي يتحول اليوم من صرح شامخ عمّر لقرون إلى مجرد ركام من الأحجار تفتته أمواج البحر.
وأبرزت الدراسات أن تآكل الصخور يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، سيؤدي وعلى مدار السنين إلى سقوط البرج الجنوبي للقلعة، وأن هاته الأبراج كانت توفر للعسكريين القدرة على صد الهجمات والحماية والمناورة، مبرزة أن هندسة القصر برتغالية مئة في المئة، وأن المهندسين الذين بنوه تركوا بصماتهم على مآثر تاريخية بعدة مدن مغربية وأوروبية، تصنف الآن تراثاً عالمياً ما زالت صامدة وفي حالة جيدة.