يهدد الانهيار الكامل معلماً تاريخياً بالمغرب، يسمى "قصر البحر"، صنف في عهد الحماية الفرنسية في فبراير/شباط عام 1924، كأول معلم أثري في عداد التراث المغربي باعتباره تحفة فريدة تتميز بالطراز الفني المعماري الإيمانويلي. ويحمل هذا الموقع اسم القلعة البرتغالية، نسبة إلى البرتغالين الذين بنوه كحصن عسكري سنة 1508 على المحيط الأطلسي، بمدينة آسفي حين احتلوها في القرن السادس عشر، وعلى مدى خمسة قرون ظل يواجه عاديات الزمن وأمواج المحيط العاتية التي نخرت الجرف الصخري الذي أقيم عليه. في هذا السياق يقول أبو القاسم الشبري، رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول التراث المغربي البرتغالي، إن نسبة تآكل الصخور، تعدت المساحة التي يحتلها القصر والبالغة 3900 متر، ليمتد زحف الأمواج نحو أساسات شارع الرباط، المحاذي للموقع، إضافة إلى جزء من حي المدينة العتيق، والمقاهي والمرافق المحتلة لواجهته والمطلة على البحر ومنها فرع لبنك المغرب. ويشير أبو القاسم، إلى أنه حين يكون المحيط في حالة مد، يتطاير الماء من بئر توجد في ساحة القلعة بنحو 20 متراً في الفضاء، وتهتز الحواجز الحديدية التي توضع عادة في لحظات المد على بعد 6 أمتار من البئر. وأبرز أن تآكل الصخور يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، سيؤدي وعلى مدار السنين إلى سقوط البرج الجنوبي للقلعة، ويتابع الشبري، قائلاً إن الأبراج توفر للعسكريين القدرة على صد الهجمات والحماية والمناورة، مبرزاً أن هندسة القصر برتغالية مئة في المئة، وإن المهندسين الذين بنوه تركوا بصماتهم على مآثر تاريخية بعدة مدن مغربية وأوروبية، تصنف الآن تراثاً عالمياً ما زالت صامدة وفي حالة جيدة. وأوضح أنه جرت محاولة لترميم أسوار القصر بعد أن طالتها مجموعة من التشققات الناجمة عن سقوط النصف الدائري من البرج الجنوبي، ثم عادت نفس التصدعات إلى الأسوار، مما يعني في نظره مشارفة القلعة على الانهيار، لكون الصخرة التي شيد عليها القصر ما عادت تقوى على الصمود في مواجهة الأمواج. ويعتبر أن مرد هذا الوضع يعود إلى إنشاء رصيف ميناء آسفي عام 1930، وما ترتب على ذلك، من وضع للحواجز الإسمنتية لتغيير وجهة الأمواج، وهو ما ضمن حسبه للبواخر الرسو في هدوء، في مقابل الاهتزاز للقصر بعد فترة من الزمن، لأن الأمواج أصبحت تتكسر على بنيان صخر الجرف المشيد فوقها القصر، فتآكل مع الوقت. ويضيف أبو القاسم أن قطار البضائع المحمل بالفوسفات الذي يمر بالقرب من "قصر البحر" في اتجاه الميناء الصناعي، أصبح بدوره يحدث ارتجاجا في هذا المعلم وفي الحي العتيق المجاور له. ويرى رئيس جمعية خريجي المعهد العالي لعلوم الآثار، أن إنقاذ هذا المعلم، أصبح مهمة مستعجلة تتطلب تحويل ميناء الصيد البحري والميناء الصناعي إلى منطقة أخرى من شاطئ المدينة، لكي تعود الأمواج نحو وجهتها الطبيعية، مع بناء مصطبة ووضع حواجز إسمنتية في الجهة المقابلة ل"قصر البحر". ويؤكد أن كلفة استثمار من هذا النوع، تتطلب أموالاً باهظة وقراراً سياسياً من طرف الدولة المغربية لتشعب الموضوع وكثرة المتدخلين، حسب الباحث، الذي يقترح إنشاء ميناء ترفيهي محل الميناء الصناعي يكون له وقع على الاقتصاد الوطني والمحلي، ويساهم في تعويض الخسائر الناجمة عن هدم الميناء القديم وبناء الجديد. واعتبر محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة، أن الموضوع شائك ويتجاوز وزارة الثفافة لكونه يهم وزارة التجهيز ووزارة التجارة والصناعة وكذا السياحة والمالية والجهات المحلية وغيرها، مشيراً إلى أن الوزارة وبشراكة مع كل الجهات المعنية، تعكف على إعداد دراسة من أجل بناء ميناء جديد، لأنه لا يمكن في نظره التفريط في موروث وطني لا يقدر بثمن.