أهم تحفة معمارية برتغالية في المغرب.. مهددة بالانهيار «قصر البحر» صمد في وجه الغزاة وأمواج البحر لأكثر من 5 قرون الرباط: سعيد الجدياني على ساحل مدينة آسفي، الواقعة غلى الجنوب من الدارالبيضاء كبرى مدن المغرب، تقف «تحفة معمارية» نادرة تجابه أمواج المحيط الأطلسي وتتحدى تقدم الزمن. إنه «قصر البحر» الذي شيده البرتغاليون وفق طراز الفن المعماري الإيمانويلي خلال فترة احتلالهم المدينة في القرن السادس عشر، وتبلغ مساحته 3900 متر مربع. غير أن العلماء المغاربة يدقون الآن ناقوس الخطر محذرين من أن هذا المعلم المعماري الذي يعد من إحدى التحف الأثرية في المغرب بات مهددا بالانهيار. ويشير العلماء إلى أن «قصر البحر» الذي صمد طيلة 5 قرون في وجه الرياح والعواصف وغضب البحر، يواجه اليوم خطر التداعي والانهيار تحت وطأة ضربات أمواج البحر العاتية، التي أدت لتاريخه، بالفعل، إلى انهيار جزء من برجه الجنوبي الغربي. وللعلم، كانت السلطات المحلية قد اضطرت منذ عام 2010 إلى إغلاق القصر في وجه الزوار، فبات مبنى مهجورا، وتحولت أبراجه إلى أطلال... تتساقط أجزاء منه يوما بعد يوم في مياه المحيط. يتميز هذا القصر الأثري، من الناحية المعمارية ببواباته العملاقة مع ساحة داخلية كبيرة وأسوار حجرية شاهقة. كما يحتوي على فتحات للبنادق ومدافع نحاسية أعدت في الماضي للدفاع عن مدينة آسفي ضد هجمات الجيوش والقراصنة. وتشهد أبراجه العالية على مدى التقدم الذي بلغته الهندسة العسكرية البرتغالية آنذاك. من ناحية أخرى، تعددت أسماء هذا القصر - الحصن في سجلات المؤرخين والباحثين. إذ أن تسميته الحالية «قصر البحر»، سبقتها تسمية «الفيتورة» التي كانت النواة الأولى التي بني عليها الحصن البرتغالي عام 1516. وحمل بعد ذلك، اسم «الحصن الجديد» ثم «القلعة البرتغالية». وفي عهد السعديين حمل اسم «دار البحر». ومن ثم ظل يعرف بهذا الاسم حتى عام 1919. عندما نشرت مقالة في مجلة «فرنسا المغرب» للصحافي والكاتب جيل بورلي أطلق عليه فيها اسم «قصر البحر».... وهي التسمية التي استمرت حتى اليوم. تاريخيا، في فبراير (شباط) عام 1924. جرى تصنيف «قصر البحر» كأول معلم أثري في عداد التراث المغربي، ونظرا لأهمية هذه التحفة الفنية أصدرت السلطات الفرنسية إبان استعمار المغرب طابعا بريديا يحمل صورته. أما على صعيد الأخطار التي واجهها وألمت به، فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا القصر - الحصن للتصدع والتداعي، إذ سقط عام 1937 منه القوس الغربي، ومعه جزء من القاعات، في المحيط إثر عاصفة هوجاء ضربت آسفي. وباشرت إدارة الفنون الجميلة الحكومية عملية ترميم منذ عام 1954 واستمرت العملية حتى عام 1963. وأخيرا، عزا تقرير حكومي مغربي صدر قبل فترة قصيرة أسباب تصدع «قصر البحر» ومشارفته على الانهيار إلى أن الصخرة التي شيد عليها القصر ما عادت تقوى على الصمود في مواجهة الأمواج، ومرد ذلك إلى إنشاء رصيف ميناء آسفي عام 1930. الذي أدى إلى تغيير وجهة الأمواج، فغدت تتكسر على جرف أموني الذي يمثل بنيان الصخرة المشيد فوقها القصر. على الصعيد الأركيولوجي (الأثري)، قال الباحث سعيد شمسي، الذي يعمل مفتشا للمباني التاريخية ومحافظا للمتحف الوطني للخزف في آسفي، ل«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «هذه القلعة البرتغالية توافرت فيها جميع التقنيات في مجال الهندسة المعمارية العسكرية، من سريات مدفعية وأسوار حجرية سميكة مقاومة للمدافع، كما تتخللها أبراج متنوعة الأشكال والوظائف». وتابع أن دراسة علمية كان قد أجراها أفضت إلى خلاصة «أن البنية الجيولوجية الهشة والعوامل البحرية المؤثرة جراء بناء رصيف الميناء هما العاملان الرئيسيان وراء تدهور حال الجرف». وتابع شمسي «لإنقاذ هذا المعلم، أقترح مجموعة حلول، منها ملء المغاور والكهوف بأكياس إسمنتية، وبناء حائط إسمنتي مائل يستند إلى الجرف الذي بني عليه «قصر البحر» لكي يصد ضربات الأمواج المتلاطمة، إلى جانب بناء حاجز إسمنتي على شكل أرصفة الموانئ ينطلق من البرج الجنوبي حتى جرف الميناء الحالي... ليكون بمثابة حاجز للأمواج من جهة ويسمح بإيجاد ميناء ترفيهي من جهة أخرى». إلى ذلك، ذكر أن خبيرا دوليا، اسمه بيدرو فيريا، اقترح بدوره، في دراسة سبق أن أنجزها عن القصر، ضرورة خلق شاطئ اصطياف مع توظيف سنابل رملية، وملء ثقوب المغاور بالأحجار واستثمارها بحريا مع ربطها بخرسانة متينة، ومن ثم بناء حاجز وضخ نحو ملياري متر مكعب من الرمال، وذلك تبعا لدراسات مشابهة سبق أن أنجزت في جنوبإسبانيا والبرتغال. في المقابل، لفت محمد الخراز، مندوب وزارة الثقافة في آسفي، إلى أن حجم المشكلة لا ينحصر بمسألة الترميم، مفسرا «لو كان الأمر يتعلق بترميم بناية لهان الأمر، ولكن القضية تتعلق بصيانة معلم ضخم تتطلب صيانته ميزانية كبيرة تفوق بكثير ميزانية وزارة»، مطالبا بتدخل عدة جهات حكومية لإنقاذ «قصر البحر». غير أن محسن الشقوري وهو أحد نشطاء منظمات المجتمع المدني في آسفي، بدا مقتنعا بأن انهيار «قصر البحر» أمر حتمي من قبيل تحصيل حاصل «نتيجة للإهمال واللامبالاة» على حد تعبيره، مشيرا إلى أن الجمعيات المهتمة بالتراث الثقافي كانت قد حذرت من احتمال انهياره، بيد أن تلك التحذيرات لم تجد تجاوبا يذكر بل راحت كلها أدراج الرياح. وأردف الشقوري بأسى واضح «... ما يحز في النفس ما هو عليه هذا المعلم الآن من إهمال. فمن جهة مياه المحيط تنخر أساساته وتجعله على شفا هاوية يصارع ليحفظ لنا شيئا من التاريخ، ومن ناحية ثانية هناك انعدام الصيانة والترميم... والنتيجة هي تركه وحيدا يقاوم الأمواج بعدما صارع الزمن، وهذا يعني اندثاره وزواله