رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    اتفاق مغربي موريتاني يفتح آفاق التعاون في قطاع الطاقة    رغم تراجع سعر النفط عالميا.. أسعار المحروقات تواصل التحليق بالمغرب    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    "جثامين آلاف القتلى" لا تزال مفقودة تحت ركام المنازل في غزة، وذخائر غير منفجرة تمثل خطورة شديدة    ترامب يسعى لفرض "ضغوط قصوى" على إيران، فكيف ستبدو مع وجود الصين والمشهد الجيوسياسي المتغير؟        بسبب "التحرش".. حموشي يوقف شرطيا بالدار البيضاء عن العمل    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    نهضة بركان يسقط في فخ التعادل القاتل أمام أولمبيك آسفي    بالأسماء.. تعيينات جديدة في مناصب عليا    الأزمي: تصريحات وهبي حول مدونة الأسرة تفتقر للوقار    شرطة فاس تعتقل ثلاثيني بسبب التزوير وانتحال صفة محامي    توقعات مديرية الأرصاد لطقس يوم الجمعة بالمغرب    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    افتتاح السنة القضائية بمحكمة الاستئناف ببني ملال    خط بحري كهربائي بالكامل بين طريفة وطنجة    نكسة جديدة للجزائر ودميتها البوليساريو .. مجلس الشيوخ الشيلي ينتصر لمغربية الصحراء    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يطلع على الزخم التنموي بجهة العيون    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    مفكرون يدرسون متن الجراري .. طلائعيٌّ وسّع مفهوم الأدب المغربي    السكوري: تقوية التمثيليات الاجتماعية غاية.. ومناقشة "الترحال النقابي" قريبة    الاتحاد الأوربي يدين اعتقال الجزائر للكاتب بوعلام صنصال ويطالب بإطلاقه    شخص يقتل زوجته بسبب رفضها للتعدد    السيمو يحاول تدارك ضجة وصفه في البرلمان الكوفية الفلسطينية ب"شرويطة"    شركة "باليراريا" تطلق أول خط بحري كهربائي بين إسبانيا والمغرب    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    "الكوديم" يفرض التعادل على الجيش    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    الديون العامة المغربية: هل هي مستدامة؟    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    حركة "حماس" تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأساتذة بين مطرقة القسم ومشروع بناء الذات
نشر في هوية بريس يوم 23 - 06 - 2022

تبدأ القصة الجميلة من طالب أو طالبة في رحاب الجامعة، فتجد لهم اجتهادا كبيرا في تحصيل العلم، وتتبع مصادره، مطلعة وحفظا ومراجعة، جلسات علمية مع الأصدقاء، جلوس وخشوع في رحاب التلقي أمام الأساتذة، تأخذ المعلومةُ بمجامع قلبه وتملك عليه روحه وفكره وعقله.
وكلما تقدم بك السن في رحاب الجامعة، أو أي مركز علمي كنت فيه، إلا وازداد لديك البناء الفكري والعلمي والمنهجي رسوخا واتسعا، تدخل القاعات والمدرجات فترى نور التحصيل يملأ جنباتها، بل حتى ليخيل إليك في بعض أوقات النقاش والجدل والنقد والحوار: أنك أمام مفكرين كبار، أو فلاسفة في بدايات الطريق، أو علماء يمارسون فن النقد والتصحيح للاستنتاجات العلمية.
حتى إنك إذا دخلت قاعات الدرس وغطيت عيناك وكنت مجرد مستمع لتك الحوارات والنقاشات، كدت تسمع: الإمام الباقلاني والشاطبي … في تأصيله واستدلاله في شعبة الدراسات الإسلامية، أو تسمع ابن خلدون وويليام ديورَانت وهما يناقشان أسس البناء الحضاري في مادة التاريخ، أو الشريف الإدريسي وابن ماجد الملاح و هما يخوضان الأرض شرقا وغربا من أجل الاكتشاف، أو تسمع طاليس وفولتير، وهو يؤسسان لمنهج بناء السؤال الفلسفي، أو أنك تسمع بديع الزمان الهمداني ومصطفى صادق الرافعي وهما يعلمان كيفية ترصيع الكلمات وتحسينها، أو كدت تدخل على كوبرنيكوس ونيوتن وهما في مختبرهما التجريبي، أو أنك أمام جابر ابن حيان والخوارزمي، وهما يفكران في تطوير مناهج الحساب … والقائمة طويلة وعذرا إن لم تجد نفسك هنا.
هكذا إذن كانت الأحوال في غالبها مع المتميزين من الطلبة والطالبات، وكأني بك تتصور لو لم ننقطع عن رحاب الجامعة إلى اليوم وبقينا محافظين على ذلك النفس وذلك التحصيل… ولكن هكذا توقف المسير.
نعم توقفت المسيرة العلمية عندما اتخذنا قرارا بالالتحاق بالوظيفية والعمل من أجل الرزق والمعاش، فمن غير الممكن أن نبقى عالة على الوالدين، بل نحن من يجب أن يعول ويراعي أحوال العائلة…
المهم أنك -أستاذي العزيز أستاذتي الكريمة- فجأة وجدت نفسك أستاذا أو أستاذة، وقد مررت بفترة تكوين في غالب أحوالها جد واجتهاد ومجاهدة حتى إنها لو استمرت سنوات معدودة لأعطتنا كبار فلاسفة التربية ومنظري المناهج… ولكن ومرة أخرى وبسرعة كالبرق وجدت نفسك تتسلم مفاتيح القسم، وكنت واحدا من ثلاث أصناف من الأساتذة:
أساتذة التعليم الابتدائي: وهو أصعبها وأشد إرهاقا على الأستاذ أو الأستاذة، إذ تحتاج فيها ان تشارك عقولا صغيرة جدا تحب اللعب، وهي سريعة الغضب، وسريعة الفرح، فتلعب معهم وتعلمهم صغار الكلمات وصغار المسائل، تفرح بفرحهم وتغضب لغضبهم… قل لي من فضلك كيف حال رجل أو امرأة قضى عمره في هذا بدون مشروع لبناء الذات؟؟ إذا بقي الإنسان بعقله بعد إتمام هذا المشوار فهو والحمد لله على خير كثير.
أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي: وهذه حلقة وإن ظن البعض أنها تجاوز لمخالطة الصبيان، وضبط للعمل وتطور في المعلومات والمعارف والمهارات غير أن خطورتها ربما تفوق مرحلة التعليم الابتدائي، فالسنة الأولى منها حلقة وسيطة بين الطفولة وبداية المراهقة، والثانية والثالثة: توهج للمراهقة فيحتاج الأستاذ ان يضبط السلوك قبل أن يدرس، فتجد من الأساتذة مجاهدة كبيرة في الحفاظ على عقول وأبدان هؤلاء الفتيات والفتيان من طيش المراهقة.
فإذا عاش الأستاذ صبيا في المرحلة الابتدائية كان هنا طفلا مراهقا، هذا طبعا إذا لم يكن له مشروع في بناء الذات وتطويرها.
أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي: هنا نحسب أنفسنا أمام الكبار والواقع اننا لا زلنا لم نخرج بعد من مرحلة المراهقة وخاصة في السنة الأولى من هذه المرحلة (الجذع المشترك) ثم ما بقي منه فأنت محتاج فيه إلى التدريس: لأجل النجاح وإتمام المقرر، مسارعة ومصارعة في انجازه … مع كثرة الدروس وضيق الزمن المخصص لكل درس منها…
وهكذا تستمر الدومة بدون انقطاع يضيع فيها العمر ويطمس في العقل فيصبح الأستاذ – الذي هو بدون مشروع – تلميذ مجتهد يحفظ المقرر الدراسي جيدا ويحسن شرحه للغير، يعيش مشاكل الحياة، يتحول إلى كائن مستهلك، تدور به عجلة الحياة وهو لا يدري حتى يحين الفراق وتُسلب المفاتيح هذا إن أطال الله في العمر حتى أنهينا هذا المشوار.
ولعلي أطلت عليك الكلام في هذا التوصيف- وأنت خبير به – ونفسك تشتاق أن تعرف إن كان هناك مشروع لتغير هذا الحال، فأقول إذا وصلت إلى مرحلة الشوق من أجل وضع مشروع لبناء الذات، فلا تحتاج أن تكمل هذا المقال لأنك أنت بنفسك ستبدأ التفكير في مشروعك الخاص، وأنت أعرف بحالك وأحوالك والمشاريع التي تليق بك.
ولكن ومن باب تبادل الرأي أقترح بين يديكم أساتذتي الكرام مجموعة من المشاريع يمكن أن تغير مسارك من إنسان لا يعرف إلا القسم والتلميذ والدرس إلى إنسان يعيش اللحظة ويدرك أهمية الوقت ويشارك في الواقع… وهي برامج متنوعة لكل إنسان كما تقدم، والطريق أنت تعرفه بنفسك، المهم أن لا تبقى حبيس القسم والكتب والدفاتر.
أولا: البرنامج القرآني: وهذا اسمى البرامج وأعلاها، وينبغي أن يكون عند كل مسلم، ولا تظن أن حفظ القرآن الكريم يقف بك على جانب التعبد فقط بل فتح لمجال الحياة بعيون كبرى، تعرض حقائق الماضي، وتكشف عن الواقع، وتستشرف للمسقبل.
ثانيا: البرنامج الإيماني: التسجيل في برامج تهتم بتعريف: الإسلام، ودلائله، وكيفة نشره والدفاع عنه، ومن المواد النافعة في هذا وكلها موجود على اليوتوب وغيره:
سلسلة بالقرآن اهتديت
سلسلة رحلة اليقين
سلسلة ارجع لأصلك
ومن أهم الكتب النافعة في هذا (شموع النهار عبد الله العجيري) وجميع كتب الدكتور سامي عامري.
وهذا البرنامج حقيقة له تأثير كبير جدا على الإنسان وخاصة في زمن الفراغ الروحي والإيماني.
ثالثا: البرنامج الفكري: وهذا البرنامج يختلف من شخص للآخر، حسب ما درسه الإنسان ويميل إليه، وليكن هدفك هنا أن تتحول إلى كاتب في هذا الباب. أو صانع محتوى فيه.
ومن أهم ما يدرس هنا نظريات المعرفة، الفكر الإسلامي، علم النفس، وعلم الاجتماع ، الفلسفة، العلوم السياسية والاقتصادية. علوم التربية…
رابعا: البرنامج التخصصي: لكل واحد منا تخصص معين وفيه يشتغل، فالواجب عليه أن يطور نفسه في ذلك التخصص، وأنفع طريق فيه مواصلة الدراسة الجامعية من ماستر ودكتوراه، أو الإنضمام إلى المراكز البحثية، أو الدراسة الذاتية، وكن على يقين أن العلم سيكشف لك عن الطريق.
خامسا: برنامج صناعة المحتوى النافع: وهذا يلزم ان تكون لك قنوات على على مواقع التواصل، وخاصة اليوتوب، تقدم من خلالها ما هو نافع ومفيد للبشرية.
سادسا: البرنامج اللغوي: وهذا البرنامج ينبغي أن يستهدف اللغات الحية بحيث يكون مشروعك فيه إتقان اللغة، وسوف يفيدك هذا في تدريسها، وفتح عينيك على ثقافة مجتمعات جديدة، وربما تكون واحدا من المترجمين منها إلى لغتة بلدك.
سابعا: البرنامج الصناعي والحرفي والتجاري: جمعت هذه الثلاث مع أنه يمكن تفريقها وذلك للتقارب فيما بينها، وفيها كما في غيرها زيادة في الدخل بل بعضها يكون طريقا إلى الغنى والثراء.
ثامنا: البرنامج الأسري: وهذا البرنامج جد مهم، والأساتذة أكثر استفادة فيه من غيرهم، فإن الأسر اليوم قد فقدت بوصلة إدارة الأسرة، وصار الجامع لأفراد الأسرة جدران تحميهم من البرد والحر… أما الدفء الأسري فقد أصبح في كثير من الأسر في خبر كان، ولهذا وجب إتقان هذا الباب من أجل النجاح في البناء الأسري الذاتي أولا، ثم نقل ذلك إلى أفراد المجتمع.
تاسعا: برامج التنمية الذاتية: حقيقة هذا الموضوع فيه أخذ ورد في كثير من جوانبه، لكن فيه فوائد لا تحصي من الضبط الذاتي، وزرع مبدأ الثقة في النفس، وتطوير مهارات الخطاب والتعلم، والتسويق الفكري والتجاري، وتعلم مهارات الحياة… وكل من دخل فيه وأحسن استثماره وجد أثره النافع جدا. وليس من جرب كمن سمع.
كانت هذه أساتذي الكرام صيحة أخوية، وإيقاظ من سويداء قلب مُحب لمهنة التدريس، إلى أصدقائه الأساتذة، بناة العلم ومؤسسو الحضارات، فكل خير في الدنيا من جهة الإنسان إنما مصدره العلم، والعلم إنما مصدره المدرس، فكن حذرا أن تنسحب من الميدان، بل واصل المسير وكن على ثقة أنك سوف تصل بإذن الله {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.