توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع رؤية جديدة لوحدة التربية الإسلامية
نشر في التجديد يوم 29 - 08 - 2003

لماذا هذه الرؤية الجديدة ؟
كثر الحديث وكثر إلى حد اللغط منذ زمن طويل، إلا أنه في الآونة الأخيرة تميز بحدة ملحوظة، الكلام عن عدم ملائمة البرامج والمناهج والمقررات في بلادنا لمكونات الطفل المغربي الحسية والحركية والعقلية والفكرية والنفسية والوجدانية والعاطفية والسلوكية والخلقية...الخ.، بل ولكل التطورات الحاصلة (الكائنة والممكنة) في علاقاته المتشعبة والمتداخلة والمختلفة مع نفسه وذاته ومقوماتهما، ومع أسرته وعائلته وأسسهما، ومع مجتمعه الذي يحيا ضمنه،بكل ما فيه من مقومات ومكونات وخصائص ومتغيرات ودعائم وشرائح.. ومع عالمه المحيط به الضارب بجذوره في القدم بأصالته وماضيه النابض بالحياة وتقاليده العريقة وموروثاته، وبمستجدات عصره وجديد علومه، وآفاق نظراته، ومتطلبات آماله..
ولقد تعاقبت مجموعة من الإصلاحات والتوجيهات والندوات والمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات والتوصيات منذ حصول المغرب على الاستقلال.. (أنظر جريدة التجديد عدد 28 شتنبر 2000 الصفحة6) ولقد قام على هذا الشأن ثلة من العلماء والمثقفين والأدباء والمصلحين والغيورين وأصدروا بيانات وتوصيات في إطار جمعيات ولجن مفوضة وغير مفوضة.. إلى أن توجت أخيرا وليس آخرا باللجنة الوطنية لإصلاح التعليم والتكوين (مارس1999) والتي نظرت وأعادت النظر وتقصت وبنت على تقصيها ما أسمته " مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين " الذي صمم على قسمين رئيسين متكاملين :
تضمن القسم الأول المبادئ الأساسية التي تضم المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين والغايات الكبرى المتوخاة منه، وحقوق وواجبات كل الشركاء والتعبئة الوطنية لإنجاح الإصلاح..
أما القسم الثاني فيحتوي على ستة مجالات للتجديد موزعة على تسعة عشرة دعامة للتغيير.... (الميثاق.. ص:3)
ولقد شجعت من بين ما شجعت عليه هذه اللجنة التجديد والإبداع المستمرين في إطار إصلاح بنية التعليم ببلادنا.. وإذ نسعى إلى المساهمة في الوصول إلى التجديد والتغيير المستمرين والإصلاح الشامل الذي يطال المواد جميعها والمستويات كلها في إطار من الوحدة والتكامل انطلاقا من وحدة البرامج والمناهج والمقررات التعليمية وتكاملها، فإننا نقف اليوم بين يدي وحدة عانت وتعاني أكثر من غيرها من الوحدات الدراسية، كي نعطيها نفسا جديدا ومجددا ومتجددا يخول لها مسايرة مستجدات التوجهات العامة لتعليم وتأطير وتكوين فلذات أكبادنا، وأبناء بلدنا، طفلنا المغربي المسلم، طفل المستقبل الزاهر والغد المشرق، ويراودنا الأمل في أن تكون هذه المساهمة محورا تنطلق منه، وعلى غراره باقي الوحدات المقررة ثم يتشعب بعد ذلك بعضها من بعض في إطار برنامج متماسك ومتكامل..
أين تتجلى هذه الرؤية الجديدة ؟
تتجلى هذه النظرة أو هذه الرؤية الجديدة المقترحة والتي نطمح أن تكون بديلا للرؤية المسطرة حاليا، والنظرة العتيقة التي أعطت أفكارا عكسية في أنفس وأذهان ووجدان وسلوك وتصرفات وعلاقات المتعلمين والتلاميذ والطلبة، وقد تجلت عندهم هذه الأفكار المعكوسة من خلال بعض تصرفاتهم وسلوكياتهم، فلا هم تأثروا بالدرس الإسلامي، ولا هم سلكوا صراطه المستقيم، بل على العكس من ذلك أصبحوا يتقززون من كل ما يسمى تربية إسلامية، وكل ما ينضوي تحت هذه التسمية من مواد ومواضيع، ويفرون منها أو يتحاشونها ويبتعدون عن تناولها وإذا تناولوها فإما استهزاء بها ونسج النكت حول مواضيعها.. وإلا فهم مكرهون على التعامل معها بحثا عن النقط أو النتائج الحسنة المطالبين بها في آخر كل سنة دراسية.. وهكذا– وللأسف الشديد- ثبت وترسخ في أذهانهم عقم مواد هذه الوحدة – مع أن نصوصها ولود-، ومحدودية أفقها – مع أنها شمولية وبعيدة المدى-، وعدم مسايرتها – على الأقل – لما يلحظونه في وحدات ومواد أخرى مواكبة لها في الدرس والتحصيل.. وهذا ليس خطأ في فهم المتعلمين، وليس جهلا منهم بقدسية هذه الوحدة، كما أنه ليس عيبا في الوحدة في حد ذاتها، وإنما هو قصد من
واضعيها ومقرريها الذين مارسوا عليها وفي حقها ظلما عظيما وإجحافا شديدا على جميع المستويات: من اختيار النصوص، وبناء الدروس، والهيكلة والمقرر والبرنامج، والمنهج والطريقة والأداء إلى سلوك بعض القائمين على تدريسها..
وبهذا النوع من الممارسة الغاشمة الظالمة، لم يتحقق حتى الحد الأقل من الأدنى من الأهداف المتوخاة أصلا من وحدة التربية الإسلامية، بل وحتى من تلك الأهداف المسطرة والمدبجة في إحدى كتب مديرية التعليم الابتدائي قسم البرامج : "أهداف وتوجيهات" وهو كتاب تتبناه وزارة.التربية الوطنية..
- 1 -
تتجلى إذن هذه الرؤية الجديدة في رفضها أولا وقبل كل شيء لكل الممارسات التعسفية والتشويهية التي طالت بشكل أو بآخر بقصد أو من غير قصد مجموع مكونات وحدة التربية الإسلامية، والتي أدت إلى ما نلحظه على أرض الواقع النفسي والمجتمعي والعلائقي.. كما تتجلى في التعامل الجديد مع عناصرها كلها، والتي سنوضحها من خلال:
1 مكونات الوحدة:
إن مكونات وحدة التربية الإسلامية كثيرة ومتعددة إلا أنها قد تجمع في مكونات أساس تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، تعتمد للدرس والبحث في تعليمنا بصفة عامة والأساسي منه على الخصوص، ثم إن كل مكون من تلك المكونات المقترحة يحمل مجموعة من المواد التي تزخر بمجموعة من الدروس الحبلى بالمواضيع الغنية جدا من حيث عدد النصوص الشرعية فيها، والمفاهيم والأفكار والنظريات التي تستخلص وتستوحى منها، وكذا المبادئ السلوكية/الحركية والعملية/التطبيقية التي تستفاد عنها، وكل ذلك من أجل إصلاح النفس والمجتمع وتخليقهما وتفعيلهما والرقي بهما نحو الأفضل..
ومن هذه المكونات المقترحة في وحدة التربية الإسلامية نجد:
مادة القرآن الكريم:
وهي عبارة عن دروس تحمل مجموعة من الآيات القرآنية التي تعتمد على وحدة الموضوع على الرغم من أنه سيتم اختيارها من سور متعددة، وذلك بدل منهج الحزب المبرمج حاليا في المقررات المدرسية، والذي يحمل في أغلب سوره آيات لا توافق المستوى العقلي والوجداني للطفل، ولا حتى الروحي، ولا تعطيه في المرحلة العمرية التي هو فيها ما يحتاجه كطفل، لأنها تعتبر أكبر منه مستوى وأعقد على تفكيره وإن حاول المدرس أن يدللها..
مادة العقيدة:
وهي دروس تأخذ بالتدريج مفهوم الإيمان انطلاقا من حديث جبريل عليه السلام، فيبدأ بالنص في جزئيته ثم يتناول المعنى أو الفهم الإجمالي، لينتقل بعد ذلك إلى التخصيص وإفراد كل مكون من مكونات الإيمان على حده وطرحه بشكل يتناسب ومستوى الاستيعاب لدى المتعلم في مراحل تعلمه..
مادة العبادات:
وهي دروس تأخذ أيضا بالتدريج مفهوم الإسلام انطلاقا من حديث جبريل نفسه، وتنطلق من التعليم التطبيقي/العملي/الوظيفي إلى التعليم عن طريق تدريس نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف المتعلقة بكل عبادة، ثم الانتقال من تدريس النصوص إلى فهمها وطرح مختلف الآراء حولها، وكيف يتم الاستدلال بها والتعامل معها للوصول إلى تحسيس المتعلم بطرق التفكير والاستنباط...
مادة الآداب والأخلاق:
تنطلق هذه الدروس من مفهوم الإحسان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام ومعتمدة على ما رواه الإمام مالك t عن رسول الله r حين قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"...
وتؤخذ موضوعات هذه الدروس انطلاقا من نصوص القرآن والحديث حسب متطلبات وحاجيات المرحلة العمرية والدراسية وتبسط في معانيها، وما تحمله من مزايا ومردودية على مستوى الفرد والمجتمع، ويعتمد في هذا الأمر على علوم التربية الإسلامية بصفة عامة، ويستأنس فيها بعلمي النفس والاجتماع بجميع فروعهما في غرس السلوك السوي وجعله ممارسة يومية...
مادة الحديث والسيرة:
تستغل في دروسها نصوص من الأحاديث الشريفة الصحيحة في مجالات مختلفة غير تلك التي مرت في دروس المواد السابقة، ونصوص متفق على صحتها من السيرة العطرة التي تساهم مجتمعة مع الحديث في بناء شخصية متوازنة ومتكاملة ومتفاعلة - أخذا وعطاء دون شعور بدونية أو تحقير للذات/النفس - مع الواقع القريب منها والبعيد ومع العصر الذي تعيش فيه بكل ما يحمله هذا الواقع وهذا العصر من إيجابيات وسلبيات على جميع المستويات... وبذلك يكتسب المتعلم تلك الشخصية المتفردة والمتميزة، والتي من خلالها يستطيع أن يحيا حياة طيبة بالمفهوم الإسلامي..
2* طرق التدريس:
أ*التدريس بالمنهج الموضوعاتي (thématique)
نقصد من التدريس بالمنهج الموضوعاتي التركيز والاعتماد والانطلاق في تدريس المادة على قضية معينة أو موضوع محدد يتخذ محورا مركزيا للدراسة خلال سنوات التعليم الأساسي بشكل متسلسل ومتكامل.. وقد اختيرت القصة القرآنية بصفة عامة موضوعا لبرنامج مادة القرآن الكريم في أسلاك التعليم الأساسي لارتباطها الشديد بالطفل ولما تؤديه القصة عموما، والقرآنية على الخصوص في المجال التربوي من وظائف سامية ولما تحققه من الغايات التعليمية المنشودة.. ولما تحمله من أمور وقضايا وأفكار ونظرات وتأملات ومسارات حياتية ومواعظ وعبر تحرك مجموعة من القدرات المبثوثة بالفطرة والسليقة في المتعلم المستهدف... وتفّعل فيه كثيرا من المهارات المكتسبة من تفاعله مع واقعه القريب والبعيد, ثم تصريفها إيجابيا بعد تصحيح مسارها, وليبلغ المتعلم في آخر المطاف مجموعة من الكفايات التي يؤمل أن تتوفر في طفل التعليم الأساسي ببلادنا...
هذا الاختيار يكفل لنا وحدة الموضوع المدروس, كما يكفل لنا وحدة التفكير عند المتعلم، وحتى لا يتيه وسط مجموعة من المواضيع المختلفة والمتنوعة التي تزخر بها السور القرآنية المقررة سابقا، والتي تعتبر فوق مستواه وقد تسبب له ربكة لا تحمد عقباها، فهذا الاختيار أمر ضروري ومؤكد بالنسبة لعمر متعلمينا ومستواهم الفكري والعقلي والوجداني وحتى الروحي, ولتحقيق مجموعة من الأهداف وترسيخ كفايات عديدة بأشكال مختلفة وفي بنيات متعددة وبأوجه مغايرة وبأساليب شيقة وعروض رائقة ولغة سلسة وموضوعات في متناول الأطفال فهما وإدراكا...
ثم إن الطفل ميال بطبعه إلى القصة، يلذ الاستماع إليها ويشوقه أن يقرأها أو أن يشهد أحداثها تمثل أمامه، لأن في القصة حركية وحياة وحيوية تثير انتباهه، وتجدد نشاطه، وتوقظ وجدانه، وتحرك أحاسيسه، وتطور مداركه، وتبني رؤيته لنفسه وللآخر، كما توطد علاقاته بشكل إيجابي مع محيطه، ومما يساعد على تحقيق هذا كله هو أن " للقصة اتجاها مرسوما يأنس به الطفل ويجد لذة ومتعة في تتبعه وفهم أطواره " (الموجه الفني : 371)..
لقد أثبتت بعض التجارب المتواضعة التي قمنا بها داخل الأقسام في بعض المدارس الخصوصية ومع جل المستويات، أن الطفل يميل بطبعه إلى ما هو قصصي في شكله ومضمونه، كما ثبت- بعد المقارنة – أن ميله للقصص القرآني كان أشد وأقوى، وأن تفاعله معه كان أوكد إلى درجة أن أغلب الأطفال الذين كانوا تحت الملاحظة ودوا لو سادت القصة القرآنية أكثر أو كل المواد التي تدرس لهم في مرحلتهم.. وبالفعل استفدنا من هذا الطلب الذي عبر عنه بعض الآباء، وهذه الرغبة التي تجلت عند المتعلمين، حين اعتبرنا القصة القرآنية في دروسنا من خير الوسائل لاستنباط القواعد من أمثلتها القرآنية، ولتدريب المتعلمين على التعبير الراقي الفصيح الذي أغنتهم به الطبيعة اللغوية والأسلوبية والبلاغية للقصة القرآنية مع لفت الأنظار والانتباه إلى التأثير في السلوك والمعاملات.. إذن فالقصة تؤدي في المجال التربوي وظيفة سامية، وتحقق كثيرا من الغايات التعليمية المنشودة (الموجه الفني : 371).. والطفل أقوى خلق الله استجابة لها وشغفا بها وإقبالا عليها وتطلبا للمزيد منها بعد المزيد.. (القصة في الأدب العربي 65 )..
فهي معلم جذاب محبوب يأخذ عنه الأطفال كثيرا من ضروب الثقافة والمعرفة، ويكسبون منه خبرات حيوية طريفة..
وهي من خير العوامل لتشويق الأطفال إلى التعليم، وتحبيب المدرسة إليهم..
والقصة – مسموعة أو مقروءة – تحمل الطفل على اليقظة والانتباه، وفي هذا رياضة له على الصبر، وحصر الذهن، وضبط الفكر، وكل ذلك ضروري لتحصيل المعارف في حياته الدراسية..
والقصة تنمي خيال التلميذ، وتهذب وجدانه، وترهف حسه، وهي – كذلك – من العوامل المساعدة على تقوية الحافظة، وشحذ الذاكرة، فالطفل يختزن في ذهنه من القصص وأشخاصها وحوادثها أكثر مما يختزن من الأحاديث العادية..
وللقصة آثار خلقية وسلوكية ينتفع بها التلميذ، وينطبع عليها دون إحراج أو إعنات، لأنه يفهم المغزى بطريق الإيحاء والتأثير الذاتي، لا بطريق النصح السافر، أو التوجيه المباشر، أو غير ذلك مما تأباه طبيعة النفس البشرية..
والقصة من أنجع الوسائل لتعليم اللغة، فهي تزود التلميذ بالأفكار والمفردات والأساليب، وتعوده حسن الاستماع، ودقة الفهم، وتأخذه أحيانا بحسن الأداء وتصوير المعاني، وهي – كذلك– من العوامل الناجحة في دفع التلميذ إلى القراءة والاطلاع. (الموجه الفني : 372)
ولهذا كله ولغيره تم اختيار القصة القرآنية وعندما نقول القصة، فإنا نقصد من ورائها كل ما جاء في القرآن الكريم بأسلوب قصصي وحكائي، سواء كان قصص الحيوانات أو قصة الكون والوجود أو أشياء أخرى، أو قصص الأنبياء وهذه تمثل القمة في تشخيص الحياة، لذا وجب الاهتمام بها أكثر ف"المطلوب من التربية أن تدرس قصص وسير الأنبياء كنموذج يحتذى به في إعداد المربين والمناهج المنشودة." (كما يقول : David E. Purple.في كتابه: The Moral and Spiritual Crissi in Education نقلا عن كتاب مناهج التربية الإسلامية الجزء الثالث.. ص:58 )..
- 3 -
ولهذا وزعنا برنامج مادة القرآن الكريم على مستويات التعليم الأساسي على الشكل التالي:
من مستويي الروض (السنوات : 4/5 و 5/6) إلى المستويين الأول والثاني أساسي (السنوات : 6/7 و 7/8) نجد مجموعة من النصوص القرآنية التي تصور قصص مجموعة من الحيوانات الأليفة والمتوحشة، والحشرات النافعة والضارة.. وهو اختيار يحقق متعة تعليمية، واستفادة عقلية، تساعد على فتق خيال الطفل ومداركه الإبداعية وتوسيع آفاقه الوجدانية..
أما المستوى الثالث أساسي (السنوات : 8/9) فنجد مجموعة من النصوص القرآنية التي تسرد علينا قصص الأصحاب، كصاحب الحوت، وأصحاب الجنة، وصاحب موسى u، وصاحب الجنتين، وأصحاب الكهف.. هذه وقصص أخرى تهم موضوع الصحبة نجدها مبثوثة بين ثنايا الآيات البينات في القرآن الكريم..
وبين المستويين الرابع والخامس أساسي (السنوات : 9/10 و 10/11) تتوزع مجموعة من نصوص القرآن العظيم التي ترسم لنا المسيرة التاريخية لأفضل الناس، وأزكاهم من خلال قصص الأنبياء عليهم السلام، من لدن سيدنا آدم u إلى سيدنا عيسى u.. مرورا بمجموع أنبياء الله تعالى موزعة قصصهم بين المستويين معا..
ويأتي المستوى السادس أساسي (السنوات : 11/12) لنجد الآيات الكريمات التي تشخص لنا قصة المصطفى e في سيرته العطرة..
وأما بعد المستوى السادس أساسي فتأتي مرحلة الإعدادي لتتوزع بين ثلاثة مستويات (السابع والثامن والتاسع) مجموعة من النصوص القرآنية التي تصور لنا قصة الخلق والوجود والكون والمصير رابطة ذلك بوجود الإنسان وحياته ومآله..
ب*التدريس بالمنهج الإقرائي:
وهو الاعتماد على القراءة أكثر والتعامل مع نصوص متنوعة وغنية، بجميع أشكالها وأنواعها وتجلياتها بحيث يجد المتلقي نفسه أمام ركام قرائي متنوع, وذلك عن طريق وضع وتيسير نصوص قرآنية، وتفسيرية، وحديثية، واستثمارية، واطلاعية (إن صحت هذه التسمية).. أو صويرات أو علامات قرائية.. مما يجعل أو يدفع المتعلم لقراءة المادة المدروسة والاطلاع عليها بشكل مباشر ثم مناقشها والتعامل معها بشكل تفاعلي يخوله المزيد من اكتساب الكفايات المطلوبة في الدرسين :الديني/التربية الإسلامية، والقرائي/اللغوي على السواء..
إن هذه النصوص المنتقاة التي تصور لنا القصص القرآني، تجعل المتعلم يقرؤها بفكره, وينشدّ إليها خاطره, وتميل إليها نفسه, ويناقشها عقله, ويتمثلها سلوكه.. خلافا لما ألفناه في الطرق العتيقة التي تتمسك بكون المعلم هو المصدر الوحيد والأوحد للمعرفة, وتجعل المتعلم مجرد مستقبل ليس إلا.. دون خلق أي نوع من التواصل والحوار المؤديين إلى الإبداع... لذلك أردنا أن تصبح التربية الإسلامية درسا قرائيا حاملا لمعلومات إسلامية تحقق أهدافها وزيادة, في حياة الأفراد والجماعات في ضوء علاقاتهم بالخالق والكون والممارسات والحياة والآخرة (مناهج التربية الإسلامية ص:77) كما سيتمكن المتعلمون من تحقيق أغلب أغراض وأهداف القراءة، انطلاقا مما يتمتعون به من احترام وتوقير وتقدير للنص القرآني والنصوص المرتبطة به, هذا التقديس سيدفعهم إلى إجادة النطق وتحسين الأداء وتمثل المعاني كما سيكسبهم الكفايات القرائية المطلوبة في أسرع وقت، مثل السرعة والاستقلالية وتنمية حصيلتهم من الأرصدة اللغوية والتراكيب الجديدة، وسيساهم أيضا في دفع المتعلم إلى التعبير الصحيح عن معاني المقروء، وعن كل ما يجول بخاطره ويتبادر إلى ذهنه بلغة عربية
فصيحة/قرآنية، وقبل هذا كله فإنه سيربي فيه الميل إلى القراءة وحبها والشغف بها، انطلاقا من منطوق أول نص قرآني أنزل على الرسول r والذي هو نفسه عبارة عن قصة شائقة ومثيرة: } اقرأ باسم ربك الذي خلق...{ وفوق هذا وذاك فإن الدرس القرآني سيؤدي رسالته النفسية والاجتماعية بشكل موفق في التأثير على الفرد وفي التأثير على المجتمع أيضا..
وأخيرا، فإنه يجب أن تتضافر الجهود كي تكون كل المواد المقررة عبارة عن نصوص أو لوحات وصويرات قرائية بكل ما تحمل الكلمة من معاني وما توحي به من دلالات، وفي جميع تجلياتها، فليست القراءة مجرد نصوص لغوية بل هي أوسع من ذلك بكثير، إذ تتمظهر في أشكال عديدة ومتنوعة ويمارس عليها فعل القراءة بالحواس جميعها, فحتى إلقاء نظرة معينة من طرف متعلم على رسم أو صورة أو مجسم أو رمز أو شكل, وربط الصلة بين هذه النظرة وبين أجهزة الاستقبال والتفكيك والربط في الدماغ, هذا نفسه يعتبر في تقديرنا نوعا من القراءة التي يمارسها الإنسان كيفما كانت وضعيته..
هذا هو المفهوم الذي نقصده من المنهج الإقرائي فنحن نتعامل مع مستويات التعليم الأساسي من أسلاكه الصغرى إلى أسلاكه الكبرى... ومن هذا المنطلق نشجع على تبني المنهج الإقرائي المتعدد الوسائل ولو فقط:
*لأن القراءة-على المستوى الفردي- هي أساس ولب وعمق كل عملية تعليمية/تعلمية، ومفتاح لأسرار كثير من المواد الدراسية الأخرى.. والثابت بالتجربة والعلم والفحص أن ضعف المتمدرس في القراءة أساس لإخفاقه في المواد الأخرى بل ولإخفاقه في علاقاته مع نفسه ومع المجتمع, بل وإخفاقه في الحياة نفسها.(انظر الموجه الفني ص:58 ). " فالعزوف عن القراءة وعدم إتقانها أو عدم القدرة عليها، له آثار سلبية لا حصر لها، مرتبطة بالدماغ كعضو والعقل كفاعلية، حيث يصعب التمييز بينهما على مستوى فعل القراءة..." .. ( ديتاكتيك تدريس القراءة ص:5 )
*ولأن القراءة –في المجتمع- أشبه بأسلاك كهربائية تنتظم بناءه وتحمل التيار الذي يمده بالنور, ومثل العاجزين عن القراءة كمثل بقعة ليست مستعدة لتلقي هذا التيار الكهربائي لأنها لا تملك هذه الأسلاك.. (ص59 الموجه الفني)
*ولأن القراءة عملية دائمة ومستمرة وغير منقطعة، فهي عملية العمر إذا شئنا القول، وبهذا تمتاز عن سائر المواد الدراسية، ولعلها أعظم ما للإنسان من مهارات.. " والعالم اليوم عالم قراءة واطلاع.." ( الموجه الفني ص:58)
- 4 -
ج*التدريس بالوحدات :
ثم نأتي لندرس الموضوع المحدد من القصة القرآنية بالمنهج الإقرائي المبين أعلاه بعد توزيعه على وحدات متساوية أو متقاربة من حيث الكم والكيف, وتجمع كل وحدة خيوط عناصر عديدة لتؤلف منها كيانا متناسقا ومتكاملا ومستقلا بذاته من حيث الموضوع, كما قد يربط رابط معين بين مكوناتها ومكونات وحدات أخرى تصاحبها في رحلتها التعليمية/ التعلمية – كالربط بين مكونات وحدة التربية الإسلامية ومكونات وحدة اللغة العربية ووحدة النشاط العلمي وغيرها من الوحدات المكونة لمنهاج التعليم الأساسي- لتتعمق فكرة الوحدة على جميع المستويات في أذهان الناشئة انطلاقا من وحدة القراءة والتعليم والفكر والثقافة إلى وحدة الممارسة والعمل الاجتماعي والإنساني.. ولهذا وجهنا التربية الإسلامية وجهة التدريس بالوحدات تيسيرا لها وبسطا لمكوناتها حتى تتحقق الأهداف المرتجاة منها، ويتمكن المتعلمون المستهدفون من اكتساب كفاياتهم منها بشكل أجود وأحسن..
وتستغرق من حيث الغلاف الزمني كل وحدة للتعامل معها وبسطها للدرس والبحث، ثلاثة أسابيع من القراءة والدرس والمتابعة والبحث والاستقراء والاستثمار...
ويتوزع الأسبوع الأول منها على حصص زمنية مخصصة للدرس الأول الذي هو عبارة عن: توطئة للدرس وتمهيد ثم قراءة للآيات القرآنية المصورة للقصة المقترحة حسب المستوى والسن، مع شرح الكلمات وضبط الآيات، وفهم معانيها فهما إجماليا وتفصيليا والوقوف على بعض ما تصوره من أخلاقيات وسلوكيات، ثم معرفة كل ما يمكن أن يستفاد من الآيات وبعد ذلك تأتي مجموعة من أسئلة التقويم والدعم والتثبيت...
أما الأسبوع الثاني فيخصص للدرس الثاني من الوحدة نفسها وهو عبارة عن توطئة استذكارية للدرس الأول, ثم تقديم الدرس الثاني وقد تأتي فيه الآيات مكملة لآيات الدرس الأول أو مأخوذة من سورة أخرى ثم يتم اتباع مراحل الدرس الأول مرحلة مرحلة...
أما الدرس الثالث فهو في الأسبوع الثالث والأخير من الوحدة وهو عبارة عن نص للمطالعة مختار غالبا من كتب اهتمت بموضوع الدرسين السالفين، ويكون هذا النص مصحوبا بمكونات للدعم والاستثمار, وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة والتمارين التطبيقية والمستخلصة من نص المطالعة الذي تم اختياره من قبل, وأيضا من الدرسين السابقين في الوحدة نفسها، لتتكون بذلك مجموعة من الأنشطة القرائية والتطبيقية والكتابية...
وأخيرا تتوج الوحدة بنص قرائي حر منتقى, أي أنه نص مختار من أحد الكتب الإسلامية حول القصة المدروسة في الوحدة... لا يخرج هذا النص عن المجال نفسه ولا يتعداه، بل يكون متمما له ومكملا أو حاملا لأفكار إضافية ومعلومات أخرى تدعم ما سبق في الوحدة، أو تفصل فكرة مرت فيها مجملة، أو تجمل أفكارا جاءت فيها متفرقة، مع الاهتمام بمجموعة من الألعاب القرائية التي تساعد المتعلم على ترسيخ موضوع وأهداف الوحدة..
د*التدريس بالأهداف والكفايات :
وحدة التربية الإسلامية من طبعها وطبيعتها أنها هادفة وغائية, وأهدافها تنطلق من داخلها ومن ذاتيتها، من أصولها ومن أسسها، ومن مكوناتها بل ومن طبيعتها التكوينية أولا وقبل كل شيء. ثم تنطلق ثانيا مما يُنْشِدُهُ واضعو برنامج هذه الوحدة، ويتصورونه، ويخططون له أو يبرمجون, فهم دائما ينطلقون من أهداف يحددونها ويرغبون في تحقيقها وتحققها على مستوى أفق معين.. و ثالثا من رغبات أو حاجيات أو متطلبات المتعلمين أفرادا وجماعات, لأن المتعلمين هم أساس البناء التعليمي التعلمي، وهم بؤرة هذه العملية، منهم نقطة الانطلاق وإليهم المنتهى.. لذا وجب التركيز على حاجياتهم ومتطلباتهم.. مع ربط كل هذا وذاك بالواقع، الواقع المشهود للرقي به إلى واقع منشود...
إذن المادة أو الوحدة بصفة عامة هادفة، وهادفة بشكل واضح، لذلك كان التدريس بالأهداف ليس مطلبا فقط، وليس طارئا عليها، بل هو نابع من أصلها، لذا فهي (أي الأهداف) فرض يجب أولا تسطيرها وتوضيحها وتبيينها، وتفعيلها وتحقيقها ولمسها في واقع التدريس وكذا في واقع المجتمع، ويساهم في ذلك كله المنظر/المربي والمدرس/المربي والمتمدرس/المربى.."فالهدف – كما يقول محمد الدريج - سلوك مرغوب فيه يتحقق لدى المتعلم نتيجة نشاط يزاوله كل من المدرس والمتمدرسين.. "(انظر التدريس الهادف ص86)
وهذه الوحدة تتوخى تحقيق مجموعة كبيرة من الأهداف انطلاقا من الأهداف العامة إلى الأهداف الخاصة, أي انطلاقا من الفكري والنظري والمجرد إلى الواقعي والمحسوس والملموس، انطلاقا من النوايا العامة والمجردة إلى الإنجاز الفعلي والعملي الذي يتجلى ويتضح من خلال ما اكتسبه المتعلمون من تطور فكري ووجداني وسلوكي، بناء على أن هذه الأهداف المستقاة من طبيعة الوحدة أو المنتقاة من طبيعة كل مادة على حده، تعمل على تصحيح وتصليح أو تغيير وتبديل أو ترسيخ وتثبيت أو تطوير وتفعيل مجموعة من المكتسبات والقدرات والمهارات " للسمو بنمو المتعلمين الديني من الشكلية الآلية إلى الممارسة العلمية الواعية والمسؤولة " (ص5 أهداف وتوجيهات)...
لذا وجب تحديد الأهداف جميعها ببالغ الدقة وفائق التمعن وشديد الوضوح و في غاية العناية والضبط والتركيز قبل الخوض في أي موضوع من مواضيع مواد وحدة التربية الإسلامية، لأن ذلك " لا يعني إلا الوضوح في الرؤيا: أي الوضوح فيما نقوم به وكذا الوضوح فيما نريد أن نصل إليه " (ص: 27 من الأهداف والتقييم في التربية )..
ثم تحديد أو رصد مجموعة من الكفايات التي يجب أن تتحقق وتظهر آثارها أو أن تبرز في ذهن وعقل ووجدان وسلوك المتعلم –بناء على متوسط الكفايات في الأدنى - انطلاقا من مكتسباته الذاتية أي النابعة من فطرته وسليقته، ومن تفكيره المجرد والبعيد عن أي تأثير - 5 –
خارجي، ومن مكتسباته التي تنمو في نفسيته وذاكرته وتتزايد بفعل تأثير مجموع علاقاته الأسرية والعائلية، وأيضا من مكتسباته التي تساهم في وضعها ورسم خريطتها وترسيخها تواصلاته وعلاقاته الاجتماعية والبيئية والعالمية. كل هذه المكتسبات الذاتية والمحيطية الموجودة والمحتملة تتفاعل فيما بينها مصقولة بالأهداف المبيتة والمحددة والمقيدة والمسطرة.. لتصل بنا إلى تحديد كفايات المتعلمين والتي هي مختلفة اختلافهم أنفسهم، ثم لا ننسى أن كل هذا " سلوك قابل لأن يكون موضع ملاحظة وقياس وتقويم " (محمد الدريج ص86)..
ه*التدريس بالتقويم والدعم والاستثمار:
بعد التدريس بالمنهج الموضوعاتي – كما حددناه - لمواد التربية الإسلامية موزعة حسب مجموعة من الوحدات كما رسمناها تدريسا يعتمد المنهج الإقرائي – كما أوضحنا -، وعن طريق تحديد مجموعة من الغايات والمرامي والأهداف بجميع مستوياتها وفي جميع تجلياتها، ورسمها بشكل جيد وواضح، يأتي دور رصد مستويات كفايات كل متعلم مما نشط فيه من دروس، ومعرفة إلى أي حد استطاع إدراك واستيعاب ما قدم إليه أثناء القيام بالعملية التعليمية/التعلمية التي شارك فيها كعنصر فاعل، بل وكان هو بؤرتها، يأتي دور التدريس بمنهج التقويم والدعم والاستثمار، وهو وسيلة لمعرفة ما تحقق من الأهداف المسطرة، وما تم من اكتساب للمهارات وما توصّل إليه المتعلمون من قدرات – سواء تعلق الأمر بمواد وحدة التربية الإسلامية أو بمواد الوحدات المصاحبة لها كاللغة العربية والنشاط العلمي وغيرهما – ثم العمل على تثبيت وتركيز والدفع قدما بجميع الكفايات (المسطرة والمحتملة) ودعمها وتوسيع معطياتها وتفعيلها في إطار الممارسات اليومية للمتعلم وتحسيسه بمسؤولياته تجاه مكتسباته تلك حتى يعمل على ترويجها..
وحتى يكون هذا المنهج فاعلا في هذا المشروع المقترح خصصنا له الأسبوع الثالث من الوحدة، وهو عبارة عن مجموعة من الأنشطة التي تبدأ بنص للمطالعة والقراءة والتأمل والاستثمار وهو نص له علاقة بالقصة المقررة، في الوحدة مأخوذ من إحدى المصادر المعتمدة.. ومذيل بتمارين تطبيقية تبدأ ب"أشرح" الذي يتمرس فيه المتعلم على البحث في القاموس عن مجموعة من الكلمات، ثم يأتي "أجيب" ليستذكر المتعلم هنا ما رآه خلال دراسته للوحدة فيجيب عن أسئلة تتعلق بما مضى من الدروس.. ثم "أفكر" ويستخدم المتعلم هنا فكره وذكاءه ليتمكن من تحرير الإجابة الصحيحة على أسئلة في الموضوع.. ثم "أبحث" حيث يبدأ المتعلم رحلة البحث في بطون الكتب للإجابة عن الأسئلة المطروحة.. ثم "أستثمر" وهنا تتجلى العلاقة الموجودة بين وحدة التربية الإسلامية ووحدة اللغة العربية – على الأقل– في المستوى نفسه، وذلك بالوقوف على بعض مكونات اللغة العربية كالتراكيب والصرف والتحويل والإملاء المضمرة أو المقعدة انطلاقا من النصوص القرآنية.. ثم "أتدرب" وهو عبارة عن تدريب المتعلمين على الخط العثماني المغربي وذلك بنقل آية أو أكثر من الخط العادي المطبعي إلى الخط العثماني..
ثم يأتي "أطبق" لتصاغ هناك مجموعة من قواعد القراءة والنصائح التي تفيد المتعلم في قراءته للقرآن الكريم الذي يتميز عن غيره من النصوص القرائية..
و* الخلاصة:
إذن هناك إحساس وشعور ووعي بوجوب إصلاح المنظومة التربوية في بلادنا بصفة عامة، وإصلاح وحدة التربية الإسلامية بصفة خاصة، ومن هنا كانت هذه الرؤية الجديدة لمكونات وحدة التربية الإسلامية وطرق تدريسها، نقترحها ونرجو إثراءها وإغناءها بالحوار الهادف المشبع بأسس وخصائص الإسلام، والملم بمعالم ومرتكزات ومبادئ التربية، والواعي بمقومات بناء وطننا المجيد، والعارف بما جد في عالم العلوم الإنسانية التي يمكن أن تساهم في تفعيل مواضيع التربية الإسلامية بشكل أمتن وأسرع، ولا ينسى هذا الحوار الجاد أن يكون منبثقا عن عقلية استفادت بشكل إيجابي من الأحداث الدامية- بهرجها ومرجها- التي أصابت العالم المعاصر كي يعطي لدرس التربية الإسلامية الدور الحقيقي الذي يضطلع به - كدرس جامع مانع- في بناء النفوس بناء قويما بعيدا عن كل إفراط أو تفريط، وذلك من خلال مكونات هذه المادة أو الوحدة التي أشرنا إليها مكونا مكونا وأوضحنا منطلقاتها جميعها، وانطلاقا من طرق تدريسها، تلك الطرق التي حاولنا تركيزها في ما سبق من القيل، وهي قابلة بطبيعة الحال لكل نقد وتصويب وإغناء.. فما على الجهود إلا أن تتضافر..
والله الموفق لكل خير..
المراجع:
1. أهداف وتوجيهات تربوية للسلك الأول من التعليم الأاساسي المملكة المغربية وزارة التربية الوطنية.. مطبعة النجاح الدارالبيضاء الطبعة الأولى 1995
2. مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين.. المملكة المغربية اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين أكتوبر 1999..
3. الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية.. عبدالعليم إبراهيم.. دار المعارف مصر الطبعة العاشرة بدون تاريخ..
4. ديداكتيك تدريس القراءة بالسلك الأول من التعليم الأساسي المرحلة الأولى.. سلسلة التكوين التربوي رقم 12..يشرف عليها خالد المير وإدريس قاسمي الطبعة الأولى 2000..
5. مناهج التربية الإسلامية والمربون العاملون فيها.. "سلسلة أصول التربية الإسلامية" للدكتور ماجد عرسان الكيلاني مؤسسة الريان بيروت لبنان طبعة 1998
6. القراءة أولا... محمد عدنان سالم دار الفكر دمشق سورية ودار الفكر المعاصر بيروت لبنان.. الطبعة الثانية معادة..1994
7. الخطاب التربوي بالمغرب.. أحمد احدوثن.. سلسلة المعرفة للجميع العدد: 28.. يناير فبراير2003
8. إصلاح نظام التربية والتعليم.. الدكتور عبدالله ساعف.. المعرفة للجميع العدد: 20.. أبريل ماي 2001
9. الكفايات في التعليم.. للدكتور محمد الدريج.. المعرفة للجميع العدد: 16.. أكتوبر 2000
10. التدريس الهادف.. للدكتور محمد الدريج.. مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء-1990
11. طرق منهجية التدريس الحديث للدكتور محمد زياد حمدان.. ضمن سلسلة التربية الحديثة –21- .. دار التربية الحديثة الأردن – عمان.. طبعة 1985
الأستاذ عبدالرزاق المساوي
24 مكرر زنقة بين الجوامع م-ق
أنفا الدارالبيضاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.