رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة تربوية لتدريس مادة الفلسفة
نشر في بيان اليوم يوم 10 - 10 - 2010

قراءة في كتاب «مسائل فلسفية وديداكتيكية» للدكتور الباحث محمد قشيقش
كثيرا ما يتم الحديث عن مسائل فلسفية وديداكتيكية من منظورين: منظور مفاده أن الفلسفة تحمل في ذاتها بيداغوجيتها، وبالتالي فهذه الأخيرة تعيق وتشوش المسار الفعلي الحي للتفلسف، ومنظور خلاصته أن البيداغوجيا ضرورية للفلسفة، إنها تنقل الفلسفة من مجالها المجرد الأكاديمي إلى مجالها التربوي التعليمي، وإذا كان الأمر كذلك، فكتاب «مسائل فلسفية وديداكتينية» للباحث الدكتور محمد قشيقش، الصادر عن مطبعة مرجان بمكناس، والذي نود تقديمه للقارئ، ينطلق من تصور مفاده أن لا معنى للفلسفة إلا من خلال الديداكتيكا، ولا معنى للديداكتيكا إلا من خلال العدة المعرفية الفلسفية المؤطرة ضمن إشكال واضح ودقيق للمنشط تجاه المتعلم. داخل هذه العلاقة الجدلية بينهما، يمكن الحديث عن أستاذ الفلسفة.
وبناء عليه، سنقدم هذا الكتاب من خلال محورين: محور أول مرتبط بالمسائل الفلسفية التي تشكل المستوى النظري والمعرفي للأستاذ. ومحور ثان يتعلق بالمسائل الديداكتيكية التي تشكل بدورها الجانب التطبيقي العملي التربوي، يتعلق الأمر هنا بالنقل البيداغوجي، فقد عالج الأستاذ الدكتور محمد قشيقش المحورين بلغة أسماها الفيلسوف الفرنسي الديكارتي «الوضوح والتميز»، اللذين يحولان دون الأحكام المختلفة والمتداخلة، التي تثير التشويش والغموض لدى القارئ.
وإذن، ما هي هذه المسائل الفلسفية؟ وما هي هذه المسائل الديداكتيكية؟
1 -مسائل فلسفية
تم فحص هذه المسائل الفلسفية من خلال مقاربة مفاهيم أساسية:
المفهوم الأول: العنف من خلال عدة أبعاد:
البعد الأول، العنف بما هو تشريع للاختلاف. والبعد الثاني، العنف بما هو موضوع للفحص الفلسفي. البعد الثالث، العنف بما هو سلطة سياسية قاهرة (نموذج سقراط في مواجهة كاليكلس). البعد الرابع، العنف بما هو مناقض للعقل، ومحنة هذا الأخير داخل ثقافة يغيب فيها التسامح .
المفهوم الثاني: الأخلاق في الفلسفة الإسلامية من خلال نموذج الفارابي ومنزلة كتابه التنبيه على سبيل السعادة، وضمن متنه الفلسفي. أما في الفصل الثاني من الكتاب فقد عالج الأستاذ قشيقش مسائل ديداكتيكية تمثلت في فحص ثلاثة أبعاد أساسية للدرس الفلسفي وهو يمارس داخل القسم بكل حمولاته المعرفية والديداكتيكية والتربوية، فهناك أولا النص الفلسفي المشتغل عليه، والمنزلة التي يكتسبها هذا الدرس، وهناك ثانيا المدرس الذي يتحمل مسؤولية الدرس الفلسفي واقع وآفاق عمله، والبعد الثالث محتوى الرسالة الفلسفية/ الدرس، وجهة حضور الدرس الفلسفي الإسلامي فيه.
أ- الفلسفة والاختلاف ومناهضة العنف
إذا كانت الفلسفة تتميز بخصائص أساسية كالعقلانية، والتساؤل، والتحليل، والنقد التركيبي الشمولي، وبالتالي فهي فكر اختلافي مناهض بامتياز للعنف المادي والرمزي، فإن الدكتور محمد قشيقش قارب هذه الأطروحة التي تصدرت بداية الفصل الأول من خلال محطات أساسية من تاريخ الفلسفة (نماذج مختارة من الفلسفة اليونانية والفلسفة الإسلامية)، كما واجهت الفلسفة العنف من الداخل، عنف بعض الفقهاء وبعض المحسوبين على رجال الدين (ص 14) واتخذ العنف ألوانا وأشكالا· ومن أبرز نماذج العنف، فتاوى ابن الصلاح الذي أكد على «أن الفلسفة رأس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والثرثرة»، وقول أحمد بن مصطفى المعروف بطاش زادة الكبرى «الاشتغال بحكمتهم - أي الفلسفة - حرام في شريعتنا، وهم أضر على عوام المسلمين من اليهود والنصارى··· « (ص 16)، زد على ذلك، ما وقع للكندي والفارابي وابن سينا، وما آل إليه مصير ابن رشد وابن باجة، بل وحتى الجاحظ الذي يعد من المتنورين، ومن جهة أخرى مورس العنف ضد خطابات أخرى مثلت الفلسفة بلغة الأدب، والعلم، والفنون الأخرى، ودافعت من قريب أو من بعيد عن العقل والعقلانية، والحق في الإبداع، بما هو حق في الاختلاف والتسامح، كما مورس العنف ضد الفلسفة داخل حقول معرفية أخرى، وضد الفلسفة التي تمثلت عبر صور ونعوت، ك «الحداثة والعلمانية والعقلانية والحرية والحق في الاختلاف» (ص 18). إن الفئة الخاصة المدافعة على هذه الدعاوي نعثوا بأوصاف العنف الرمزي، بل والعنف الدموي كما حدث للباحث «حسين مروة»، و»فرج فودة»، و»نجيب محفوظ» وقبلهم «طه حسين»، و»الطيب صالح» وما حدث للباحث نصر حامد أبو زيد وزوجته يونس ابتهال· مقابل هذا العنف الممارس ضد الفلسفة في حياتنا المعاصرة، نجد احتفاء بالفلسفة في أوروبا وخاصة في فرنسا، ولا أدل على ذلك فتح عيادة خاصة في «العلاج بالفلسفة» الذي برهن على «أن الفلسفة ليست فقط مجالا للجدل التجريدي بل بالإمكان الاستفادة منها بالملموس في الحياة اليومية للإنسان» ( ص19)·
إذا كانت هذه هي بعض أشكال العنف التي مورست ضد الفلسفة، أي ضد العقلانية والتعقل، وضد حرية الرأي، والحق في الاختلاف، وضد كل أنماط الخطابات الأخرى التي مثلت الفلسفة كالأدب بكل أصنافه، فما هي مهام مدرسي الفلسفة إزاء هذا العنف الرمزي والمادي؟
يجيبنا الدكتور الباحث محمد قشيقش «إن من مهام مدرس الفلسفة أن يكون نموذجا يقتدى به من طرف المتعلمين على مستوى النظر والعمل معا، أي (أن يجسد) في تفكيره وسلوكه هذه القيم النبيلة - أي قيم العقلانية، والنقد، والحق في الاختلاف، والتسامح، والتفاؤل··· - ولن يتم له ذلك إلا بأمرين متداخلين، أولهما السمو بالنفس إلى رحاب الفلسفة، ثانيهما أن يمتلك المدرس الأدوات الديداكتيكية لإنجاز هذه المهام» (ص 23)· هنا أفتح قوسين، وأتساءل أليس على الفيلسوف، أو بالأحرى على مدرس الفلسفة، وعلى حد موقف المفكر طه عبد الرحمان أن «يبحث كيف يصوغ عبارته، وكيف ينشئ مضمونه، وكيف يأتي سلوكه··· وهل سلوكه يجتهد في التلبس بما يدعو إليه»· (المرجع، فقه الفلسفة، ج1، ص 19).
ب - العنف ضد سقراط وحقيقة المواجهة
عنف مورس داخل صراع فلسفي/سياسي، صراع بين أطروحتين مازال صداه مستمرا إلى اليوم. الأطروحة الأولى يمثلها جورجياس وتلامذته، خلاصتها أن الخطابة أسمى الصنائع· الأطروحة الثانية يدافع عنها سقراط ،وهي أن الخطابة ليست بأي حال من الأحوال صناعة سامية، وليست غايتها المعرفة· مقابل هاتين الأطروحتين هناك رجل السياسة/العنف المادي، كاليكلس، الذي وعى بالأبعاد الفكرانية لأطروحة سقراط، وانعكاساتها على قاطني المدينة من خلال دفاعه على شرعية الفلسفة وضروريتها في المدينة· في سياق هذا الصراع، وتضارب الآراء بين شرعية الخطابة، وشرعية الفلسفة، ختمت المحاكمة الفلسفية/السياسية بما هي «بيان ضد الفلسفة» ضد العقلانية، وشرعية الاختلاف، نعم، ختمت بكون «الموت لا تنطوي في ذاتها على شيء سخيف اللهم بالنسبة لمن كان في منتهى الجنون والجبن، إن ما يخافه الإنسان هنا هو أن يكون مجرما» (ص 63)·
إذا كان الأمر كذلك، فما هوية المتن الأخلاقي الأرسطي وفي مقدمته «الأخلاق إلى نيقوماخوس»؟ وما هي جهات حضوره في المتن الأخلاقي عند الفلاسفة في الإسلام؟
ج – «الأخلاق إلى نيقوماخوس» عند فلاسفة الإسلام،
و«التنبيه على سبيل السعادة» عند الفارابي
إذا كانت الفلسفة ضد كل مظاهر العنف، فما نصيب الفلسفة من الأخلاق؟ وكيف انتظمت الفلسفة تجاه الأخلاق؟
بعد فحص بعض الصعوبات التي اصطدم بها المشتغلون على نص «الأخلاق إلى نيقوماخوس» والإشكالات التي واجهتهم، وهي إشكالات مهمة في فهم فلسفة أرسطو الأخلاقية في الإسلام، خلص الأستاذ محمد قشيقش إلى القول «إن هذه نماذج إشكالات عويصة لم تحسم بشكل نهائي»· (ص 85)· أما المقالة الثانية، فقد فحصت مسألة مهمة مرتبطة بالأصول المؤسسة لفلسفة الأخلاق لدى الفلسفة الإسلامية/ الفارابي نموذجا، يتعلق الأمر بإشكال هوية كتاب «التنبيه على سبيل السعادة» عند الفرابي، هل هو كتاب في المنطق، أم نص في الأخلاق والفلسفة السياسية؟· خلصت المقالة إلى القول «بدأ في تحصيل السعادة من النقطة التي انتهى إليها في «التنبيه» وهي التي تلخص أطروحته: الغاية من الأخلاق والعلم والمنطق تحصيل السعادة الحقة وهي القضية التي برهن عليها وقدم نتائجها في التنبيه على سبيل السعادة وتحصيل السعادة وفصول منتزعة» (ص 75).
هذا باختصار أهم المسائل الفلسفية التي شكلت الفصل الأول من كتاب «مسائل فلسفية وديداكتيكية» للأستاذ الباحث محمد قشيقش· وننتقل الآن إلى المسائل الديداكتيكية التي شكلت الفصل الثاني من الكتاب.
-2 منزلة النص في تدريس مادة الفلسفة
اعتبر الدكتور الباحث محمد قشيقش أن مسألة تدريس الفلسفة بالنصوص مكسبا مهما للمادة، وإذا كان الأمر كذلك، كيف تتصور الكتب المدرسية استعمال النصوص في السنة الثانية من سلك الباكالوريا؟ وهل ينسجم هذا التصور مع المستهدف من تدريسها؟ أي ما يراد ترسيخه من كفايات لدى التلميذ، ودرجات ممارستها لدى المتعلم/المنشط باصطلاح التعليم الكفائي؟ ومدى تحقق الكفايات المنتظرة في آخر السنة من الكتاب المدرسي؟ وما طبيعة العوائق التي تواجه مدرس الفلسفة لحظة الإنجاز؟ وما هي مسالك التجاوز؟ يجيب الأستاذ قشيقش على هذه التساؤلات انطلاقا من أسلوب المقارنة بين كتب مادة الفلسفة المدرسية المقررة حاليا، مؤكدا في مستهل القسم الثاني من كتاب «مسائل فلسفية وديداكتيكية» على مبدإ مشترك مفاده أن مؤلفي الكتب المدرسية اعتمدوا تصورا متكاملا ومرجعيات ديداكتيكية واحدة حددها دفتر التحملات، مما يفترض مبدئيا الانطلاق من تصور واحد في بناء مجزوءات الكتاب المدرسي، لكن واقع الإنجاز عكس ذلك· وفيما يلي أهم نتائج وخلاصات المقارنة بين الكتب المدرسية:
* في رحاب الفلسفة: اعتبر النص وسيلة وليس غاية، وقد تم العمل بهذا التصور على ضوء القواعد العشر المعلن عنها بصراحة في باب «كيف أستعمل كتابي» بما هي كفايات أساسية ومهمة مستهدفة من تدريس الفلسفة· كما يؤكد هذا التصور على توظيف النصوص لمعالجة إشكالات عامة، وأخرى جزئية أو فرعية خاصة بكل محور على حدة، والإقرار بوجود إشكال ناظم لمفاهيم المجزوءة· وقد لاحظ الأستاذ محمد قشيقش على هذا التصور ما يلي: فمن جهة تصور لايخلو من عوائق قد تحول دون تمثله والعمل به في لحظة بناء الدرس وإنجازه في الفصل، ومن جهة أخرى غياب الوضوح والدقة في صياغة الإشكالات بسبب كثرة الأسئلة التي تشوش على المتعلم، والتي تفتقر إلى «رابط نسقي ومنطقي»· وفي سياق هذه الملاحظات يقول الأستاذ محمد قشيقش: «مهام المدرس الاشتغال على هذه المواد لرفع قلق التصور بإخضاع الاقتراحات الواردة في الكتاب للتحليل والنقد وتقديم البدائل» (ص 101)·
* أما عن كتاب منار الفلسفة: فقد استعمل النص غاية وليس وسيلة·
تتكرر في الكتاب عبارة تأطير النص، ويتساءل محمد قشيقش ماطبيعة هذه الفقرة في الكتاب المدرسي؟ هل المقصود هو تأطير النص في إشكال المحور، أم في النسق الفلسفي للفيلسوف؟ أضف إلى ذلك عدم وجود انسجام وتناسب بين التأطير والنص الفلسفي، مما يتعارض تماما مع ماصرح به في موضوع «أهداف تدريس الفلسفة»·
إذا كان كتاب «رحاب الفلسفة» اعتبر النص وسيلة وليس غاية، وكتاب «منار الفلسفة» اعتبره غاية وليس وسيلة، فماذا يمكن القول عن كتاب «مناهج الفلسفة»؟
بعد التقديم العام المتعلق بالكفايات المستهدفة، وعنصر «دعامات بيداغوجية»، وتقديم المجال الفلسفي للوضع البشري، وتقديم المسألة الأساسية في كل محور من محاور المجزوءة، وغير ذلك، لاحظ الأستاذ قشيقش أن المستهدف هو إشكال النص وليس إشكال المفهوم، وبالتالي هل يتعلق الأمر بتحليل النصوص في ضوء إشكالات المفهوم أم تحليل إشكالات كل نص على حدة؟ وتركيبات غير دقيقة (ص105)· وفي الأخير خلص الكاتب إلى عدة بدائل لتجاوز قلق التصور منها: ضرورة قراءة النص في ضوء إشكالية محددة، وضرورة التعامل بالنص الوسيلة- الأداة وليس النص الغاية، وهذا هو المطلوب في التقويم الإجمالي في الاختبار الموحد في السنة الدراسية كما هو منصوص عليه في المذكرات الوزارية الخاصة بالمراقبة المستمرة والمراقبة في التقويم الإجمالي·· (ص 105-106).
أ - المشاكل التي يطرحها التدريس بالنصوص
ومن ضمن هذه المشاكل: قراءة المدرس للنص في غياب السؤال الموجه، قراءة النص في ضوء سؤال لا علاقة له بإشكالية الدرس، والاشتغال بالنص باعتباره غاية في ذاته، وغياب شبه تام للاشتغال على النص باعتباره أداة ووسيلة لمقاربة الإشكالية المركزية في الدرس وعناصرها الجزئية، وصعوبة كبيرة في تشغيل المتعلمين على النص وبه· كما تناول الدكتور محمد قشيقش تصور التوجيهات التربوية الرسمية، ونموذجين من المرجعيات النظرية غير الرسمية، ومنزلة النص ودوره في درس الفلسفة... ومن أهم الخلاصات والنتائج التي خلص إليها في هذا السياق، من جهة انطلاقا من المفهوم الجديد لدرس الفلسفة الذي يسعى إلى ترسيخ القراءة والكتابة الفلسفيتين لدى التلميذ، جعل من النص مادة أساسية للاشتغال معرفيا وتربويا (ص 113) و»إن التحكم في طبيعة ونوع أدوات الاشتغال على النص وبه هو الغاية من التشغيل الذي هو بدوره محدد بإشكالية الدرس»·
ب - تكوين مدرس الفلسفة، وجهة حضور الفلسفة الإسلامية بالتعليم الثانوي
هل التكوين الذي يخضع له مدرس الفلسفة بشعبة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة ملائم للانتظارات من تدريس الفلسفة بالثانوي؟ وهل يؤهله هذا التكوين بالشروط التي يتم بها تحقيق الأهداف من تدريس الفلسفة؟ وما هي مواصفات المتخرج؟ بعد أن حدد الكاتب الغاية من تدريس الفلسفة وتعليمها بالثانوي والعالي بالمغرب، أكد أن الهدف من تدريس الفلسفة هو إكساب الدربة على التفلسف الذي يشغل الفكر والعقل، ومهارات الحجج المنطقية، وليس حشو ذهنه بمعرفة جاهزة، أما مهام مدرس الفلسفة فهي تعزيز مكاسب العقل النقدي التحليلي التساؤلي، وإشاعة ثقافة تنويرية لدى التلميذ والطالب، ثقافة الاختلاف والتسامح والنسبية في إصدار الأحكام، مما يستجوب والحالة هذه ضرورة تكوين مدرس الفلسفة، لأن الشهادات الجامعية وحدها لا تؤهل لممارسة التدريس بكل أنواعه، بل لابد من تكوين تربوي ديداكتيكي، لأن لهذا التكوين عدة مواصفات منها القدرة على تحويل المكتسبات المعرفية الفلسفية إلى خبرة ومهارات، والتعامل بمرونة مع المتعلم تعاملا قوامه حسن الإنصات والكلام والتواصل الإيجابي· إن الأهداف المرسومة للتكوين هي ملازمة لإكراهات المؤسسة التي تستوجب عملية التحديث· في سياق هذا التوضيح أكد الأستاذ محمد قشيقش أن عملية التكوين بالمدرسة العليا بمكناس ولد لديه شعور عميق بالمسؤولية الخطيرة التي على عاتق المشتغلين بالمؤسسة· إنه عمل يدعو باستمرار إلى مراجعة النفس، ومراجعة استراتيجية تكوين مدرسي الفلسفة· أما من جهة حضور الفلسفة الإسلامية في التعليم الثانوي، فينطوي على «الضعف والتشويه والكاريكاتورية التي تسيء لهذا العنصر العظيم من التراث الفلسفي الإنساني·· حضور يسيء للهوية، وحضور باهت»، فما هي الأسباب المفسرة لهذا الحضور الباهت؟ اختصر الباحث الأسباب إلى أسباب ذاتية تمثلت في «الجهل الحاصل لمقترحي النصوص والفلاسفة»· إذ كيف تغيب نصوص الفلاسفة الإسلاميين في درس أدرج ضمن دروس الفكر الإسلامي كدرس الفاعل السنة أولى باكالوريا أدبي؟ وكيف يعقل أن تكون نصوص فلسفية إسلامية حاضرة بشكل قليل جدا داخل برنامج الفلسفة يتضمن ثلاثة وتسعين نصا وعشرة مفاهيم؟ ثانيا: اختيار النصوص الفلسفية ذات الصلة بالبرنامج المفاهيمي أملته اعتبارات ذاتية، أي نوع من التخصص والتوجه الإيديولوجي الذي حكم المؤلفين للكتاب المدرسي، وبالتالي غاب المعيار الموضوعي الذي يتمثل في كون الفلسفة ذات طابع كوني عقلاني ساهم فيه كل الفلاسفة، ومنهم الفلاسفة الإسلاميون، فضلا على أن منهاج الفلسفة اعتبر «الفلسفة الإسلامية من مقومات الهوية ومحددات الشخصية المغربية، مما يقتضي الأمر إعطاءها الحق في انخراط فلاسفتها في معالجة الإشكالات الفلسفية التي تطرحها المفاهيم المبرمجة كالفن واللغة والعقل والنظرية والحقيقة والشخصية والغير والحق والشغل وغيرها من المفاهيم»· في سياق هذا التوضيح يقول الدكتور محمد قشيقش في تعليقه على آفة التشويش الذي شاب حضور الفلسفة الإسلامية «هو حضور يكرس الجهل بهذه الفلسفة، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى العلم بها وتعليمها خاصة عند جيل المدرسين الذين تخرجوا من الكليات في التخصص المبكر بالكلية، والذي نتج عنه أن الطالب الحاصل على الإجازة في علم النفس أو علم الاجتماع لا يعرف من الفلسفة عامة والفلسفة الإسلامية خاصة إلا ما في بادئ الرأي المشترك، بل إن هذا الغياب المشوه للفلسفة الإسلامية قد ينجم عنه مغالطة علمية وتربوية فادحة « وهي أن بعض المفاهيم التي تحضر في المقرر الحالي لم تقل فيها الفلسفة الإسلامية أي شيء· لتجاوز المعضلات المطروحة أعلاه اقترح الأستاذ محمد قشيقش حلين أساسيين: اقتراح لائحة من المفاهيم على المدرسين بالثانوي والكليات ومراكز التكوين وفتح باب الاجتهاد على موضوع واحد وذلك من خلال البحث عن نصوص، وفلاسفة، وفلسفات، وعروض وتصورات يتم تقييمها من لدن لجنة مختصة، بحيث ترصد لها عناصر تشجيعية، ثانيهما فتح مجال الحرية في التأليف المدرسي في جو من الشفافية والوضوح·
أستاذ ومرشد تربوي لمادة الفلسفة بمكناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.