تمهيد حول نظرية الأزمة: "" من مميزات العصر الذي نحياه أنه عصر الأزمات ،لماذا؟ لاشك أن كل زمان و له مظهره وتجلياته،وكل مكان إلا وله تربته وأحواله وصفاته.لكن مع هذا فقد تشترك المظاهر والأتربة في حكم كلي وموحد منذ البداية وهي الزمان والمكان ،وهما المصطلحان اللذان لهما ارتباط ذاتي وتلازمي في تحقيق وصفهما وثبوتهما . فلا الزمان يعرف بغير المكان ولا المكان ينعت بمعزل عن الزمان طالما أن الكل يدخل في حكم الإمكان . هذه نقطة مهمة عند البدء بتحليل مصدر الأزمات وخلفياتها وكذلك في تحديد الزمان والمكان لتوظيفها،إذ الزمان قد يعرف بحسب رأي المتكلمين والفلاسفة بأنه:مدة بقاء الجرم ساكنا أو متحركا،أو أنه مرور مستمر وانقضاء دائم ومضي لا ينقلب ولا يرجع.لكن التعريف الأول أكثر دلالة وواقعية على الزمان والمكان معا.بحيث أن الجرم له حيز يحدده ويشار به إليه قد لا يكاد ينفصل عنه.ولو فرض أنه ساكن أصلا فقد يفرض بالتساوي أن يكون متحركا إ إذ كل حركة فهي قابلة للسكون وكل سكون قابل للحركة.ومن ثم فحركة الأجرام قد تتحدد بحسب مستويات مساحتها وقربها أو بعدها عن مصدر الطاقة لديها،وهذا هو حال الدول في نموها وركودها،تقدمها أو تأخرها،نهضتها أو انحطاطها . فالدولة القوية بهذا المقياس قد تكون أكثر حركة ونموا،وبحسب هذه قد تكون أكثر عرضة للسكون أو الركود،ومن ثم فقد تكون السبب الرئيسي في إثارة الأزمات وافتعالها بسبب الشره الاقتصادي والسياسي والعسكري والمطاولة كما يعبر ابن خلدون في المقدمة،والتي تطغى على سلوكها حينما تلمس نوعا من ضعف المقاومة والتحدي لدى الدول المعاصرة لها،والتي ترى فيها غنيمة سهلة لبسط نفوذها واستغلال تشرذمها وخذلانها،بل شغلها ببعضها البعض من أجل تصفية حسابات تاريخية بائدة أو عرفية وهمية أو طائفية قد كانت في الماضي واسترسلت في الحاضر. الأزمة المالية وتشابك الخلفيات باختصار شديد وحتى لا ندخل في دوامة تحديد عمر الدولة ونفاد طاقتها القوية بنفاد نفقاتها وجباياتها وانحسارها كما ينظر له ابن خلدون كدراسة موضوعية وعلمية راقية تحدد أسبا الانهيار المفاجئ للدول القوية وأسباب الأزمات في العالم بسببها فسأحاول أن أسلط الضوء بشكل سطحي على واقع الأزمة في عصرنا القريب وخاصة في القرن العشرين الذي كان قد ابتدأ مشواره بالنزعات الاستعمارية ثم الحرب العالمية الأولى وبعدها وقعت الأزمة المالية العالمية انطلاقا من خسارة بورصة وولستريت وتزامنا مع ظهور الشيوعية كنظام سياسي ومعها الفاشية والنازية وطغيان الرأسمالية المتوحشة والمرتكزة على مبادئ الاستهلاك الغمر من خلال نظريات ،كنز kenz أو ماكس فيبر وغيرهما،المالية وتوليد المال للمال بأي وجه كان وافتعال التضخم لتبرير الأزمات والإلقاء بها في ملعب الآخر الضعيف كتمهيد لاستعماره وحصاره،تارة باسم الإرهاب وتارة باسم تهديد الأمن القومي وأخرى باسم التوازن الدولي وتطبيق الديمقراطية المريضة والفاشية. بحيث أن الأزمة المالية في سنة 1929م قد كانت لها نفس الأسباب التي تفسر بها الآن ومن نفس البورصة وبنفس الحدة كما يلاحظ المراقبون الاقتصاديون والمحللون السياسيون،وهو مما يؤشر على هنالك مؤامرة دولية لتبرير عدوان ما مبيت ضد الدول الفقيرة والغبية معا والتي قد يصرح كثير منها بأن الأزمة قد لا تصيبهم وأنهم في منأى عنها. فالأزمة في الماضي قد عولجت بإهدار الأموال والأرزاق على حساب الجياع والإلقاء بالبضائع والمنتجات في البحار والوديان أو الإحراق المتعمد بالنار لمحاصيل البن والذرة وما إلى ذلك تحت غطاء رفع الأسعار وموازنة العرض للطلب في السوق. بحيث ستعالج الأزمة بأزمات أشد خطورة وسينحى منهج الاقتصاد السليم ويستخدم بدله التبذير العشوائي وإفساد الغلال من بن وقمح وأعناب ...كل ذلك لكي ترجع الأثمنة إلى حالتها السوقية المربحة للبعض من المضاربين والرأسماليين المتوحشين والمرابين المتمرسين في تضخيم الثروات على حساب الدول والشعوب الفقيرة والمدقعة،وهذا ما سيعرف عند شعوب العالم الثالث وخاصة عندنا نحن المغاربة بعام الجوع والذي سيصبح مرتعا تاريخيا واجتماعيا للإلقاء بالمعرّات وإثارة النعرات بين القبائل التي تضررت به أكثر من غيرها.بحيث سيقع اللوم على القبيلة التي جاعت لا التي جَوّعت كما حدث في الريف والهجرة المكثفة التي تلت تلك الأزمة وما صاحبها من مشاكل اجتماعية وسلوكية،بل من تحريك للنعرات العرقية والطائفية مازال بعض الناس يتندرون أو يتأسفون منها لحد الآن . فالأزمة كانت قد ضربت في أمريكا ولكنها أصابت الريف والجبال بالمغرب.وهذا ما يؤكد ارتباط اقتصاد الدول الضعيفة العضوي بالدول القوية مهما بعدت بينها الشقة،كما أنه كان قد حدث في زمن لم يكن الاقتصاد العالمي مرتبطا ببعضه ارتباطا عضويا وقيميا كما هو عليه حال اقتصادنا الآن،أي أنه إذا سقط درهم في طنجة مثلا أو في المضيق فقد يسمع رنينه عبر العالم من خلال مسجل الحاسوب وعبر الأنترنيت والهواتف النقالة. ولربما قد كان هارون الرشيد أكثر وعيا وإدراكا للترابط الدولي ومفهوم العولمة وتداخل العوامل الاقتصادية بحسب مستوى قوة الدولة الرائدة عالميا في زمانها من وعي سياسيي عصرنا ونظرتهم القصيرة والجزئية لمفهوم السياسة والاقتصاد وتشابك المصالح الدولية وخيراتها وذلك حينما كان يرى السحابة مارة من فوق بغداد فيقول لها :"يا سحابة اذهبي حيث شئت فلا بد سيأتيني خراجك!"وعيا منه بأن الدولة القوية لها تأثير على مجريات العالم ومطاولة على خيراته طالما هي في عز قوتها وهيبتها ونفوذها...وهذا ما نظر له ابن خلدون في "المقدمة"بموضوعية علمية واستقراء دقيق للتاريخ من مثل فصل"في اتساع نطاق الدولة أولا إلى نهايته ثم تضايقه طورا بعد طور إلى فناء الدولة واضمحلالها"أو"في أن الدولة المستجدة إنما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة لا بالمناجزة"و"في وفور العمران آخر الدولة وما يقع فيها من كثرة الموتان والمجاعات"وأولا وخيرا"الظلم مؤذن بخراب العمران"وهي أوصاف قد تنطبق جلها على التطاول الأمريكي الحالي على الدول وما يمكن أن يجره على العالم السياسي والاقتصادي من ويلات من بينها الأزمة المالية الحالية،قد كان ينبغي على سياسيي عصرنا والمتصدرين لحل الأزمات الرجوع إلى مثل هذه القواعد لتسهيل فهم لغز ما يحدث بشكل قد يبدو مفاجئا وغير قابل للتفسير بينما أسبابه جد واضحة ومقعدة عبر التاريخ. يقول النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ملخصا لواقع الدولة ونهاية مسارها التوسعي:"إنه حق على الله ما ارتفع شيء من الدنيا إلا وضعه"رواه البخاري. من هنا فقد يكون من المهزلة والتعبير عن التخلف السياسي والاقتصادي والوعي الحضاري حينما يصرح بعض سياسيينا بأن الأزمة العالمية المالية لن تصيبنا مع العلم أنها قد بدأت من أمريكا الآخذة بزمام الاقتصاد العالمي والمكدسة لأمواله في بنوكها ومصارفها المالية،وكأن هؤلاء السياسيين قد تخلوا عن علمانيتهم المزعومة وتشبثوا بعقيدة القدر كما يتصورونه في أذهانهم لا كما هو عليه الحال واقعيا ومستمسكين بقول الله تعالى :"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".على سبيل الهروب من المواجهة وإيجاد الحلول الجذرية للأزمة لا من باب الإيمان بالقضاء والقدر كما هو مطلوب شرعا وبشكل إيجابي وواقعي،أو قد سكون الموقف مبنيا على مبدأ جد سيء وهو: مصائب قوم عند قوم فوائد،أي سلوك منهج انتهازي واقتصاد الفرص قد لا تطول فائدته ولا تعمر إلا قليلا مع سوء المنقلب في النهاية والتعبير ضمنيا و أخلاقيا عن حالة العجز المكرس والذي قد لا يليق بدولة تحترم نفسها وشعبها والتاريخ. صحيح أن الأزمة الحالية لن تصيبنا لأنها عندنا نائمة منذ أمد بعيد ولعن الله من أيقظها أو نبه عليها،وهي نائمة بنوم القيمين على مراقبتها واحتوائها. فلا سقوط وولستريت ولا تراجع مؤشر نيكاي ولا حتى الضرب على الناي قد يعمل على إيقاظنا من سباتنا ومراجعتنا لأنفسنا،وذلك للمحال العقلي الذي قد يحمله كلام وتصريحات بعض المحللين الاقتصاديين المغاربة وكذا باقي العرب عموما والمتمثل في غياب قنوات الصرف لدينا ،طبعا ليس صرف المال فهذا ما أسهل استهلاكه وتبذيره!ولكن صرف المياه العادمة وسيول الأمطار التي سرعان ما تكشف عن هشاشة البنية العامة لدينا في بدائياتها وأبجدياتها فما بالك بالبنية الاقتصادية وتعقيد معادلاتها. فلقد اهتممنا بما فوق الطريق من المزفّتات واللافتات ونسينا ما تحتها من القنوات والمعابر الضامنة لاستمرارية جمال الظاهر،وما قد حدث في طنجة وتطوان ووجدة والفنيدق... لخير دليل وكفى بالله شهيدا بواسطة أمطاره وأنهاره. تصوروا لو حدث هذا الفيضان في لحظة إقامة معرض 2012 أو عند تنظيم كأس العالم لكرة القدم،فكيف سيكون حالنا الدولي والاقتصادي والاجتماعي أمام أنظار الدول المتقدمة التي نزعم منافستها على المقاعد الأمامية ونحن ليس لنا سوى تذكرة الدرجة الرابعة أو الثالثة على أقصى تقدير"ومن لم يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر"حفر الطرقات والمدن الهامشية إلى وقت قريب...رغم أن تلك الدول قد تفرش لنا موقعا متقدما في منظومتها لحاجة في نفس يعقوب رغم أن غالبية سكننا ما زال مؤسسا على الطوب! أكيد أنها قد كانت ستصبح أزمة الأزمات وصدمة الصدمات ومسخرة الذاهب والآتو"فضيحة بجلاجل" كما يقول المثل المصري،ولكن لطف الله تعالى بالبلاد أن لم يتحقق المراد،وكم من حاجة قضيناها بتركها كما يقول المثل،كما أن المسؤولية هنا قد تكون مشتركة بين السياسيين والجماعات المحلية من حزبيين وتكنوقراطيين من المهندسين والمخططين لبناء المدن وتجهيزها،وكذلك مسؤولية بعض أفراد الشعب الذين قد يتحدون جميع التحذيرات للبناء على حافات الوديان والخنادق!وكأن الأرض قد ضاقت عليهم بما رحبت،وكأننا جاهلون عموما بأبسط قواعد الفيزياء وقانون انحدار الماء وتياره وأفاعيله! ومع هذا فالنقد هنا قد لا يعني السلبية الكلية لما عليه حالنا ؛إذ نحن خير من كثير أمثالنا، أو أننا قد نطالب بمواجهة كل كارثة طبيعية فوق المعتاد من غير خسائر تذكر، فهذا مصادرة على المستحيل،كما أن وجود الكوارث في العالم فيها حكمة بالغة تبين قدرة الله تعالى على البناء والإفناء في أية لحظة شاء،وفيها امتحان لمدعي التضامن والمؤازرة في مجتمع ما أو دولة.كما أنها مع ذلك قد تكشف هشاشة البنية التحتية لبد ما خاصة إذا كانت كلما هطلت الأمطار ولو ضعيفة أو حدثت هزة ولو من الدرجة الأولى على سلم ريختر إلا ووقع الهلع وتوقعنا الخسائر لأن بنيتنا مؤسسة على شبه جرف هار في غالب الأماكن والمحاور... البنية التحتية وعوامل التحصين من الأزمات يحكى بأن القنفذ والذئب قد كانا وقَّعا عقد شراكة وتعاون فيما بينهما حول تجارة البصل،وذلك بزراعته أولا ثم تحديد طبيعة اقتسام ثروته أو منتوجه.وفعلا كان الأمر،لكن حينما جاء وقت الاختيار واقتسام المنتوج بادر الذئب بشكل ماكر لكي يغرر بالقنفذ قائلا له:هل تأخذ المنتوج الذي فوق الأرض أم الذي تحته؟.تفكر القنفذ مليا ثم أجاب بذكاء مستوحى من الواقع:بل آخذ ما تحت الأرض.حينذاك فرح الذئب وتوهم أنه قد خدع القنفذ لأنه سيأخذ ما فوق الأرض.لكن ذكاء القنفذ قد كان أحدَّ من مكر الذئب لوعيه بطبيعة منتوج البصل الذي قد يكرس كل طاقاته نحو الأسفل أي ما تحت الأرض.وبهذا خسر الذئب الرهان وفاز القنفذ بثروة البصل وقيمته الحقيقية...ولم يأخذ الذئب سوى تبن لا يسمن ولا يغني من جوع. وهذا المعنى قد كرسه صوفي ذكي على شكل حكمة تربوية رائعة ومفيدة في باب الاقتصاد والسياسة رغم أن طبيعتها ومقصدها روحي وسلوكي محض. يقول ابن عطاء الله السكندري في إحدى حكمه:"ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه!". فالاقتصاد الحقيقي ينبغي أن يؤسس على قوة البنية التحتية وليس على الهشاشة والبناء على الهدم،حتى إذا جاء التيار جرف كل شيء وعاد بعقرب الساعة وبالتنمية البشرية المنشودة إلى نقطة الصفر أو ما دونها،ويا لها من أزمة لو احتيط لها منذ البداية وعلى مستوى البساطة ومن دون بهرجة ومزاعم إعلامية وصخب طوباوي لا وجود له سوى على الورق وواجهة الحاسوب المدبلج والمفبرك. إننا حينما ننظر إلى منهج اقتصادنا قد نجد لدى متصدريه ورواده مزاعم شتى يدعون من خلالها بأنهم رأسماليون ليبراليون أو من ذوي الجرأة الفائقة على اقتحام اقتصاد السوق والتمويلات البنكية المفتوحة ذي صلة بصندوق النقد الدولي،في حين قد نجد بجانبهم من يدعون ويزعمون بأنهم اشتراكيون أو أمميون وعماليون كادحون بروليتاريون،وعلى الجانب الآخر قد نجد من يزعم بأنهم إسلاميون ويحملون مشروعا اقتصاديا خاليا من الربويات وتوليد المال للمال ورفض التضخم والتفاوت الطبقي والإكراميات الجزافية من غير استحقاق أو اعتبار قيمي... وحينما وقعت الأزمة وهي ما زالت الآن وستبقى غدا،بدأت الأحلام تخرج وتصاغ بأسلوب قصصي وروائي وسيناريوهات متعددة ومتشابهة أو متضاربة من المحيط إلى الخليج وكأنهم سيعيدون العدة لحرب العراق من جديد ؛والذي فعلا قد كان السبب الرئيسي وراء وقوع الأزمة التي أسقطت أمريكا في وحل لن تخرج منه ومن تبعها حتى تغرق.فهذا يقول بضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد كنكسة للنظام الرأسمالي الليبرالي والمتوحش،وذاك يدعي بأن الأزمة خارجة عن دائرة التأثير السلبي على البلاد والعباد،والآخر يعد بالعدالة الإسلامية وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف،وهكذا كما يقول المثل المغربي :"حينما تسقط البقرة تكثر السكاكين" . وإذا ما خلى الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا كما أن هناك مثال جميل كان قد ضربه أبو حامد الغزالي - رحمه الله تعالى - عن خذلان من يتعرضون لأزمات جد واقعية وهو:كمن عضته حية في رجله وهي تحاول تكرار العضة مرة ثانية،فعوض أن يلوذ بالفرار أو يتخذ ضدها أي قرار لإبعاد خطرها المتربص به مرة ثانية فقد لجأ إلى التوقف مسمَّرا بالأرض مع إطالة التفكير في تحديد هل هذه الحية قد جاءته من جهة الشمال أم من جهة اليمين!وفي هذا الموقف تعبير عن قمة البلادة وعدم الجدية في معالجة الأزمات المدمرة كالأزمة المالية الحالية أوالعمل على تفاديها و الوقاية منها ،قبلها وبعدها... يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث:"يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا فمن لم يأكلها تصبه رائحتها". وهذا الحديث فيه أكثر من دلالة على تحديد نوعية الأزمة الحالية وسببها الرئيسي الذي كله ربا وتوليد للمال بالمال وتضخيم لقيمة الأوراق من غير أعمال...وهو شأن الاقتصاد العالمي الرأسمالي وتعاملاته البنكية. كما أن الحديث فيه دلالة واضحة على أن الأزمة الربوية العالمية قد تصيب الجميع،حتى من لم يكن ضالعا في التعامل الربوي البنكي بشكل معمق أو مباشر أو مرتبطا بالاقتصاد الأمريكي الحالي ،أو حتى من لم يكن من المتصدرين للتعامل بالأسهم في البورصات المضاربة على الأوراق النقدية المودعة في البنوك كضمانات أو رهن عقاري أو غيره من التعاملات التي لا مقابل لها عينيا في الاقتصاد السليم والمضمون بقيمة الذهب أو المواد الملموسة لتحديد قيمة الأوراق. لا أريد أن أطيل في الحديث عن هذه الأزمة التي لا نعرف عنها إلا ما يدور على القنوات التلفزية من حوارات وتحليلات،وذلك لأنني لست اقتصاديا ولا رجل أعمال ولا مستثمرا ولا ذا ثروة يصعب عدها على الأصابع بالدراهم ،ولكن مع ذلك فثروة العقل والرأي السديد أعظم قيمة من الأوراق التي قد يذهب بها الريح عند أول هبة.والعقل السليم يقول بضرورة أخذ المسألة بجدية وحسابها بقلق وحرص ومعالجتها بواقع لا بأوهام ومجازفة أو مصادرة على المجهول وانتظار ما قد يصل إليه الآخرون من حلول حتى نقلدهم،والمقلد كمن أعمي فلا حاجة لنا إذن في متابعة العميان!. ونحن في المغرب والحمد لله على ذلك لنا قائد رائد ومهتم على وجه الجدية والسهر الصادق على مصالح هذا البلد وشعبه ألا وهو الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه،وهو ليس من نماذج العميان المشار إليهم ولا من المتبجحين أو الثرثارين السياسيين والاقتصاديين من غير عملة صحيحة!. ومن هنا فلا خوف على المغاربة من جهة هذه الأزمة،لا لأنها لن تصيبنا أو لأننا جاهزون بما فيه الكفاية لمواجهتها بالقوة الاقتصادية والمالية لدينا - حتى لا أتناقض مع ما سبق وعرضته من نقد وتصحيح للمفاهيم العامة- ولكن لأنه يتقدمنا في مواجهتها رجل شاب وله جذور راسخة في السياسة وتاريخها وأحوالها،وذلك لأنه منحدر من سلالة حاكمة قد مرت عبر التاريخ بشتى الأزمات وسلكت منها بسلام وأمن.ومن ثم فهو له رصيد من الوعي التاريخي الكامل بما يدور وما ينبغي أن يدار به بحكمة وثبات،وما قرب عهده بوالده الحسن الثاني رحمه الله تعالى وتجنيب شعبه وبلاده ويلات أزمة الخليج بحكمة وذكاء لافت للنظر،وخاصة حينما قال كلمته المشهورة :"قلبي مع العراق وعقلي مع الكويت" إلا كنموذج من هذا المنهج و التصرف السليم من خلال السياسة المدرسية الراسخة والمتثبة في النظام الملكي المغربي. وهذا على عكس سياسيي الرصيف والفرص والانتهازية والصعود المفاجيء ومن غير استحقاق للواجهة،فهؤلاء ليست لهم تجربة تاريخية ولا اقتصادية ولا بعد نظر،وهم ،فعلا وواقعا ،رواد الأزمة وعلاجهم لها قد يكون كمثال: اللقلق لما أراد أن يفرح بابنه أو يقبِّله أعمى عينه بمنقاره! يقول الله تعالى:"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني"والله يرزق من يشاء بغير حساب.