تمهيد محدد: "" إن الحديث عن الشروط الروحية لتأسيس الوحدة في الأمة الإسلامية لهو من الدقة بمكان وله ارتكاز على العمل الروحي والوجدان قبل توحيد المظاهر وإفراغات اللسان والتزيي الذاتي بشعارات أهل السنة والتصوف والسلفية والأصولية وما إلى ذلك من مزاعم مقلدة أهل هذا الزمان.وذلك لأنها مؤسسة على قاعدة شرعية قطعية الثبوت والدلالة والمتجلية في آية الأسوة الحسنة الواردة في سورة الأحزاب. يقول الله سبحانه و تعالى فيها « لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا». فالآية رغم قلة كلماتها قد جمعت إعجازا بيانيا وعرضا كاملا لعلم التوحيد بكل عناصره العقدية والتعبدية والسلوكية الظاهرية والباطنية ،كما أنها تمثل أصلا كبيرا في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله» . ولهذا فقد كان احتجاجنا وما يزال على بعض المتعاملين مع الآية من باب الاختصار أو الاقتصار على بعض مفرداتها دون عرضها كاملة حتى تؤدي وظيفتها التي أرادها الله منها.كما أن السلفية السنية الحقيقية ليست مجرد مزاعم ودعاوى وشعارات نبتت في ظروف تاريخية سيئة وبعد سبعة قرون مرت على خروج خير أمة للناس وبالتالي اختزالها في أنماط ورجال هم بدورهم متهمون في منهجهم وعقيدتهم وخاصة سلسلة ابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن الجوزي وابن عبد الوهاب.وهذا الاختزال ربما قد يكون أسوا من اختزال الشيعة للأمة وتاريخها في مرجعية آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الإثنى عشر ،بينما النص واضح وجامع وموسع حينما جمع مادون النبي صلى الله عليه وسلم في باب القدوة والنموذج التربوي الموحد الاتجاه والهدف في خطاب واحد بقول الله تعالى:"محمد رسول الله والذين معه"الآية ،وفي هذا وحده عبرة لمن أراد أن يعتبر. فمذهب السلف الصالح هو الحق وهو القدوة وهو المرجعية التي قد أجملها ولخصها أبو حامد الغزالي في مقدمة كتابه :"إلجام العوام عن علم الكلام" بكل وضوح ودقة علمية حينما قال:"اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين،وها أنا أورد بيانه وبين برهانه فأقول حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق-يعني أحاديث الصفات الإلهية وما يتعلق بعالم الغيب جملة- يجب عليه فيه سبعة أمور:التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الإمساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة". فكانت هذه المواقف العقدية والنفسية والأخلاقية هي النموذج السليم الذي يحدد موقف الخلف من مذهب السلف الذي قد لا يتجاوز تاريخيا عصر الصحابة والتابعين، بل إذا أردنا أن نكون موضوعيين ودقيقين فينبغي أن لا يتجاوز مذهب السلف عصر الصحابة ومعهم بالضرورة آل البيت وهم بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته من غير زيادة استرسال والذي قد يحتاج إلى تفصيل ودراسة جد مستفيضة قد لا يسمح المقام بالاسترسال فيها الآن ومع الأسف قد لا يطبق متسلفة عصرنا منها ولو الحد الأدنى حتى يزعموا بأنهم حاملوا لواء السلف الصالح والمدافعون عنه ،بل عند التأمل نجدهم يتصدرون صف التخذيل عنه وتنفير الناس من مذهب السلف الحقيقي والمعرفي وبالتالي اختزال التاريخ الإسلامي في نزعة تاريخية مضطربة ومتشائمة ومتشاتمة ومرائية ولجوجة إلى أبعد الحدود... أولا: حقيقة الأسوة الحسنة بين الظاهر والباطن فبنية هذه الآية لا تحتمل التقسيم ولا تحتمل التعتيم المذهبي والخيارات الشخصية في التعامل معها، لأن أي مساس في بنيتها هو مس في وظيفتها. وكل مس في وظيفتها هو فقدان الوعي بأبعادها، ومن ثم سيكون التعامل معها من باب التفسير بالرأي والهوى، وهذا هو المنهي عنه شرعا والمستهجن عقلا وذوقا. وقد تضمنت هذه الآية عناصرها في بنيتها النصية ظاهرة جلية يمكن تحديدها في التالي : أ) التأكيد التحقيقي: وصياغتنا لهذا العنصر مؤسسة على أن الآية مصدرة بحرفين من حروف التوكيد كل له قوته في التدليل على أن الآتي فيما بعد هو شيء محقق وقطعي وليس ظنيا فرضيا أو قابلا للتأويل والمزايدة اللفظية. فاللام المؤكد بها قد يمكن اعتبارها لام الابتداء « ومن العلماء من يجعل اللام الداخلة على الماضي في هذا الباب لام قسم، فالقسم عنده محذوف ومصحوب اللام جوابه» ومع ذلك فقد يتكامل المعنى باعتبار اللامين لهما وظيفة توكيدية إذ أن أهم فوائد لام الابتداء هو توكيد مضمون الجملة المثبتة ولذا تسمى « لام التوكيد» وإنما يسمونها لام الابتداء لأنها في الأصل تدخل على المبتدأ أو لأنها تقع في ابتداء الكلام . ولام القسم هي التي تقع في جواب القسم تأكيدا له، والجملة بعدها جواب القسم مقدرا. كما يذهب إليه بعض النحويين وخاصة في تفسير آية الأسوة الحسنة... وأما قد فتختص بالفعل الماضي والمضارع المتصرفين المثبتين، ويشترط في المضارع أن يتجرد من النواصب والجوازم والسين وسوف ويخطىء من يقول : « قد لايذهب وقد لن يذهب». ولا يجوز أن يفصل بينها وبين الفعل بفاصل غير القسم، لأنها كالجزء منه. أما بالقسم فجائز نحو « قد والله فعلت». وهي إن دخلت على الماضي أفادت تحقيق معناه. وإن دخلت على المضارع أفادت تقليل وقوعه، وقد تفيد التحقيق مع المضارع إن دل عليه دليل » إلى غير ذلك من أحكام هذا الحرف. فالآية إذن قد جمعت كل مصادر التوكيد وأسبابها الظاهرة والمقدرة كما أن اللام فيها احتملت معنى حرفين في آن واحد. حرف الابتداء وحرف القسم بالإضافة إلى قد للتحقيق، هذا مع ربط الابتداء بالانتهاء مما سيعطي لنا توكيدا آخر وهو اعتبار بداية الآية جواب شرط مقدم على الشرط لغاية محورية عليا كما سنرى. ب) الإستمداد الجماعي من الواحد: ويفيد هذا المعنى قول الله تعالى «لكم في رسول الله»، فكلمة «لكم» تقتضي أن يخضع الكل إلى قاعدة موحدة توحد ذلك الكل المجزأ في كل موحد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك كما عبر عنه البصيري في البردة بقوله وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم إذ وحدة الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا بهذا التركيز الكلي على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم لكي تتحقق الأسوة الموحدة ومن ثم يكون الواحد هو صورة للجميع وانعكاس عليهم انعكاس عقيدة وعبادة وسلوك. وقد شخص لنا القرآن الكريم ثمرة هذا التوجه وهذا الجمع في الوحدة في سورة الفتح، إذ لا فتح إلا من هذا الطريق حيث يقول الله تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما». إذ الواحد اتحدت بمعناه الجماعة فأصبحت نسخة منه ومن ثم أصبحت الجماعة مصدرا للاقتداء والأسوة السابق منها يعكس على اللاحق إلى يومنا هذا... وهو ما بيناه في السابق. ج) القدوة المستحقة بوحدانية الاضافة : وتتجلى هذه الإضافة ذات الطابع التوحيدي، في قول الله تعالى : «رسول الله» وهذا يعني أن لا قدوة إلا وهي ذات بعد توحيدي عقدي مرتبط بالله تعالى. وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستحق درجة القدوة إلا بهذه الإضافة أي استمداده لأصول القدوة وآثارها من الإذن الإلهي ودعمه بالوحي والإرسال والتربية والتأديب كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « أدبني ربي فأحسن تأديبي». ومن هنا يكون مصدر القدوة هو الله تعالى، وتشخيصها يتجلى في رسول الله صلى الله عليه وسلم الواسطة الظاهرية والباطنية الواصلة بين اقتداء العبد بربه وفهمه عنه خطابه وتكليفه وأمره ونهيه ورضاه وغضبه...ومن هنا جاء الخطاب الإلهي دالا على هذا التعدي الذي يمثله الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. في قول الله تعالى : «من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا» وقوله : « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم إن الله غفور رحيم» . فمحبوب المحبوب محبوب والمعطوف على المرفوع مرفوع للتلازم الإضافي القائم بين المشخص وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والمصدر وهو الله تعالى. ولضرورة التلازم الإضافي في الاقتداء فإن الإسلام فتح استرساله عبر الزمن بحسب ارتباط اللاحقين بالسابقين على مستوى الإسناد التسلسلي المتوارث في تشخيص القدوة وتلازمه الإضافي. ويستشف هذا من قول الله تعالى آمرا رسوله الكريم ب « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين» . ويقرب هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء» إذ الوراثة تعني انتقال التركة من المورث إلى الوارث أي أن الوارث يصبح ممتلكا للتركة امتلاكا جوهريا وعينيا، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا الإيمان والتقوى والعلم والعمل، ورثوا جواهر ذواتهم للمخلصين من أتباعهم. وحيث أن سيدنا محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين فإن الوراثة عنه ينبغي أن تكون وراثة كاملة غير قابلة للقسمة أو الاستهلاك الجزئي، وهذا يعني وراثة ظاهرة و باطنة في تشخيص موحد يصل إليه المسلمون المؤتسون به بحسب هممهم وتطلعاتهم. ثانيا: الأسوة الموصوفة بشرط التوحيد : وهذه الأسوة تجمع اشتراكا لفظيا ومعنويا بين المقتدي والمقتدى به فمن جهة المقتدى به فإنه كما سبق وقلنا شرطها الإضافة إلى المضاف إليه. إذ قيمة القدوة قد لا تعتبر إلا بحسب نوعية هذه الإضافة. وبما أن الإضافة هنا هي أشرف الإضافات وهي «رسول الله» فإن الأسوة المترتبة عنها لا يمكن أن توصف إلا بالأسوة الحسنة لأن مصدرها إلهي، وإذ هي كذلك فشرف العلم بشرف المعلوم، وشرف المضاف بشرف المضاف إليه. أما من جهة المقتدي فاستحقاقه لهذا الوصف هو مكسب له مشروط بشروط إذا توفرت كلها كانت الأسوة الحسنة. وإذا لم تتوفر افتقدت هذا الوصف بل ربما انقلبت ضدا على غايتها وبعدها التوحيدي الشامل. وذلك إما بالتناقض مع روح الجماعة وعدم التناسق مع محيطها، وإما بالغياب الروحي والتشخيصي عن القدوة الحسنة والمتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك لعدم التناسب بين باطن المقتدي والمقتدى به وبسبب تغييب أو بتر الشروط الضامنة لهذه المناسبة والتوافق الروحي. بعد هذا التحديد والتأكيد على إمكانية تحقيق الأسوة الحسنة المنبعثة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يبين لنا الله تعالى شروط تحقيقها. وقد جاءت بعد جواب الشرط لغاية توحيدية محضة يمكن استنتاجها من الآية. إذ إثبات الرسالة والنبوة كان بالإضافة إلى الله تعالى وإدراك معنى الرسول وحقيقة النبوة لا يتم إلا بالله تعالى. وهذا الإدراك ينبغي أن يتأسس على الجانب العقدي والعلمي التعبدي. وهو المتضمن في قول الله تعالى : « لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا». وهذا الشرط في الآية لتحقيق الأسوة الحسنة يتضمن ثلاثة أنواع من الطلبات : طلب لذاته بذاته - أي يرجو الله - وطلب لذاته بواسطته : - أي اليوم الآخر- وطلب لذاته بإسمه - أي ذكر الله كثيرا- فالنتيجة هي أن المطلوب بداية وغاية واحد وهو الله تعالى : « يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه». فاليوم الآخر لا يرجا لذاته وإنما للقاء الله تعالى والسعادة بقربه، فيبقى أن الأسوة الموصوفة بالإضافة لا تتحقق إلا بتركيز الطلب والمحدد في طلب واحد هو الله تعالى وهذا الطلب لايتم إلا على الأوجه المشروطة في الآية وتتضمن التركيز على العقيدة الثابتة والراسخة في القلب. وعلى العمل المتواصل الضامن لهذا الترسيخ عن طريق تكرار ذكر الله تعالى بصورة مكثفة ومتواصلة لا يحصرها زمان ولا مكان. وقد أخر هذا الشرط في الآية كبيان على أن الأسوة الحسنة لا يمكن أن تتحقق إلا به أي بالذكر وبالوصف الذي وصفه الله به وهو « ذكر الله كثيرا» لأنه من جهة يتضمن تصريحا بالعقيدة ومن جهة هو عبادة عملية روحية متواصلة تضمن الاطراد في القرب والعروج الروحي إلى حضرة الله سبحانه وتعالى كما أنه لا يمكن أن يتم الإكثار من الذكر إلا إذا كان يوجد إيمان وتصديق بالمذكور. وهو ما يتضمنه منطوق الآية. فكان الإيمان محركا للذكر والذكر مرسخا للعقيدة والإيمان ومحققا للأسوة الحسنة. ومعلوم أن العقود لا تعتبر صحيحة أو كاملة إلا بالشرط الأخير. ولهذا فكان الذكر في هذه الآية يمثل شرط الشروط لتحقيق الأسوة الحسنة. وهذه الشروط التوحيدية الواردة في الآية لضمان تحقيق الأسوة الحسنة فيها دليل واضح على أن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم هو تأسي روحي بالدرجة الأولى قبل أن يكون تأسيا ظاهريا عمليا ذا طابع مادي ملموس لأنه لو كان التأسي بالظاهر هو المطلب الأول والرئيسي لما أمكن تحقيقه على صورته الكاملة والموصوفة بالحسنة. إذ الظاهر قد يغيب عن الظاهر وعند هذا الغياب يفتقد المقتدي صورة المقتدى به مما يجعله يبتعد عن مطابقة أفعاله وأقواله وأحواله. وبالتالي قد يختلف عنه في سلوكه حتى ولو كان معاصرا ومصاحبا له بالقرب المكاني والزماني والملازمة. إذن فكيف سيتم الاقتداء عند هذه الحالة برسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود بعد زماني ومكاني بل غياب ذاتي عن الوجود المرئي والعالم الدنيوي؟ تبقى الوسيلة الروحية هي الأداة الوحيدة لتحقيق هذا التأسي وهي التي تضمنتها الآية وهو ذكر الله تعالى المرسخ للعقيدة والمحقق للائتساء الموصوف برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا العمل الروحي هو الذي يضمن انعكاس روحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم على أتباعه تسلسلا واستمرارا إلى يومنا هذا. وذلك لتحقيق كمال الائتساء ظاهريا وباطنيا. إذ الذي يوافق ويناسب باطن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجال الذكر يكون بذلك متأسيا روحيا به لأنه صلى الله عليه وسلم : «كان يذكر الله في كل أحاينه». كما ورد في الصحيح: فالمناسبة في صفة الذكر بين الذاكرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم. هي مناسبة الروح للروح. وهذا يقتضي أولا الائتساء بالباطن مما يترتب عليه سلوك الظاهر. وإذا تحققت الأسوة الروحية وهي أسوة الخواص من عباد الله الصالحين أمكن تحقيق الأسوة الظاهرة تبعا عن طريق العلماء العارفين بالله، الذين هم في الحقيقة ورثة الأنبياء. وذلك لتقريب حقيقة مفهوم الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن خلال هذا الاستنتاج الذي أعطته لنا الآية الكريمة فإن أية دعوى الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخضع لهذه الشروط المذكورة في الآية هي مجرد توهم وشعار، كما أنه لا سلفية ولا أصولية إلا بتحقيق التأسي الكامل ظاهرا وباطنا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وحيث أن الباطن مازال حاضرا بحضور الذكر لأنه روحي يخترق الأكوان والأزمان فإن الظاهر هو المفقود فينبغي البحث عنه لكي يصلنا برسول الله صلى الله عليه وسلم الوصلة الكاملة ومن ثم تتحقق الأسوة الحسنة الموصوفة كما في الآية ،وبذلك سميت أمة الإسلام بأمة التوحيد وتم لها الفتح ظاهرا وباطنا قد نجد بعض صوره مرتبطة بالوصلة المتسلسلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشرط من خلال الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال نعم، فيفتح. ثم يأتي زمان فيقال فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال نعم، فيفتح. ثم يأتي زمان فيقال فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال نعم، فيفتح» رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير. وهذا الحديث قد يعد أصلا مهما في تأكيد سلامة المنهج الصوفي القائم على مبدأ الصحبة الروحية المؤدية إلى الفتح المبين في باب التوحيد والمعرفة والجهادين الأكبر والأصغر ،وكذلك النصر الأكيد سواء على النفس والشيطان أو على الأعداء من الظاهريين والشبحيين من البشر.فالفتح رهين بالصحبة والقدوة الروحية ،وهذه القدوة لم تكن عبودية ولا شركا كما يزعم بعض المتسلفة الجامدين على الحروف،ولكنها قدوة كمال وتكامل ووصل للظاهر بالباطن وللسلف بالخلف وللذكر بالفكر وللقلب بالقالب .فالإسلام دين قلوب لا مجرد دين قوالب ،ودين أحياء لا دين أموات، ودين تواصل لا دين تنافر ،ودين رفق لا دين عنف ،ودين رحمة لا دين نقمة، ودين أسوة حسنة لا دين فرقة وشتات همة. يقول الله تعالى:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"و"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"صدق الله العظيم وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.